فتحتُ عيني وسط الظلام، وبدأت حالتي الذهنية التي كانت ضبابية تستعيد شيئًا فشيئًا صفاءها.
وفجأة، خطرت ببالي فكرة عابرة:
‘ما هذا الوقت حتى يكون المكان مظلمًا إلى هذا الحد؟’
فركتُ عينيّ ونهضتُ من مكاني. ومع تحسّن الرؤية تدريجيًا، بدأت ألحظ خيطًا رفيعًا من الضوء يتسلل إلى الداخل.
‘… الستائر؟’
دون تفكير، أمسكت بستارة السرير وجذبتها بعنف، وإذا بمنظرٍ غريبٍ تمامًا ينكشف أمام عيني.
‘هاه؟’
ما هذا المكان؟
كنت واثقة من أنني في غرفة نومي في قصر دوقية روزانهير، لكن ما رأيته كان مشهدًا غريبًا تمامًا لغرفة نومٍ لا أعرفها وكأنها تقول لي: “مفاجأة!”
وما خطر في بالي على الفور كان:
‘… هل يُعقل أنني تجسّدت مرة أخرى في عملٍ جديد؟’
بدأت أتذكر عشرات الأعمال التي تبدأ بجملة: «سقفٌ غريبٌ عليّ…»، حين فجأة-
“أميرتي، استيقظتِ؟”
“آه!”
ناداها صوت مألوف.
“سـ… سمو الارشيدوق؟”
شعره الذهبي المتلألئ بلون الغروب، وعيناه الحمراوان اللتان استعادت برودهما المعتاد… كان الارشيدوق يلوّح لها بيده من بعيد.
سألته بدهشة:
“أين نحن؟”
“في منزلي.”
“ماذا؟!”
“لِمَ كل هذا الذهول؟”
“أ- أعني…”
العينان المتوهجتان المرعبتان التي رأتها قبل أن تفقد وعيها، وكأنها كانت محض كذبة. فقد بدا الآن شديد البرود، حتى أنه هزّ كتفيه بلا مبالاة. لم تستطع إخفاء دهشتها.
“مهلاً، لماذا أنا في منزلك، سمو الارشيدوق؟! وفوق ذلك، في غيبوبة؟!”
“نادِني كاميل. أما عن السبب، فأنتِ حقًا لا تعلمين؟”
“لا أعرف شيئًا على الإطلاق!”
وقف الارشيدوق الذي كان مستندًا إلى الحائط، ثم خطا خطوة نحوها. أمسكت الغطاء بكلتا يديها لا إراديًا.
“أتظنين أنه يمكنكِ العودة إلى منزلكِ بكل بساطة بعد أن فعلتِ بي ما فعلتِ؟”
“مـ… ماذا؟”
‘ما الذي يهذي به هذا الرجل؟’
“ما الذي فعلته تحديدًا؟!”
“لقد…”
اقترب منها خطوة أخرى. ومن تلك المسافة القريبة، استطاعت رؤية حرارةٍ غير عادية تتلألأ في عينيه.
“جعلتِني أتوسل إليكِ.”
“هاه؟”
‘أنا فعلت… ماذا؟’
“أتوسل؟ آه…”
عندها فقط، ومض في ذهنها شريط من الذكريات:
“أرجوكِ… افعلي ذلك…”
“أنا أرجوكِ… أتوسل إليكِ…”
“للعلم فقط، لم أتوسل لأحدٍ منذ أن كنت في السابعة من عمري.”
إذًا نحن أمام نسخة مكررة من ذلك النوع من الرجال الذين يقولون: أنتِ أول من جعلني أشعر بهذا…
كانت تحدق فيه بشرود وهي تفكر بسخرية، لكنه حينئذٍ تقاطع ذراعيه وابتسم لها ابتسامة مشرقة وهو يميل بجسده نحوها.
“تغاضيتُ عن الأمر مرة، لكن لن أسمح لكِ بذلك مرة أخرى.”
“…”
قشعريرة اجتاحت جسدها، وقال بهدوء مريب:
“والآن، كيف ستتحملين المسؤولية؟”
“مسـ… المسؤولية؟!”
يا إلهي. لم تكن تدري أن كلمة عادية كـ”المسؤولية” يمكن أن تُفسّر بهذا الشكل المشبوه.
“ماذا عليّ أن أتحمل تحديدًا؟!”
رغم محاولتها السيطرة على نبرتها، إلا أن صوتها ارتجف قليلًا.
‘لا، فكرّي بالمنطق!’
