كان الإمبراطور يتحفظ على كايلوس لكنه كان يثق به أيضاً.
فعلى عكس أبنائه، لم يكن كايلوس، على الأقل، شبلاً من الوحوش يتربص بالعرش الإمبراطوري.
اقترب كايلوس حتى أصبح بجانب الإمبراطور وأجاب:
“نعم، هذا صحيح.”
“هل لم يكن أولئك الأوغاد من ييلكا هم من هربوا بالأميرات فعلاً؟”
“ملكة ييلكا ألقت بجسدها أمام السيف من أجل الأميرات.”
“هاه! أي هراء هذا؟!”
تفاجأ الإمبراطور لدرجة أنه نسي وقاره وتصرف بدون لياقة. لكنه سرعان ما استجمع تعابير وجهه بصعوبة وأضاف شيئاً من الجلالة على ملامحه.
ثم قال بنبرة تشير بالاستسلام:
“سيتم ضم الأميرات الثلاث من ييلكا إلى الحريم الإمبراطوري. آه، نعم. لا يمكن أن يمتلك المرء كل شيء. فبما أن دماءهن طيبة، فعليهن أن يسعين إلى إنجاب ورثة نبلاء في المستقبل.”
وكأنه لم يعد يرغب برؤية الأميرات، لوّح الإمبراطور بيده كما لو كان يأمر بإبعادهن.
فتقدم أحد الخدم ليرشد الأميرات إلى طريقهن. لكن ديلفينا صدّت يد الخادم وبقيت واقفة في مكانها كأنها متجذرة فيه.
نظرت ديلفينا إلى الإمبراطور. بدا أكبر سناً من ملك ييلكا، كما أن مظهره لم يكن مميزاً.
من الواضح أن ملامح ولي العهد دييغو الفائقة الجمال ووقفته اللافتة كانت من والدته الإمبراطورة الحسناء.
الإمبراطور نوكت، الذي كان في الماضي محارباً شهيراً، لم يعد اليوم سوى شيخٍ خبيثٍ نخره الطمع والجشع.
“جلالتكم، أرجو أن تلتزموا بوعدكم لنا.”
كانت ييلكا تولي عفّة النساء أهمية تفوق أي مملكة أخرى في قارة أروس، وكانت تحتقر القبائل الهمجية.
ولو أن ييلكا سقطت، لكان من المؤكد أن الأميرات كن سيفضلن الموت على العار. لذا خطرت للإمبراطور خطة.
كانت الخطة تنص على أنه إذا أنجبت إحدى الأميرات طفلاً، فسيتم تعيين ذلك الطفل مستقبلاً كإقطاعي في نوكت ليحكم أراضي ييلكا.
“ما اسمك؟”
“أنا ديلفينا دي ييلكا.”
“سأتذكر اسمك. أنجبي لي ابناً.”
رمق الإمبراطور ديلفينا بنظرات فاحصة من رأسها حتى أخمص قدميها، وعضّ شفتيه ببطء.
ارتجفت قبضة ديلفينا المغلقة بقوة. لكنها حافظت على تعابيرها وانحنت بخضوع.
“جلالتكم، لديّ ما أقوله أيضاً.”
نظرت ديلفينا بدهشة إلى شقيقتها:
“…أدينه؟”
كانت أدينه أكثر من لعن إمبراطور نوكت من بين الجميع، لكنها الآن كانت ترتدي ابتسامة متكلفة شبه مغازلة على وجهها.
لعل هذا أثار فضول الإمبراطور، فبدأ يراقب أدينه عن كثب.
“وما اسمك؟”
“أنا أدينه دي ييلكا.”
فتح الإمبراطور المروحة التي في يده بصوت عالٍ وبدأ يضحك بصخب.
“يبدو أن أميرات ييلكا حماسهن شديد. أنا أُحب النساء اللواتي يعرفن موضعهن ومقامهن. وأنا راضٍ للغاية بقبول ثلاث زوجات كهؤلاء.”
إن نسب ييلكا النبيل وسمعتها في قارة أروس، كأقدم مملكة، كانا استثنائيين.
وحتى إن لم تكن الأميرات جميلات كما تشتهر أسماؤهن، فإن قيمتهن النبيلة لم تفقد بريقها.
والآن، ومع انحناء هؤلاء الأميرات النبيلات طوعاً أمامه لإرضائه، غمر الإمبراطور شعور بالغبطة لا يستطيع إخفاءه.
“هل يمكن أن أحدث جلالتكم على انفراد؟”
“أتودين الذهاب إلى غرفة النوم مباشرة؟”
“بل أريد التحدث إليكم فقط، في هذا المكان أمام الجميع.”
“حسناً، اقتربوا بالأميرة.”
بإشارة من الإمبراطور، تقدمت أدينه بخطى خفيفة ورشيقة حتى صعدت إلى منصة العرش.
