***
كانت رحلتي إلى برج السحر برفقة إيليا في وقت الفجر المبكر سرًا محفوظًا جيدًا، والفضل يعود لعادتي في الاستيقاظ متأخرًا، حوالي الساعة الحادية عشرة صباحًا.
‘هذا جيد أنني أعيش حياة مترفة.’
لكن حتى لو كنت أنام أكثر مما يجب، لم يكن هناك مجال لإضاعة الوقت في الكسل بمجرد استيقاظي.
‘لديّ الكثير لأفعله اليوم. عليّ زيارة قافلة إيزيس، والمرور على محل الأزياء أيضًا…’
رغم أنني شعرت وكأن ذهني يعاني من ألم عضلي مشابه لما يحدث للجسد بعد التمرينات المكثفة بسبب التدريب المفرط، إلا أن استراحة قصيرة كانت كافية لاستعادة نشاطي.
‘حسنًا، لنبدأ.’
“هذه طلبات الشراء التي وردت صباح اليوم.”
قالها ولي العهد وهو يضع مجموعة من الأوراق الثقيلة على الطاولة بصوت مكتوم.
“يا إلهي!”
رغم أنني توقعت عددًا كبيرًا من الطلبات، إلا أن الكمية التي رأيتها فاقت كل توقعاتي!
نظرت إلى الأوراق بعينين لامعتين واندفعت نحوها بحماس.
“كم يبلغ عدد هذه الأوراق بالضبط…؟”
“إجمالي الطلبات اثنان وثلاثون. وجميعها تتعلق بطلبات تركيب مصاعد زجاجية داخل القاعات.”
سألتُ بحماس، بينما كنت أتفحص الأوراق، ثم التفتُ إلى ولي العهد بسؤال آخر.
“لقد نفذتَ نصيحتي، أليس كذلك يا صاحب السمو؟”
“نعم.”
أجاب بابتسامة، لكن ابتسامته لم تكن عادية، كانت أقرب لابتسامة صياد يتأهب للانقضاض على فريسته.
“كما نصحتِ، عرضنا خصمًا على رسوم التركيب للعملاء الحاليين إذا أحضروا عملاء جددًا يرغبون في تركيب المصاعد.”
أومأت برضى وأنا أتابع بمرح.
“مع نشر مقال عن المصاعد الزجاجية في نشرة أخبار المجتمع اليوم، فإن قدوم العملاء الذين لم يحضروا الحفل هو مجرد مسألة وقت.”
ثم أخذت أتصفح النشرة الاجتماعية التي تضمنت رسمًا توضيحيًا يظهرني أنا وولي العهد داخل أحد المصاعد الزجاجية. العناوين كانت مبهجة.
“أسلوب مبتكر وجديد… مؤشرات على ظهور اتجاه جديد في المجتمع.”
ابتسمت بفخر عند رؤية المقال الذي كُتب وفق توجيهاتي المسبقة.
ولي العهد تمتم بصوت هادئ يحمل الرضا.
“حتى سامويل أثنى على حنكتكِ. قال أنكِ تتمتعين بمهارة غير عادية.”
“كل الفضل يعود لمنتجك الرائع يا صاحب السمو. ما قمت به لا يُذكر.”
لكنه هزّ رأسه بخفة مبتسمًا وكأنه لا يوافقني، قبل أن يغيّر الموضوع قائلًا.
“بالمناسبة، يبدو أن مشغل الأزياء الخاص بكِ يشهد ازدهارًا ملحوظًا مؤخرًا.”
“نصفه فقط يعود لي، لكني ممتنة لذلك.”
علق بصوت مرح.
“مع ذلك، لا يسعني إلا أن أتساءل كيف استطاعت فتاة مثلُكِ، التي اعتادت الانعزال في قصر والدها، اكتشاف مثل هذه المواهب الفذة.”
شعرت بالحرج. لم يكن بإمكاني الاعتراف بأن السبب هو بفضل توجيهاته غير المباشرة، لذا اكتفيت بالرد بتهرب.
“لا تفكر في الأمر. السيدة روزيتا قد أبرمت عقدًا معي بالفعل، فلا مجال للتفكير في استقطابها.”
انفجر ولي العهد ضاحكًا وقال بابتسامة لامعة.
“أعترف أنني رجل طماع.”
ثم أضاف، بصوت هادئ حمل لمسة من الجدية.
“لكنني لا أطمع بمصممتكِ يا آنسة.”
شعرت بالدهشة، فسألته بحذر.
“إذن، ما الذي تطمع به؟”
رفع عينيه الذهبيتين اللتين تلاحقان نظراتي بثبات، وقال بصوت ناعم.
“أطمع بكِ، أيتها الاميرة يوري إلروز.”
“أطمع بكِ.”
“عفوًا؟”
ابتسم ولي العهد بلطف وأومأ برأسه.
“وللعلم، أنا جاد تمامًا.”
شعرت بأن حلقي يجف فجأة، وارتبكت للحظة.
