جميع الحاضرين في هذه المأدبة عادوا إلى بيوتهم حاملين حكايات أكبر بكثير مما كانت زوجة أبي تخطط له في الأصل.
‘حقًا… كلما فكرت في الأمر…’
هززت رأسي مرارًا في محاولة لطرد الأفكار. على أية حال، لم يكن هذا الوقت مناسبًا للانغماس فيها.
كان هناك شيء أحتاج إلى التحقق منه.
‘نافذة العلاقات!’
كنت بحاجة لمعرفة السبب الحقيقي خلف عرض الزواج المفاجئ من سيدريك.
كان لا بد من إلقاء نظرة على ما يدور في خلده.
وقد تغيّر السطر الموجود في نافذة العلاقات إلى التالي:
سيدريك: “……فكرتُ في الطريقة التي يمكنني من خلالها حمايتكِ.”
“…….”
ما الذي يعنيه ذلك بالضبط؟
‘هل يقصد… أن الطريقة التي توصّل إليها لحمايتي كانت تقديم عرض زواج؟!’
والآن بعد أن فكرت بالأمر، تذكرت أن سيدريك…
‘إنه يظن أنني في مأزق كبير داخل هذا المنزل.’
ربما يعتقد أن الزواج منه هو الطريقة الوحيدة التي يمكنني بها الهروب من هذا المنزل.
ما إن خطرت لي هذه الفكرة، حتى شعرت بأن كل شيء قد انحلّ من تلقاء نفسه.
‘كنت أعلم أن هناك سببًا!’
كنت أتساءل لماذا تقدم فجأة بعرض زواج، فإذا به يشعر بتعاطف معي، وربما إحساس بالمصير المشترك، أو صداقة قوية خرجت عن مسارها المألوف.
‘هاها…’
زفرت تنهيدة ارتياح.
‘للحظة، اعتقدت أنني انزلقتُ في طريق رومانسي مع سيدريك عن طريق الخطأ.’
وفوق ذلك، أليس ما حدث يُعتبر “حلقة خفية” مرتبطة بعرض زواج الماركيز؟
‘يبدو لي أن هذه الحلقات الخفية ليست إلا ناتجًا عن صداقة عميقة أو امتدادًا لها، لا بداية لمسار رومانسي.’
حتى الآن، وقعت لي ثلاث حلقات خفية.
لذلك، بدا من المنطقي أن أعتبرها مجرد أحداث جانبية تقع في طريق نهاية سيئة، وليست جزءًا من مسار حب فردي.
بدت لي فرضيتي معقولة جدًا، فأومأت برأسي راضية عن نفسي.
أحسست بالفخر لأنني بنيت صداقة متينة مع سيدريك، إلى حد أنه لم يتردد في التقدم بعرض زواج.
‘بقيت حلقة خفية واحدة… مع كاليكس، أليس كذلك؟’
فكرت في الأمر بينما كنت أهمّ بإغلاق نافذة العلاقات.
كنت على وشك إغلاقها، لكن…
كاميل: “……هل عليَّ أن أقتلهم جميعًا؟”
هاه؟
:…ما الذي يعنيه هذا؟’
قتل؟ هل يقصدني؟
‘لا، مستحيل!’
الكلمة التي سبقت “أقتلهم” هي “الجميع”، لذا لا بد أنه لا يقصدني بالتحديد.
…أليس كذلك؟
ارتعد جسدي فجأة.
‘ما الذي يحدث بالضبط؟!’
كان يلتصق بي هناك عند أسفل الجرف وكأنه لا يستطيع مفارقتي، والآن… هل يكرهني إلى درجة تفكيره في القتل؟!
‘ما الذي يدور في رأس زعيم الشر هذا؟!’
شعرت بالذهول، لكن لم يكن هناك أحد يمكنه أن يشرح لي ما الذي يجري بالضبط.
***
13. نقطة اللاعودة
الساعة الثالثة مساءً.
في غرفة استقبال دوقة روزانهير، كانت الاستعدادات جارية لاحتساء الشاي.
لكن اليوم، كان هناك أمر مختلف عن المعتاد.
“…….”
“…….”
الخادمات كنّ يتعاملن بحذر أكبر من المعتاد، وهنّ يراقبن نظرات كلٍّ من الدوقة والآنسة الثانية.
