4
كان كالدريك موريندل هو الابن الأول لدوق الشمال.
وفي حياتي السابقة… حين كانت أيامي محصورة في غرفة مظلمة، كنت أشعر وكأن العالم كله ينساب من حولي بينما أبقى أنا عالقة في مكاني.
مرضي كان يزداد سوءًا، لم أكن أستطيع المشي لعشر دقائق متواصلة… ولم يكن أحد يهتم.
كنت مثل دمية مكسورة، بلا حياة، بلا دافع… الملل كان يأكلني من الداخل حتى فقدت الشغف بكل شيء.
وفي تلك الفترة… اقترحت أمي الزواج.
ظننت حينها أن الأمر لن يغيّر شيئًا، وأن حياتي ستظل مجرد نسخ متشابهة من الألم والرتابة.
لكن…
في أول مرة رأيت فيها كالدريك… تغيّر كل شيء.
كان رجلًا ذا شعر فضّي طويل يتلألأ تحت الضوء، وعيون فضيّة باردة لكن مليئة بشيء لم أفهمه.
كان أشبه بملاك نزل إلى الأرض… وكان وسيمًا لدرجة لم أستطع إدراكها بالكامل.
في لقائنا الأول… انحنى أمامي وقبّل كفّي ببطء.
كانت تلك أول مرة يلمس فيها أحد يدي بلطف…
وأول مرة يقول فيها أحدٌ عني كلمة لم أسمعها يومًا:
“أنتِ جميلة للغاية يا سمو الأميرة… جميلة حقًا.”
تجمدتُ.
لم يقل أحد ذلك من قبل… كيف يقولها بهذه البساطة؟
لم يراني أحد أصلًا سوى أمي وأخي فاسكال…
ولكنه هو—
قالها وكأنه يراها حقيقة لا شكّ فيها.
ابتسم، ونظر إليّ بتلك العيون التي تشبه الثلج الذائب، ثم قال:
“أعدك يا سمو الأميرة…
إذا تزوجتِني، سأفعل كل ما يجعلُكِ سعيدة.
سأحميكِ، سأعتني بكِ…
لأنكِ أصبحتِ شخصًا مهمًا بالنسبة لي.”
لم أفهم مشاعره حينها، ولم أعرف إن كان يقول الحقيقة…
لكن تلك الكلمات وحدها كانت كافية كي تجعل قلبي—
ذلك القلب الخامل الذي فقد كل رغبة—
ينبض للمرة الأولى منذ زمن طويل.
في تلك الأثناء، تم الزواج بسرعة مذهلة.
وجدت نفسي أرتدي فستانًا أبيض، فستانٌ لم أتخيّل يومًا أن أرتديه… رغم أنني لم أفعل شيئًا يستحق الاحتفال.
كان الحفل بسيطًا جدًا، لا يليق بأميرة… حضره عدد قليل من الأشخاص فقط.
لكن… بداخلي، كنت راضية.
كنت أظن أنّ حياتي مع كالدريك ستكون أخيرًا جميلة، وستكون الفرج الذي طالما انتظرته.
ومع ذلك، لم تتوقف الأصوات والهمسات المحيطة بي.
“ألَيْسَتِ الأميرة المريضة؟ لا أصدق أن هناك من قبل بها!”
“نعم… أستغرب أيضًا من أنه تم إقامة حفل بهذا الشكل لها.”
“أظن أن ابن الدوق سيعيدها بعد يومين فقط من زواجها.”
حاولتُ أن أغلق أذني عن تلك الكلمات… أن أتجاهلها، أن أترك قلبي يسترخي قليلًا.
تقدمت نحو كالدريك… وكان ينتظرني.
بدأنا مراسم العرس، وانتهت بسرعة.
ثم توجهنا إلى منزلنا الجديد.
ظننتُ أخيرًا أن حياتي ستتغير…
في الشهر الأول، كان كالدريك لطيفًا جدًا معي، يفعل ما أريد… كأنّه يحاول أن يجعلني سعيدة.
لكن… كان هناك جانب غريب، جانب مظلم.
لم يكن يريد أن أذهب لأي مكان… أو أن أكلم أي شخص.
ظننت أنّ الأمر مجرد غيرة طبيعية بعد الزواج حديثًا…
لكن مع مرور الوقت، أصبح الوضع أسوأ وأخطر.
