روبلين فتحت إحدى عينيها قليلًا تراقب ردة فعل ليسيا. امتلأ وجه ليسيا فجأة بحمرة الارتباك.
في مملكة يلكا، كانت العفة أمرًا مقدسًا، وكان النظام أحادي الزوجية، كما كان أبناء غير الشرعيين يُعاملون كأدنى من البشر.
وكانت الفتيات يستطعن وراثة الألقاب والنُبل، وكانت سلطة النبلاء أقوى من سلطة الملك ذاته.
أما في نُوكت، فالأمور كانت على العكس تمامًا. العفة لم تكن ذات أهمية تُذكر.
كان زواج السلب والنهب شائعًا لدرجة أن خطف الزوجات من بعضهم البعض أمرٌ معتاد، وحتى جرائم القتل التي تحدث في سياق زواج السلب لا تُعد جريمة.
علاوة على ذلك، كانت سلطة الإمبراطور مطلقة، حتى أن كبار النبلاء إن أغضبوه يُعدَمون في طرفة عين.
روبلين، التي عاشت كأميرة مدللة في يلكا، لم تستطع التكيف مع البلاط الإمبراطوري الوحشي في نُوكت، خصوصًا وهي مجرد وصيفة.
كان الإمبراطور مولعًا بالنساء لدرجة أنه كان يمتلك عددًا لا يُحصى من الجواري و الوصيفات، ومع إضافة وصيفات السرير، تجاوز العدد المئة.
وللحفاظ على هذا العدد ثابتًا، كان يُهدي الوصيفات إلى وزرائه بشكل متكرر.
أما أولئك اللواتي كنّ محظوظات لكونهن ينتمين لعائلة نبيلة أو غنية، فكان الإمبراطور يرتب لهن زيجات صورية مُشرفة.
أما اللواتي لم يكن لهن سند أو خلفية قوية، فإن لم يُعجبن الإمبراطور بعد ليلة واحدة، كان يتم هبتهن كجوائز لأي تابع.
وإن لم يُعجبن ذلك التابع أيضًا، فكان يتم نقلهن إلى أتباعه الأدنى، وهكذا ينتهي بهن الحال متنقلات من رجل إلى آخر.
بالنسبة للإمبراطور، لم يكن لروبلين، ببراءتها الطفولية، أي جاذبية. ولأنها كانت مجرد عابرة في سريره، شعرت باليأس والخوف الشديد.
“…ألن يكون ذلك ممكنًا؟”
“هل يحق لكايلوس، وهو من دون لقب، أن يكون له أكثر من زوجة؟” تساءلت ليسيا، مترددة.
لم تلبث روبلين أن سارعت للدفاع عن كايلوس.
“أختي، أنتِ فقط لا تعرفين. السير ديمون لا يملك لقبًا، صحيح، لكنه في الحقيقة لا يستطيع أحد أن يعامله بلا احترام.
إنه ابن أخت جلالة الإمبراطورة، وابن عم الدوق جوزيف أيضًا. أليس هذا كافيًا ليُعتبر من النبلاء؟”
في الواقع، رغم افتقاره للقب رسمي، كان كايلوس يُعتبر أحد أفضل الأزواج المحتملين في نُوكت.
وكانت هناك العديد من أميرات نُكت اللواتي يتنافسن للفوز به.
أما روبلين، التي كانت قد أُهديت من قبل الإمبراطور كوصيفة لليلة واحدة، فلم يكن لها نصيب في مثل هذه الزيجات المرموقة.
لذلك، كان كايلوس بمثابة حلم بعيد المنال بالنسبة لها.
“هناك إشاعة تقول إن الإمبراطور وعد بإعادة لقب الدوق إليه إن هو أعادكِ إلى القصر.”
احتضنت روبلين أختها بشدة، وكأنها تخشى أن تنفلت منها، ثم همست:
“هل تكرهين أن نصبح زوجتين لديمون معًا؟”
“ليس كذلك… لكننا من يلكا. أليس غريبًا أن تتزوج الشقيقتان من نفس الرجل؟ نحن خادمات حاكمة ديتي، كيف يمكننا ارتكاب أمرٍ وحشي كهذا؟”
“يلكا سقطت بالفعل. ما نفع التحدث عن مملكة ميتة الآن؟”
منذ طفولتها، كانت ليسيا ضعيفة القلب أمام من هم في حالٍ أضعف منها.
لم تستطع تجاهل شقيقتها التي بكت وتوسلت لها مثل طفلة.