‘ت-تمالكي نفسكِ.’
حاولت أن أهدئ أفكاري. لا بد أنه يقصد شيئًا آخر تمامًا، وليس ما أفكر به.
‘إنه شخص يهوى جمع الكفاءات.’
بعد لحظة من التوتر، تنحنحت بخفة وأجبت بمحاولة للتماسك.
“حسنًا، أعترف أنني كفاءة نادرة.”
ابتسم ولي العهد مجددًا، لكن هذه المرة كانت ابتسامته أكثر غموضًا، وقال بهدوء.
“حسنًا، من هذا المنطلق أيضًا، أنتِ جذابة للغاية.”
“عفوًا؟”
رد بسرعة.
“أعني، أوافقكِ الرأي.”
نظرت إليه بشك للحظات، محاوِلةً فهم مقصده الحقيقي. لكنه ظل يبتسم بهدوء دون أن يترك أي دليل إضافي.
ثم تحدث بصوت ناعم.
“اميرة.”
“نعم؟”
“بما أننا تطرقنا إلى هذا الحديث، لدي عرض رسمي أود تقديمه لكِ.”
“عرض؟”
ابتسم بثقة وهو يسند ظهره إلى الأريكة براحة واضحة.
“هل فكرتِ في أن نصبح شركاء عمل؟”
“شركاء… عمل؟”
<النظام> لقد دخلتِ إلى الحلقة المخفية، شريكة ولي العهد في العمل!
فوجئت تمامًا بهذا التطور المفاجئ.
“شراكة عمل؟”
“نعم، شراكة عمل.”
أومأ برأسه بهدوء وهو يتحدث.
“صحيح أنكِ قلتِ إنني أمتلك موهبة تجارية، ولكن برأيي، أنتِ من تستحقين هذا الوصف حقًا.”
حاولت أن أتمالك نفسي.
“هذا… لطف منك.”
ابتسم بخبث خفيف وأردف.
“فكرة استخدام ولي عهد الامبراطورية كأداة للتسويق ليست فكرة يمكن لأي شخص أن يخطر بباله.”
رددت بارتباك.
“هل عليّ الاعتذار عن وقاحتي الآن؟”
انفجر ضاحكًا بحرارة وقال.
“لا أعتقد أن القيام بشيء ممل كهذا يناسبكِ الآن.”
أجبته بابتسامة ماكرة.
“كرمك يا صاحب السمو يجعلني عاجزة عن التعبير.”
بظاهري، أجبتُ بهدوء، لكن داخلي كان يغلي بالتفكير.
‘شراكة؟ هل يقصد شراكة حقًا؟’
ربما لاحظ ولي العهد حيرتي، فبدأ يشرح بهدوء.
“لا تأخذي كلمة ‘شراكة’ بحملها الثقيل. لا أنوي أن أطلب منك شيئًا مرهقًا أو يسبب لكِ أي ضغط.”
“…….”
“أنا فقط أريد الاستفادة من رؤيتكِ الحاذقة التي تمكنتِ بها من بيع ذلك الجهاز المزعج.”
‘بمعنى آخر…’
كان يقصد أنه لا يريدني كشريكة إدارة كاملة للشركة، بل كمستشارة.
‘فكرة ليست سيئة.’
كنتُ بالفعل أفكر في كيفية جمع المزيد من المال. لو حاولتُ تأسيس شركة تجارية سرية مثلما فعل ولي العهد، فسيتطلب الأمر وقتًا طويلًا جدًا.
‘خصوصًا أن العثور على وكيل موثوق وذي كفاءة سيكون تحديًا كبيرًا.’
لكن لو تعاونتُ مع شركة إيزيس التجارية التابعة لولي العهد، وشاركنا الأفكار التجارية؟
‘سأختصر على نفسي الكثير من الجهد وأتمكن من تنفيذ أفكاري بسرعة.’
هكذا سأستخدم بنية شركة إيزيس التحتية، بينما سيستفيد ولي العهد من أفكاري ومشاريعي.
‘فكرة جيدة، بل فرصة ذهبية.’
اتخذتُ قراري بأن أصبح شريكة ولي العهد.
“لقد فهمتُ عرضك يا صاحب السمو. رغبتك في اختياري كشريكة واضحة تمامًا.”
بعد اتخاذ القرار، لم يتبق سوى أمر واحد.
“لكن يجب أن تعلم أنني لست رخيصة. هل تستطيع تحمل ذلك؟”
الأمر الآن متعلق بالتفاوض على السعر.
“إذن، بالنسبة لكِ، أنا مجرد أداة ترويجية، وأعتبر نفسي الآن منتجًا على الرف، أليس كذلك؟”
“ليس منتجًا يليق بأي صفقة، بالتأكيد.”
تشابكت أصابعي وأنا أنظر إليه بثقة. بما أنه هو من أبدى رغبته أولاً، فإن مفتاح هذه الصفقة بيدي.
