“ماذا تعني بكلامك؟” لم يفهم ميلو كلمات أَصلان، فمال برأسه وهو لا يزال ممسكًا برق.
عندها نهض أَصلان من مقعده، وجذب بيده قطعة الشفافة الرقيقة ذات اللون النيلي التي كانت تعترض مجال الرؤية بينه وبين ميلو، ثم ألقاها على الأرض بإهمال.
“أقول إنها نظرت إلى كلتا عينيّ ولم تمت.”
❖ ❖ ❖
حتى لو كان قائد فرسان البلاط الإمبراطوري، لم يكن لكايلوس، الذي لا يحمل لقبًا نبيلاً، سلطة استدعاء ثيودور إلى القصر الإمبراطوري.
لكن اليوم كان استثناءً. كان اليوم أهم من أي يوم مضى. حتى كايلوس، الذي خاض عددًا لا يحصى من ميادين المعارك، التزم الصمت من شدة التوتر.
سار كايلوس وثيودور دون تبادل كلمة واحدة نحو القصر المركزي حيث يقيم الإمبراطور. في قصر نوكت،
كانت الأجنحة متصلة ببعضها بواسطة ردهات ممرية. ومن بين الأعمدة المصطفة في تلك الردهة، برز ظل إنسان.
كايلوس تعرّف فورًا على المرأة التي كانت ترتدي فستانًا بلون السماء الفاتحة.
لم يكن ذلك مفاجئًا؛ فهي كانت ترتدي ذلك الفستان في كل مرة، كونه المفضل لديها. كانت روبيلين.
وقفت روبيلين، التي كانت تبتسم ببراءة، أمام كايلوس وثيودور، قاطعة طريقهما.
“ما الأمر؟” بسببها كان كايلوس في قطيعة مع ليسيا منذ عدة أيام. وبظهور الشخص الذي تسبب في هذا النزاع،
انعقد حاجباه وتغيرت ملامحه على الفور. “أنا أميرة يلكا، روبيلين دو يلكا.”
“هل تعتقدين أني لا أعرف من أنتي، لماذا تعيدين تقديم نفسك؟”
قال كايلوس وهو يعقد ذراعيه ويُميل رأسه بنبرة امتعاض.
ابتسامة روبيلين، التي كانت مشرقة رغم عدائية كايلوس، شُقّت فيها تشققات طفيفة. لكنها سرعان ما استعادت ملامحها.
لم يكن يليق بها أن تُظهر وجهًا قبيحًا أمام زوجها المستقبلي. عيون روبيلين اللامعة كانت متجهة فقط نحو ثيودور.
“السير ديمون وقح للغاية، أليس كذلك؟ عندما يُلقى عليك تحية، يجب أن تردّ عليها بأدب. هذا هو الأساس.”
“كما تعرفين يا صاحبة السمو، لستُ من النبلاء. لذا لا أفهم قواعد الآداب الرفيعة بينكم.”
“آه، حقًا… ما خطبه هذا الرجل؟”
تمتمت روبيلين وهي تدير رأسها قليلًا وتهمس لنفسها، متمنية لو أنه كان يعرف متى يتوقف
. “ماذا قلتِ الآن؟” تجاهلت روبيلين تعليق كايلوس وتظاهرت بابتسامة خجولة، ثم أخرجت من بين طيات ردائها كيسًا صغيرًا من الحرير الأصفر ومدّته إليه.
“هذا… خذه.”
“ما هذا؟” عندما مدّ كايلوس يده ليمسك بالكيس، خطفته روبيلين بسرعة وناولت الكيس لثيودور.
“يا إلهي! السير ديمون، لم يكن القصد أن أعطيه لك! هذا موجه لثيودور!” بصرخة روبيلين تلك،
وجد كايلوس، الذي يُلقّب بأعظم محارب في نوكت، نفسه يلوّح بيده الفارغة بارتباك أمام الهدف الخطأ.
دفعت روبيلين يد كايلوس الكبيرة بعيدًا وكأنها صُدمت، ثم سلّمت الكيس الحريري إلى ثيودور بعناية.
“… لي أنا؟”
نظر ثيودور بدهشة إلى الكيس الحريري الأصفر الذي وُضع في يده.
وعندما اكتفى بالنظر إليه، أخرجت روبيلين بنفسها الهدية من داخل الكيس.
“إنها منديل مطرّز بيدي.” وأثناء تقديم الهدية، لم تنسَ روبيلين أن تلقي نظرة احتقار إلى كايلوس.
شعر كايلوس بالإحراج فسعل عدة مرات متتالية.
“أتمنى أن تحتفظ به دائمًا.”
“لا أفهم لماذا تعطيني هذا.”