ومع ذلك، كان هناك شيء في داخلها يرفض الفكرة
كان تفكيرها في كايلوس يجعل قلبها يتشقق. فكرة أن يكون له زوجة غيرها جعلتها تشعر بالضيق والارتباك.
“ثم إنكِ أختي الأميرة… أما أنا فأحمل لقب أميرة، وقد أكون ذات فائدة أكبر لديمون من نواحٍ سياسية.”
في هذه النقطة، كانت روبلين محقة. روبلين، باعتبارها أميرة رسمية، كانت ذات مقام أعلى من ليسيا، ابنة الجارية الجنية.
لذا، ربما تكون بالفعل عونًا أكبر لمستقبل كايلوس.
وفكرت، لو أنها ولدت طفلها ثم رحلت بعيدًا… لعل روبلين ستربي ذلك الطفل جيدًا؟
أن تكون العمة وصية على الطفل أفضل من أن يتربى على أيدي غرباء.
وما إن وصلت أفكارها إلى هذه النقطة، حتى لم يبقَ ما يدعو للتردد.
“حسنًا، سأتحدث معه.”
“حقًا؟ أنتِ الأروع، أختي!”
غطت روبلين فمها بيديها من فرط السعادة، ثم راحت تُقبّل خدي ليسيا مرارًا وتكرارًا.
في هذه اللحظات، شعرت ليسيا وكأنها عادت إلى طفولتها. تلك الأوقات التي كانت روبلين تأتي إليها باكية،
بعد أن تتعرض للتنمر من ديلفينا وأديني. كانت ليسيا، رغم كل شيء، دائمًا تشعر بالسعادة حين تأتيها روبلين.
لولا تلك الزيارات، لكانت ليسيا قد فقدت عقلها تمامًا في عزلة القصر الفرعي.
“هل أنتِ سعيدة لهذا الحد؟ يكفي، روبلين. هذا يَدغدغ. لكن، بدلًا من هذا، أعديني، إن اختفيتُ من هذا العالم، أن تعتني بطفلي جيدًا.”
“لماذا تقولين ذلك؟ هل تخشين الموت أثناء الولادة؟ لا تقولي أشياء كهذه.”
منذ قليل، كان الطفل يتحرك بعنف غير معتاد في بطنها. كانت ليسيا تربت برفق على بطنها محاولة تهدئته.
“سيدتي ديمون. تم الانتهاء من خياطة الفستان.”
رغم أنه لم تمضِ ساعات على حديثها مع روبلين، إلا أن الفستان قد أُعدّ بالفعل.
“ادخلي.”
لكن قبل أن تسمح ليسيا بدخولهن، سارعت روبلين بإصدار الأمر.
دخلت الوصيفات وهن يحملن الفستان الرسمي، وفستان المنزل، واللانجيري، والشموز، بالإضافة إلى الأحذية والمجوهرات والإكسسوارات، بلا نهاية.
لم تستطع روبلين أن تُخفي دهشتها وهي تشاهد ذلك.
“أنا لا أملك سوى هذا الفستان البالي، وأنتِ حصلتِ على كل هذا…”
“دعينا نساعدكِ في ارتدائه.”
اقتربت الوصيفات من ليسيا لمساعدتها في تبديل ملابسها.
وضعت ليسيا يدها على صدرها خجلاً، تغطي الشامة الخفية على شكل ورقة شجر، ونظرت إلى روبلين.
فهمت روبلين ما يجول في خاطرها، فتقدمت بسرعة لتتولى الأمر بنفسها.
“سأتولى أنا مساعدتها، يمكنكن الانصراف.”
“لكن… رئيسة الوصيفات أمرتنا—”
“أيتها الخادمة، هل تجرؤين على مجادلة وصيفة جلالة الإمبراطورة وابنة مملكة يلكا؟ اخرجي! قلت اخرجي!”
رفعت روبلين يدها كما لو كانت ستصفع الوصيفة، مما دفع ليسيا إلى التسرع في إمساك ذراعها لتهدئتها.
“ارجعن جميعًا، شكراً لكن.”
وما إن خرجت الوصيفات، حتى شرعت روبلين في مساعدة ليسيا في ارتداء الفستان.
لم تكن روبلين تعرف كيف تفعل شيئًا كهذا في السابق، لكنها بدت الآن وكأنها قد اعتادت على مهام الوصيفات، فساعدت ليسيا بمهارة.
