<النظام> تحذير! تم رصد “الطاقة السحرية المشوّهة”!
<النظام> هل ترغبين في استخدام قوة التطهير؟ نعم أو لا.
ابتلعت ريقي بصعوبة.
لأنني كنت قريبة جدًا منه، شعرت بجريان تلك الطاقة المشوّهة الهائلة التي تصدر عن الارشيدوق، حتى إنّ قشعريرة حادة سرت في جلدي من شدتها.
“أنتِ…”
قالها وهو يحدّق بي بنظرات حادة، كأنّ عينيه تريدان اختراقي دون رحمة.
“لا ينبغي لكِ… أن تكوني هنا.”
قال إن وجودي هنا لا يجوز، ومع ذلك لم يترك معصمي، ظل ممسكًا بي بإحكام.
‘ما العمل الآن؟’
تلك الطاقة المشوّهة التي تنبعث منه هائلة للغاية… ولا أظن أنني قادرة على التعامل معها وحدي.
“…أه…”
وبينما كنت مترددة، انهارت ركبته فجأة دون مقاومة.
“سمو الارشيدوق!”
صرخت دون شعور، ثم جلست بجانبه بسرعة أتحسس حالته وهو يطأطئ رأسه بضعف شديد.
“هل أنت بخير؟”
“…”
لكنه لم يُجب.
في تلك اللحظة، انبعث صوت غريب يشبه الأنين أو البكاء… لكنه كان ضحكة مشوّهة.
‘!’
‘الوضع خطير للغاية’
كنت قد توقعت الأمر إلى حد ما، لكنه بالتأكيد ليس في وعيه الكامل.
فبالنظر إلى أنه امتص كرة المانا الأسطورية بكل طاقتها الهائلة دون أي فلترة أو حماية، لَكان من الغريب أن يبقى سليم العقل.
“أه، سموّك؟ سمو الارشيدوق؟ رجاءً، استعيد وعيك، نعم؟”
تمتم الارشيدوق بصوت خافت بالكاد يُسمع:
“أرجوكِ…”
“…”
“افعليها… تلك…”
من سياق كلامه، فهمتُ أنه يقصد “التطهير”.
‘لكن، إذا قمتُ بالتطهير…’
ترددت، فقد تذكرت كيف تغيّر كاميل بشكل مقلق فور أن تلقّى التطهير من قبل.
“سموّك، إن فعلتُ ذلك…”
“أنا…”
رفع الارشيدوق رأسه بصعوبة، وقطرات من العرق البارد تنساب على جبينه الشاحب.
“أنا أرجوكِ… أتوسل إليكِ…”
كانت نبرته شاحبة، متوسّلة، فيها نغمة من الحزن كأنّه طفل يتدلل بأسى.
‘ما الذي يجب عليّ فعله الآن؟’
وبعد تردّد قصير، قلت:
“حسنًا… سأحاول، لكن لا يجوز أن تتصرف كما فعلت في المرة السابقة، أتفقنا؟”
بدلًا من الرد، أطلق الارشيدوق أنينًا خافتًا وسقط مترنّحًا.
فزعتُ وسرعان ما أسندتُ جذعه المنهار دون تفكير. وعندها، ظهرت مجددًا رسالة النظام:
<النظام> تحذير! تم رصد “الطاقة السحرية المشوّهة”!
<النظام> هل ترغبين في استخدام قوة التطهير؟ نعم أو لا.
لم يكن من الممكن أن أتردّد أكثر من ذلك.
‘نعم، نعم’
حسمت أمري واختَرت “نعم”.
<النظام> يتم الآن تفعيل قوة التطهير.
<النظام> إجمالي قوة التطهير الحالية: 1131
بمجرّد أن رأيت الرسالة التي تُظهر إجمالي قوة التطهير، خطرت لي فكرة فجائية:
‘إن استخدمتُ كل هذه القوة، فسأُغمى عليّ مجددًا على الأرجح…’
‘هل يمكنني التحكم بكمية القوة المستخدمة؟’
قوة التطهير تخرج من جسدي، فلا بد من إمكانية ضبط تدفقها.
قررت المحاولة.
بدأتُ بإغلاق مسار تدفّق القوة قليلًا، كي لا تنفد دفعة واحدة.
وفجأة ظهرت رسالة جديدة:
<النظام> محاولة تطهير بمقدار 467…
‘لا، ليس بهذا القليل! أحتاج أكثر من ذلك!’
<النظام> محاولة تطهير بمقدار 1131…
‘لا، لا! ليس كلها!’
حاولت إعادة التحكم، لكن الأوان كان قد فات. كانت قوة التطهير قد تدفقت بالفعل من يدي.
<النظام> تم التطهير بنجاح باستخدام 1131 من القوة!
تدفّقت من جسدي تلك الهالة الذهبية نفسها التي ظهرت عندما قمت بتطهير الحديقة سابقًا.
