في المقابل، لم يكن الجو في عربة ليتيسيا وإيليني، التي انطلقت في نفس الوقت تقريبًا، مفعمًا بالمودة والدفء.
بل على العكس، كان الجو باردًا إلى حدٍ يجعلك تشعر بنسمات من التوتر.
“تلك الفتاة…”
قبضت ليتيسيا على مروحتها بغضب وضغطت على أسنانها.
“أمي، ستؤذين يديكِ بهذه الطريقة.”
حاولت إيليني تهدئتها بلطف، لكن ليتيسيا لم تستطع استعادة هدوئها.
“لقد ارتكبت خطأً.”
فكرت في أنه لو كانت تعلم أن الأمور ستؤول إلى هذا الحد، لكانت ذهبت مع إيليني لاستقبال ولي العهد، على الأقل لتترك لهما انطباعًا أقوى.
كانت غاضبة من نفسها لأنها لم تؤدِ واجبها الأدنى بسبب غضبها العارم.
ثم أخذت ليتيسيا نفسًا عميقًا ونادت ابنتها.
“إيليني.”
“نعم، أمي.”
“أنا واثقة أن تلك الفتاة تتلاعب بنا نحن الاثنتين.”
لطالما اعتقدت ليتيسيا أن يوري كانت فتاة مطيعة ولطيفة.
ولهذا السبب لم تدرك بسرعةٍ ما كان يحدث.
لم تتصور أن يوري، تلك الفتاة التي كانت تبدو طيبة حد السذاجة، تجرؤ على التلاعب بها.
“لقد كانت تكذب طوال هذا الوقت. خدعتني… يا لها من فتاة ماكرة!”
“أمي، هل يجب حقًا أن نعتقد الأسوأ في أختي؟”
قالت إيليني بنبرة حزينة.
“لم ترتكب أختي أي خطأ في تصرفاتها حتى الآن. عندما وضعتني خلفها في الاجتماع الأخير، كانت فقط تمارس حقها كابنة كبرى.”
‘نعم، كان ذلك أيضًا.’
عند سماع كلمات ابنتها، تذكرت ليتيسيا فجأة شيئًا كانت قد نسيته للحظة، وازداد توترها لدرجة أنها قبضت على أسنانها بإحكام. وبينما كانت تفكر في ذلك، وصلت عربة عائلة دوقية “روزانهير” إلى القصر الصيفي حيث يقام الحفل.
‘عندما أدخل إلى هناك، سيتعين عليّ الابتسام.’
حتى عندما تدخل يوري إلروز، تلك الفتاة، وهي تمسك يد ولي العهد بثقة، سيتوجب عليها أن تبتسم. وعليها أن تستجيب للثناء الذي يعبر عن الحسد بتواضع، وتقدم الشكر بأسلوبها المتقن.
‘فالناس يظنون أنني أعتبر تلك الفتاة كابنتي حقًا.’
لقد كانت تلك الواجهة القوية التي عملت ليتيسيا على بنائها لسنوات عديدة. ولكن، لماذا تشعر اليوم بأن هذا القناع الذي صنعته لحماية نفسها بات خانقًا لهذه الدرجة؟ وكأنها علقت في فخ صنعته بيديها، شعرت ليتيسيا بالعجز.
لكن لم يكن هناك خيار آخر.
“لنذهب، إيليني.”
“حسنًا، أمي.”
نزلت الاثنتان من العربة برفقة فارس الحماية. ولو كان الدوق أو كاليكس ليصطحباهما اليوم لكان أفضل، لكن الدوق كان منشغلاً بأعماله في اجتماع “لوزان”، وليس لديه وقت لحضور الحفل الامبراطوري. وكذلك كاليكس كان مشغولًا بتعلم مسؤولياته كخليفة للدوقية.
‘نعم، هذا صحيح.’
استعادت ليتيسيا بعض الهدوء وهي تفكر بابنها الوحيد، كاليكس. سيأتي اليوم الذي يصبح فيه كاليكس دوق “روزانهير”. وكاليكس، على عكس إيليني طيبة القلب، يكره تلك الفتاة يوري بشدة…
‘عندما يصبح دوقًا، لن يكون لتلك الفتاة مكان في عائلة “روزانهير”.’