في الحقيقة، لم تكن ليسيا تخجل فقط من الشامة، بل كانت تشعر بالخزي من العلامات الحمراء الكثيرة التي تركها كايلوس على جسدها.
لكن روبلين تظاهرت وكأنها لم تلحظ شيئًا، واستمرت بالكلام بشكل طبيعي.
“لطالما شعرت أن أختي طيبة أكثر من اللازم مع الخدم. لا يمكن أن تُديري عائلة ديمون بهذه الطريقة. أظن أن عليّ أن أكون بجانبكِ لمساعدتكِ، أليس كذلك؟”
أومأت ليسيا برأسها مبتسمةً ابتسامةً متكلّفة. ولم يمضِ وقت طويل على تبديلها ملابسها حتى عاد كايلوس بعدما أنهى أعماله الرسمية.
فور رؤية كايلوس، ارتجفت روبلين واقتربت من ليسيا وهمست في أذنها بصوت لا يسمعه سواها: “أختي… لا تتخلّي عني، أرجوكِ، نعم؟”
أومأ كايلوس لروبلين بإيماءة خفيفة دون أن يمنحها نظرة أخرى، ثم توجه مباشرة نحو ليسيا.
أخذ يتفحّص ليسيا، التي كانت ترتدي فستانًا أزرق فاخرًا، من رأسها حتى قدميها، ثم جمع شعرها الأحمر المنسدل حتى خصرها وربطه بلطف إلى جانب واحد.
من منظار روبلين، بدا المشهد بين الاثنين حميميًّا للغاية. فخرجت شفتيها في ملامح غير راضية واقتحمت المسافة بينهما قائلة: “أختي، ألم تقولي أن لديكِ شيئًا لتخبري به السير ديمون؟”
“…آه؟”
عندها فقط رمق كايلوس روبلين بنظرة خاطفة ثم أشار بذقنه إلى ليسيا وكأنه يأمرها بأن تتكلم.
“حسنًا… هذا…”
لكن ما إن حاولت ليسيا الكلام حتى اجتاحها الخوف. وتجمّدت دماؤها وهي تحت أنظار الاثنين.
حتى شعرت وكأن الهواء انعدم حولها وبدأ رأسها يدور.
“آه…!”
في تلك اللحظة، شعرت بحركة قوية مفاجئة من جنينها وضعت يدها على بطنها.
“ما الأمر؟”
بسرعة البرق، اندفع كايلوس نحوها وأحاطها بذراعيه، ثم حملها برفق وأجلسها على السرير، جاثيًا على ركبتيه أمامها.
“الحركات… الطفل يتحرك بشدة… آه…”
“هل الولادة وشيكة؟”
“لا، لا يزال الوقت مبكرًا. لا أفهم لماذا يركلني بهذا العنف فجأة. أرجوك، توقف.”
كانت ليسيا تهمس لجنينها بينما تعض شفتيها من الألم، وكانت حركات الطفل واضحة حتى من فوق طبقات الفستان.
مدّ كايلوس يده ووضعها على بطنها المنتفخ حيث كانت الحركات واضحة.
“لماذا تُتعب والدتك هكذا؟ لا أجد فيك شيئًا يعجبني.”
بشكل مدهش، توقفت الحركات بمجرد أن لمسها كايلوس. نظرت ليسيا إلى بطنها بدهشة.
هل يمكن أن يكون الطفل قد تعرّف على والده؟ شعرت بقلق غريب يزحف إلى صدرها، وإحساس مزعج وكأن تيارًا كهربائيًا مر في أعماقها.
“هاها، يبدو أن الطفل يعرف أباه.” قالت روبلين بابتسامة عفوية وهي تحاول تلطيف الجو.
لكن كايلوس زفر زفرة طويلة، وقد بدا منزعجًا من تدخلها: “سمو الأميرة روبلين دي يلكا. أظن أنه حان وقت خروجك.”
“…ن-نعم.”
خرجت روبلين من الغرفة ببطء شديد، وكأنها لا ترغب في المغادرة. تابعها كايلوس بعينيه وهو يهز رأسه في ضيق.
“أراكِ لاحقًا، أختي. وإذا حصل جديد بخصوص طلبي، فلتخبِريني بواسطة إحدى الوصيفات.”
ما إن غادرت روبلين الغرفة حتى أطلق كايلروس ضحكة ساخرة: “الطفل يعرف أباه؟ يا للسخافة.”
ورغم سُخريته، بقيت يده تتحسس بطن ليسيا بحركات ناعمة.
“كايلوس… لدي طلب.”
“ناديني باسمي مجددًا.”