“…آه…”
رفع الارشيدوق رأسه بتعب، يضغط على أسنانه بشدّة.
“أنتِ…”
“هشش.”
على عكس المرات السابقة، حين تركتُ قوة التطهير تفعل ما تشاء، حاولت هذه المرة أن أتحكم بها بدقة.
‘بما أن الكمية الحالية لا تكفي لتطهير كل شيء…’
‘ربما يمكنني فقط تقليل تدفّق الطاقة المشوّهة ولو قليلًا؟’
بقيت الهالة الذهبية تدور من حول جسدي، تحاول القبض على تلك الهالة السوداء الضخمة التي كانت تتموّج داخل جسد الارشيدوق.
هل كانت مجهوداتي تؤتي أُكلها؟
أخيرًا، بدأت الهالة الذهبية تختلط تدريجيًا بتلك الطاقة السوداء المتضخّمة.
كان الأمر أشبه بحلم.
بينما كان يصارع آلامًا خانقة تضغط على صدره بقسوة، فكر كاميل في نفسه:
‘لي، يوري…’
لقد غفلت.
رغم أنني لا أرغب في الاعتراف، إلا أن لا شيء يفسّر هذا الوضع سوى تلك الكلمات.
‘تلك الجوهرة، كيف…؟’
‘كيف اتضح أنها كانت… القلب؟’
حدث غير متوقّع لحقه آخر، وكاميل لم يستطع إلا أن يلفظ أنفاسه من شدة الألم، وكأن قوى عاتية كانت تعتصر جسده بلا رحمة.
تشبّثت يداه بالحائط، وقد بدأت أنامله تغوص في حجارة القصر من شدة التوتر.
‘لا يمكن… أن يستمر هذا… لا يمكن!’
بكل ما أوتي من قوة، حاول كاميل أن يُمسك بذلك الطغيان المتفجّر في جسده، القوة التي بدت وكأنها على وشك أن تندفع من وعائه الجسدي وتتمرد عليه.
لكن كلما قاوم أكثر، ازداد الألم حِدّة.
عضّ على شفتيه حتى سالت الدماء، غير أن ذلك الألم البسيط لم يكن يُقارن بما يعتمل في داخله.
ثم بدأ يفكر.
‘في ذلك الوقت، تلك… ‘
يوري إلروز.
تلك الفتاة.
ابنة دوق روزانهير.
ذلك العطر الدافئ، الحلو، والمخملي…
رغم محاولاته الحثيثة لطردها من تفكيره، كانت أفكاره تتجه نحوها رغماً عنه.
وما إن يتراخى ولو قليلاً، حتى يشعر أنه قد يركض إليها، ويضمها بين ذراعيه…
…لا، بل قد يتوسل إليها أن تسمح له بذلك.
‘لا… يجب أن لا يحدث ذلك!’
كتم أنفاسه، وقاوم بكل إرادته ما كان جسده يتوق إليه وسط العذاب.
كان جسده كله يرتجف بعنف، والعروق في جبينه تكاد تنفجر، لكنه قاوم.
كان لا يزال يحتفظ بشيء من كبريائه.
لا، بل لعل الكبرياء هو الشيء الوحيد المتبقي لديه.
حتى وإن استحوذت عليه لمسة من رحمتها، لم يكن يريد أن يُظهر ضعفه.
لم يكن يريد أن يتوسل.
‘نعم، لقد كان الأمر رائعًا. شعرت أنني على قيد الحياة…’
لكن… هل يستحق ذلك أن يتوسل من أجل المزيد؟
‘لا يمكن…’
لكن في اللحظة التالية، التقطت حاسّته رائحة مألوفة، رقيقة، عند أطراف أنفه.
كاميل تجمّد في مكانه.
‘مستحيل…’
هل هي؟
انحدرت قطرة من العرق البارد على ظهره.
‘لا، يجب ألا تكون هي…’
لكن، سواء أراد أم لا، كانت صاحبة العطر تقترب… وتقترب.
ألصق ظهره بالحائط المظلم بجوار الستارة الطويلة التي تغطي نافذة القصر.
‘من فضلكِ، مرّي دون أن تريني.’
قرر ألا يتحرك قيد أنملة حتى تمر.
جفّ حلقه، وبدأ اللعاب يتجمّع في فمه كوحش جائع. قبض على يديه حتى برزت عروقه وتحولت كفاه إلى اللون الأبيض.
لكن، في اللحظة التي مرّت فيها يوري بجواره دون أن تراه…
بل لم تمر بالكامل، بل توقفت بعد خطوات قليلة فقط…
كاميل أدرك حينها.
‘آه… هذا هو الجنون. هذا ما يسمّى بفقدان العقل.’
لم يكن لديه متّسع من الوعي ليستعيد توازنه.
فجأة، وجد نفسه يمسك بمعصمها الرقيق المرتجف، ويُلقي أنفاسه المضطربة على عنقها العاري.
