في اليوم التالي للحدث الجلل المتمثل في عرض الزواج الذي قدّمه سيدريك، بدأتُ في كتابة رسالة إليه بمجرد أن فتحتُ عيني صباحًا.
فكّرتُ لوهلة أن أذهب إليه وأحدثه مباشرة، لكنني عدلت عن الفكرة، مدركة أن زيارتي الرسمية إلى قصر إستيفان، بعد تلقي عرض الزواج، قد تُفسَّر على نحو مختلف من قبل الآخرين.
لذا، اخترت أن أكتب له رسالة.
إلى السيد سيدريك،
ما إن كتبتُ السطر الأول حتى وجدت أن ملء باقي الرسالة لم يكن بالأمر الصعب.
هل عدتَ إلى منزلك سالِمًا ليلة البارحة؟
لقد قضيتُ الليل أتأمل مليًا في عرض الزواج الذي تكرّمت به.
وقبل كل شيء، أود أن أعبر لك عن بالغ امتناني لمشاعرك التي دفعتك للتفكير في الزواج بي.
حسنًا، إلى هنا الأمور تسير على ما يرام. كتبتها بشكل جيد.
‘…لكنني لم أفكر بجدية في مسألة الزواج حتى الآن.’
ربما يكون التعبير الأدق هو أنني “لست مستعدة بعد”.
أنت تعلم جيدًا ما أمرّ به من صعوبات، وأدرك تمامًا أن ذلك كان له تأثير بالغ في اتخاذك لهذا القرار.
لكنني، في الواقع، أتمتع بقدرة جيدة على تحمّل المحن.
قد يفاجئك هذا، لكن أحيانًا، أشعر وكأنني أستمتع بتجاوز كل هذه المصاعب.
لذا، لا أشعر في الوقت الراهن أنني بحاجة إلى حماية أحد.
سيدريك، ما قدمته لي من دعم ومودّة حتى الآن، يكفيني تمامًا.
ملاحظة: وبالطبع، عندما تمرّ أنت بوقت عصيب، سأكون أيضًا أول من يمدّ لك يد العون.
فنحن، في النهاية، رفاق في خوض معركة متشابهة.
حسنًا، أظن أن مضمون الرسالة أصبح جاهزًا.
وقّعت في أسفلها بخط راضٍ: “مع خالص المودة، يوري إلروز”.
ثم طويتها بعناية، ووضعتها في ظرف وأحكمت غلقه بالشمع الأحمر.
“أخبريهم أنها رسالة موجهة إلى قصر ماركيز إستيفان.”
“حاضر، سأفعل.”
في الآونة الأخيرة، أصبحت أرتاح أكثر إلى وجود إينا وحدها إلى جواري، بدلًا من بقية الخادمات.
فهي لا تميل إلى الثرثرة أو المبالغة، ووجودها يمنحني بعض الطمأنينة.
وبينما كنت أراقب ظهرها وهي تغادر حاملة الرسالة، فكرتُ:
“أعتقد أن عليّ زيارة مولتا مجددًا في وقت قريب…”
لكن، كان هناك ما يجب فعله قبل ذلك.
شدَدتُ الحبل المنسدل لاستدعاء الخادمات.
“سأمرّ على محل الأزياء. هلّا قمتن ببعض التحضيرات؟”
***
بعد أن أنهيت الاستعدادات، توجهتُ مباشرة إلى مشغل روزيتا، وهناك، بدّلت ملابسي وارتديت الخاتم الذي أهداني إياه الارشيدوق، خاتم البوليمورف.
‘…رغم أنني تأكدت عبر إيليا من أنه مجرد خاتم يتيح التحول في الشكل…’
حسنًا، لا بأس.
‘ما دمتُ قد تأكدتُ، فلا بد أن أُحسن الظن.’
حاولت أن أتجاهل شعور القلق الطفيف الذي راودني، وانطلقت نحو مقر قافلة إيسيس التجارية.
ولم أنسَ أن أحمل معي بطاقة هوية روزلين سيدني التي سلّمني إياها إيان.
عند وصولي إلى القافلة، أريتهم البطاقة وقلت:
“أود مقابلة السيد إيان.”
وكما حدث سابقًا، تم اقتيادي مباشرة إلى الطابق العلوي.
وبعد لحظات…
“أشعر وكأننا لم نلتقِ منذ زمن طويل.”
