“……لا شيء.”
مسحت ليسيا دموعها بسرعة بأكمام فستانها الأبيض الباهت المصنوع من الموسلين.
تذكرت روبلين. ربما لا تهتم بباقي أخواتها، لكن قلبها كان منشغلًا بروبلين الخائفة والضعيفة.
لم تكن لتبقى حيّة حتى الآن لولا روبلين. في اليوم الذي أنقذتها فيه، قدمت لها روبلين أيضًا بسكويتة شوكولاتة، تمامًا كما فعلت كارين.
مسحت ليسيا دموعها سريعًا خشية أن تقلق أختها، ثم غيّرت الموضوع.
“هل الجنيات لا يملكن قوى سوى حدة الحواس الخمس؟”
“أمم… نحن نتحكم بالمانا في الأساس. طبعًا علينا أن نتعلم كيف نستخدمها. لكن، باستثناء سحر الشفاء، لا تؤثر فينا أي أنواع سحر أخرى.”
“حقًا؟”
“سحر الشفاء يعمل علينا لأنه يشبه القوة الإلهية في طبيعته، أما الباقي فلا يؤثر. لنفس السبب، يمكننا تعطيل السحر كذلك.
لكن قيل إن من يمتلك دمًا جنّيًا ضعيفًا لا يستطيع ذلك. عادةً الهجناء يستطيعون، لذا أنتِ على الأرجح تستطيعين أيضًا.
هناك خصائص أخرى، سأخبرك بها لاحقًا. نحن حقًا مميزون ورائعون، أليس كذلك؟”
قالت كارين وهي تملس شعر أختها، وقد بدا عليها الفخر والاعتزاز.
“هل كانت أمي تملك علامة الجنيات أيضًا؟”
“ليسيا، كل من يمتلك دمًا جنّيًا يملك علامة ورقية الشكل. وسيلين كانت تملكها بجانب شفتيها.”
تكلم غافرين ببرود، لكن زاوية فمه ارتعشت حين ذكر اسم سيلين. كانت العلامة الورقية على شكل ورقة شجرة رمزًا للجنيات.
وكان غافرين يخفي علامته التي على ظاهر يده دائمًا بقفازات.
“لكن أمي لم تكن تملك شيئًا سوى ندبة حروق بجانب شفتيها.”
“أوغاد. على الأرجح أحرقوها بالنار حتى لا يظهر أنها من الجنيات. هذا أمر يحدث كثيرًا.”
كان بجانب شفتي سيلين ندبة دائرية صغيرة من حرق، وعندما كانت ليسيا تسألها عن سبب الجرح، كانت تكتفي بالابتسام دون أن تخبرها الحقيقة.
ساد صمت ثقيل في الكوخ. ولتخفيف الأجواء، غيرت ليسيا الموضوع.
“أختي، هناك شيء أود أن أعرفه. هل صحيح أن من يُقبّل علامة الجنيات لأول مرة يقع في الحب؟”
“……هذه الصحيفة التي طلبتها. سأخرج الآن لجمع الحطب.”
سعل غافرين فجأة وغادر الكوخ على عجل. نظرت ليسيا بدهشة إلى كارين، التي بادلتها النظرة بابتسامة خفيفة،
ثم كشفت قليلاً عن فتحة بلوزتها عند الكتف لتُريها علامة الجنية على جلدها.
“مِن أين سمعتِ بهذا الكلام؟ هذا مجرد خرافة سخيفة. لكن إن تم تحفيز تلك العلامة، يشعر المرء بإثارة كبيرة.
إذا قبّل أحدهم تلك العلامة، فقد تشعرين بهياج جنسي.
لذا غالبًا ما يتم تحفيزها أثناء المعاشرة أو في أثناء التعذيب. إنها علامة بلا فائدة.”
الآن فهمت. حتى لو كانت تجهل أمور العلاقة بين الرجل والمرأة، إلا أن الإحساس الذي شعرت به حين قبّل كايلوس علامة الجنية لم يكن أمرًا طبيعيًا.
لا يمكن للمرء أن يشعر بتلك اللذة المطلقة إلا إن باع روحه للشيطان.
فور أن تذكرت الليلة التي قضتها مع كايلوس، احمرت وجنتاها بحرارة. رغم أنها الآن هاربة منه، ما زالت تلك الليلة تخطر ببالها من حين لآخر.
“ليسيا، أين علامتك؟ أنا فضولية!”
سألت كارين وهي تداعب جسد ليسيا بمزاح.
“هم؟ إنها صغيرة، تقع أعلى بطني.”
“هذا جيد. إن كانت بارزة، فسيعرفون بسهولة أنك من الجنيات. كما حدث مع أمنا. البشر لا يستطيعون كبح رغبتهم في استعبادنا.”
كذب. ليسيا كذبت على كارين لأول مرة. كانت علامتها في مركز صدرها.