القيود، الحذر، الخوف… كلها بدأت تزداد شيئًا فشيئًا، حتى شعرت أنني محاصرة، حتى داخل منزلي… وحتى داخل قلبي.
بدأ كالدريك يغضب لأتفه الأسباب…
مرة لأنني تحدثتُ مع فارس — رغم أنني كلّمته فقط ليؤدي عملاً مطلوبًا.
ومرة أخرى لأنني تحدثتُ مع خادمة — رغم أن الأمر كان يخص شؤون القصر لا أكثر.
كان يقف أمامي بعينين مضطربتين، وكأن شرارة صغيرة تكفي لتفجيره.
قال وهو يقترب خطوة بعد خطوة:
“هل جُننتِ يا أماريل؟ كيف تجرئين على الكلام مع الفارس ذلك اليوم؟… هل أعجبك؟”
أمسك رأسي بين يديه بقوة، كأنّه يحاول أن يُثبّت نظري عليه بالقوة.
تمتمتُ بصوت مرتجف:
“أنا… فقط تحدثتُ معه لأجل العمل… أقسم بذلك.”
لكن كالدريك لم يكن يسمع… أو ربما كان يسمع لكنه يرفض الفهم.
“أماريل… أنا الوحيد الذي يحبك. لماذا تنظرين للخارج؟ لماذا تبحثين عن أحد غيري؟”
كان صوته منخفضًا… لكنه كان أشبه بتهديد يلتف حول رقبتي.
شعرتُ بأن الهواء يهرب مني… أن صدري ينقبض… أن قلبي يريد أن يصرخ.
“أماريل، إن رأيتُكِ مجددًا تنظرين إلى أحد غيري… أنتِ تعرفين جيدًا ماذا سأفعل.”
لم أجرؤ على الرد.
فهمس بصوت حاد:
“قولي حاضر، كالدريك.”
“حاضر… كالدريك…”
“هيا… ابتسمي الآن.”
أجبر نفسي على الابتسام… لكن شفتي لم تتحركا كما يريد.
كانت ترتجف… تتحرك بصعوبة… كأن عضلات وجهي تُقاوم.
“قلتُ ابتسمي! لماذا لا تبتسمين بطريقة طبيعية؟”
حاولت… حاولت بكل قوتي… لكن العين لا تكذب، والقلب يرتجف.
“أنا… أبتسم الآن…”
لكنّه لم يقتنع.
أمسك وجهي بشدة، حتى شعرت أن عظامي ستتكسر.
“هل تحبين الابتسام لغيري فقط؟ ابتسمي… وإلا—”
وهنا… لم أتمالك نفسي.
بدأت أبكي.
بدأ صدري يصفّر من الألم.
مرضى يشتعل.
أنفاسي تنكسر في حلقي.
“هَخ… هَخ… هَخ… هَخ…”
شهقاتي خرجت متقطّعة، مؤلمة، كأن روحي تختنق.
اقترب مني أكثر… ومسح دموعي بيده كأنّه يستمتع بانهياري.
“أجل… لا تبكي إلا لي يا أماريل… تفهمين؟”
كان ينظر إليّ بعينين باردتين…
بينما أنا… كنت أشعر بأنني أموت.
كنت أختنق… إنه لا يرى ذلك… أو ربما يراه ولا يهتم.
وهذا… كان مجرد نموذج بسيط من هوسه.
هوس… لا يعرف الحب، بل السيطرة.
ولا يعرف القرب… إلا كقيد.
كانت حياتي معه بعد ذلك… أشبه بالجحيم.
جحيمٍ خالص.
على الأقل عندما كنتُ أميرة… كانت لدي ذرة صغيرة من الحرية.
لكن معه؟
كنت أسيرة… أسيرة في قفص لا يُرى، لكنه يخنقني أكثر من أي حديد.
وعندما اتُّهِمت بمحاولة تسميم أمي… ورموني في السجن، كنتُ أنتظر—بكل يأس—أن يأتي أحدهم لينقذني.
أخي… أمي… أي أحد.
لكن لم يأتِ أحد.
بدلًا من ذلك… جاء كالدريك.
عندما رأيته، شعرت بفرح صغير، فرح مكسور… كأن أحدًا أخيرًا تذكّر وجودي.
اقترب من قضبان السجن، ومدّ يده نحوي.
“أمسكي بيدي يا أماريل… سأُخرجك من هنا. سأجعل كل شيء بخير.”
نبرة صوته كانت لينة… لكنها لم تعد تطمئنني.