وفي ذلك الحين، لم يكن يُسمع في الغرفة إلا رنين خفيف ناتج عن أدوات الشاي، حينما ارتفعت فجأة أصوات خطوات قوية تقترب من الغرفة.
وبعد لحظات، فُتح الباب وظهر صاحب تلك الخطوات.
“ما الأمر، يا أمي؟”
كان كاليكس روزانهير، النائب الشاب للدوق، يرتدي زيّ التدريب.
شاب لم يعد في سن الطفولة، لكنه لم يبلغ تمامًا نضج الشباب بعد.
ومع ذلك، ومنذ ولادته وحتى هذا اليوم، لم يحدث أن خيّب كاليكس ظنّ والدته الدوقة. لقد كان دائمًا مفخرة لها.
كان وجهه الوسيم وكأنه منحوت على قالب مثالي، كما أن مهارته في المبارزة كانت استثنائية، ورثها من والده.
وعلى الرغم من أنه لم يبلغ بعد مرتبة “المعلم” في فنون القتال، إلا أن التقييم العام لمن حوله ممن يعرفون الشاب، كان يقول إن منحه ثلاث سنوات فقط سيكون كافيًا ليصبح سيدًا للأورا.
ولم يقتصر تميزه على ذلك، بل كان يتمتع بجميع المؤهلات الأخرى التي تجعله جديرًا بوراثة اللقب.
فقد توفيت الدوقة السابقة دون أن تنجب وريثًا، ولهذا كان مجرد وجود كاليكس مصدر فخر وقوة لدوقة روزانهير الحالية.
من الخارج، قد يبدو وكأن ليتيسيا مهتمة فقط بابنتها إيليني وتوليها كل اهتمامها.
لكن الحقيقة أن ذلك نابع من كراهيتها الشديدة لـيوري إلروز والدوقة السابقة، وليس لأن حبها لابنتها يفوق ذلك.
في قلب ليتيسيا كان كاليكس أغلى بكثير من أن يُقارن بـإيليني.
نظرت إلى ابنها الحبيب وابتسمت له بلطف كعادتها.
“ليست هناك مناسبة خاصة. أردت فقط أن نتناول الشاي معًا نحن الثلاثة، فهل تجلس هنا؟”
“آه، نعم.”
جلس كاليكس في مكانه دون اعتراض، كما هي عادته دائمًا، إذ لم يُخيب ظنها قط.
ولكن…
خيم ظل خفيف على وجه ليتيسيا.
فقد بدأت تلاحظ سلوكًا غريبًا في ابنها المحبوب مؤخرًا.
صبت له بيديها أول كوب من الشاي، وقدمت الكأس إليه بلطف.
“تفضل يا كالكس، لابد أنك متعب، أليس كذلك؟”
“لا أشعر بالتعب كثيرًا. هذا ما أفعله كل يوم.”
“أن تبذل جهدك يوميًا في التدريب يُسعد قلب أمك.”
“أنا فقط أقوم بما يجب عليّ القيام به.”
“يا لك من شقيق مجتهد دائمًا.”
“وأنتِ كذلك، إيليني.”
“هاها.”
ابتسمت ليتيسيا وهي تنظر إلى علاقة الأخوة الطيبة بين الاثنين.
رغم أن سلوك كاليكس مؤخرًا أقلقها، إلا أن رؤية أطفالها البارزين أمامها – خصوصًا كاليكس – جعلها تشعر بأنها قد تغلبت أخيرًا على الدوقة السابقة.
لكن…
“أمي…”
“نعم؟”
خرجت ليتيسيا من أفكارها عندما تحدث ابنها، وكان يبدو متضايقًا قليلًا.
“ما الأمر يا كاليكس؟”
“هل شقيقتي مشغولة؟”
تجمد وجه ليتيسيا للحظة.
“تقصد…؟”
“أقصد أختي يوري.”
كان وجه كاليكس يحمل مزيجًا من الحرج والغضب.
“الآن بعد أن أفكر في الأمر، أظن أنها لا تشاركنا جلسات الشاي كثيرًا…”
“يوري ليست في المنزل اليوم، كاليكس.”
قاطعت ليتيسيا كلامه على غير عادتها.
