عادةً ما تحلُّ المصيبة في أكثر لحظات الحياة سعادة. وكان اليوم الذي عثر فيه عليها، كذلك أيضًا.
كانت “ليسيا” جالسة في كوخ قديم تقرأ كتابًا، حين سمعت صوت طرق على الباب، فنهضت من على الطاولة.
لابد أنه أحد أفراد العائلة الذين ذهبوا إلى المدينة.
فتحت الباب بابتسامة مشرقة، كما تفعل دائمًا، لكنها سرعان ما شحب وجهها كليًا.
“كا…يلَوس.”
الظل الذي خلفه الزائر غير المرحب به غمر جسد ليسيا.
“يا له من شرف أن تتذكّريني.”
كيف لها أن تنساه؟ الرجل الواقف أمامها، “كايلوس ديمون”، كان من النوع الذي لا يُنسى بسهولة حتى لو مر عابرًا في الطريق. كان يترك انطباعًا قويًا لا يمحى.
ومن خلف كتفيه العريضين، بدأ رجال مدججون بالدروع بالتجمع أمام الكوخ الصغير. كانوا يحاصرون المكان ليمنعوا هروبها.
دخل المكان بكل بساطة، دون أي اعتبار، مرتديًا زيًا أسود يفيض بالأوسمة، وكان ذلك المكان الصغير الذي أنشأته ليسيا لنفسها قد انتُهِك دون رحمة.
نظرت إلى نفسها. على عكسه، الذي جاء مرتديًا زي فرسان الإمبراطورية الرسمي، كانت ترتدي فستانًا قديماً باهت اللون من قماش الموسلين، وقد بدا عليها الفقر والبساطة.
لكن ما كان يقلقها أكثر من مظهرها البائس، شيءٌ آخر.
“يبدو أن صاحبة السمو الملكي لا تفرح بلقاء زوجها بعد طول غياب، أليس كذلك؟”
نظرته الحادة بعينيه الزرقاوين الفاقعتين، تحت شعره الأسود المصقول، كانت مسلطة عليها بقسوة.
حين توقفت عيناه عن التجول في جسدها واستقرت في مكان معين، غطت بطنها بسرعة بشكل غريزي.
ابتسامته الواثقة بدأت تتلاشى تدريجيًا. اقترب منها ببطء، كما لو كان يطارد فريسة.
الكوخ كان صغيرًا، وما لبثت أن تراجعت حتى اصطدمت بالجدار.
“صاحبة السمو. هل استمتعتِ بتلك المتعة القصيرة؟”
كان دائمًا ما يتكلم بلغة الاحترام حين يسخر منها أو يهينها.
أشاحت ليسيا بنظرها دون أن تجيب، لكنه أمسك بذقنها عنوة وأجبرها على النظر إليه.
“…هاه.”
تأوهت بخفوت، وقد غمرها الخوف. والتقت نظراتهما بحرارة متبادلة. وقتها فقط، ارتسمت على شفتيه ابتسامة مليئة بالرضا.
“ليسيا دي يلكا. لو كنتِ على قيد الحياة، كان عليكِ أن تأتيني. لا أن تحملي طفل رجلٍ آخر.”
ورغم قساوة كلماته، نظر إلى بطنها المنتفخ بابتسامة خفيفة. ثم انحنى بأناقة، وضع يده على بطنها، وبدأ يهمس بصوت مخيف:
“يا صغيري… لا يهم من هو والدك. من الآن فصاعدًا، سأكون والدك.”
ما الذي يقوله هذا الرجل لطفلٍ ليس له؟ لم تستطع ليسيا أن تفهم تصرفاته.
“سأعثر على ذلك الوغد الذي جعلكِ حاملًا، وسأقتله بلا شك.”
فكرت: إذن لماذا لا تقتل نفسك؟ وكاد يراودها شعور بالرغبة في إخباره بمن هو والد الطفل.
❖ ❖ ❖
ليلة الانتصار الساحق على العدو، كانت صرخات الرجال والنساء تصدح في أرجاء المعسكر.
وليّ العهد الذي ظفر بالنصر كافأ كل الجنود المشاركين في الحرب بمنحهم الأسرى، تعبيرًا عن امتنانه.
وإن كان في الظاهر القائد الأعلى لهذه الحرب هو ولي العهد، إلا أن القائد الحقيقي من خلف الكواليس لم يكن سوى الرجل الثاني في القيادة وقائد فرسان الإمبراطورية {كايلوس ديمون}
بعد انتهاء الحرب، اجتاحه الإرهاق كفيضانٍ غامر. كل ما أراده هو إلقاء نظرة سريعة على الهدايا التي أرسلها له صديقه القديم، ثم النوم.