كنت أعرفها جيدًا.
ليست نبرة حب… بل نبرة امتلاك.
“سآخذك إلى جزيرة بعيدة… معزولة. لن يعرف أحد مكانك. ستكونين حرة… حرة حقًا.”
حرة؟
ضحكت بداخلي.
وضعت يدي على فمي… ثم انفجرت بالبكاء.
نظر إليّ بدهشة حقيقية، كأنه لا يفهم معنى دموعي.
“لماذا تبكين يا أماريل؟”
رفعت رأسي إليه، وشعرت بأن قلبي يتمزق من التعب… من الانكسار… ومن السخرية.
“حقًا… ألا تعرف لماذا أبكي؟”
ابتسمت… ابتسامة مائلة يائسة.
“أنت لم تسألني حتى كيف عشتُ هنا… كيف قضيت الأيام… كيف كنت أنام على الأرض الباردة. كل ما يهمك هو أن تأخذني معك.”
اتسعت عيناه قليلاً، لكنه لم يقل شيئًا.
“أتعرف ما هو الأسوأ يا كالدريك؟” همست.
“أنك لا تريد إخراجي لإنقاذي… تريد إخراجي لتضعني في سجن آخر أكبر قليلًا.”
خفضت بصري.
“ظننت أنك تحبني… ولكن كل شيء كان كذبًا. أنت لا تحبني. أنت فقط… تحب أن تملكني.”
اقترب أكثر من القضبان، وعيناه أصبحتا باردتين بشكل مرعب.
“أماريل… أنا أمد يدي لك. ما مشكلتك إن عشتِ في جزيرة مهجورة؟ ستكونين حرة. سأزورك كل شهر… سأجلب لك كل ما تحتاجينه.”
رفعت رأسي ببطء.
“لا. شكرًا.”
تراجعت خطوة للخلف.
“احتفظ بمساعدتك لنفسك.”
نظرت إليه بنظرة حاسمة… لأول مرة منذ زواجي.
كنت أعرف ما سيحدث إن ذهبت معه.
كنت سأتحول إلى دمية… لا روح فيها.
وسأعيش في سجن لا يمكن الهروب منه أبدًا.
لذا… تمسكت بأملي الوحيد.
أخي… أمي… أي أحد.
وضعت قلبي بين يدي القدر… وانتظرت.
مجرد رؤيته… كان كافياً ليعيد إليّ كل شيء.
كل ما هربت منه.
كل ما دفنته.
كل ما تمنّيت أن أمحوه من عقلي للأبد.
كان يقف أمامي، واقفًا بثبات، بجسده الطويل وشعره الفضي الذي يتلألأ تحت ضوء الشمس… نفس ذلك اللمعان الذي كنت أراه سابقًا كـ نور، قبل أن أكتشف لاحقًا أنه كان حدّ سكينة.
مجرد أن التقت عيناي بظله…
تجمّد الدم في عروقي.
كنتُ أتنفّس بصعوبة…
لكنّي لم أسمح للارتجاف أن يصل إلى أصابعي.
وقفتُ.
وقفتُ لأن الخوف لا يجب أن يظهر.
ليس الآن.
ليس أمامه.
انحنى كالدريك بانحناء مثالي—
انحناءة لا تختلف عن أول يوم رأيته فيه…
لكن اليوم؟
اليوم… هذه الحركة وحدها كانت كافية لتفتح داخلي بابًا مظلمًا.
قال بصوته الهادئ، ذلك الهدوء المسموم الذي أعرفه جيدًا:
“تحيّاتي، سموّ الأميرة…
أنا الدوق كالدريك موريندل.”
هذا الصوت…
أعرفه.
أعرفه حتى لو كنت نائمة.
أعرف كل طبقة فيه.
أعرف متى يهدأ قبل أن يثور.
ومتى يبتسم قبل أن يحاصرني.
ومتى ينطق اسمي… قبل أن يبدأ في تحطيمي.
أجبرت نفسي على الانحناء أنا الأخرى—
انحناءة متقنة تمامًا، دون أي خطأ، دون أي اهتزاز.
“مرحبًا بك، سموّ الدوق…
أنا الأميرة أماريل.”
رفعت رأسي ببطء.
ببطء شديد…
حتى لا يسقط قناع الهدوء عني.
ابتسم.
ابتسامة صغيرة، مهذّبة، مصنوعة—
لكن أنا؟
أنا أعرف هذه الابتسامة.