وبينما كانت تواسي نفسها بهذه الأفكار، دخلت ليتيسيا مع ابنتها قاعة الحفل. وعند المدخل، أعلن الخادم بصوت عالٍ.
“دوقة روزانهير والانسة إيليني تدخلان!”
توجهت الأنظار فورًا إلى الأم وابنتها الجميلتين والمرموقتين. ليتيسيا، بدورها، ألقت نظرة غير مباشرة على الحشود المحيطة.
‘لكن… لماذا لا أرى يوري؟’
من المفترض أن تكون يوري قد وصلت قبلها هي وإيليني.
‘هل يمكن أن يكون…؟’
اجتاح ليتيسيا شعور غامض بالخوف.
***
أخيرًا، وبينما كنا نتبادل الحديث لتضييع الوقت، دخلت العربة التي أستقلها مع ولي العهد الطريق المؤدي إلى العاصمة الامبراطورية، بعد أن تجاوزنا ضواحي المدينة.
كان وصولنا متأخرًا، ولم تكن هناك عربات أخرى في الجوار.
بالطبع، من قد يتجرأ على الوصول متأخرًا إلى حفل يقيمه الإمبراطور سوى ولي العهد؟
بينما كانت العربة المزينة بشعار العائلة الإمبراطورية تعبر بوابات القصر دون أي تفتيش، جلست مسترخية، ملوحة بالمروحة، مستمتعة بالخدمة المقدمة لي. وعندما وصلنا أخيرًا إلى قصر الصيف، نزل ولي العهد من العربة أولاً ومد يده لي.
“هيا، آنستي. يدكِ.”
“نعم.”
أمسكت بيده ونزلت بحذر من العربة. ومع نزول تنورة فستاني بسلاسة خلفي، لم يستطع ولي العهد إلا أن يبدي إعجابه.
“يبدو أن خياطكِ يتمتع بمهارة فائقة.”
كان في الأصل هو من اكتشف هذا الخياط.
وأنا من كان يقوم بدور العارضة.
لكن الآن تغيرت الأمور. السيدة روزيتا قد أبرمت عقدًا لتكون خياطتي الخاصة، وها هو ولي العهد يقف بجواري ليضفي علي بريقًا.
دخلنا القصر الصيفي متشابكي الأيدي، فارتفع صوت الخادم عند الباب.
“ولي العهد، وصاحبة السمو يوري إلروز، يصلان!”
وفي الحال، توقف الجميع في قاعة الحفل عن الحركة. فقد كان الأمير ايدريان معروفًا بأنه لا يرافق أحدًا سوى أقربائه.
<النظام> بفضل مرافقة ولي العهد، ارتفعت سمعتك بمقدار 100 نقطة!
كانت زوجة أبي ممسكة بيد إيليني، ووجهها شاحب وهي تنظر نحوي. تعمدت رفع رأسي والابتسام لولي العهد الذي رد بابتسامة وهمس بهدوء.
“يبدو أن خدماتي تنال إعجابك.”
“بالتأكيد.”
جميع الحضور في الحفل الإمبراطوري كانوا من النبلاء. وكانت النساء، اللاتي لا يقلن عن بعضهن مالًا ومكانة، يرتدين أجمل ما لديهن من فساتين، معظمها من تصميم كامينسكي المميز.
‘رغم أن كل فستان على حدة جميل بالفعل.’
إلا أنه عند رؤيتها مجتمعة بدت القاعة وكأنها ورشة لكامينسكي، مع تنوع الألوان والزخارف الذهبية والمجوهرات.
وبدأ الناس يتهامسون.
“أليست الانسة يوري إلروز قليلة الظهور في المناسبات الاجتماعية؟”
“كيف تمكنت من مرافقة ولي العهد؟”
ورغم دهشتهم، لم يستطيعوا إنكار حقيقة واحدة.
“انهم ثنائيًا مثاليًا.”
“بالفعل.”
“لكن الفستان الذي ترتديه الانسة يوري لا يبدو من تصميم كامينسكي.”
“يا تُرى من الذي صنعه؟”
‘تمامًا كما خططت.’
