2
الحلقة الثانية.
كانت يون سيو-إي تحدق في المرآة، وكأنها لا تصدق ما ترى، حين انفجرت ذكريات إستيلا في رأسها كشلال جارٍ.
كانت الذكريات تتدفق دفعة واحدة، لكنها لم تبدُ ثقيلة أو مربكة، بل طُبعت في ذهنها ببساطة، كما يُختم على عقد، شعور يشبه انسداد شيء كان محبوسًا ينفتح فجأة.
“لقد… أصبحتُ إستيلا.”
جميع ذكريات إستيلا منذ طفولتها، مرورًا بِـ الإهمال، واتخاذها كبش فداء حتى إعدامها في سن التاسعة والأربعين، حية وكأنها حدثت بالأمس.
لم يكن بأمكانها التفكير أنها ذكريات شخص آخر؛ شعرت بكل الألم والغضب واليأس كما عاشته إستيلا.
أدركت يون سيو-إي كم كانت إستيلا صادقة حين طلبت منها أن تعيش حياتها بدلًا عنها.
قبل إعدامها مباشرة، تنازلت إستيلا عن آخر عشاء لها للمرأة العجوز الجائعة، وقدمت لها الحساء الدافئ والخبز الطري.
التهمت العجوز الطعام بسرعة ثم سألت عن أمنيتها.
“لو كان بإمكاني العودة إلى الماضي، لفعلت ذلك.”
كانت أمنية مستحيلة، لكنها صادقة.
وعندما مُنحت فرصة ثانية، ترددت إستيلا في القيام بذلك.
كانت تخشى تكرار غباءها الذي جعلها تثق بكاترينا حتى النهاية.
في النهاية، اختارت إستيلا روح يون سيو-إي القوية، واستجابت الإلهة التي كانت على شكل العجوز لآخر أمنية لها.
لقد سمعت أمنيتك.
ظلّت الابتسامة اللطيفة للعجوز وصوتها الضبابي محفورين في ذاكرة يون سيو-إي.
“وماذا عني؟”
شعرت يون سيو-إي بالرضا عن حياتها.
لقد كافحت لتصل إلى ما وصلت إليه، وسُخّرت كل جهودها لهذا المصير.
لِتجد نفسها في جسد ضعيف، عقل متعب، وعائلة خذلتها رغم حبها؟ شعرت بالغضب يتصاعد فيها.
“لقد عشت بجد، ولم أفعل شيئًا خاطئًا! لا يمكن أن يحدث هذا لي، حتى لو كنت إلهًا، فهذا غير عادل.”
قبضت يون سيو-إي قبضتها بقوة، ورعشت، ثم خطرت لها فكرة.. يمكنها أن تغيّر كل شيء.
إذا قُدرّت لها حياة جديدة بعد موتها، فهي فرصة لإعادة كتابة حياة إستيلا وحياتها الخاصة.
ومع وجود ذكريات كلتا الشخصيتين، يمكنها أن تصنع المستقبل كما تشاء.
هدأت أفكارها، ورفعت رأسها لتواجه وجهها في المرآة.
شعرت بالسكينة تتسلل إلى قلبها، وقررت البدء بما يمكنها فعله أولاً.
على عكس شخصية يون سيو-إي القوية، كانت إستيلا دائرية وودودة، بجسم ممتلئ يجعل اليدين والقدمين تبدوان صغيرتين.
وبعد فحص شامل، لاحظت أن العيون الزرقاء الساطعة، والشعر الأشقر المشع، والبشرة النقية، كلها مقبولة إلى حد كبير.
“أهذا حظ الجميلات كما يُزعم؟”
بينما كانت تتفحص وجهها في المرآة، سمعت طرقًا على الباب.
“ادخلي.”
أجابتها بطلاقة طبيعية جعلتها تفاجأ، لتدرك مجددًا أنها أصبحت إستيلا كاردين، شخصيتان متكاملتان في جسد واحد، وكأنها ممثلة تمتلك شخصيتين.
انفتح الباب على فتاة جميلة كالجن، مبتسمة وهي تدخل الغرفة.
شعرت يون سيو-إي بالدهشة من جمالها غير الواقعي.
“أختي، هل نمتِ جيدًا؟ لقد استيقظت مبكرًا اليوم، أليس كذلك؟”
كانت تلك هي كاترينا، أختها غير الشقيقة، ذات الشعر الوردي الفاتح وعينين خضراوين، جسد صغير، وخصر نحيف، ولطيفة في كلامها.
مسحت كاترينا نظرها على جسد إستيلا، مبتسمة بابتسامة مرحة.
“نعم، استيقظتِ مبكرًا حتمًا.”
