رفعت رأسي على صوت منادٍ فجأة، فإذا بإينا تنظر إليّ بتعبير يحمل شيئًا من الحرج.
“ما الأمر يا إينا؟”
“سعادة الدوق يطلب حضوركِ.”
آه، حقًّا؟
خطر ببالي أن والدي، الذي عاد الآن إلى المنزل، لا بد أنه قد لاحظ أنني استوليتُ على بعض مهامه.
“إن كان الأمر كذلك…”
أكملت كتابة آخر ردّ كنتُ أعمل عليه، ثم وضعته في الظرف وأحكمت إغلاقه.
“إينا، أحضري هذه الرسائل وتبعيني.”
“حاضر، آنستي.”
سرتُ مباشرة نحو مكتب والدي.
“آنستي.”
كان كبير الخدم، فيليب، واقفًا أمام الباب، وبادرني بابتسامة ودودة.
“فيليب… لا تقل إنني في ورطة؟”
“مستحيل، آنستي. لم يصل الأمر مع سعادته إلى هذه الدرجة بعد.”
قالها وهو يبتسم بلطف، لكن كلماته كانت تحمل شيئًا من المعنى الخفي. لم أتمالك نفسي فضحكت قليلًا.
“تفضّلي بالدخول إذًا.”
“شكرًا لك.”
“سيدي الدوق، الآنسة يوري قد وصلت.”
“… دَعها تدخل.”
فتح كبير الخدم باب المكتب لي، فأخذتُ الطبق الفضي من إينا ودخلت.
“يوري.”
كان أول ما فعله والدي عند رؤيتي أن عبس بين حاجبيه.
“لا تنظر إليَّ هكذا يا أبي.”
هززت كتفيّ بخفة، ثم وضعت على مكتبه الرسائل التي أتممتُ ختمها بعناية.
“لقد قمتُ ببعض ما ينبغي عليَّ فعله، لا أكثر.”
“ألم أقل لكِ من قبل إنكِ لستِ مضطرة بعدُ للقيام بمثل هذه الأمور؟”
“أبي…”
أجبته بملامح يعلوها شيء من الحرج.
“كنتُ سأحدثك بهذا على أي حال. في رأيي… لا يمكن أن نستمر على هذا النحو إلى الأبد.”
“وماذا تعنين بذلك؟”
“آسفة، لكن لا يبدو أن والدتي ستتعافى في وقت قصير.”
“……”
يبدو أن أبي لم يجد ما ينكر به كلامي.
“كما تعلم يا أبي، أنا الابنة الكبرى لعائلة روزانهير. وهذا يعني أنه في حال الطوارئ، يجب أن أتولى دور سيدة القصر بالنيابة.”
“أنا…”
“أعرف أنك لا تريد أن تحملني هذه المسؤولية.”
“……”
“لكن، إن لم أفعل ذلك، فسيبدو الأمر وكأنني أتخلى عن واجبي.”
ظل أبي صامتًا، وكأنما يقر في نفسه أن ما قلته لا يمكن إنكاره.
“أنا أيضًا لا أستطيع أن أتحمل كل شيء دفعة واحدة، لكن اسمح لي على الأقل بأن أبدأ بالأعمال السهلة، ولو بالنصف فقط. أنتَ وكاليكس، تعرفان أن الوضع حاليًّا ليس على ما يرام.”
<النظام> تأثير اللقب: “بارعة في التفاوض” قد فُعل!
دوق روزانهير بدأ يصغي إليك بجدية.
“… يا للعجب.”
تمتم أبي وهو ينقر بلسانه.
“متى كبرتِ هكذا؟ أشعر بالفخر بكِ.”
“… عذرًا؟”
ما هذا الكلام المفاجئ؟ شعرتُ ببعض الخجل.
“ماذا تعني؟ كل ما هنالك أنني أريد القيام بما هو من شأني…”
“نعم، نعم. يبدو أنني كنتُ أراكِ دومًا… هشة أكثر مما أنتِ عليه.”
“……”
‘وهل يلام على ذلك؟’
فكرتُ في والدتي التي رحلت صغيرة السن، لكنني لم أُبدِ ذلك على وجهي.
“أنتِ محقّة تمامًا بشأن هذا الأمر. ابتداءً من الغد، سأعطيك بعض المهام لتتعلميها جيّدًا.”
<النظام> لقد تم الاعتراف بكِ كوكيلة لسيدة قصر دوقية روزانهير.
تم منحك لقب: “نائبة دوقة القصر”.