أعرف تمامًا أنها لحظة ما قبل القفص.
قال:
“سموّ الإمبراطورة أخبرتني بأن الأميرة ستكون هنا…
وكنت أتمنى مقابلتك اليوم تحديدًا.”
توقّف قليلًا.
ثم أضاف، بنبرة ناعمة، خطيرة، مألوفة جدًا لدرجة أن معدتي التوت من الألم:
“نسيت أن أعرّف نفسي كما يجب…
أنا… زوجُ الأميرة المستقبلي.”
انقبض جسدي كله.
حتى الهواء من حولي…
شعرت وكأنه أصبح ثقيلاً، خانقًا، لزجًا.
“زوجي المستقبلي”
الكلمات دارت في رأسي مثل صفعة.
كل شيء عاد—
النظرات
التهديدات
اليد التي كانت تمسك وجهي بقوة
الصوت الذي كان يقول “ابتسمي… الآن”
الجزيرة التي أراد أن يدفنني فيها
الدموع
السجن
الخوف…
الخوف…
الخوف.
لكن لا.
ليس الآن.
ليس في هذه الحياة.
اخفيت كل شيء خلف ابتسامة صغيرة هادئة.
“تفضّل، سموّ الدوق…
الجلوس على هذا الكرسي.”
تحرك بخطوات واثقة.
جلس أمامي.
روزالين خلفي تتحفّز دون أن تنطق.
النادل يقدم الشاي.
الطيور تغرّد وكأنها لا ترى العاصفة أمامي.
أما أنا…
فكنت فقط أتنفّس.
أتظاهر بالهدوء…
بينما قلبي يصرخ داخلي:
لن أعود لجحيمك. مهما كلف الأمر
بدأنا نحتسي الشاي… وأنا بالكاد أستطيع إمساك الفنجان دون أن ترتجف يدي.
وجوده أمامي… كالدريك… كان كفيلًا بأن يعيد كل ذكريات حياتي السابقة مثل طعنة باردة في صدري.
كلما رفع عينيه الفضيّتين نحوي، شعرت بأن الهواء يضيق، وكأنني أعود لتلك الليالي التي كنت أُجبر فيها على الابتسام… تلك الأوامر… تلك التهديدات… ذلك الهوس الذي كاد يخنق روحي.
سمعت صوته يقطع الصمت:
“سموّ الأميرة… جمالك يفوق الوصف.”
جملةٌ كانت في الماضي تكفيني لأبتسم من أعماق قلبي… أمّا الآن فقد كانت مجرّد قيدٍ يلتف حول عنقي.
ابتسمت له… ابتسامة مصطنعة ثبتّها على وجهي بالقوة، محاولةً ألا أُظهر مدى ارتعاشي.
كان عليّ التفكير… كيف أُبعده؟
هل أتصرف بغباء؟
هل أظهر له أني غير مهتمة؟
هل أجعله يعتقد أني فتاة سيئة؟
لكن ماذا لو أحبّ ذلك أيضًا؟
ماذا لو زاد هوسه؟
كيف… كيف أنجو منه هذه المرّة… دون أن أخسر أخي؟
وفجأة…
دوّى صوت خلفي، قويّ، واضح، كأنه ضوء اقتحم غرفة مظلمة:
“مرحبًا. ماذا تفعلين هنا يا أماريل؟ ومن هذا؟”
التفتُ بسرعة.
رأيته… دوريفان.
كان يمشي نحونا بخطوات ثابتة، وابتسامة صغيرة ترتسم على شفتيه—ابتسامة أعرفها جيدًا، تخفي تحتها غضبًا يحاول السيطرة عليه.
وقف كالدريك فورًا وانحنى بانضباط مثالي.
“تحياتي، سموّ الأمير. اسمي كالدريك، دوق الشمال المستقبلي.”
رمقه دوريفان بنظرة فاحصة… نظرة مليئة بعلامات الاستفهام التي لا يحاول إخفاءها.
“دوق الشمال… مع أختي؟ ما الذي قد تحتاجه أماريل من دوقٍ في هذا الوقت المبكر؟”
ردّ كالدريك بابتسامة خافتة:
“أعتذر، نسيت أن أُعرّفك نفسي تمامًا. أنا… زوج الأميرة المستقبلي.”
ساد الصمت لحظة.
ثم قال دوريفان ببرودٍ شديد:
“يبدو أن سموّ الإمبراطورة أصبحت ذات ذوقٍ سيّئ هذه الأيام.”