“أظن أن لديها أمرًا يشغلها.”
“…حقًا؟”
أجابت بابتسامة سطحية، فيما كانت تحرك فنجانها بنعومة متصنعة.
لكنها تأكدت أن شكوكها كانت في محلها.
‘هذا الفتى…’
في الآونة الأخيرة، أصبح كاليكس ينادي يوري بـشقيقتي بشكل متكرر.
كان في السابق لا يستخدم هذا اللقب إلا على مضض وأمام والده فقط.
عندما حدثت إيليني والدتها عن هذا الأمر لأول مرة، ظنت ليتيسيا أن السبب هو مجرد تصرف عابر نتيجة أفعال يوري الملفتة مؤخرًا.
لكن الوضع تطور وأصبح اللقب راسخًا في لسانه.
‘متى بدأ هذا التغيير؟’
نظرت ليتيسيا إلى كاليكس بقلق.
حتى وقت قريب، كان يعبّر بوضوح عن كراهيته لـيوري.
ولكن خلال الفترة التي ركزت فيها على إيليني، يبدو أن مشاعره السلبية تجاه يوري قد بدأت تتلاشى.
كان ذلك محبطًا لـليتيسيا”، فقد بذلت مجهودًا هائلًا منذ الصغر لتغرس الكراهية تجاه يوري في قلبه.
لفّقت الأكاذيب، وحرّفت الحقائق، لكن كل هذا بدأ ينهار.
‘ماذا همست له تلك الخبيثة؟’
لم يكن يُعقل أن يوري إلروز استطاعت سحر ابنها بهذه السرعة.
“أخي…”
قالت إيليني وكأنها قرأت ما يدور في ذهن والدتها.
“يبدو أن علاقتكما أصبحت جيدة مؤخرًا.”
“ليس تمامًا…”
تململ كاليكس وشرب رشفة من الشاي، محاولًا إخفاء انزعاجه.
لكن ما قاله ذات مرة لـماركيز إستيفان عند تقدمه لخطبة يوري عاد إلى ذهن ليتيسيا.
“أظن أنه عليك التفكير مليًّا إن كنت تُربك شقيقتي بما تفعله.”
كلمات تحمل في طياتها الكثير.
كاليكس لم يعترف بـيوري كشقيقة فحسب، بل أبدى انزعاجًا واضحًا من أي رجل يقترب منها.
‘متى حدث كل هذا؟!’
عضت ليتيسيا على أسنانها دون أن يُلاحظ أحد.
كاليكس تابع حديثه مع أخته:
“أنا فقط… أُبدي اهتمامًا طبيعيًا كفرد من العائلة.”
‘لكنها ليست من عائلتنا!’
كادت ليتيسيا تصرخ بذلك، لكنها ابتسمت بهدوء بدلًا من ذلك.
“ممم… أعتقد أن اهتمامك مؤخرًا أصبح مبالغًا فيه قليلًا، كاليكس.”
“ماذا؟”
نظر إليها متفاجئًا، كأنه لم يفهم ما تعنيه.
اختارت ليتيسيا كلماتها بعناية لتُهدّئ من حدة النقاش.
“أتحدث عن ما حدث بالأمس عندما تقدّم ماركيز إستيفان لخطبة يوري.”
“……”
“يوري بالغة، ومن الطبيعي أن تتلقّى عروض زواج.”
واصلت مراقبته عن كثب.
“لكن عندما تتدخل فجأة في موقف كهذا، ألا تظن أن ذلك يضعها في موقف محرج؟”
“لكن يا أمي، عرض ماركيز إستيفان كان مفاجئًا، وقد وضع شقيقتي في موقف حرج أمام الجميع، أليس كذلك؟”
توقعت منه موافقة صامتة، لكنها فوجئت برده الفوري.
‘إلى أين وصل الأمر؟!’
ضحكت إيليني ببراءة:
“أخي يهتم حقًا بأختي. أنا سعيدة لرؤيتهما يتقربان.”
“ليس للدرجة التي تتخيلينها.”
حاول كاليكس نفي الأمر، لكنه لم يكن مقنعًا.
‘لو كان سابقًا، لكان قد عبس بوجهه رافضًا الأمر بشكل قاطع!’
التعليقات لهذا الفصل " 76"