تأثير اللقب:
+30 للذكاء، +30 للهيبة، +50 للصلابة الذهنية.
خدم دوقية روزانهير سيبدؤون في الامتثال لسلطانكِ.
كما توقعت تمامًا!
لقب واحد يرفع عدّة قدرات دفعة واحدة! ابتسمتُ بفرح وأنا أشكر والدي.
“شكرًا لك يا أبي!”
“سعيدة إلى هذا الحد؟”
ارتسمت ابتسامة على وجهه هو الآخر، لكنه ما لبث أن أعاد ملامحه إلى الجدية وقال:
“إن واجهتكِ أي أمور مجهولة، اسألي فورًا، وإذا شعرتِ بثقل العمل، فاطلبي تخفيفه.”
“لا أريد أن أبدو ضعيفة منذ البداية. سأبذل أقصى جهدي.”
“……”
نظر إليّ أبي وضحك قليلًا من جديد، ثم تمتم:
“فتاة… قوية حقًّا.”
كان وجهه يعكس الرضا، لكنني لاحظتُ بوضوح آثار التعب ما زالت تلوح عليه.
عندها خطر ببالي فجأة:
‘لقد ذهب أبي اليوم إلى القصر الإمبراطوري…’
ترى… أليس من الممكن أنه شهد بنفسه حفل منح لقب سيدريك الصغير؟
‘من دون أن أُتعب نفسي بسؤال سيدريك، قد أستطيع أن أعرف كل التفاصيل من أبي مباشرة…’
“أبي…”
“همم؟”
رفع والدي حاجبَيه قليلًا، فسألته:
“ألم يكن في القصر الإمبراطوري اليوم حفلُ تنصيبٍ لمنح لقبٍ نبيل؟”
قال:
“وكيف عرفتِ أنتِ ذلك؟”
“آه… الحقيقة أنّني زرتُ مكتبة القصر اليوم، وفي طريق العودة التقيتُ بسيدريك، فسمعتُ منه الخبر.”
“أتقصدين أنكِ ذهبتِ حتى مكتبة القصر من أجل الدراسة؟”
“لم يكن الأمر عظيمًا إلى هذا الحد… فقط كانت لديّ بعض التساؤلات، فطلبتُ، على نحوٍ شخصي، من صاحب السمو ولي العهد أن يسمح لي بالدخول.”
قال وهو يقطب حاجبيه قليلًا:
“لم يكن هناك داعٍ لأن تبذلي كل هذا الجهد…”
خشيتُ أن يسحب مني حتى المهام التي اتفقنا مسبقًا أن أتكفّل بها، فسارعتُ إلى تغيير الموضوع:
“على كل حال، بخصوص حفل التنصيب… هل تعرف والدي ما الذي جرى فيه؟”
قال:
“العيب الوحيد في مركيز إستيفان أنّ لديه أخًا كهذا.”
كان صوته أقرب إلى نبرة من يُعيد التفكير في تزويج ابنته لسيدريك، لا إلى نبرة من يشرح تفاصيل الحفل.
فسألته:
“ولِمَ يا تُرى منح جلالته لقبًا لمثل هذا الشخص؟”
“لا أظن أنّ أحدًا يستطيع توقّع نوايا جلالته في هذه المسألة. بل إن كلامكِ يوحي أن حتى مركيز إستيفان نفسه لم يُستشر بالأمر.”
ثم أطلق والدي نقرةً مستاءة بلسانه:
“أي شخص آخر، ولو كان فاسدًا، لتظاهر على الأقل بالقبول بقرار الإمبراطور…”
قلت:
“أبهذه الدرجة هو سيئ؟”
أجاب:
“قبل أن يصبح مقامرًا، كان أصلًا شخصًا فارغًا كقشرةٍ بالية. ومنحه لقب البارون أمرٌ مبالغ فيه.”
“بارون؟!”
هزّ والدي رأسه متنهّدًا، فغرقتُ لحظةً في التفكير:
‘لم يكن في أحداث الماضي شيءٌ كهذا… أترى أن هذا أيضًا من تبعات تعديل المسار؟’
سألته:
“أيمكن أن يكون لجلالته نيةٌ في التدخّل في نسب أسرة إستيفان؟”
قال:
“أودّ أن أقول “مستحيل”… لكن لا أستبعد أن يكون ذلك محتملًا.”
“هذا غير معقول!”
