راقب كاميل الموقف باهتمام بالغ. رؤية ردّ فعل بتلك الحدة حتى بعد عرض زواج مهذّب هكذا، جعله يتخيل ردّة فعل كاليكس لو عرف ما فعله بسيدريك في الماضي… ربما سيحاول قتله فعلًا.
مع ذلك، لم يكن تهديد القتل من الأمور المزعجة كثيرًا بالنسبة له؛ فعدد من يودّون قتله قد يلفّون قصر الإمبراطور بأكمله.
“هم، همم.”
تدخل الدوق مجددًا، وقد رمق ابنه بنظرة توبيخ خفيفة.
“حسنًا، عرض الزواج ليس أمرًا مخالفًا للقانون. ثم إن ابنتي رفضته، لذا لا حاجة لأن تطرق بابي بعد الآن.”
“نعم، كلامك صحيح يا سعادة الدوق.”
أجاب سيدريك إستيفان بثبات، دون أن يظهر عليه أي تردد.
أما نظرات يوري، فكانت لا تزال متوترة ومشحونة بالارتباك وهي تحدق فيه.
لكن…
‘أذناها لا تزالان محمرّتين.’
لم يكن ينوي التفكير في ذلك في هذا الوقت تحديدًا، لكن فجأة راودته ذكرى وضعه وجهه على يد يوري إلروز.
بل لم تكن ذكرى بقدر ما كانت استدعاءً حيًّا للإحساس والملمس الذي اختبره حينها؛ كان الشعور بذلك اللحظة واضحًا وحقيقيًا أكثر من مجرد استرجاع باهت.
في الواقع، لم يكن سمّ الوحش الذي أصابه في ذلك الوقت خطيرًا على الإطلاق.
صحيح أن ذلك “السلاج” كان من الوحوش العليا، وأن الأشخاص العاديين إن تعرّضوا لدمه فإنهم يدخلون في غيبوبة فورية وخطيرة.
ومع مرور الوقت في تلك الحالة، قد تبدأ أجسادهم بالذوبان حرفيًا — إنه كائن وحشي في غاية القسوة.
لكن حين يكون الأمر متعلقًا بكاميل، فالوضع مختلف قليلًا.
فهو، من الأصل، ليس سوى كيان ملوّث بالكامل.
كأنك تضيف قطرة حبر إلى زجاجة مملوءة بالحبر الأسود سلفًا — لن يطرأ أي تغيير يُذكر.
صحيح أنه قد يغفو للحظات بفعل السم، لكن لا فرق بين ذلك وبين غفوة قصيرة؛ بل إن القليل من التركيز كفيل بتبديدها.
أما الأعراض الأخرى؟ ربما احمرار خفيف في الجلد أو شعور بالحكة، ليس أكثر.
لكن كاميل، في ذلك اليوم، لم يرغب بإظهار مناعته تجاه السم.
بل بشكل غريب، أراد أن يتظاهر للحظة بأنه إنسان عادي، ويسمح لنفسه بفقدان الوعي.
حتى الآن، لا يعرف على وجه الدقة ما الذي دفعه لذلك.
‘ربما أردت فقط أن أرى ردة فعل تلك المرأة حين ترتبك…’
ومهما يكن، فقد تصرّف كما أراد.
ترك جسده يتقبّل اختراق السم، وأسلم وعيه لعمق النوم للحظات.
نوم خفيف جدًا، من النوع الذي يمكن الاستفاقة منه فور استشعار أي تهديد.
لكن ما باغته حينها لم يكن تهديدًا…
وهنا تكمن المشكلة.
ما زال كاميل حتى الآن يتساءل.
‘ما الذي فعلتيهِ بي؟’
فما أيقظه من تلك الغفوة الخفيفة لم يكن أي خطر، بل عبير عطري حلو بشكل مذهل.
رائحة لذيذة إلى حد أن لعابه سال على الفور، وعانقت أعصابه بلطافة ودفء.
لقد تذكّرها بوضوح — كانت رائحة جسد يوري التي مرّت بأنفه مرة من قبل.
في تلك اللحظة، شعر بدوار خفيف. لم يخطر في باله أي شيء.
بل قبل أن يستعيد وعيه بالكامل، كانت يده قد سبقت تفكيره بالحركة.
وما إن أمسك بذلك المعصم الرقيق الذي كان ينبض كالطائر المرتجف، حتى خرجت من فمه عبارة لم يستطع منعها.
“……وجدتُكِ.”
كيف يمكن وصف الإحساس الذي اجتاحه آنذاك؟ سعادة؟ حماس؟
لا، لم تكن مشاعر نقية كتلك.
بل كانت أكثر دناءة وقبحًا.
‘بل أعتقد أن ما أشعر به الآن أكثر وضاعة مما شعرت به في تلك اللحظة.’
لماذا لم يتخلص من سيدريك إستيفان في ذلك اليوم، أمام تنين البحر؟
‘كان قد استدار، وظهره مكشوف…’
لم يكن ليتطلّب أكثر من حركة واحدة لقتل ذلك الرجل.
شعر فجأة بأنه أضاع فرصة ذهبية دون أن يدرك ذلك في وقتها.
…وشعر بالأسف.
كاميل لعق شفتيه بنفاد صبر، والغضب المكتوم الذي لم يتمكن من كبحه بدأ ينتشر كغلالة قاتمة في الجو المحيط.
“……؟”
بعض من شعروا بالقشعريرة فجأة التفتوا حولهم متعجبين، لكن لم يخطر في بالهم قط أن السبب قد يكون ذاك الدوق الذي يستند بهدوء إلى الجدار.
بل اكتفوا بالتفكير:
‘…هل الجو بارد بعض الشيء؟’
وهكذا، جعل كاميل من حوله يرتجفون بلا سبب مفهوم، بينما ظل يراقب مجريات الموقف.
يوري جلست مجددًا أمام البيانو، كما لو أنها ستستأنف العزف.
وقد كان تصرّفًا حكيمًا؛ لو اختلطت الآن بالناس، لواجهت سيلًا من الأسئلة والاهتمام غير المرغوب فيه.
أما سيدريك، فلم يعد بإمكانه البقاء إلى جوارها كما فعل قبل قليل — فقد تقدّم للتو بطلب الزواج.
“أيها الشاب، هلّا تحدثتَ معي قليلًا؟”
لحسن الحظ، دوق روزانهير اصطحبه إلى دائرة النبلاء المتأنقين.
وتناقل الناس همسًا.
“كما هو متوقّع، يبدو أن الدوق يريد أن يراقبه عن كثب هذا المساء ليقيّم طباعه.”
“وبقاؤه إلى جانب الدوق سيحميه من الأسئلة المزعجة أيضًا.”
أما عند يوري، فكانت دوقة روزانهير قد اقتربت منها، تربّت عليها بلطف وتهمس لها ببضع كلمات.
وفي الجهة المقابلة…
‘…أها.’
رآه، إيان، ابن عمه العزيز، كان يراقب يوري هو الآخر.
لكن ما إن أدرك كاميل ما يجري، حتى التقت أعينهما — فقد لاحظ إيان أيضًا نظراته المتواصلة إليها.
التعليقات لهذا الفصل " 75"