تجمّدت.
دوريفان… ليس الآن.
انحنيت قليلًا وهمست له بصوت حادّ خافت لا يسمعه سوانا:
“دوريفان…”
رفع حاجبه، غير مكترث بنبرة التحذير:
“ماذا؟ هل قلت شيئًا خاطئًا؟ أنا أتحدث عن ذوقها فقط. الخادمة أحضرت لي حلوى بالأمس… وكانت سيئة للغاية.”
حدّق به كالدريك بملامح متحفظة، بينما تابع دوريفان بجديّة مصطنعة:
“وربما يكون خطأ الخادمة… لن نُلقي اللوم مباشرة على سموّ الإمبراطورة.”
ارتشف رشفة من فنجانه وكأنه أنهى نقاشًا سياسيًا وليس إهانة صريحة.
في تلك اللحظة…
شعرت أنني لست وحدي.
وأن كالدريك—ذلك الشبح القادم من أسوأ لحظاتي—لن يستطيع التهام حياتي بسهولة هذه المرّه
كانت روزالين تحاول كتم ضحكتها…
فقد فهمت تمامًا ما الذي يلمّح له دوريفان.
أما أنا؟
فكنت أنظر إليه بصدمة.
صدمة كاملة.
هل… هذا هو الشخص الذي كنت أظنّه باردًا؟
هادئًا؟
عاقلًا؟
ولكن الأهم…
أن هذا الشخص بالذات—
هو ما قد يدمّر كل شيء أحاول بناءه ليصبح ولي العهد.
علي أحد أن يجعله يصمت.
حالًا.
فتحت فمي وقلت:
“دوريفان، أظن أن لديك—”
لكنّه لم يدعني أكمل.
قطعني ببساطة:
“ولكن… سيد كالدريك، لماذا تقول أنك زوج أختي المستقبلي؟
هل… وافقت أماريل عليك؟”
تجمد الهواء.
لحظة واحدة فقط… لكنني شعرت بها كالسقوط.
“ماذا؟”
رفع صوته قليلًا، وكأنه يخاطب أصمًّا:
“هل أنت أصمّ؟ أسألك—هل أختي وافقت عليك؟”
يا إلهي…
دوريفان، بحق السماء… اسكت.
أشرت له، حاولت أن ألفت انتباهه:
“دوريفان… اسمعني، ألا ترى تلك العصفورة—”
لكن كالدريك…
كعادته…
أجاب بصوته الجليدي، كصوت باب زنزانة يُغلق:
“ولماذا… قد ترفضني سموّ الأميرة؟”
الجو أصبح مشحونًا فجأة.
مشحونًا بطريقة جعلتني أرغب في شد شعري.
وأيضًا…
ما الذي يجعل هذا الشخص واثقًا من نفسه هكذا؟
وكأنه… أمير الكون.
بل ملكه.
بالطبع لدي أسباب كثيرة لرفضه.
لكن… لنقل إن الوقت ليس مناسبًا لذكرها.
قال دوريفان غاضبًا—غاضبًا بشكل مسرحي، وهو يضع يديه على رأسه كأنه بطل في مسرحية سخيفة:
“صحيح، لماذا سترفضك أختي؟
أنت كامل… جميل… وغني… وأيضًا…”
توقف، ثم تابع ببرود:
“آسف… لا أجد شيئًا آخر فيك.”
ثم أضاف ضربة قاتلة:
“حقًا… أنت وسيم، نعم.
لكن وسامتك تشبه وسامة الفتيات…
لدرجة أني ظننتك صديقة لأختي من بعيد.”
تجمدت.
روزالين اختنقت من الضحك.
كالدريك توميضت عيناه بتلك النظرة القاتلة.
وأنا؟
لم أفكر إلا في شيء واحد:
على أحد أن يجعل دوريفان يصمت… الآن. قبل أن تحدث جريمة.
أمسكتُ بذراع دوريفان بسرعة… قبل أن يقول كلمة أخرى قد تُشعل المكان.
لم ينتظر دوريفان إذنًا ولا موافقة.
أمسكته من ذراعه وسحبته بعيدًا، وروزالين تلحق بنا بخطوات هادئة… لكن الضحكة التي تكاد تنفلت من شفتيها لم تخفَ عليّ أبدًا.
تابعت المشي… أتنفّس ببطء، أجرّ قدميّ بعيدًا عن كالدريك.