هي لم تجبره على التوسل، هو من فعل ذلك بنفسه! لماذا يُحمّلها هي المسؤولية فجأة؟
وفي تلك اللحظة، ظهر تنبيه أمام عينيها:
<النظام> لقد دخلتِ في “حدث مصغّر: جدال مع كاميل”!
إذا فزتِ في الجدال وتلقيتِ منه اعتذارًا، ستحصلين على المكافآت التالية:
ارتفاع كبير في مقياس المودة مع كاميل
+30 في مهارة الإقناع
أما إذا فشلتِ، فستحصلين فقط على مودة صغيرة، وتنخفض مهارة الإقناع لديكِ بمقدار 50 نقطة، كما سيتم خفض لقبكِ من “سيدة التفاوض” إلى “مفاوضة متمرّسة”.
‘إيه، ماذا؟’
حدثٌ مصغّر في هذا التوقيت بالذات؟!
لم تكن تمانع خوض الأحداث المصغّرة عمومًا، لكن العقوبة في حال الفشل كانت فادحة هذه المرة.
انخفاض مهارة الإقناع وخفض اللقب… لا، هذا غير مقبول. عليّ الحصول على اعتذار منه مهما كلّف الأمر!
فتحت فمي بسرعة وقلت:
“فكر جيدًا، يا سمو الارشيدوق. أنا لم أجبرك يومًا على أن تتوسل إليّ!”
كان هجومًا واثقًا، لكن كاميل تلقاه بهدوء وردّ بسخرية:
“لكن من المؤكد أنكِ فعلتِ شيئًا بي.”
“ذاك…”
تلعثمتُ وأطبقتُ شفتيّ، لأن جزءًا من كلامه لم يكن خاطئًا تمامًا.
“سواء كان ذلك عند ضفة الماء يومها أو اليوم… لقد أثّرتِ عليّ بطريقةٍ ما. وتلك الطريقة…”
“…”
“…جعلتني أفقد صوابي قليلًا، على ما يبدو.”
وجهه المبتسم بدا مخيفًا، بصراحة بدا كالمجانين.
بللت شفتيّ بطرف لساني بينما أبحث عن رد مناسب.
“أعني… ما أقصده هو…”
‘ما الذي يمكنني قوله؟ أنني لم أكن أتوقّع أن يحدث كل هذا؟’
لكن كاميل لم يكن قد أنهى كلامه بعد.
“وفوق ذلك، خذي موضوع الجوهرة اليوم مثلًا.”
“الـ… الجوهرة؟”
“نعم. لقد امتصها جسدي.”
“نـ… نعم، هذا ما حدث.”
“أليس هذا من فعلكِ أنتِ أيضًا؟”
“ماذا؟!”
هذا تحديدًا كان ظلمًا فادحًا!
“كيف لي أن أفعل شيئًا كهذا؟! لم أكن أتوقّع ما حصل إطلاقًا، أقسم لك بذلك!”
“وكيف لي أن أصدقكِ؟”
“ماذا؟!”
طالما كان واثقًا بأنه الضحية، فلن يجدي أي تفسير نفعًا.
فلأترك موضوع الجوهرة جانبًا وأبدأ بتوضيح ما قاله في البداية.
“دعني أشرح من البداية.”
“…”
“لكن أولًا، دعنا نغيّر مكان جلوسنا.”
الجلوس على السرير فوقي ورفع رأسي للنظر إليه لم يكن وضعًا مريحًا أبدًا.
“…حسنًا.”
وافق كاميل، وانتقلنا معًا إلى الأرائك المتقابلة في طرف الغرفة، حيث جلسنا وبيننا طاولة صغيرة.
“والآن، فسري.”
“بخصوص ما قاله سموك عن أنني فعلت شيئًا بك…”
تنهدت قليلًا وتابعت:
“أنتوعلى علم بأنني أمتلك قوة تطهير ضمن قدراتي المقدسة، صحيح؟”
“تقصدين أن ما استخدمته عليّ كان قوة التطهير؟”
كان سريع البديهة، التقط المعنى مباشرة.
“تمامًا.”
“إذًا عندما سألتني من قبل عما إذا كان هناك شيء ملوث في داخلي، كان ذلك بسبب تلك القوة؟”
يا له من رجل. يتذكّر كل شيء.
أومأت برأسي بامتعاض مكتوم.
“وهل لديكِ دليل يجعلني أصدق ذلك؟”
“حتى إن لم تصدّقني، فليس لدي شيء آخر أقوله.”