“خمس مئة قطعة ذهبية شهريًا…”
“ثلاثة الالف قطعة ذهبية لكل ربع سنة. ما رأيكِ؟”
“عفوًا؟”
500 قطعة ذهبية تعادل مصاريف أسرة مكونة من أربعة أفراد لمدة شهرين على الأقل.
“هذا العرض… أكثر مما توقعت.”
“لكن، إذا كان ثلاثة الالف قطعة ذهبية لكل ربع سنة…”
كان هذا ضعف ما طلبته.
وخطر ببالي للحظة.
‘ربما كان يجب أن أطلب المزيد؟’
لكن سرعان ما تراجعت عن هذه الفكرة.
لم يكن ولي العهد وأنا مجرد شريكين في صفقة تجارية.
كادت أن تفلت مني هذه الحقيقة، لكنه كان هدفًا رئيسيًا في خطتي، وكان عليّ أن أستمر في رفع مستوى رضاه عني.
‘لو طلبت مبلغًا مبالغًا فيه وانتهى الأمر بعدم تقديم ما يبرر هذا السعر…’
حينها، كان عليّ أن أتوقع انخفاضًا في تقديره لي.
“لقد عرضت ضعف المبلغ الذي طلبته.”
“لأنكِ تستحقين هذا وأكثر، يا اميرتي.”
“وإذا لم أكن كذلك؟”
“في تلك الحالة، سأتحمل كلفة سوء تقديري كشريك تجاري.”
كانت كلماته تعني ضمنيًا أنه، حتى لو لم تسر الأمور كما هو متوقع، لن يُحملني مسؤولية أي خسائر.
‘حسنًا، يبدو هذا مرضيًا.’
رغم أن الشروط كانت ملائمة، لم أكن أريد أن أترك أي شيء للصدفة.
“هناك بضع نقاط أخرى أرغب في مناقشتها.”
“وما هي؟”
“أولاً، مبلغ ثلاثة الالف قطعة ذهبية هو فقط مقابل تقديمي المشورة لسموك في أمورك التجارية.”
أومأ ولي العهد برأسه.
“أما إذا اقترحتُ منتجًا أو فكرة جديدة، فأود توقيع عقود منفصلة لكل مشروع مع تقاسم الأرباح.”
“هذا ليس بالأمر الصعب. بل إنني متحمس لما قد تقدمينه من أفكار.”
“إذن، سأكون سعيدة جدًا بأن أكون شريكة لك.”
ابتسم ولي العهد ابتسامة رضا ملحوظة.
<النظام> أصبحتِ شريكة ولي العهد.
<النظام> حصلتِ على لقب ‘شريكة ولي العهد’.
تأثير اللقب: +30 ذكاء، +30 براعة في الحديث. تحصلين على دخل شهري قدره 1000 قطعة ذهبية.
‘دخل شهري بقيمة الف قطعة ذهبية.’
كانت هذه الكلمات من أجمل ما رأيته حتى الآن بين مزايا الألقاب المكتسبة.
مدّ ولي العهد يده نحوّي أولًا، وبدا وكأنه يدعوني للمصافحة.
مددتُ يدي ببراءة لأصافحه، لكنه فجأة جذب يدي بخفة…
“……!”
وقبل أن أدرك، كان يطبع قبلة خفيفة على ظهر يدي.
كان الأمر غريبًا، ليس احتفالاً عاديًا بالعقد، ولم يكن مجرد لفتة رسمية تجاه آنسة.
رفع ولي العهد نظره بابتسامة لا تخلو من المغزى.
“بالمناسبة، آنستي.”
“نعم، سموك؟”
ترك يدي وهو يقول.
“لا أستطيع ألا ألاحظ شيئًا غريبًا، وهو أنكِ ما زلتِ تنادينني بـ ‘سموك’ حتى هنا.”
“؟”
ماذا يعني ذلك؟
“ألم يُنادِك الناس بـ ‘سموك’ طيلة حياتك؟”
سألته بجدية، فرد بابتسامة ساخرة.
“لكن هنا نحن في شركة تجارية، وأنا مجرد تاجر صغير، أليس كذلك؟”
‘سموك مجرد تاجر صغير…’
“وبما أن كوني رئيس الشركة أمرًا سريًا للغاية، فإن مناداتكِ لي بـ ‘سموك’ يمكن أن تثير الشكوك.”
“إذن، كان عليك أن تأتي هنا مرتديًا خاتم تحويل المظهر مثلما فعلتُ أنا.”
“بالفعل فكرت في ذلك. خصوصًا لأن هذا المكان هو الوحيد الذي يمكنني الالتقاء بكِ فيه بهذه الطريقة.”
“…….”
رغم أن كلماته بدت خالية من أي نوايا خفية، إلا أنني شعرت ببعض الارتباك.
“على أي حال…”
“نعم؟”
“لماذا لا تبدأين بمناداتي بـ ‘إيان’؟”
“……عفوًا؟”
ما هذا؟ أهو مزاح أم أمر جديد غريب؟
التعليقات لهذا الفصل " 50"