كان على المنصة الإمبراطور وزوجته، ودييغو، كايلوس.
كان كايلوس يراقب أدينه عن كثب. كانت هي الأشد عداءً لنوكت بين الأميرات.
كان من الغريب أنها غيرت موقفها فجأة بهذه الطريقة.
اقتربت أدينه حتى أصبحت المسافة بينها وبين الإمبراطور لا تزيد عن طول يد.
وظل كايلوس يراقبها دون أن يزيح بصره عنها.
“جلالتكم، أنا أيضاً أحب من يعرف قدره ومكانته. لكن… يبدو أن جلالتكم لا تعرفون قدري ومكانتي.”
كانت أدينه قد اقتربت حتى بدت وكأنها تهمس في أذن الإمبراطور، لكنها فجأة تغيرت تماماً.
“أنتم الهمج كنتم دوماً وحوشاً. ومن السخافة أن تفكر الوحوش في الاستيلاء على حضارة وتاريخ البشر المقدس.”
” بوجوهكم البشعة هذه، يجب أن تعرفوا قدركم. فموتوا وعودوا إلى موطنكم من التراب!”
لم يكن يُسمح لأحد بحمل السلاح عند المثول أمام الإمبراطور. وكان السحرة ملزمين بارتداء تحف أثرية تعطل قواهم السحرية.
لكن أدينه، التي كانت تتحكم بالمانا لكنها لم تكن ساحرة رسمية، كانت استثناءً.
انطلقت من يدها مانا اتخذت شكل إبر رمادية. وفي اللحظة ذاتها، اندفع كايلوس بسرعة نحوها ودفعها بعيداً.
لمست المانا خدكايلوس بشكل طفيف فقط، ولحسن الحظ، تمكن الإمبراطور من تفاديها بخفة.
أمسك كايلوس بمعصم أدينه وكسره بخفة. رغم الألم الواضح، لم تصرخ أدينه ولو لمرة واحدة.
“كايلوس! اقتل الأميرة!”
بأمر إمبراطوري، أمسك كايلوس بعنق أدينه. كان بإمكانه كسر عنقها في لحظة، لكنه لم يرغب في ذلك، لأنها كانت أخت ليسيا.
رغم الأمر الإمبراطوري، تردد كايلوس في قتل أدينه.
نظرت أدينه بشراسة إلى عيني كايلوس، اللتين امتلأتا بالتردد في قتلها.
“هل تحب ليسيا؟”
“اصمتي، فأنتِ مجرمة حاولتِ اغتيال جلالة الإمبراطور.”
بدأ أفراد العائلة الإمبراطورية يصرخون مطالبين كايلوس بقتل أدينه، وراحوا يضغطون عليه.
عندها، ابتسمت أدينه بسخرية وبدأت تسخر من كايلوس:
“أحقير متوحش وهمجي مثلك يظن نفسه جديراً بليسا؟ ليسيا كانت تكرهك بشدة.
كانت تبكي وتتوسل إلى شقيقاتها أن يساعدنها في إيجاد طريقة لقتلك.
ماذا تظن أن تكون مشاعر والدة ليسيا الآن، وهي محاصَرة بين ذراعي الرجل الذي أذلّ ابنتها؟”
تراجع كايلوس إلى الخلف، دافعًا أدينه عنه. ثم نظر إلى السوار الذي يحيط بمعصمه.
«ماذا تظن أن تكون مشاعر والدة ليسيا الآن، وهي محاصَرة بين ذراعي الرجل الذي أذلّ ابنتها؟»
ظلّت كلمات أدينه تتردد في ذهنه كصدى لا يتوقف.
تسابق عدد من الأمراء، ساعين إلى نيل رضا والدهم، إلى مهاجمة أدينه بدلاً من كايلوس. وفي اللحظة التالية، تدلّى جسد أدينه وسقط بلا حراك.
عجّ القصر الكبير بالهتاف والابتهاج. وكأن مهرجاناً قد انطلق.
في هذا المشهد الوحشي الذي يصعب تصديقه حتى عند رؤيته بأمّ العين، لم تستطع لا ديلفينا ولا روبيلين أن تعترضا أو حتى تذرفا دمعة.
حول الأمراء، الذين قتلوا أدينه، أنظارهم نحو الأميرتين الباقيتين. شعر كايلوس بتلك النظرات، فتقدّم منهما.
“سيدتي الأميرتين، قفا خلفي.”
أسرعت روبيلين إلى الوقوف خلف كايلوس، أما ديلفينا، فكانت لا تزال تحت وقع الصدمة، جامدة كتمثال. أمسك كايلوس بيدها.
نظرت ديلفينا بذهول إلى كايلوس ثم إلى يدهما المتشابكتين.
“سأحمي سموّكما.”