…فقط هذا، جعله يشعر بأن ذهنه بدأ يستعيد بعض صفائه.
ثم، عاد إليه وعيه.
‘!’
“سمو الارشيدوق؟”
يوري استدارت خائفة، وانكمشت كتفيها. كاميل ارتجف للحظة.
لم يكن واثقًا من تعابير وجهه في تلك اللحظة.
فقال أي شيء، أي كلام:
“لا يجب أن تكوني… هنا.”
رغم أنه مجرد كلام، إلا أنه كان أكثر العبارات صدقًا في تلك اللحظة.
لكن رغم ذلك، لم يُفلِت معصمها.
كان ذلك بدافعٍ غريزي.
كان بإمكانه سماع صرخات الغريزة في عقله:
انتزعها. استحوذ عليها. إنها لك. ملكي. لن أتنازل. سأقتل. أفضل أن أموت على أن أتنازل. ملكي. أنا من وجدها. التهمها. لا تترك منها حتى شعرة. أنا…
“…أهغ.”
لم يحتمل نفسه، فجثا على ركبتيه.
“سمو الارشيدوق!”
لكن فريسته البريئة لم تهرب، بل ركعت بجانبه وبدأت تتفقده بقلق.
“هل أنت بخير؟”
يا لها من سخرية.
خرج من فمه صوت ضحك متقطع أشبه بالبكاء. ضحكة جنونية، لا أكثر.
“سمو الارشيدوق؟ أرجوكم، استعيد وعيك، نعم؟”
ماذا كنتُ أقول سابقًا؟
أنني لن أتوسل؟
‘سخافة…’
كاميل سخر من نفسه بكل ما أوتي من ازدراء.
أي كرامة تلك التي يدّعيها؟
أي شرف بقي له حتى يتشدّق بالكبرياء؟
كان مجرد وحش جائع، يقترب من الانفجار.
“أرجوكِ…”
“…”
“افعليها… تلك…”
كاميل انهار. استسلم بكامل إرادته، واعترف بسقوطه تحت قدمي يوري.
“سموك، ذلك… الأمر…”
لكن حين تسقط مرة، تصبح الثانية أسهل بكثير.
“أنا… أنا أرجوكِ.”
أرجوكِ…
سمع صوت يوري المتردّد، القلق، وهو يحاول أن يُهدّئه بكلماتٍ متردّدة.
أما هو، فقد بات مستعدًا لأي صفقة، أيًّا كانت، حتى لو كانت شائنة.
أراد أن يومئ برأسه، ليُظهر موافقته، لكنه لم يعد قادرًا حتى على ذلك بسبب شدّة الألم.
ثم، في اللحظة التالية…
انبثق نور ذهبي دافئ من جسد يوري.
كان ذلك العطر، الذي لم يكن يعلم كم اشتاق إليه، يملأ المكان.
رائحة الوليمة المقدّسة.
كاميل عضّ على أسنانه، خشية أن يفقد صوابه.
“أنتِ…”
‘هذا لا يجوز. إن استمررتِ بهذا الشكل، سأ…’
“هشش.”
أشارت يوري له بالصمت. وبلا وعي، أطاعها.
ربما لأن عقله أدرك أن الطاعة لها هي الطريق الوحيد للنجاة.
رغم أن طاقتها كانت ضعيفة مقارنة بعذابه الهائل، إلا أنها كانت تتغلغل في جسده بلطف شديد، كنسمة دافئة.
“آه، تمهلي…!”
لكن، في لحظة، فقد كاميل وعيه كليًّا، وبدأ ينهل بجنون من طاقتها المقدّسة.
ألقى بجسده المرتعش على جسدها الهزيل، ودفن وجهه في عنقها، وكأنه ذائب فيه.
أحس وكأن صوابه قد انفجر. بل ربما قد انفجر فعلًا.
ألقى بكرامته بعيدًا. وداس على كيان الإنسان فيه بكل برود.
أصدر أنينًا شبيهًا بمواء جرو صغير، وتمسّك بيوري بيأس.
ورغم أن يوري تمتمت، “لا يجوز هذا…”، إلا أنها لم تستطع إبعاده.
همس قائلاً:
“فقط… قليلاً بعد…”
“لا، لا يمكن يا سمو الارشيدوق.”
“لماذا؟”
“عذرًا… لكن هذه… هي حدودي.”
حدود؟
تردّد المصطلح الغريب في ذهن كاميل، بينما رمشت عيناه ببطء.
في المقابل، رمشت يوري أيضًا، بعينين أثقل مما سبق، كما لو كانت على وشك فقدان الوعي مجددًا، تمامًا كما حدث “في تلك المرة”.
“سمو الارشيدوق، أنا…”
بعد لحظة…
سقط رأس يوري، كزهرة ذبلت، واستقر على كتفه.
وبذلك، انتهت كل أفكار كاميل.
التعليقات لهذا الفصل " 98"