كانت الإمبراطورة على وشك أن تأمر كبيرة الوصيفات بإحضار العصا العقابية في الحال، لكنها تنفّست بعمق.
روبلين كانت شقيقة ليسيا دي يلكا، زوجة ابن أختها العزيزة. والآن بعد أن عُثر على الأميرة، لم يعد بالإمكان معاملتها باستهانة كما في السابق.
“سيُخصم راتب هذا الشهر بالكامل. إلى متى سأظل أعلّمك؟ أنتِ وأختكِ من المفترض أن تُقطع رأسيكما على المقصلة، لكنني أظهرت الرحمة وأبقيتكما حيّتين…”
“أنا، أنا آسفة حقًا… أرجوكِ، فقط حياتي…! سامحيني، سأردّ لكِ جميلكِ يا جلالة الإمبراطورة، أعدكِ بذلك.”
كانت روبلين تبكي وهي تضغط يديها ببعضهما بشدة. كانت أصغر من دييغو سنًا، وكانت الإمبراطورة أحيانًا تشفق على هذه الفتاة التي تشاركها نفس الزوج.
“ماذا كان يعلّم قصر يلكا لأميراته؟… كفى، اخرجي الآن.”
“شكرًا لكِ على عفوكِ، يا جلالة الإمبراطورة! سأبذل كل جهدي من الآن فصاعدًا!”
تظاهرت روبلين بمسح دموعها بمنديل، ثم انحنت برشاقة وقد بدا وكأنها كانت تنتظر الإذن بالخروج، ثم خرجت من الدفيئة بخفة. نظرت الإمبراطورة إليها وهي تهرع خارجًا كالعاصفة، ونقرت لسانها بانزعاج.
“ماذا أفعل مع هذه الفتاة الطائشة؟”
ثم جلست مرة أخرى على كرسيها الوثير، وضغطت على رأسها الذي بدأ يؤلمها. اقتربت كبيرة الوصيفات الجالسة قبالتها، وبدأت تدلّك صدغي الإمبراطورة.
“مع ذلك، الأميرة روبلين لا تزال أفضل حالًا. أما الأميرة ديلفينا…”
“هل لا تزال متمسكة بكبريائها؟”
“نعم.”
“كانت وريثة العرش… من الطبيعي ألا تنكسر بسهولة. راقبيها عن كثب حتى تصل الأميرة ليسيا.”
خرجت روبلين من الدفيئة وبدأت تركض في ممرات القصر الإمبراطوري الذهبي الضخم حتى كاد نفسها أن ينقطع.
كانت أيامها جحيمًا متواصلًا، لكن هذا الخبر السعيد الذي لم تسمعه منذ وقت طويل جعل الابتسامة لا تفارق وجهها.
كان من الرائع أن أختها غير الشقيقة، التي ظنوا أنها ماتت، لا تزال على قيد الحياة، لكن ما أفرحها أكثر هو أن ليسيا ستصبح زوجة كايلوس، الذي تحبه الإمبراطورة.
ربما… إن توسّلت ليسيا مباشرة إلى الإمبراطورة، فقد تنجو روبلين أخيرًا من حياة الوصيفة الكريهة هذه!
ما إن وصلت إلى الجناح الملحق الذي يستخدمه خدم القصر، حتى اندفعت مباشرة إلى الطابق السفلي.
كان كل من يصادف روبلين، وصيفة الإمبراطورة، ينحني لها باحترام شديد.
توجهت روبلين إلى غرفة الغسيل الأبعد في زاوية القبو، وصرخت عند الباب:
“أختي ديلفينا! أين أنتِ؟”
في وسط الظلمة الخافتة في القبو، كانت خادمات الغسيل متجمعات وسط ضجة.
“ماذا تفعلن بحق السماء؟!”
صرخت روبلين بغضب، فاستدارت الخادمات نحوها وقد فزعن وهربن على عجل.
على الأرضية الباردة، كانت هناك خادمة واحدة فقط، ملقاة على الأرض ومتكورة على نفسها.
خشيت روبلين أن تتسخ فستانها الفاخر القليل الثمن الذي ترتديه، فرفعت أطراف تنورتها واقتربت من تلك الخادمة التي بقيت وحدها.
“أختي… ديلفينا؟”
كانت ديلفينا، تلك التي كانت تتعرض للتنمر من باقي خادمات الغسيل.
“أين ذهبن جميعًا؟! عُدن حالًا! لن أترككن تفلتن من العقاب!”
بعد وفاة أدين، أمر الإمبراطور بجعل الأختين وصيفتين صامتتين لدى الإمبراطورة، لكن ديلفينا، التي كانت مصدومة من الحادثة، رفضت ذلك بعنف.
وحين استمرّت ديلفينا في تصرفاتها الوقحة، لم تعد الإمبراطورة تتحمل الأمر، فأنزلت رتبتها من وصيفة إلى خادمة، وأرسلتها إلى غرفة الغسيل.
