في لمح البصر، عمّ الصمت أرجاء غرفة النوم، وبدأت يد ليسيا المرتجفة الموضوعة على كتف كايلوس ترتجف بعنف.
“ك-كيف… كيف…؟”
كيف يمكن أن يقول شيئًا كهذا؟ صُدمت ليسيا بشدة حتى فقدت القدرة على إتمام جملتها.
روبلين كانت أميرة من يلكا. واحدة من ثلاث شقيقات كن يُعتبرن أعظم عرائس القارة بأكملها.
حتى بعد سقوط المملكة، لا شك أن الملوك الراغبين في اتخاذ روبلين زوجة كُثر.
ربما يُمكنه أن يهينها، هي الابنة غير الشرعية، لكن روبلين… روبلين لا يجب أن تتعرض لمثل هذا المصير.
انفجرت ليسيا غاضبة، وبدأت تضرب كايلوس بقبضتيها على رأسه وكتفيه بعشوائية.
“روبلين أميرة من يلكا! كيف تجرؤ، أنتَ، أن تقول شيئًا كهذا عنها! أنت لا تملك حتى لقبًا. روبلين تحمل لقب أميرة، إنها أميرة بحق…!”
لكن، رغم ضرباتها الغاضبة، لم يبدُ على كايلوس أي أثر للألم. كان ينظر إليها بابتسامة مفعمة بالسعادة.
لقد كان هذا المشهد مقززًا حتى أن ليسيا شعرت بالغثيان،
كما أن أكتافه العريضة والمزينة بشارات الرتبة العسكرية لم تمنحها سوى ألم في قبضتيها.
سقطت ذراعاها الرقيقتان، بلا حول ولا قوة، على شرشف السرير، بينما ظل كايلوس يطوق ساقيها بيديه بعناد.
وبينما كانت تهوي فوقه من فرط الإنهاك، سمعته يتمتم وكأن الأمر لا يعنيه:
“زوجة بمقام أعلى من مقامكِ… واحدة تكفيني.”
استند كايلوس بذقنه على ركبتيها، وقال ذلك بفتور.
“…لكن، في النهاية، ستكون لكَ زوجات أخريات غيري.”
تنهّد كايلوس بعمق، فقد كان ينظر إلى ليسيا التي كانت تحدّق فيه بعيون مليئة بالدموع وكأنها ترى وحشًا أمامها.
لم يكن هذا وجه امرأة تنظر إلى زوجها. لا بد أن هذا هو الوجه نفسه الذي أظهرته له عندما التقت به أول مرة وهو كان مطاردًا كوحش.
“ليسيا دي يلكا، ماذا تظنينني أنا في نظرك؟”
“منحرف… مهووس جنسي.”
كان ردّها مريعًا حقًا. ومع ذلك، لم يكن بعيدًا عن الحقيقة، فلم يجد ضرورة للرد عليها.
منذ البداية، كان دائمًا في نظر ليسيا دي يلكا هو الشرير.
سواء أضيفت إليه صفة سيئة أخرى أم لا، لن يُغيّر ذلك شيئًا. علاقتهما وصلت منذ زمن إلى الحضيض.
لكن فجأة، تساءل كايلوس في نفسه؛ هل تعاملني ليسيا بهذه الطريقة فقط؟ أم أنها كذلك مع جميع الرجال؟
“من هو والد الطفل؟ هل هو مارياس تانشي؟ أم ذاك الحقير الذي جعلكِ تعيشين في كوخ للخنازير؟”
“ليس من شأنك.”
“أي نوع من الرجال كان؟”
وبينما كان يخلع سترته العسكرية، سألها ذلك. فزمت ليسيا شفتيها في عناد وردّت بسخرية: “…كان وسيمًا، يشبه الفارس المقدّس.”
كأنها اختارت عمدًا أن تذكر عكس ما يمثله هو. بالتأكيد، كانت تقصد إهانته.
“كان سيّافًا بارعًا، قائدًا لمجموعة من الرجال.”
“قد تكونين حمقاء ولا تدركين هذا، لكن في قارة ألروس بأكملها، لا يوجد من يتفوق عليّ في المبارزة. لذا لا تُشيدي أمامي بمهارات سيف تافهة.”
في الحقيقة، كان كايلوس ديمن واحدًا من ثلاثة “سادة السيف” في القارة.