قبل أن يُوقظها كايلوس، لم تكن تعلم حتى بوجود تلك العلامة في جسدها.
في مملكة يلكا، كان الحديث عن الطهارة والعفة مشددًا، ورؤية جسدها العاري كانت تُعد إثماً.
كلما تذكرت علامة الجنيات، ظهر وجه كايلوس وهو يداعب تلك المنطقة.
وضعت يدها على خدها تحاول تبريده، ثم بدأت تعبث بالصحيفة التي أُحضرت لها.
منذ هربت، أصبحت تقرأ الصحف بشغف، خوفًا من أن يظهر خبر بأن كايلوس يبحث عنها.
خشية أن تلاحظ كارين حالها، ركزت ليسيا نظرها على الصحيفة، حتى توقف بصرها عند أحد المقالات:
> [……تم الإعلان عن إعدام آديني دي يلكا، التي كانت أميرة في مملكة يلكا المنهارة. في الأصل، كان من المقرر أن تُمنح لقب محظية، لكنها حاولت اغتيال سوسيس الأول، وفشلت. وتتصاعد أصوات تطالب بإعدام الأميرتين الباقيتين من يلكا كذلك……]
❖ ❖ ❖
بأمر من دييغو، وُضع كايلوس في عربة مخصصة لاحتجاز الوحوش السحرية من المستوى العالي.
طوال الطريق نحو العاصمة، كانت العربة المغطاة بالستائر تهتز بعنف.
وبسبب كايلوس الذي كان يثور بجنون بداخلها، عاش الجنود طوال الرحلة في رعب وخوف دائمين.
عندما وصلت العربة إلى العاصمة، هدأ الاهتزاز، واستعاد كايلوس شيئًا من رشده، مما أتاح إقامة مراسم النصر دون مشاكل تُذكر.
وخلال الاحتفال بالنصر، لم يُخفِ الإمبراطور سوسيس الأول، إمبراطور نوكت، تطلعاته تجاه الأميرات.
وبعد نهاية الاحتفال، انتقل الجمع إلى القاعة الكبرى داخل القصر الإمبراطوري، حيث أقيمت مراسم تكريم الجنود ومكافأة أصحاب الفضل.
جلس الإمبراطور على العرش وبدأ يثني على كل من أبدى شجاعة أو حقق إنجازًا.
أما بطل مراسم النصر، فلم يكن دييغو الذي كان القائد الأعلى فحسب، بل ولي العهد أيضًا، بل كان كايلوس الذي قطع رؤوس ملك وملكة يلكا.
أعلن كبير الأمناء وصول دور كايلروس:
“التالي، القائد العام لقوات الغزو وقائد فرسان القصر الإمبراطوري، السير كايلوس ديمون.”
تقدم كايلوس بزيه الرسمي المطرز بالأنواط وكتّافات فضية، وانحنى أمام الإمبراطور. خطاه كانت سلسة كالماء، لكن وقفته كانت مستقيمة حدّ الصلابة،
وهيبة تعكس كبرياءً خالصًا، مما جعل أميرات نوكت يحدقن فيه بإعجاب ظاهر.
“كايلوس، أحسنت عملًا.”
الإمبراطور الذي كان يوزّع كلمات التقدير بهدوء على الجميع، عدّل جلسته فور رؤيته لكايلوس، ثم نظر بتضايق إلى نظرات بناته المتجهة نحوه.
بدأ الإمبراطور ينقر ذراع العرش بمروحة ذهبية كانت في يده. ثم، وهو يضيق عينيه، حدّق في كايلوس كما لو كان يحاول قراءة أفكاره، قبل أن يتكلم:
“أُقتلت الأميرة التي وهبك إياها دييغو… لقد خسرتَ شيئًا ثمينًا. أميرة من يلكا كانت عروسًا أكثر من كافية لشخص في مكانتك.”
رمق كايلوس السوار الذي يخص ليسيا، والذي كان ظاهرًا أسفل كم معطفه العسكري، ثم ابتسم بهدوء.
“جلالتك، السير ديمون هو من قطع رؤوس ملك وملكة يلكا. لما لا تمنحونه رتبة دوق مكافأة على هذا الإنجاز؟”
تدخلت الإمبراطورة لوشينا، وهي عمة كايلوس، محاولة الدفاع عنه. لكن الإمبراطور نظر إليها بعينين ضيقتين.
“أن نفقد أميرة ثمينة بسبب شرذمة صغيرة من بقايا يلكا… هذا عار على هيبة نوكت. ماذا سيقول الملوك الآخرون عنا؟ سيتهامسون بأن رجال نوكت مجرد برابرة ضعفاء لايستطيعون حتى حماية عرائسهم.”
بهذا قطع الإمبراطور حديث زوجته، ملمحًا ضمنيًا إلى أنه لا ينوي منح كايلوس لقب دوق، حتى رغم إنجازه.
وبينما ظهر على الإمبراطورة خيبة الأمل، ظل كايلوس يبتسم بهدوء.