لطالما وُصفت الأميرات الثلاث بأنهن جميلات، لكن الأجمل على الإطلاق كانت ديلفينا. إلا أن مجدها أصبح ذكرى، ومظهرها الآن كمجرد خادمة كان بائسًا للغاية.
“آه، ماذا عن هذه الجروح؟ وقحات حقيرات… كم مرة رجوتُهنّ ودفعْتُ لهنّ راتبي بالكامل ليتعاملن بلطف…”
لم تعد العلاقة بين الأختين كما كانت قبل مجيئهنّ إلى نُوكت. لم تعد روبلين تخاف من ديلفينا أو حتى تخاطبها بلقب الاحترام.
“اتركيني. كلما أظهرتِ تعاطفك، كلما زادوا إيذاءهم لي. ألا تفكرين؟ أيتها الغبية.”
دفعت ديلفينا يد روبلين بقسوة وصرخت. تفاجأت روبلين من ردّ الفعل غير المتوقع، وتراجعت بضع خطوات.
“أ-أختي… فقط قلقت عليكِ…”
“عودي من حيث أتيتِ. لا، لا تعودي أبدًا. أنتِ مثل ليسيا دي يلكا، عاهرة تبيع نفسها لعدو والدنا.
هل تظنين أننا متساويتان لأننا نتشارك الأب؟ لأنك حصلتِ على لقب أميرة؟ تظنين أنك مثلي؟”
رغم أن روبلين كانت تتحمل دومًا سلاطة لسان أختها ديلفينا، إلا أنها في هذا اليوم لم تستطع كبح نفسها.
أحكمت قبضتيها، وتنفست بحدة مرارًا، ثم صرخت في وجه ديلفينا:
“ماذا؟! إذن كان عليكِ أن تموتي مثل أختنا أدين! أنتِ أيضًا جبانة، لم تموتي، بل بقيتِ هنا تتشبثين بالحياة!”
خرجت تلك الصرخة منها دون وعي، ففزعت هي نفسها، ثم اندفعت نحو باب غرفة الغسيل.
وهي على وشك الفرار، توقفت عند العتبة، ثم قالت بصوت مرتجف:
“… ليسيا أختنا… لا تزال على قيد الحياة.”
رفعت ديلفينا رأسها بسرعة، لا تزال جالسة على الأرض.
“يبدو أنها حامل من السير ديمون. يقولون إنها في شهرها الأخير.”
“حامل؟!”
“جلالة الإمبراطورة كانت في غاية السعادة. أختي، دعينا نطلب المساعدة من أختنا ليسيا. جلالة الإمبراطورة تُكنّ الكثير من الود للسير ديمون، أليس كذلك؟”
“…روبلين. أفيقي، رجاءً. أنتِ أميرة من يلكا. أتريدين حقًا أن تتوسلي لمساعدة شخص مثل ليسيا دي يلكا؟”
هزّت روبلين رأسها نافية، رافضة تلميحات ديلفينا. لقب أميرة مملكة يلكا، التي باتت الآن مملكة ساقطة، لم يكن له أي قيمة تذكر في سبيل البقاء.
“أنا كنت دائمًا هكذا. أنتِ تعلمين، أليس كذلك؟
منذ صغري، حين كنتُ أُجبر على مضايقة أختي ليشيا بناءً على رغبة أخواتي… لقد تخليت عن كرامتي منذ زمن.
حتى لو أهنْتِني، إن كان بإمكاني أن أعيش حياة أكثر راحة مما أنا فيه الآن، فسأتوسل لأختي ليسيا.
وإن غيرتِ رأيكِ، تعالي إلى غرفتي. سنذهب معًا ونطلب مساعدتها.”
أن تتوسل إلى ليسيا، التي كانت تحتقرها طوال حياتها؟ هذا كان شيئًا لا يمكن تصوره.
لكن قبل أن تتمكن ديلفينا من قول شيء لاذع، كانت روبلين قد غادرت غرفة الغسيل دون أن تلتفت خلفها.
الغضب كان يغلي في صدر ديلفينا تجاه شقيقتيها، اللتين نامتا مع رجال من نُوكت وخانتَا مملكة يلكا.
ومن على أرضية غرفة الغسيل الباردة، أخذت تصرخ وتنوح لمن لا يمكنهم سماعها، تصبّ لعناتها عليهما.
أنتم خونة لمملكة يلكا… أنتم أعداء أبي…
❖ ❖ ❖
في العربة المتجهة إلى العاصمة، كان الصمت خانقًا لدرجة أنه يكاد يقطع الأنفاس.
منذ الحديث الذي دار بينهما قبل أن يفترقا عند الجرف، أصبح وجه كايلوس أكثر برودة من أي وقت مضى.