ورغم أن الآخرين لطالما استهانوا به كونه من البرابرة، إلا أن مكانته كالأفضل لم تكن موضع شك.
أما الآخران فكانا شيخين طاعنين في السن.
قضى كايلوس حياته وهو يُخفي تفوّقه الحقيقي، خاضعًا لإمبراطور لا يكف عن اختبار ولائه،
حاميًا قبيلته وحياته دون أن يُظهر غرورًا أو تفاخرًا.
لكنه الآن… ها هو يضطر للنطق بمثل هذا الادعاء بلسانه. كان ذلك في غاية الإهانة.
ليسيا دي يلكا… هذه المرأة لا تهدأ إلا إذا أذلته وسحقته حتى النهاية.
“أنتِ من سألتِ أولاً!”
ثم، كما لو أنها تذكرت شيئًا ممتعًا، بدأت ليسيا تتحدث بحماس مجددًا.
كان حديثها عن والد الطفل أشبه بشوكة تُغرز في صدر كايلوس.
“كان يناديني بالحمقاء ويهددني كلما حاولت الهرب منه.”
“…إذًا، ما تطلبينه هو أن أقتله، صحيح؟”
“ألم نتفق بالفعل على ألا تقتله؟”
“هاه… لا أستطيع فهم لماذا تحمين رجلاً جعل زوجته تعيش في كوخ خنازير.”
ما الذي كان ينقصني أنا عن ذلك الوغد؟—هذا السؤال بلغ حلقه لكنه لم يخرج. ابتلع كايلوس كل كلماته بمرارة.
ثم بدأ يخلع قميصه أيضًا. وبينما كان ينظر حول الغرفة، توقّفت عيناه عند طبق الكعك الموجود على الطاولة.
كانت الكعكات التي ملأت الطبق قد اختفت تقريبًا، ولم يتبق سوى قطعتين أو ثلاث.
أخذ واحدة من الكعكات بيده، ولعب بها بين أصابعه بينما ارتسمت على شفتيه ابتسامة ماكرة.
“هل كان الكعك لذيذًا؟”
فجأة، تذكرت ليسيا ما فعلته، فسرعان ما أدارت وجهها بعيدًا وقالت في ارتباك: “لم آكله أنا! لقد قدمته لروبلين!”
“من الأفضل أن تمسحي بقايا الشوكولاتة العالقة عند طرف فمكِ قبل أن تتكلمي.”
في تلك اللحظة، اقترب وجه كايلوس، ذو عظام الفك الحادة الحادة كأنها قد تجرح، حتى أصبح على بعد أنفاس من ليسيا.
شعرت ليسيا وكأن أنفاسها توقفت من شدة المفاجأة، واتسعت عيناها الخضراوان كأنها ستذرف الدموع في أية لحظة.
كايلوس، بابتسامة خفيفة، مرر لسانه ببطء على طرف شفتيها، حيث كان هناك أثر ضئيل من الشوكولاتة.
في المكان الذي مرت فيه لمسة لسانه، شعرت ليسيا بحرارة حارقة، كأن لهباً مستعرًا قد لامس بشرتها.
رفعت يدها بخجل تعبث بأطراف شفتيها هامسة بصوت مرتجف: “لا… لا تفعل هذا… إنه مقزز…”
كان كايلوس حساسًا للنظافة إلى حد الهوس، لكنها كانت تتعجب دائمًا كيف يتصرف بهذا الشكل فقط معها.
ثم بدأ بفك أزرار أكمامه ورمى قميصه بعيدًا، وأخذ يده إلى خصره. ارتبكت ليسيا فابتعدت عنه بغريزة.
“ستقابل الإمبراطور والإمبراطورة، فلماذا تخلع ملابسك؟”
استدارت ليسيا بسرعة، فمجرد النظر إلى جسده العاري يجعل وجهها يتورد بلا إرادة منها.
رغم أن جسده كان مثاليًا، بعضلات مشدودة وأكتاف عريضة، إلا أن ذلك الإحساس الغامض بالإثارة كان يربكها بشدة.
لم ترغب ليسيا في أن يدرك مشاعرها المتناقضة نحوه كرجل.
“اللقاء مع جلالتي الإمبراطور والإمبراطورة قد تم إلغاؤه.”