كانت إستيلا ترتدي بيجاما بينما كاترينا كانت متألقة بالكامل، شعرها مصفف بعناية، ومكياجها خفيف يبرز جمالها الطبيعي.
جمعت كاترينا يديها في وضع صلاة، وابتسمت ابتسامة مشرقة كالزهور.
“رائع! بعد شرب الشاي ، دعينا نذهب في نزهة في الحديقة! الورود مزهرة بالكامل، سأجمع بعض الزهور لوضعها في غرفتك، ما رأيك؟”
صوت الخرز يتدحرج على الصينية الفضية.
تخيلت يون سيو-إي الخرز فعليًا وهي تستمع لصوت كاترينا، التي وضعت الصينية على الطاولة بابتسامة مشرقة.
كانت رائحة اللافندر والحليب تغمر الغرفة، فقد اعتادت كاترينا على تحضير شاي اللافندر بالحليب مع الكعك لإستيلا كل صباح.
كانت كاترينا تهتم بأختها بحب حقيقي، أو هكذا اعتقدت إستيلا في البداية.
حدّقت إستيلا في الشاي الدافئ، وابتسمت لكاترينا، غير مدركة أنها كانت تشرب شايها لسنوات دون معرفة أن شيئًا قد أُضيف إليه.
“حسنًا، لنفعل ذلك.”
أجابت إستيلا بهدوء، لتلوح كاترينا وكأنها لاحظت شيئًا غريبًا.
مجرد إمالة رأسها كانت كافية لتبدو رائعة في أعين الجميع، وكأنها الجوهرة الحقيقية لعائلة كاردين.
“ماذا؟”
“آه، لا شيء، فقط تبدين مختلفة قليلًا اليوم.”
ارتجفت إستيلا قليلاً، لكنها أخفت مشاعرها كما كانت تفعل يون سيو-إي.
شعرت بغضب إستيلا يتصاعد، لكنه تلاشى ببرودة يون سي-إي الحازمة.
“تبدين… هادئة.”
“أوه… ربما لأنني أشعر ببعض التعب.”
“حقًا؟ ماذا سنفعل إذن؟ هل نؤجل النزهة؟ سأخبر والدنا ليأتي بالطبيب!”
اندفعت كاترينا خارج الغرفة بسرعة، كأنها فراشة تطير بخفة، تتحدث بصوت مسموع للجميع عن ضرورة الاهتمام بالشاي والطقس، وأثارت إعجاب الخدم بالمستوى الرفيع للياقة والأخلاق.
كانت إستيلا تسمعهم من باب الغرفة، متأملة حديثهم.
في ذاكرتها، لم تكن إستيلا ترغب في ارتداء الفستان المثير للانتباه، لكنها فعلت ذلك احترامًا لكاترينا التي بذلت جهدًا لتجعلها تبدو جميلة.
“لن أرتديه مجددًا.”
تذكرت إستيلا كيف تسبب الفستان الطويل والمبالغ فيه في إحراجها خلال الحفل، وكيف تعثرت في الرقص.
تذكرت كاترينا وهي تغطيها بالوشاح، بابتسامة طيبة ودموع في عينيها.
“أختي، هل أنت بخير؟ لا تؤذي نفسك، لنعد الى المنزل معا!.”
“كلا، عليك بالبقاء.”
“لا، لا يمكنني البقاء بدونك، أريد أن أكون معك، أنا أسعد عندما أكون معك.”
آه… كاترينا، ملاكي الحنون، أختي الحبيبة
في هذه الحياة، سأكشف قناعك المزيف بالكامل.
دفعت إستيلا الصينية التي تحتوي على شاي اللافندر بالحليب إلى الأرض.
أصطدمت الأكواب بالأرض وتحطمت.
‘الآن، اللعبة قد تغيّرت.’
امتزج الشاي الحلو مع السجاد، وملأ الغرفة برائحة عطرية حُلوة.
حينها، فُتح الباب فجأة، وكاترينا، محمرة الوجه من الجري، اقتربت مذعورة.
للحظة، بدت عيناها غاضبتين، لكنها عادت بسرعة لابتسامتها المليئة بالقلق والحب.
“آه! أختي، ما هذا؟ هل أنتِ بخير؟ هل يديك بخير؟ يا إلهي، كم شعرت بالقلق!”
أمسكت كاترينا يد إستيلا الناعمة والكبيرة مقارنةً بأيديها الصغيرة، لتكتشف إستيلا أن كل شيء كان مجرد تمثيل.
“آسفة، كاترينا، يدي انزلقت، لقد صنعتِ هذا بنفسك لأجلي.”
ابتسمت إستيلا بابتسامة حزينة وهي تمسك بيد كاترينا، مؤكدة أن التمثيل هو موهبتها أيضًا.
التعليقات لهذا الفصل " 2"