من أجل ليسيا… لم يستطع أن يكمل عبارته، فابتلعها في صدره، ثم راح يبحث عن ليسيا في ملامح ديلفينا.
كانت ليسيا دي ييلكا، التي ارتبط بها بعلاقة “ختم الروح”، لم تمت بعد. طالما لم يرَ جثتها بعينيه، لم يكن بمقدوره الاعتراف بموتها.
ولهذا، كان عليه أن يحمي شقيقاتها. حتى وإن كنّ قد قاسين عليها من قبل، فعليه أن يُبقيهن على قيد الحياة الآن، ويترك القرار بشأن مصيرهن لليسا حين تعود.
فهنّ شقيقاتها بالدم، وأميرات من ييلكا، وطن ليسيا.
أخذ كايلوس ديلفينا أيضاً خلفه. ثم، وسط الفوضى العارمة، انحنى على ركبة واحدة أمام الإمبراطور.
“مولاي، بصفتي زوج الأميرِة ليسيا دي ييلكا، أطلب منكم رجاءً أن تعفوا عن حياة الأميرتين ديلفينا وروبيلين.”
“كايلوس، إذا كنت تزعم أنك زوج الأميرة الراحلة، فإن ديمن أيضاً يجب أن يتحمّل جزءاً من جريمتها. ومع ذلك، ما زلت تصرّ على أنك زوجها؟”
“مولاي، كايلوس ليس زوج الأميرة الراحلة!”
صرخت الإمبراطورة، التي كانت بجانب الإمبراطور، مرعوبة من كلام ابن أخيها، محاولة تدارك الموقف.
لكن كايلوس أجاب بثبات:
“سيتحمل ديمن أيضاً نصيبه من الجريمة.”
❖ ❖ ❖
كان ماضي ليسيا من المحرّمات التي لا يُتحدث عنها.
لكن حتى دون أن يُقال شيء، كانت تصرفات بقايا أنصار ييلكا الذين أرادوا قتلها كافية ليُدرك أهلها ما عانته.
لم تكن ليسيا تغادر الكوخ ولا جبل الجنيات. الذهاب إلى المدينة لبيع الصيد وشراء الطعام والاحتياجات الأساسية كان مهمة كارن وغابرين.
وأثناء ذهاب كارن وغابرين إلى المدينة، توجّهت ليسيا إلى أقرب بيت ريفي من الكوخ.
“هل من أحد هنا؟”
طرقت باب الكوخ. كان يعيش فيه زوجان مسنّان، وكانا مالكي الكوخ الذي تعيش فيه عائلة ليسيا.
“كارن؟”
فتح البابَ العجوزةُ، ولم تكن بكامل وعيها، فخلطت بين ليسيا وكارن.
“أردت فقط أن أسألك شيئاً…”
“أوه، ثيابك خفيفة جداً! ادخلي، سأُحضّر لك شايًا دافئًا.”
قبل أيام فقط، كانت الثلوج قد تساقطت على طريق الجبل.
ومع ذلك، كانت ليسيا ترتدي فستانًا أبيض رقيقًا من الموسلين تحت رداء بني قديم.
فوجئت العجوز ببرودة يديها، وسرعان ما جذبتها إلى داخل الكوخ.
ما إن دخلت، حتى شعرت بالدفء يملأ القاعة الصغيرة بفضل حرارة المدفأة.
أجلستها العجوز على الأريكة وقدّمت لها شايًا بالليمون يتصاعد منه البخار، وخبزًا عليه توت محفوظ.
شربت ليسيا شاي الليمون المُحلّى بالعسل، فشعرت ببعض الارتياح.
راحت تراقب العجوز بحذر، بينما تملأ فمها بالخبز وتبتلعه على عجل.
لم تكن معتادة على الأكل كثيرًا، لكنها كانت تعاني مؤخرًا من شراهة مفرطة.
“ولكن ما الذي أتى بك اليوم؟”
لم تكن تستطيع أن تسأل كارن أو غابرين عمّا يحدث لها.
فلم تجد أمامها سوى هذه العجوز التي لم تلتقِ بها من ق
بل، ولا تعرف حتى اسمها.
وضعت ليسيا فنجان الشاي على الطاولة، وأخذت نفسًا عميقًا، ثم أغمضت عينيها وسألت بصوت خافت:
“كيف يمكنني أن أتخلّص من طفلٍ في بطني؟”
كان وجه العجوز، التي كانت تنظر إليها مبتسمة، يتجمّد تدريجيًا.
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا جاءني رجل وسيم للغاية بوجه غاضب ، وأعطاني أوراق الطلاق؟’ “ما الذي تتحدث عنه أيها الرجل الوسيم؟ لم ألتقِ بك من قبل ، ناهيك عن الزواج بك ، لماذا تعطيني...مواصلة القراءة →
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا...
التعليقات لهذا الفصل " 19"