نظرت روبيلين إلى ثيودور من أعلى إلى أسفل. كان ثيودور يختلف عن بقية أبناء قبيلة ديمون،
إذ كانت بشرته بيضاء صافية، مما أعطاه مظهرًا نظيفًا ومرتبًا. ذلك الوجه المشرق نال إعجاب روبيلين كثيرًا.
“آه، كم أنت ظريف. ما زلت لا تعرف شيئًا، أليس كذلك؟ لكنك ستفهم يومًا ما.”
أخفت روبيلين ضحكتها خلف كمّ فستانها وهي تضحك خفية على براءة تعبيرات ثيودور، ثم لوّحت بيدها مودعة.
“على أي حال، يجب أن أذهب الآن لأساعد جلالة الإمبراطورة. السير ديمون، أرجو أن تستعيد لقبك وأرضك من جلالة الإمبراطور اليوم.
من أجل أختي، ومن أجلي، ومن أجل ثيودور وجميع قبيلة ديمون، يجب أن تحصل عليهما.”
وعندما دقّ برج الساعة في القصر الإمبراطوري معلنًا حلول الظهيرة، بدأت روبيلين في الركض عبر الردهة على عجل. كايلوس،
وهو يراقب تصرفاتها الطائشة والمندفعة، هزّ رأسه بيأس. “كأنها ليست إلا أختًا لأختها، تتصرف بمزاجها تمامًا مثلها.”
وبينما كان كايلوس يستعد لاستئناف سيره للقاء الإمبراطور، شعر بشيء غريب فاستدار إلى الوراء.
كان ثيودور واقفًا في مكانه، كأن قدميه قد تجذّرتا في الأرض، ووجهه شارد وكأنه فقد وعيه.
“ثيودور، استفق.”
“نعم؟ آه، حاضر. فلنذهب.” توقف ثيودور عند مدخل قاعة العرش وانحنى رأسه. وتركه كايلوس خلفه وهو يدخل قاعة العرش.
في قاعة العرش لم يكن الإمبراطور وكايلوس وحدهما.
فقد حضرت الإمبراطورة، ودييغو، وبعض الأمراء الآخرين، وعدد من كبار الوزراء. ومن بين الحاضرين أيضاً كانت روبيلين والأمير أَصلان.
“أحيي جلالة الإمبراطور، شمس نوكت الساطعة.” ركع كايلوس على إحدى ركبتيه أمام الإمبراطور،
منحنياً برأسه كما لو كان يقسم بالولاء.
“أشعر بالأسف لإلغاء اللقاء السابق. ألا تكون قد تكبّدت عناء المجيء عبثاً؟”
“أبداً، يا مولاي.” كان الإمبراطور مستنداً إلى العرش، ثم رفع جسده ببطء وجلس باعتدال. في يده مروحة ذهبية صغيرة كان ينقر بها ذراع العرش بتكرار.
كانت تلك عادة له كلما كان في مزاج سيء. “على أي حال، أحسنت صنعاً. ولكن، يقولون إن الأميرة ليسيا أجمل امرأة في نوكت، ولا تُضاهى في جمالها.”
“بل قيل إنها أجمل من خالتك.” عند كلمات الإمبراطور تلك، ارتسمت على وجه الإمبراطورة لمحة امتعاض خفيفة،
فقام الإمبراطور بمد مروحته ليطبطب بها طرف أنفها في محاولة لمصالحتها.
“هي تستحق النظر، لكن ليس إلى هذا الحد.” كان كايلوس يتوقع هذا الحديث مسبقاً، لذا رد بهدوء دون أن يُظهر أي ردة فعل.
على أي حال، لم يكن في مقدور الإمبراطور أن يغتصب زوجة أحد تابعيه.
صحيح أن الجميع في نوكت كانوا أحراراً في أخذ النساء كغنائم، إلا أن الإمبراطور وحده كان مستثنى من ذلك.
وهذا مذكور بوضوح في قانون الإمبراطورية. راح الإمبراطور ينقل بصره بين دييغو وكايلوس بنظرات توبيخية.
“لو كانت بتلك الروعة والجمال، لكان يجب عليك أن تهبها لي بدلاً من أن تحتفظ بها لنفسك.”
نصح بعضهم كايلوس بأن يُرجع الأمر إلى خطأ ارتكبه دييغو وثيودور حين سكرا واستحوذا على ليسيا.
لكن كايلوس لم يكن راغباً في اللجوء إلى هذا العذر. فقد أراد ليسيا أن تكون له، وكان هذا قراره واختياره، لا زلةً أو خطأ.
استمرت المواجهة الصامتة بين كايلوس والإمبراطور. “أود أن أرى وجه الأميرة بنفسي.”