كيف يمكن أن يختار الإمبراطور شقيق سيدريك المقامر بدلًا من سيدريك نفسه، وهو سيد السيف ومثال الانضباط؟
قلت:
“أتظنّ أن جلالته يفكر فعلًا على هذا النحو؟”
أجاب:
“في الحفل، حين أقسم ثيودور قائلاً: “سأكون وعاءً مخلصًا من أجل جلالتك”، بدا الإمبراطور مسرورًا أيّما سرور. وإن كان يمنحه هذا القدر من الثقة منذ الآن، فعلى مركيز إستيفان أن يقلق.”
“……”
قال:
“ما بالكِ يا يوري؟ لِمَ هذا الوجه؟”
“لا… لا شيء يا والدي. فقط خطر في بالي أنّ الأمر قد يكون خطيرًا…”
قال:
“طبيعي أن تقلقي، فأنتِ على صلةٍ بأسرة مركيز إستيفان.”
“هل يمكنني الانصراف الآن يا والدي؟ تذكّرت أمرًا عليّ إنجازه.”
“همم؟”
“أستأذن إذن.”
وغادرتُ مكتب والدي، تاركةً إيّاه حائرًا.
‘وعاءٌ مخلص للإمبراطور؟’
وعاء…
إنّ حفلات منح الألقاب هي في حقيقتها عقدٌ بين السيّد الإقطاعي والتابع، حيث يمنح الحاكم الأرض واللقب، ويقدّم التابع في المقابل قوّته وولاءه. ولهذا فالقَسَم المعتاد هو “أن أكون سيفًا مخلصًا” لا “وعاءً”.
‘لكن… وعاء؟’
ثم تذكرتُ…
“وبالمثل، يحقّ لمركيز إستيفان دخول هذا المكان.”
“ماذا؟ أتقصد أنّ…؟”
“نعم، مركيز إستيفان هو أيضًا من أقاربي.”
إذا كان مركيز إستيفان، أي سيدريك، قريبًا لإيان…
‘فهذا يعني أنّ شقيق سيدريك، ثيودور، يحمل بدوره دمًا إمبراطوريًا!’
عندها مرّ بخاطري كلام والدي:
“كما قلتُ لكِ من قبل، عليكِ أن تكوني شديدة الحذر عند التعامل مع أفراد العائلة الإمبراطورية.”
“ما أعنيه تحديدًا… هو أن تحذري أسرة كاسيس الإمبراطورية يا يوري.”
يومها، علّل ذلك بأنّ أي تصرف طائش قد يجرنا إلى صراعٍ بين العرش و الاؤشيدوق روين.
لكنني الآن أتساءل…
‘أيمكن أنّ هذا لم يكن السبب الوحيد؟’
ماذا لو كانت العائلة الإمبراطورية تخفي سرًا مريبًا، وقد أدرك والدي بوادره؟
وإن كان لهذا السرّ علاقة بـ “الوعاء”…
ابتلعت ريقي بصعوبة، وخواطر مُثقلة بالشكوك تدور في رأسي:
‘هل يُعقل أن يكون لإيان علاقة بالأمر؟’
***
كِدتُ أقضي الليل ساهرةٌ. كان جسدي متعبًا، لكن عقلي بقي مشدودًا كحدّ السيف.
على أيّ حال، سكبتُ لنفسي الشاي الأسود لأحافظ على يقظتي، وأنهيتُ أولًا ما أرسله إليّ والدي من أعمال، كما وعد. كانت معظمها ملفات كان والدي يطّلع عليها بالأمس، لذا كانت شبه جاهزة، ولم تحتج وقتًا طويلًا لإنهائها.
لكن حين رفعتُ رأسي، وجدت أنّ موعد دخولي إلى مكتبة القصر قد اقترب.
“……”
لا يمكنني عدم الذهاب…
‘وإيان سيكون هناك بانتظاري أيضًا.’
زفرتُ بعمق. صحيح أنّ “الوعاء” قد يكون مجرد لقب بلا أيّ دلالة مريبة… لكن شعوري يخبرني أنّ الأمر ليس خيرًا.
ومع ذلك، ليس هناك ما يثبت أنّ لإيان علاقة بهذا “الوعاء”.
‘وحتى لو كان، فإنّ تجنبه ليس الحل.’
بل الأجدر أن أقترب منه لأكشف الحقيقة بنفسي.
هكذا، ولأسباب كثيرة، لم يكن أمامي خيار سوى التوجّه إلى مكتبة القصر مجددًا ذلك اليوم.
التعليقات لهذا الفصل " 127"