ظهر إيان بابتسامة تنعكس في عينيه الذهبيتين المتألقتين.
“نعم، لقد مرّ وقت ليس بالقصير منذ آخر لقاء لنا بهذا الشكل.”
“هل هذا خاتم جديد؟”
سأل وهو يجلس براحة.
فأومأتُ برأسي.
لكن فجأة، فاجأني باقتراح غير متوقّع:
“لا أحد يرانا هنا… ما رأيكِ بخلعه؟”
“عفوًا؟”
“أعني، بما أنني أيضًا أظهر بهويتي الحقيقية، فلمَ لا تفعلين المثل؟”
ابتسم إيان ابتسامة لطيفة، لكنها حملت معها ضغطًا غريبًا لا أعرف سببه.
“حسنًا، طالما قلت ذلك…”
استسلمتُ للضغط، ونزعتُ الخاتم. وما إن فعلت، حتى تدلّت خصلات شعري مرة أخرى، طويلة ولامعة بلون فضي.
“……”
هل كان مجرد شعور؟
بدت نظرات إيان نحوي في تلك اللحظة أكثر لطفًا من المعتاد.
“أمّا عن سبب زيارتي اليوم…”
“هل ندخل في صلب الموضوع بهذه السرعة؟”
“؟”
“لا بأس، تفضلي بالكلام. فطالما أن الأمر يخصّكِ، فهو مرحّب به دومًا.”
حتى نبرة صوته كانت أكثر ودًا من المعتاد، لكنني لم أعلّق على ذلك.
“ربما هو في مزاج جيّد اليوم.”
“السبب في زيارتي هو أنني أعددت خطة عمل جديدة.”
“أنباء سارة إذًا.”
“عندما يتقاضى المرء مبلغًا مثل ألف قطعة ذهبية، فعليه أن يقدّم ما يستحق ذلك.”
قلت ذلك وأنا أرفع كتفيّ، في لفتة مازحة. ضحك إيان على كلامي.
“هاها، ممتنّ لكِ حقًا. وما هي خطة العمل الجديدة؟”
“أريد لقافلة إيسيس أن تصبح المورد الحصري لأقمشة مشغل روزيتا.”
“أقمشة مشغل روزيتا؟”
“نعم. لقد أصبح مشغل روزيتا اليوم، بلا منازع، الرائد الأول في توجيه موضة المجتمع الأرستقراطي.”
“أتفق معكِ تمامًا.”
“كما كان الحال مع مشغل كامينسكي في السابق، فإن بقية المشاغل ستبدأ الآن بتقليد أسلوب روزيتا.”
أومأ إيان موافقًا، فتابعت حديثي بثقة.
“إذا استخدم روزيتا نوعًا معينًا من الأقمشة، فالجميع سيسعون لشرائه. وفي تلك الحالة، لو كانت قافلتكم قد اشترت كل الكمية مسبقًا وتملكت حق التوزيع الحصري، فسيكون ذلك لصالحكم.”
“آه، فهمت الآن…”
ارتسمت ابتسامة خفيفة على وجهه.
“إذن هذه هي الخطة.”
“نعم، هي كذلك.”
لم يكن في الأمر صعوبة كبيرة.
مجرد أن ينتشر خبر حصول إيسيس على الحق الحصري لتزويد روزيتا بالأقمشة، سيسارع الجميع إلى توقيع عقود توريد مع القافلة.
“يبدو أننا بحاجة إلى إنشاء قسم خاص لإدارة هذا المشروع.”
“بصفتي روزالين، يمكنني أن أتولى إدارة هذا القسم الجديد. لذا…”
“لذا؟”
“أقترح أن نتقاسم الأرباح بنسبة 30 لي و70 لي بطبيعة الحال.”
“لا أستطيع التنازل إلى هذا الحد. لنجعلها مناصفة.”
“من دوني ومن دون مشغل روزيتا، هذا المشروع لا يمكن أن يُنفّذ من الأساس. وأنت تعلم جيدًا أنني أستطيع عقد اتفاق مشابه مع أي قافلة أخرى.”
ابتسم إيان، رغم أننا كنا في صلب مفاوضة. لكن ابتسامته لم تكن ابتسامة منافسة؛ بل أشعرتني وكأنه فخور بي.
التعليقات لهذا الفصل " 77"