“يا مولاي، زوجتي تمرّ بوعكة بسبب حملها، وهي في فترة نقاهة.” طلب الإمبراطور رؤية ليسيا وكأنه أمر تافه،
لكن كايلوس تفاعل مع الأمر بحساسية زائدة.
“كايلوس، لقد أخطأت في كلامك. أنت والأميرة لم تعقدا قرانكما بعد. إذن، لا يمكن اعتبارها زوجتك بعد. أحضر الأميرة فوراً.”
عندها، غادر أحد الخدم القاعة راكضاً. كان الإمبراطور قد صوّب ضربته إلى نقطة ضعف كايلوس.
صحيح أن كايلوس وليسيا قد أجريا مراسم الختم (العلامة الروحية) وأعلنا عن حملها، لكنهما لم يصبحا زوجين رسميين بعد.
في نوكت، لا يتم الاعتراف بالزواج الرسمي إلا عند الحصول على شهادة زواج من الساحر الملكي، الذي يُعد كالحاكم الحي.
أمام هذه الضربة غير المتوقعة، بدأ كايلوس يحسب المسافة بينه وبين الإمبراطور، استعداداً لأي محاولة لاغتصاب ليسيا.
أغمض عينيه ببطء، وتخيل نفسه وهو يمسك برأس الإمبراطور، ثم ضحك في سخرية مريرة.
لقد بدا مضحكاً وهو يفكر في خيانة الإمبراطور من أجل امرأة.
ساد الصمت كلياً. على الرغم من امتلاء قاعة العرش بالناس، لم يُسمع حتى صوت الأنفاس. روبيلين، التي كانت تقف بجوار الإمبراطورة، شعرت أن صوت تنفّسها سيبرز وحده،
فتعمدت أن تتنفس بصوت خافت. وأخيراً، عند نهاية هذا السكون الثقيل، فُتحت أبواب قاعة العرش.
“الأميرة ليسيا دو يلكا قد حضرت.” أعلن الحاجب دخول ليسيا، فتوجهت أنظار الجميع نحو المدخل.
ما إن ظهر شعرها الأحمر المتوهج كاللهيب المشتعل حتى انطلقت من الحضور أصوات إعجاب مكتومة.
ثم انتقلت الأنظار إلى عينيها المنخفضتين وشفتيها الحمراوين الممتلئتين، التي زادتها إثارة تلك الشامة الصغيرة بجانب شفتيها.
على الرغم من حملها، تقدمت ليسيا بخفة ريشة وهي ترتدي فستاناً حريرياً بلون الدم، حتى وصلت إلى أسفل منصة العرش.
كان من المفترض أن تركع وتحيي الإمبراطور، لكنها لم تستطع الانحناء بسبب بطنها المنتفخ.
حين ترددت في حركتها، تقدم كايلوس وسندها بشكل طبيعي. الإمبراطور الذي كان يلعق شفتيه وهو يتأمل ليسيا،
ما لبث أن تغيرت ملامحه إلى امتعاض حينما تدخل كايلوس.
الإمبراطور، الذي اصطدمت نظرته بتلك العيون الخضراء الحادة كالسيوف، قبض بشدة على مروحته وأصدر صوتاً مكتوماً. وكذلك فعل الآخرون.
“أحيي جلالة الإمبراطور، شمس نوكت الساطعة. أنا ليسيا دي يلكا، أميرة يلكا.”
رغم أنه لم يكن مطلوباً منها أداء التحية، فإن ليسيا، مستندة إلى دعم كايلوس، انحنت بخفة لأداء التحية.
كايلوس شعر بدهشة جديدة وهو يرى النبالة والوقار الملكي ينبعثان من ليسيا.
لم تكن تشبه أبداً تلك الصورة التي اعتاد رؤيتها منها. صحيح أن ليسيا كانت تفتقر إلى التعلم وسعة الأفق،
لكنها كانت بارعة في تقليد ما تراه وتحاكيه بدقة مدهشة. لم يُعلّمها أحد، لكنها كانت تتعلم بمراقبة شقيقاتها،
سواء في التحية أو طريقة الكلام أو حتى الرقص، كي لا يتم التقليل من شأنها من قبل الخدم والحاشية.
ومع ذلك، لم تستطع أن تكون أميرة حقيقية قط… الإمبراطور ظل صامتاً وهو يتأملها، وكأنه أمام إله مقدّس أو كنز ثمين أو لوحة فنية شهيرة.
ثم، بعدما انحنى ظهره قليلاً
، نهض من عرشه، وخطا خطوة إلى الأمام.
بعد صمت طويل، سأل بنبرة ملؤها التوتر، وكأنه يدرك أنظار الجميع عليه
“سأمنح الأميرة حق اختيار زوجها بنفسها. فلتختاري، هل سيكون أنا، أم كايلوس؟”
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 33"