عندما لفتت الأنظار إلى حيث أردت، لم أتمكن من كتم ابتسامتي.
وفجأة، رأيت الناس يفسحون الطريق. وظهر من بينهم رجل…
“إيدريان! لم أكن أعلم سبب تأخرك، لكن يبدو أن السبب هو تلك الانسة الجميلة!”
كان رجلاً في منتصف العمر، يتمتع بمظهر مهيب وشعر ذهبي لامع، وكان هذا هو إمبراطور الامبراطورية.
“أجل، أبي.”
“أحسنت.”
وبينما يضع يده على كتف ولي العهد، وجه الإمبراطور نظره نحوي.
“يوري إلروز! لقد سمعت الكثير عنكِ.”
“جلالة الإمبراطور…”
“لا داعي لكل هذه الرسمية.”
أوقفني الإمبراطور، قائلاً.
“يبدو أنكِ تمكنتِ من فك ختم جوهرة عائلة روزانهير، أليس كذلك؟”
انتشرت الهمسات بين الحضور، لكنني تجاهلتها وأجبت ببساطة.
“نعم، جلالتك.”
“وليس هذا فقط، بل سمعت أنكِ أول ساحرة تتفتح موهبتها في عائلة روزانهير منذ مئتي عام.”
ابتسم الإمبراطور بحرارة.
“وجود شخص مثلكِ يتمتع بمستقبل مشرق للإمبراطورية!”
وفجأة، سمعت صوتًا مألوفًا لطيفًا. لقد كانت صوت زوجة أبي.
“جلالة الإمبراطور…”
“اوه، ليتيسيا!”
استقبلها الإمبراطور بترحاب كبير.
“إلينيا أيضًا هنا.”
لكنه أخطأ في اسم إيليني، لكنها لم تصحح الخطأ، بل ابتسمت برقة.
“سررت برؤية جلالتك بصحة جيدة بعد هذه الفترة الطويلة.”
“بالفعل، ليتيسيا. وأنتِ أيضاً بخير. يجب أن أهنئكِ.”
“عفواً، جلالتك؟”
“أقصد يوري إلروز.”
تناول الإمبراطور كأسًا وقال بحماس.
“إن لم يكن بفضل رعايتكِ، لما تمكنت من فك الختم.”
ابتسمت زوجة أبي كما لو كانت فخورة، لكنها كانت تعلم أن كل شيء كان على عكس ما أرادت.
“أشكر جلالتك، على تشجيعك لطفلتي.”
“حسنًا، لنبدأ الحفل!”
رفع الإمبراطور الكأس وأعلن بداية الحفل. تعالت أصوات الأوركسترا، وقال الإمبراطور بابتسامة.
“ها هو الرقص الأول! أود أن أرى ابني يرقص مع الانسة يوري.”
<النظام> ستقودين الرقصة الأولى في الحفل الإمبراطوري!
<النظام> ارتفعت سمعتكِ بمقدار 500 نقطة.
<النظام> ارتفعت جاذبيتكِ بمقدار 50 نقطة.
<النظام> ارتفعت فخامتكِ بمقدار 30 نقطة.
أطلقت موسيقى رقيقة، ونظر ولي العهد إلي مبتسمًا وهمس.
“أشعر وكأن الوقت الذي أقضيه معكِ يزداد متعة.”
فهمت من كلامه بأنه يقصد.
‘لقد تخطيتِ حاجز الـ 100 في نقاط الجاذبية.’
“إذن، آنستي؟”
“نعم، سموك.”
تبعته إلى وسط القاعة، مارّة بين الحاضرين، حيث سمعت شخصًا يقول لزوجة أبي.
“لقد أحسنتِ تربية ابنتكِ، ايتها الدوقة. أهنئكِ.”
“أشكرك على كلماتك الطيبة.”
ابتسمت بهدوء بينما مررت بجانبهم.
وصلنا بسرعة إلى منتصف القاعة.
“إذن، فلنبدأ.”
وبدأت بقيادة ولي العهد، أؤدي أول خطوات الرقصة، متحديةً كل العيون الموجهة نحونا.
التعليقات لهذا الفصل " 26"