نظرتُ في عينيه الحمراوين مباشرة وقلت:
“لأنها الحقيقة.”
“…”
“ثم إنني لا أملك أدنى فكرة عن سبب توسلك إليّ، سمو الارشيدوق. أنا فقط استخدمت قدرة التطهير. وإن حدث شيء غير متوقّع بعدها، فهذا منك لا مني.”
“تابعي.”
“بل إنك من طلبت مني أن أفعل، أليس كذلك؟”
بدأت أشعر بالغبن فعليًا.
“في البداية، كنتُ أظن أنك تسممت من دم الوحش، فطبقتُ التطهير لهذا السبب. واليوم، توسلت إليّ ففعلت ذلك ثانية. هذا كل ما في الأمر!”
لو كنت تشعر بالسوء لما توسلت هكذا من البداية!
“وإن استمريت في اتهامي بهذا الشكل، فلن أفعل ذلك مجددًا أبدًا!”
“يا للعجب، أميرتي.”
ضحك كاميل ضحكة خافتة وسأل:
“هل تهددينني الآن؟”
“نعم.”
أجبتُه عن قصد بنبرة واثقة.
“أنا لم أرتكب أي خطأ. وإن كنت ستستمر في الضغط عليّ هكذا، فلن يكون أمامي خيار سوى الامتناع عن مساعدتك مجددًا.”
“…”
“ثم إني لا أفهم أصلًا كيف تمكنتُ من تطهيرك وأنت لست ملوث بدم الوحش. لا أعلم السبب حتى أنا.”
“تبدين ذكية أحيانًا، أميرتي.”
قالها وهو يرمقني بنظرات حادة، كأنما أعجبه منطقي.
تنهدت وقلت:
“ولأجل هذا الحديث، كان لا بد أن تخطفني؟”
“ذلك…”
حدق بي طويلاً. في عينيه شعور غريب يصعب تفسيره… بدا كمن يشعر بالحزن أو الإحباط…
‘لماذا ينظر إليّ هكذا؟’
‘أنا من يجب أن يشعر بالضيق الآن، لا هو!’
“ما الأمر؟ هل لديك سبب يدفعك لفعل ذلك؟”
“أميرتي…”
لأول مرة، بدا وكأنه لا يرغب في الحديث. لكنني لم أترك له مجالًا.
“ماذا عني؟”
“كنتِ تتجنبينني باستمرار.”
‘آه.’
‘هذا صحيح فعلاً…’
تنهد وقال بهدوء:
“حتى أنا لا أفهم ما الذي يحدث لي بالضبط… وأنتِ، الشخص الوحيد القادر على تفسير ذلك، تتهربين مني… كيف لا أسيء الفهم في هذه الحالة؟”
“ذاك… أعني…”
“أنتِ على الأقل كنتِ تعلمين أن لديكِ قوة تطهير، أما أنا… فلم أكن أعلم شيئًا على الإطلاق.”
تابع بصوت خافت يشوبه الحزن:
“عندما استخدمتِ تلك القدرة الغريبة عليّ، شعرت وكأنني أفقد عقلي في اللحظة الأولى.”
“لماذا؟”
“كيف أشرح ذلك؟”
بلّل شفتيه بلسانه، وعيناه الخافقتان بدأت تتوهّجان ببطء وهو يسترجع تلك اللحظة.
“لم أشعر بمثل ذلك الإحساس في حياتي قط.”
“…”
“لا ضجيج مفرط، لا أصوات مزعجة، لا ألم، لا انزعاج… لا شيء…”
‘ما هذا الكلام الغريب؟’
‘ذلك الشعور الذي يصفه… أليس هو ما يشعر به الناس عادةً حين يكونون بخير؟’
لكن بدا صادقًا في حديثه، ولم يكن يكذب.
“إذًا، كيف تشعر عادةً؟”
“هذا سر.”
قالها وهو يبتسم برقة.
“لكِ أن تحاولي التخمين، لكنني لن أصرح به بنفسي.”
أحسستُ بشعور غريب جعلني ألوذ بالصمت.
‘ما هذا…؟ أشعر وكأنني ارتكبتُ شيئًا جللًا دون أن أدرك…’
كأنني نزعتُ صاعق قنبلة دون أن أعلم أنها قنبلة أصلاً…
“على أي حال… نعم، لقد أخطأت حين أحضرتكِ فجأة إلى منزلي. أعتذر عن ذلك.”
التعليقات لهذا الفصل " 99"