وفي اللحظة التي همّ فيها بخلع خوذته…
“سيدي ديمون. ولي العهد قد أرسل هديته.”
“أحضروها.”
كانت هدية ابن عمه، صديقه القديم ووليّ العهد، مختلفة هذه المرة عن أي مرة سابقة.
جاء أحد الفرسان يجرّ امرأة ترتدي ثوب نوم شفاف، وكانت معصوبة العينين والفم ومقيّدة،
تتحرك بتخبط فوق سجادة مصنوعة من شعر الماعز، دون أن تدري أن ما بين ساقيها مكشوف تمامًا.
نظر الخادم إليها وهز رأسه، ثم تمتم بسخرية:
“إنها ليسيا دي يلكا، الأميرة غير الشرعية التي اعتُبِرت من الهدايا الرخيصة.”
“…هل يفترض بي أن أتخذها زوجة؟”
“القرار لك يا سيدي. إن لم ترغب بها، يمكنك منحها لأحد ضباطك. وليّ العهد سيتفهم رغبتك.”
“غادر.”
كان من الأفضل لها ألا تفهم ما يقولونه، ولكن البرابرة الذين أسقطوا وطنها كانوا يتحدثون اللغة المشتركة للقارة، لذا كانت ليسيا تدرك تمامًا ما يدور حولها.
تململت في مكانها مذعورة وهي تحاول المقاومة، لكن القيود حول جسدها جعلت مقاومتها بلا جدوى.
“تبًا لك، دييغو.”
تذكّر كايلوس وجه ابن عمه حين قال إنه سيقدم أميرات يلكا لوالده. ويبدو أن هذه المرأة كانت من ضمن خطته ليجعلها زوجة لكايلوس.
على عكسه، الذي كان وضيع الأصل، هذه المرأة وإن كانت غير شرعية، فهي أميرة من دمٍ نبيل.
غرق في التفكير قليلًا، ثم قرر أن يمنح الأميرة حق تقرير مصيرها بنفسها.
خلع درعه الحديدي وقفازاته الجلدية واقترب منها.
حين لمست يده الغريبة جسدها، بدأت تقاوم بشدة. بدأ بفك العصابة عن عينيها أولًا، وحين انفتحت رؤيتها، أخذت تنظر حولها بتوتر.
بدت كحيوان صغير أُلقي فجأة في أرضٍ غريبة. كايلوس ضحك ساخرًا.
كانت جميلة إلى حد لا يجعل من وصفها “هديّة رديئة” أمرًا مقبولًا. أشبه بجوهرة زمرد ثمينة.
مد يده إلى فمها، وفكّ اللجام. بدأت تسعل بعنف حين أصبحت حرة.
الآن حان وقت معرفة قرار الأميرة.
“…الأميرة ليسيا دي يلكا.”
ناداها كايلوس بعد أن ظل يحدق فيها لفترة. ارتعشت من صوته المنخفض الخشن.
“…مَن…”
“هل أنت عطشى؟”
أرادت أن تسأله: من أنت؟ لكن حلقها كان جافًا فلم تستطع الكلام. اكتفت بهز رأسها، فنهض كايلوس بنفسه، حرر يديها وقدميها، ثم قدّم لها قِربة ماء.
شربت بجشع من شدة العطش، حتى نسيت خوفها.
“اشربي ببطء.”
وبينما كان يطعمها الماء كفرخٍ صغير، عاد كايلوس إلى سريره، وجلس عليه، ثم ألقى سؤالًا مصيريًا يحدد مصير هذه الأميرة التي دمر مملكتها بيديه:
“هل تريدين أن تعيشي ولو بالعار؟ أم تفضلين الموت حفاظًا على كرامتك؟”
اتسعت عيناها الزرقاوان فجأة. لم يكن هناك سوى خيارين: إمّا أن تضاجعه، أو تنتحر.
بدت الشائعات عن قتل البرابرة للأسرى الذين يرفضون المعاشرة صحيحة.
نظرت ليسيا إلى سوار في معصمها الأيمن، مرصّع بحجر أبيض باهت.
هذا السوار لم يكن يملك أي خاصية سحرية، باستثناء كونه يوقف عمل الأدوات السحرية الأخرى. لم يكن مفيدًا في هذه اللحظة.
لكن بالنسبة لها، كان يعني الكثير. الحجر السحري في الوسط يحتوي على رماد والدتها. ولهذا السبب فقط لم يتمكن الجنود من أخذه.
ولكي تفي بوصية والدتها، كان عليها أن تبقى حيّة. ولكي تحيا، عليها أن تقدم جسدها.
بعد تردد طويل، عضّت شفتيها وقالت:
“…أريد أن أبقى حيّة.”
في تلك اللحظة، كل حركة بسيطة من ليسيا كانت كالخنجر في كرامة كايلوس.
أن تكون معاشرته لها أمرًا لا يُحتمل لهذا الحد، لأنه مجرد بربري بنظرها، لا أمير ولا إمبراطور.
كبح جموح كرامته المدمرة، وسخر:
“إذن يمكنك معاشرة أي رجل من رجال نوكت. ليس بالضرورة أنا. هل ترغبين أن أختار لك؟ يمكنني أن أستدعي جنودي الآن لتختاري من يناسب ذوقك.”
ورغم هذا السخرية الواضحة، فردت ليسيا كتفيها ورفعت ظهرها معتزة بنفسها.
لطالما نُظِر إليها كأميرة غير شرعية طوال حياتها، لكنها كانت تحرص على ألا تفقد كبرياءها أمام الخدم أو النبلاء الأدنى منها.
والآن، فعلت الأمر ذاته.
“…طالما أنني سأبقى على قيد الحياة، لا يهم من يكون.”
نظر إليها كايلوس ببطء. رأى تحت ثوب النوم الشفاف الترقوة والكتفين، والثدي الممتلئ، والساقين النحيفتين.
كانت حركات خوذته الفضية ذات الريش الأسود فاضحة للغاية.
أدركت ليسيا أنه يتفحص جسدها، فجمعت قماش الثوب على صدرها لتحاول تغطيته.
رغم سنوات من التدريب والانضباط، ما إن أدرك كايلوس أن هذه الأميرة النبيلة التي ظنّ أنها بعيدة المنال أصبحت بين يديه، حتى اشتعلت شهوته.
فقد والديه في صغره، وسُلب منه لقبه وأرضه، ونشأ كرهينة في القصر.
رغم أن خالته كانت الإمبراطورة، وكان دييغو هو ولي العهد، إلا أن الحياة في القصر لم تكن سهلة.
كان يُعتبر مجرمًا حتى لو نظر للأميرات بمودة.
وها هي الآن، أميرة يلكا، تقف أمامه.
كانت سلالة أميرات يلكا كافية لتمنح شرعية لأي ملكٍ في دولة ناشئة. حتى وإن كانت غير شرعية، لا تُقارن بأميرات نوكت.
شعر بنشوة انتصار لم يعهدها في أي ساحة معركة. شعر أن دمه يتجه نحو أسفل جسده كصبي صغير.
شدّ فكّه ليكبح رغبته، ثم قال ببطء:
“هناك شيء عليك أن تعرفيه.”
خلع خوذته، فتناثر شعره الأسود المبلل بالعرق. سقطت الخوذة على الأرض بصوت مدوٍ.
وجهه لم يكن يشبه وجه محارب همجي، بل فارس نبيل.
توقعت ليسيا أن يكون شكله قاسيًا وخشنًا، لكنه بدا رقيقًا ووسيمًا، ببشرة سمراء ناعمة وملامح حادة أنيقة.
مسح شعره المتدلي بيده ببطء.
“أنا من قطع رأس والدك.”
تجمدت ليسيا في مكانها. عيناها اللامعتان انطفأتا، وانحنت رأسها بسرعة كي لا يظهر قبحها الداخلي.
إن نامت مع هذا الرجل، فستكون تلك خيانة مطلقة. لكن في الوقت نفسه، ستكون انتقامًا مثاليًا من العائلة المالكة التي عذبتها طول حياتها.
رفعت رأسها، وأجابت بشفتيها المرتجفتين:
“مهما فعلت، قراري لن يتغير. لا يهم مع من انام.”
ابتسم كايلوس بعينين كسولتين راضيًا عن ردّها.
“رائع. أميرة فاجرة تود أن تنام مع قاتل والدها.”
ثم أشار بإصبعه وقال:
“تعالي.”
حاولت الوقوف، لكنها لم تستطع السيطرة على جسدها، فترنحت. فأطلق كايلوس صوتًا مستاءً، ثم اقترب منها وحملها بين ذراعيه.
ارتجف جسدها الصغير حين لامسه الدرع البارد. كان طويل القامة جدًا، فاضطرت أن تلف ذراعيها حول
عنقه حتى لا تسقط.
تلاقت أعينهما للحظة، لكنها سرعان ما أشاحت بنظرها. لم تستطع مقاومة تلك النظرة الحارقة في عينيه.
وفي عينيه الزرقاوين، لم يكن هناك سوى شهوة نارية.
أدركت حينها حدسيًا،هذه الليلة… سيفترسني تمامًا.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 1"