ليسيا لم تره يومًا بهذه القسوة.
ذكريات الخوف الذي شعرت به أول مرة التقت به عادت فجأة، فبدأت تتفحص تعابير وجهه بحذر.
وأخيرًا توقفت العربة. بعد رحلة طويلة ومرهقة، كانت ليسيا، التي شارفت على الولادة، قد استنفدت قواها بالكامل.
ترجل كايلوس من العربة دون أن يمنحها نظرة واحدة.
حاولت ليسيا النهوض بصعوبة، لكنها ترنحت. فاقترب منها ثيودور، الذي كان واقفًا عند باب العربة،
ودعمها على مضض، وقد ارتسمت على وجهه علامات النفور الواضح.
“يا إلهي… هل منزل آل ديمون بهذا الاتساع؟”
“هذا هو القصر الإمبراطوري.”
“آه… كما توقعت.”
رغم أنها كانت تتوقع ذلك لأن نُوكت إمبراطورية كبرى، فقد شعرت بالإحراج من ضيق أفقها وابتسمت بخفة.
ضحك كايلوس بازدراء وهو يلتفت إليها:
“كما توقعتِ ماذا؟ أن أمثال كايلوس ديمون، من دون لقب، لا يليق بهم السكن في مكان كهذا؟”
“ليس هذا ما عنيتُه…”
“كايلوس ديمون من دون لقب لا يجرؤ حتى على دعم الأميرة. ثيودور، لا تساعد الأميرة.”
“…ولا أنا أريد مساعدتك ولا مساعدته.”
“إذًا تحركي بنفسك.”
كان قصر نُوكت الإمبراطوري واسعًا… واسعًا جدًا. وخُيّل للليسيا أن برابرةً جهلة بنوا هذا القصر الضخم دون أي حس جمالي.
تقلباتها العاطفية أصبحت أكثر حدة منذ أن أصبحت حاملاً. وبعد خطوات متعثرة كثيرة، بدأت تبكي من الإرهاق.
لكن كايلوس لم يلتفت إليها قط.
كان ثيودور، الذي وجد نفسه عالقًا بينهما،وخدم القصر الذين خرجوا لاستقبالهم، يشعرون بالارتباك، لكن لم يكن بوسعهم مخالفة أمر كايلوس.
كان كايلوس طويل القامة وسريع الخطى، لذا لم تصل ليسيا إلى غرفة النوم إلا بعده بفترة طويلة.
“جهزوا فستانًا. واملأوا الغرفة ببعض الطعام…”
كان كايلوس يتحدث مع الخدم عند دخوله غرفة النوم، لكنه بمجرد أن رأى ليسيا، دخل الحمام وأغلق الباب خلفه بعنف.
بعد أن انحنى الخادم مودعًا وغادر، بقيت ليسيا وحيدة.
بدأت تتأمل غرفة النوم بهدوء. مجرد النظر إلى أرجاء الغرفة استغرق وقتًا طويلاً.
كانت غرفة الضيوف في القصر ضخمة وفاخرة كالقصر نفسه.
جدرانها من الرخام، وكل ما عداها كان مطليًا بالذهب، في أقصى درجات الفخامة.
أما الأثاث فكان من خشب الماهوغاني الذي لا يُستخدم إلا من قبل ملوك وملكات يلكا، ومزخرفًا بذهب حقيقي.
وعلى أحد الجدران، عُلقت خريطة ضخمة لقارة أَلُوس، مرسومة على نسيج ذهبي باهظ.
ظلت تتأمل الخريطة بإعجاب إلى أن سُمِع صوت باب الحمام يُفتح.
التفتت، فإذا بكايلوس يخرج مرتديًا رداءً أسود، يجفف شعره، وينظر إليها من رأسها إلى أخمص قدميها.
“اخلعي الفستان وتمددي على السرير.”
وكأنها تلقت حكمًا بالإعدام، بدت ليسيا على وشك الانهيار وهي تحاول تغطية جسدها بيديها، دون جدوى.
غضب كايلوس من رفضها، وعضّ شفتيه بغيظ. بدا فكه مشدودًا حادًا لدرجة أنه قد يجرح من يقترب منه.
“لقد عقدتِ معي اتفاقًا. وأنا حتى أقسمت بقَسَم الحقيقة. إذًا ألا يجب أن تظهري بعض النية الطيبة؟ أليس من الأفضل أن تتحركي بإرادتك بدل أن أضعك على السرير قسرًا؟”
حاولت أن تتماسك، فمسحت دموعها المتساقطة بكمّها، ثم خلعت بهدوء فستان الم
وسلين الذي كانت ترتديه.
وحين ظهر جسدها مغطى بشميس رقيق وقديم يكشف ما تحته، أسرعت إلى السرير وتلحفت بالغطاء خجلاً.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات