أدركت الموقف في لحظة، فحدّقت نحو زوجة أبي. كانت تتظاهر بالدهشة، واضعة يدها على صدرها، لكن عينيها الخضراوين كانتا تلمعان بوميض مريب.
‘ولكن، لماذا بهذه السرعة؟’
حتى الآن، كانت حريصة على مهاجمتي من خلف الستار دون أن تُظهر أي نزاع علني بيننا.
‘فلماذا غيرت نهجها فجأة؟’
ما السبب الذي دفعها إلى ذلك…؟
‘آه.’
بينما كنت أُجيل نظري داخل الغرفة دون وعي، التقت عيناي بعيني كاليكس، الذي كان ينظر إليّ بذهول وارتباك.
وما إن التقت نظراتنا، حتى أدركت السبب وراء هذه المكيدة المفاجئة.
‘إنه بسبب كاليكس.’
لقد شعرت بأن العلاقة بيني وبينه لم تعد كما كانت من قبل، فأرادت أن تُفسد صورتي في عينيه من جديد.
كي تعود الشكوك وسوء الفهم لتفصل بيننا من جديد، كجدارٍ لا يُرى.
“هذا لا يمكن أن يكون…”
عندها، تكلّمت إيليني بصوت مرتجف يشي بالضيق:
“هذا مستحيل، أختي لا يمكن أن تفعل شيئًا كهذا!”
“أ-أقسم أنني لا أكذب! الآنسة يوري هي من أمرتني بتخريب فستان الآنسة إيليني! هذا صحيح، لقد أمرتني حقًّا!”
بدأ الهمس يدبّ بين الناس، وكل العيون كانت موجهة نحوي. تمتم كاليكس وقد بدا عليه الذهول:
“أختي…؟”
لكن في تلك اللحظة بالضبط…
“آه…!”
“سيدتي!”
تمايلت زوجة أبي ثم تظاهرت بالانهيار وهي تمسك برأسها، فسارع كاليكس إلى الإمساك بها ناسيًا ما كان يودّ قوله.
“أمي، هل أنتِ بخير؟”
“لا يمكن… يوري، ابنتي، لا يمكن أن تفعل هذا، أليس كذلك، كاليكس؟”
“……”
تمتمت زوجة أبي بكلامٍ غير مترابط وهي متشبثة بذراع كاليكس، لكنه لم يجب، واكتفى بأن أشار إلى البارونة موجين لتساعدها على الوقوف.
تلك الحركة وحدها كانت كافية ليتناهى إلى سمعي همسات مشفقة من الناس:
“يا للمسكينة…”
“سيدي، أنا آسفة! أقسم أنني لم أفعل شيئًا سوى ما أمرتني به الآنسة يوري…!”
اللعنة.
لعنت الأمر في سري. فالوضع ينقلب ضدي بسرعة شديدة.
صحيح أن كاليكس لم يعد يسيء الظن بي كما في السابق، لكن لا عجب إن أعادت هذه الحادثة إشعال رماد الشك القديم.
قد أضطر لتقبّل انخفاض في مستوى العلاقة معه…
عضضت شفتي بقوة. ومع ذلك، لا يمكنني الوقوف مكتوفة الأيدي.
كنت على وشك أن أفتح فمي، إلا أن شخصًا ما سبقني بالكلام.
“…لا يمكن السكوت عن هذا.”
قالها بصوتٍ ملؤه الغضب… وكان المتحدث هو كاليكس نفسه.
“هل تحاولون الآن إلصاق تهمة زائفة بسيدة من آل روزانهير؟”
كان صوته باردًا كالثلج، حتى إن الهمس الذي كان يملأ المكان تلاشى كليًّا.
نظراته الحادة صوبت مباشرة نحو الخادمة، التي بدأت ترتبك وتلوّح بيديها.
“ل-لا! أنا فقط… أنا حقًّا…!”
“اصمتي.”
أمرها كاليكس ببرود، فسعلت الخادمة وهي تبتلع صرختها وتسكت.
“ك-كاليكس؟”
لم أتمالك نفسي من الذهول، فتوقفت عن التفكير وحدّقت به في صمت.
ولم أكن وحدي؛ حتى زوجة أبي وإيليني بدا عليهما الارتباك والدهشة من تصرفه.
لكن كاليكس كان منشغلًا تمامًا في استجواب الخادمة.
“ما دليلكِ سوى كلامكِ على أن أختي ارتكبت هذا العمل السخيف؟”
“أ-أ…”
بالطبع، لم يكن هناك أي دليل. فمن الذي يكتب أمرًا مكتوبًا حين يطلب شيئًا كهذا؟
لكن كاليكس حسم الأمر بلهجة قاطعة:
“أختي لم تفعل شيئًا من هذا القبيل قط، ولا حتى ما يُشبهه.”
“لكني… أنا متأكدة أنني…”
اهتزت نظرات الخادمة بتوتر. رمقت زوجة أبي وإليني بنظرات يائسة تطلب النجدة، لكن لم تجد ردًّا من أي منهما.
“ك-كاليكس…”
فتحت زوجة أبي فمها لتتحدث أخيرًا، لكن كاليكس سبقها بالكلام:
“أمي.”
“أمي، أنتِ تعلمين تمامًا أي نوع من الأشخاص هي شقيقتي، أليس كذلك؟”
“ن-نعم، أعلم ذلك، ولكن…”
“إذن فلا ينبغي لكِ أن تتأثري باتهاماتٍ سخيفةٍ كهذه.”
“أنا بخير.”
في تلك اللحظة، فتحت إيليني فمها وتحدثت. نظرت إليّ بعينين تحملان عزيمة قوية وقالت:
“بالطبع، لا يمكن لأختي أن تفعل شيئًا كهذا، ولكن حتى لو فعلت، فلا بأس لدي. إن كانت قد فعلته، فلا بد أن لها سببًا وجيهًا.”
هاه…
أعجبت بها في داخلي. لقد كانت بارعة في التظاهر بالبراءة، وفي الوقت نفسه كانت تعيد إلقاء التهمة عليّ بأسلوبٍ مقنّع.
“لذا، أخي… لا بأس، حقًّا، أنا بخير.”
ثم حدث ذلك.
<النظام> منافسة! تتم مقارنة نقاط السمعة بينكِ وبين إيليني.
ما هذا؟ في هذا التوقيت؟
<النظام> نقاط سمعتكِ تتفوق بفارقٍ ساحق على إليني.
<النظام> فوز كاسح في المنافسة!
<النظام> تم تعزيز “حماية كاليكس” لكِ.
…! انتصرت؟
تفاجأت قليلًا من النتيجة غير المتوقعة، لكن كاليكس بادر بالكلام بنبرة حاسمة:
“إيليني.”
ثم قاطع كلماتها بحزم:
“ليس من حقكِ أن تقولي إنكِ بخير في مثل هذا الموقف.”
“أخي…”
“الشخص الوحيد الذي يحق له قول ذلك هنا هو شقيقتنا التي اتُّهِمت ظلمًا.”
“……”
سادت لحظة صمت، وبدأ الناس يهمسون: “حقًّا…” ثم أخذواز يومئون برؤوسهم موافقيين.
طنين!
سقطت المقصات من يد الخادمة التي اتهمتني، وتبعثر صوتها المرتجف:
“أ-أنا… أنا حقًا مظلومة، أنا…”
كانت تدور بعينيها كالمجنونة بحثًا عمّن ينقذها، لكن لم يتحرك أحد لمساعدتها. ثم راحت تزحف على ركبتيها نحو زوجة أبي، متشبثة بطرف فستانها:
“سيدتي، أرجوكِ! أنقذيني…!”
“كيف تجرئين!”
صرخت البارونة موجين وهي تبعد الخادمة عنها بقسوة. سألني كاليكس:
“ما الذي تودين فعله، أختي؟”
“…لا أدري. لا أعلم إن كانت هذه الفتاة تحمل ضغينة لي أم لإيليني…”
“ل-لا، سمو الأميرة، أنا فقط…”
“أمي.”
قلت وأنا أنظر صوب زوجة أبي بنبرة حزينة متعمدة:
“في رأيي، من الصواب أن تتركي مسألة التصرف معها لكِ، بصفتكِ سيدة المنزل.”
“…حسنًا.”
أجابت بنبرة فيها شيء من الكبت، ثم أومأت برأسها.
“أيها الخادم.”
“نعم، سيدتي.”
“اطرد هذه الفتاة من المنزل… من دون أي توصية.”
“سيدتي!”
صرخت الخادمة كأن صاعقة ضربتها.
“لا يمكن… لا يمكن أن تفعلوا بي هذا! لقد كنت فقط… فقط أنفذ أوامر السيدة!”
لكن زوجة أبي صرخت بها بأسنان مطبقة:
“ما إن تفتحي فمكِ، حتى تنهالي بالأكاذيب!”
“سي… سيدتي…!”
“يوري، ابنتي العزيزة.”
نظرت إليّ بلهفة وسألتني:
“لا تخبريني أنك صدقتِ هذيان هذه الخادمة؟”
ابتسمت بهدوء، بينما كنت أحسب الموقف ببرود داخليًا.
الوقت غير مناسب للرد بالمثل الآن.
الخادمة وُصمت بالكذب بالفعل. صحيح أن الأمر محبط، لكن تركه يمر هو الخيار الأفضل حاليًا.
فبهذه الطريقة، سيتم اعتبار كل ما قالته عني محض أكاذيب.
وبعد أن أكملت الحسابات، أجبت:
“بالطبع لا، أمي. كيف لي أن أصدق شخصًا لم يتفوه بكلمة صادقة من البداية إلى النهاية؟”
“أشكركِ، ابنتي. شكرًا لأنكِ وثقتِ بي…”
“لا داعي للشكر. فقط…”
رسمت ابتسامة شاحبة على وجهي، فرأيت توترًا عابرًا يظهر في عينيها.
“كنت فقط أتمنى لو أنكِ وإيليني صدقتُما بي منذ البداية.”
“ذلك لأنني…”
وقبل أن تبدأ بتقديم أعذار مثل “لقد كنت مصدومة فحسب”، سارعت بالتوجه إلى كاليكس قائلة:
“لذا، كاليكس… شكرًا لأنك وثقتَ بي.”
“…شقيقتي.”
“سأذهب الآن.”
“سمو الأميرة، سمو الأميرة…!”
حاولت الخادمة الإمساك بطرف ثوبي، لكن زوجة أبي سبقتها إلى الأمر:
“اسكتوا تلك الكاذبة واطردوها فورًا!”
ثم نظرتُ إلى كاليكس، الذي كان يحدّق بي بنظرة تحمل مزيجًا من الارتباك، والتعاطف، وأحاسيس أخرى يصعب تفسيرها. رفعت كتفي بابتسامة خفيفة، ثم أدرت ظهري واتجهت نحو غرفتي.
<النظام> لقد نجحتِ في التعامل مع الموقف بلباقة واتزان.
<النظام> زادت نقاط الذوق +30، والصلابة الذهنية +30.
***
وقف كاليكس يحدّق في ظهر يوري وهي تمشي بثبات نحو غرفتها، كتفاها مستقيمان.
وفي الأثناء، كانت الخادمة تُقتاد للخارج وهي تصرخ وتقاوم
كافحت حتى اللحظة الأخيرة وهي تُسحب خارجًا، ما جعل كاليكس يعبس من الانزعاج.
‘كيف تجرؤ على الكذب بهذا الشكل عن شقيقتي…؟’
“كاليكس.”
نادته والدته.
“أمي.”
“أنا ممتنة لكَ حقًا. بفضلك، لم نقع في دوامة سوء التفاهم مع يوري.”
“……”
“صحيح أن يوري قد تكون قد فهمت موقفي بشكل خاطئ، ولكن… على الأقل انتهى الأمر بهذا الشكل، وهذا أفضل من لا شيء.”
بينما كانت تتحدث، عادت إلى ذهن كاليكس كلمات يوري الأخيرة دون أن يشعر:
“كنت فقط أتمنى لو أنكِ وإيليني صدقتُما بي منذ البداية.”
…لكن ذلك لم يكن سوء فهم.
كانت يوري على حق. لا مجال لإنكار أن أمه وإيليني قد شكّتا بها-ولو للحظة.
وتساؤلٌ عابرٌ مر في ذهن كاليكس:
‘كيف أمكنهما الشك بها بهذه السهولة؟’
ففي ذاكرته، كانت والدته دائمًا حنونة على يوري. لم يكن يلحظ فرقًا يُذكر بين طريقة تعاملها مع يوري، ومعه هو وإيليني.
حتى الخدم كثيرًا ما قالوا إن السيدة تعامل الآنسة الكبرى كما لو كانت ابنتها تمامًا.
فلماذا إذًا… بهذه السهولة؟
في خضم صمت تساؤلاته، مسحت والدته بلطف على كتفه وقالت:
التعليقات لهذا الفصل " 78"