“ماذا؟”
فور سماعها ذلك، شعرت ليسيا بالقلق العميق يجتاحها، فقد أدركت على الفور التداعيات التي ستلحق بها نتيجة إلغاء هذا اللقاء.
تفحصها كايلوس من رأسها حتى قدميها، كما لو كان مفترسًا يفكر من أين سيبدأ بالتهام فريسته.
“هل ارتديتِ هذا الفستان دون أن تستحمي؟”
“لقد، لقد قيل لي إن وقت اللقاء ضيق، لم يكن لدي خيار…”
“أنتِ دائمًا ما تتحججين عندما يتعلق الأمر بالاستحمام.”
ألقى بجميع ملابسه جانبًا، ولم يكتفِ إلا بارتداء سترة خفيفة بسيطة. لم يكن راغبًا في ارتداء ملابس للنوم بما أنه سيخلعها مجددًا قريبًا.
جلس على طرف السرير، وأمسك بليسيا التي كانت تحاول المقاومة بشدة، وأجلسها بالقوة على ركبتيه.
وبينما كانت ليسيا فوق ركبتيه، كانت تمزق أطراف أظافرها بتوتر، قبل أن تهمس بصوت ضعيف يكاد ينكسر:
“…أرجوك، لا تُسلّم روبلين لعامل الإسطبل.”
تذكر كايلوس بشكل مبهم طلبها السابق، وتجاهلها وهو يمسح على فكه المشدود براحة يده التي برزت فيها عروق من شدة انقباضها.
“سأقرر بعد أن أرى كيف ستتصرفين.”
“ألا يمكنك أن تلبي لي طلباً واحداً دون أن تفرض عليّ شروطاً؟”
“وهل هذا هو أسلوب مَن يطلب معروفاً؟”
أخذت ليسيا نفسًا عميقًا، تكاد تنفجر من شدة الكبت. وضعت يدها الصغيرة المرتجفة فوق كف يده الكبيرة وهزتها برفق.
كانت محاولتها للإغراء سيئة للغاية، لكنها رغم ذلك أثّرت في كايلوس. منذ أن جلست فوق ركبتيه، كان جسده في حالة توتر مستمرة.
“…كايلوس. أرجوك. لا تسلّم روبلين لعامل الإسطبل. أرجوك، أشفق علينا، عليّ وعلى أختي.”
“همم… أنتِ قلتِ لي قبل قليل إنني منحرف مهووس جنسي، أليس كذلك؟”
الفستان الأزرق الذي ارتدته ليسيا كان مصمماً بأحدث موضة في نوكت، مع شريط دانتيل أبيض مشدود عند العنق، مما جعل صدرها يبرز بشكل واضح.
أمسك كايلوس ببطء طرف الشريط، وسحبه ببطء متعمد.
شهقت ليسيا من المفاجأة وكتمت أنفاسها، خوفًا من أن يتسبب زفيرها في تحفيز نقطة ضعفها.
في تلك اللحظة، كان هناك طرق خفيف على الباب.
سرعان ما ترك كايلوس الشريط، ودخلت إحدى الخادمات المسؤولة عن غرف الضيوف الخاصّة.
حاولت ليسيا الابتعاد عنه خجلًا من أن يراها أحد في هذا الوضع، لكن كايلوس لم يتركها تتحرك.
“أحضري حوض استحمام مملوء بماء ساخن إلى الغرفة.”
“هل سيتشارك السيدان الاستحمام معاً؟”
أومأ كايلوس برأسه دون تردد.
لم تستطع ليسيا استيعاب ما كانت تسمعه. عيناه الواسعتان الخضراوان كانتا تلمعان بالذهول والهلع.
وكأنها لا تملك رأيًا في المسألة، أمال كايلوس رأسه نحو أذنها وهمس بنبرة خشنة: “أنتِ تكونين أنظف عندما احممك بنفسي.”
أغمضت ليسيا عينيها بقوة، وأخذت تهز رأسها بعنف. دمعة حارقة سقطت على
خدها الناعم.
“ل-لا أريد… لا أريد…”
كانت تمسك بتلابيب فستانها المفكك تحاول الهرب، لكنها لم تستطع الإفلات من قبضته.
لقد كان كالفخ. لم تعرف متى أو كيف ستتمكن من الفرار من هذا الرجل.
التعليقات لهذا الفصل " 28"