“ماذا؟”
“اسمي.”
“…كايلوس.”
رفع كايلوس زاوية فمه في ابتسامة خفيفة ثم أسند رأسه على ركبتيها.
وعندما يتصرف معها بلطف كهذا، كانت ليسيا لا تدري كيف يجب أن تتصرف.
“ما هو طلبك؟”
كانت هذه الفرصة المثالية لتخبره بطلب روبلين.
رغم أنه من شعوب البرابرة الذين اعتادوا الزواج بأكثر من امرأة طوال حياتهم، فإن طلبها قد لا يُعدّ مستغربًا بالنسبة له.
ألم يرغب الإمبراطور نفسه في الزواج من ثلاث شقيقات؟
أخذت ليسيا نفسًا عميقًا، وحاولت تهدئة قلبها المتسارع قبل أن تحرك شفتيها ببطء قائلة: “…هل يمكنك أن تتزوج روبلين؟”
تجعدت جبين كايلوس بوضوح وبدأ يُدلك ما بين حاجبيه
لأول مرة، بدا على وجهه المتمالك دائمًا تعبيراً حقيقيًا من الضيق.
“هاه، أنتِ حقًا…”
ابتسم بسخرية وهو يمرر يده فوق بطنها المشدود. لم تكن لمساته هذه المرة رقيقة كما في السابق، بل حملت قسوةً خفية.
وبينما كان ينظر إلى بطنها الممتلئ كأنّه سيقتل الطفل في أية لحظة، تمتم قائلًا: “سمعت أن والد الطفل يملك شعرًا بنيًا وعينين خضراوين. ليت الطفل كان يشبهكِ بدلًا منه.”
“ك-كيف…؟”
كادت ليسيا أن تصرخ لكنها تمالكت نفسها. لقد وصف كايلوس بدقة والدها “غافرين”. بدا واضحًا أنه قد عرف عن عائلتها أكثر مما توقعت.
“العجوزة التي تسكن في الكوخ كانت ثرثارة للغاية. كانت تقول بأن لديكِ زوجًا وبأنكِ حامل، لذا فلا يمكن أن تكوني المرأة التي أبحث عنها. لكن يبدو أن زوجكِ هرب، أليس كذلك؟”
لحسن الحظ، كانت المرأة العجوز مشوشة بما يكفي كي لا تكشف الحقيقة كاملة.
لكن قلب ليسيا كان ينبض بقوة تكاد تفجر صدرها، ويداها أخذتا ترتجفان.
فجأة، أمسك كايلوس بيدها بقوة. حاولت ليسيا سحب يدها، لكنه لم يسمح لها.
“على أي حال، لا تقلقي كثيرًا. فأنا لا أريد أن أفقد صوتي أيضًا.”
بالفعل، طالما أنه كان مقيّدًا بعهد الحقيقة، لم يكن بوسعه التراجع عن وعوده بسهولة.
رفعت ليسيا دعاءً صامتًا إلى الإلهة ديتي بأن يبقى أفراد عائلتها سالمين.
“إن فقدت صوتي، فلن أتمكن من مضايقتكِ مجددًا.”
ثم بدأ كايلوس يمرر شفتيه المبللتين بحرارتهما فوق يدها المرتجفة.
في كل مرة تلامست شفتيه مع جلدها، شعرت ليسيا وكأن فم وحش يوشك أن يلتهمها.
ثم، فجأة، توقف عن كل شيء. وكأن الزمن قد توقف.
لم تجرؤ ليسيا على التنفس، وظلت تراقبه بصمت.
رفع كايلوس رأسه ببطء، ثم نظر إليها مباشرة بعينيه العميقتين قائلاً: “سأتزوج روبلين دي يلكا.”
قالها بنبرة واضحة وحازمة، لدرجة أن ليسيا شعرت بالذهول. لم تكن تتوقع أن يوافق بهذه السهولة.
تدافعت في صدرها مشاعر مختلطة بين ارتياحٍ وامتنان، لكنها لم تع
رف كيف تُعبّر عنها.
وضعت يدها المرتجفة فوق كتف كايلوس محاولة أن تشكره.
لكن قبل أن تفتح فمها، سبقه كايلوس بالكلام، وهو يبتسم بخبث: “وبعد أن أجعلها زوجتي، سأهديها فورًا إلى عامل الإسطبل في قبيلتي. لنتابع معًا كيف ستقضي شقيقتك حياتها تتدحرج في الوحل بفضلكِ.”
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 27"