ومع ذلك… ورغم التوتر الذي يعتصر صدري، وجدت نفسي—وبلا أي نضج—أُخرج لساني في اتجاهه قبل أن أدير رأسي تمامًا.
حركة طفولية… سخيفة… لكنها خرجت.
ليس لأني شجاعة.
ولا لأني لا أخافه.
بل لأنني… أكرهه.
صحيحٌ أني شددت أخي عنه لأبعده عن ساحة معركة كان سيفوز بها وفي نفس الوقت سيخسرها … لكن لولا كالدريك، لولا هذا الأحمق الذي لا يتوقف عن الكلام …
لجعلت دوريفان يبقى.
ولجعلته يذله.
تنفستُ بعمق.
لم أستوعب بعد.
“دوريفان… كيف يمكنك قول تلك الكلمات لدوق الشمال المستقبلي؟”
رفع كتفيه بلا مبالاة:
“دوق شمال؟ البطريق يصلح يكون دوق أفضل منه، أماريل.”
توقفت عن المشي لحظة.
نظرتُ له بدهشة… وبخيبة صغيرة.
“ألا تفهم؟ أنت هكذا تجعل نفسك سيئًا أمام النبلاء… هكذا ستخسرهم.”
هزّ رأسه وهو يضع يديه خلف ظهره:
“وكأني أهتم بالأمر. في النهاية أنا لستُ ولي العهد… فلماذا عليّ أن أهتم؟”
أخفضتُ نظري.
صحيح… هو لا يعرف.
لا يعرف أنّني… أخطط ليكون ولي العهد.
تابعتُ بخفوت:
“دوريفان… ماذا لو قال الناس إنهم يريدونك وليًّا للعهد؟”
أجاب فورًا، بلا أي تفكير:
“سأرفض بالطبع.”
“لماذا؟”
“لأني أكره بذل المجهود. ثم إنّي أظن أن ڤاسكال أفضل مني في هذه الأمور. فلماذا أتعب نفسي بالحكم… وبالكلام الكثير؟”
أغلقتُ يدي على ثوبي.
ببطء.
“لكن… دوريفان، ماذا لو قلتُ إنّي أنا… أريدك أن تكون ولي العهد؟”
توقّف.
نظَر إليّ.
صدمة صغيرة ظهرت في عينيه… تلك الصدمة التي حاول إخفاءها ولم ينجح.
“لماذا… قد تريدينني أنا… وليًّا للعهد؟”
خفضت عينيّ نحو الأرض.
“أنا لا أجبرك. فقط… فقط أقول هذا لأنني سأشعر بالأمان أكثر… إن كنتَ أنت ولي العهد.”
ظلّ ينظر إليّ… بنظرة لم أفهمها تمامًا.
استغراب؟ قلق؟ حيرة؟
ثم قال بصوت منخفض:
“لا أدري لماذا تفكرين بهذه الطريقة… لا أظن أن أحدًا سيفعل لك شيئًا. أنتِ الأميرة الوحيدة للإمبراطورية. لا تقلقي.”
صمت لحظة… ثم أضاف:
“لكن… إن طلبتِ مني أن أصبح ولي العهد… فسأفكر في الأمر.”
سأفكر في الأمر.
كلماته بقيت عالقة في رأسي… حتى بعد أن افترقنا.
عدتُ إلى غرفتي.
كانت روزالين خلفي بصمتٍ طويل.
جلست على السرير.
أفكّر…
أفكّر كثيرًا.
عليَّ أن أبدأ بشيء… شيء حقيقي… يدفع دوريفان نحو العرش.
لكن المشكلة؟
أي تصرف أقوم به… سيصل إلى أمي.
كل الخادمات هنا يعملن لصالحها.
كل خطوة تُراقَب.
إذًا…
أول خطوة يجب أن تكون واضحة.
ضرورية.
طرد جميع الخادمات .
الاسم: كالدريك موريندل
العمر: 27 عاماً
الطول: 188 سم
Chapters
Comments
- 4 - بداية الخوف القديم منذ 3 ساعات
- 3 - شرفة الحديقة واللقاء المفاجئ 2025-11-09
- 2 - عناق بعد الرحيل 2025-11-06
- 1 - ذنب لا يغتفر 2025-11-01
التعليقات لهذا الفصل " 4"
والفصل جميل اوي
وصف دوريفان طلع مظبوط دوريفان عسول اوي