كانت والدة كايلوس الأخت الصغرى للإمبراطورة لوشينا، وكان بيت أمه أيضًا من أسرة دوكالية نافذة، دوقات “ليفيت”، وهي أسرة حليفة لأسرة ديمون، تتمتع بنفوذ كبير في البلاط.
كان جدّه من جهة الأم، دوق ليفيت السابق، طموحًا للغاية، وقد تزوّجت بناته الثلاث حسب خطط دقيقة:
كبرى بناته زُوّجت للإمبراطور، وثانيتهن لأحد كبار أمراء نوكت في منطقة إيدلس، أما الصغرى فقد زوّجها لدوق ديمون، ليكون سيفه في الساحة السياسية.
تحالف ليفيت وديمون بالزواج، حتى صارا تهديدًا للعرش ذاته. ولكي يضرب مثالًا، قرر الإمبراطور ألا يُعاقب آل ليفيت مباشرة، بل ضرب آل ديمون بقوة، وكانت تلك رسالة واضحة.
وفي حين نال آل ليفيت الحظوة واستمروا في الاحتفاظ بلقبهم وأراضيهم، فإن الإمبراطور اختار أن يُقصي آل ديمون. هذا كان آخر تسامح من الإمبراطور تجاه عائلة زوجته.
لكن دوق ليفيت الحالي رجل ضعيف، لا يُشكّل خطرًا على الإمبراطور. وحده وريث آل ديمون، كايلوس، هو من قد يحمل رغبة في الانتقام.
“أرجو أن تُعاقبني جلالتكم على تقصيري في الحفاظ على شرف نوكت.”
“أوه، كيف أعاقب ابن أختي العزيز؟ لقد قطعتَ رأس ملك يلكا، فلا حاجة إلى عقوبة.”
“أشكركم دومًا على لطفكم وكرمكم، جلالة الإمبراطور.”
“والآن، بعد أن انتهينا من تكريم الجميع، أدخلوا العرائس الجدد.”
فور سماع هذه الكلمات، اشتدّت نظرة الإمبراطورة حدة، كما تغيّرت ملامح جميع المحظيات والأمراء الواقفين أسفل منصة العرش. ظهور منافسات جديدات ليس أمرًا يسهل تقبله.
أما الأميرات الثلاث، فقد انبهرن في داخل نفوسهن بعظمة قاعة القصر الإمبراطوري، رغم ادعائهن العكس.
خُطِف بصر روبلين الصغرى تمامًا من روعة المكان.
كان مدخل القاعة الكبرى، التي تتخذ شكل قبة رخامية ضخمة، يتزين بمجسم ذهبي ضخم لثور، رمز نوكت.
ومن هناك، كانت تمتد القاعة إلى ما لا نهاية، تتصل بسقف مرسوم بزخارف أرابيسك متواصلة بلا انقطاع.
الأعمدة التي تحمل القبة، المجسمات المصوغة على شكل حيوانات وأشياء طبيعية، الشمعدانات التي تتجاوز قامة الإنسان، حتى الجدران وإطارات النوافذ…
كلّها من الذهب الخالص. لا توجد إمبراطورية في قارة أروس تضاهي هذا الغنى.
انحنى دييغو برأسه وهو واقف بجانب منصة العرش. ومع اقتراب الأميرات، لم يخفَ الذهول من وجوه الجميع.
أما كايلوس، فقد أغمض عينيه وكأن تغيّر تعابير الإمبراطور المتقلب بين الحمرة والزرقة أضحكه من الداخل.
“فوف!”
انفجر أحد الأمراء، الذي كان يضع عصابة على إحدى عينيه، ضاحكًا وهو يدير وجهه بعيدًا.
“يا إلهي، إنهن مختلفات تمامًا عن لوحاتهن!”
“أين هي الجميلة الخالدة التي ستخلد في كتب التاريخ؟”
“أن نخوض حربًا من أجل مثل هؤلاء الأميرات… إن كرامة والدي أصبحت في الحضيض.”
وصلت كلمات التهكم إلى آذان الأميرات بوضوح. انكمشت روبلين مرعوبة على نفسها، تكاد تبكي، فيما رمقتهم آديني بنظ
رات حانقة وعيناها تدمعان.
وحدها الكبرى ديلفينا وقفت بكل فخر وثقة تنظر مباشرة إلى الإمبراطور.
“دييغو… لا، بل كايلوس! قل لنا أنت. هل هؤلاء، هؤلاء النساء هن فعلًا أميرات يلكا؟”
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا جاءني رجل وسيم للغاية بوجه غاضب ، وأعطاني أوراق الطلاق؟’ “ما الذي تتحدث عنه أيها الرجل الوسيم؟ لم ألتقِ بك من قبل ، ناهيك عن الزواج بك ، لماذا تعطيني...مواصلة القراءة →
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا...
التعليقات لهذا الفصل " 18"