ناداني كاميل. وبينما كنت أقترب منه، سألني كاليكس بقلق:
“هل ستكونين بخير؟”
فأجبته:
“سأتعلّم فقط كيفية إطلاق السهام، لا أكثر.”
في الحقيقة، كنت قد وافقت بدافع الانفعال، لكن ما زال يراودني شعور بالقلق بشأن ما قد يفعله ذاك الشخص أثناء تدريبه لي على الرماية.
‘لكن لا مجال للتراجع الآن.’
تنهدت في داخلي بصمت، ثم وقفت أمام كاميل حيث أشار لي أن أقف.
قال:
“افتحي قدميكِ بمقدار عرض الكتفين.”
لكن على غير المتوقع، ناولني قوسه الأسود دون أي تعليق إضافي، وبدأ يعلّمني بجدية واهتمام.
“هل ترين الهدف؟”
“نعم.”
“جيد، إذن بصركِ ليس فيه مشكلة.”
ثم أرشدني إلى كيفية وضع السهم على الوتر، وعندما قمت بذلك كما علّمني، تابع قائلاً:
“اجعلي القوس عموديًّا. الكتفين أفقيّين. لا تُسقطي الكوع.”
وبينما يصدر التعليمات، بدأ يحرّك جسدي بلطف ليضبط وضعيتي بشكل صحيح.
“شدّي.”
“حاضر.”
بسبب تلك التعليمات المقتضبة، وجدتُ نفسي أعتدل لا إراديًّا في وقفتي.
كنت أظن أن الأمر بسيط، لأن الرجال كانوا يشدّون الوتر بسهولة، لكن اتضح أن سحب الوتر يتطلّب قوة أكثر مما توقعت.
ومع ذلك، نجحت بالكاد في شده.
ضحك كاميل باختصار وأثنى قائلاً:
“لديكِ قوة لا بأس بها. صحيح أن هذا القوس مخصّص للتسلية، لكنه ليس سهلًا، خصوصًا لمن تمسك به للمرة الأولى.”
“أعتقد أنني أتمتع ببعض القوة.”
“هل يمكنكِ إطلاق السهم؟”
“أظن أنني أستطيع.”
“إذًا، احبسي أنفاسكِ.”
شهقتُ تلقائيًّا وأمسكت أنفاسي، فأردف كاميل بتوجيهه التالي:
“أطلقي.”
وفي اللحظة نفسها، انطلق السهم من الوتر مصحوبًا بصوت مكتوم فَك.
رغم أنني كنت أنا من أطلقه، فقد صُدمت ولم أستطع أن أستوعب ما حدث للحظات، لكن عندما استعدت تركيزي، رأيت أن السهم قد استقر بدقّة في وسط جذع شجرة التفاح.
<النظام> بفضل تأثير “الإصابة المباشرة”، زادت قوة الإرادة بمقدار 30 نقطة!
ابتسم كاميل ابتسامة قصيرة وقال:
“بداية موفقة.”
“……”
نظرًا لأن دوري أُدرِج متأخرًا وكان أشبه بمشاركة إضافية، فقد تم وضعي في الترتيب الأخير.
“أأنتِ بخير، يا أختي؟”
لم أستطع نسيان إحساس إطلاق السهم الأول، فأومأت بحماس وقلت:
“أعتقد أنني أستطيع فعلها.”
“إذا كنتِ واثقة إلى هذا الحد…”
وبينما كنا نتبادل الحديث، وقف إيان عند خط البداية.
بهدوء وثبات، شدّ وتر قوسه باتقان، وأطلق السهم في لحظة برق… ولكن…
“آه!”
للأسف، اخترق السهم أوراق الشجرة بالقرب من الثمرة، واستقر بعيدًا عنها دون أن يصيبها.
ورغم أنها أعلنت أنها ستشجعني، فإن سيسيليا لم تتمالك نفسها وأبدت خيبة أملها حين فشل شقيقها.
“حان دوري إذًا.”
تقدّم كاليكس، لكنه هو الآخر فشل في إصابة التفاحة.
أما كاميل فقال:
“…آه، لقد أخفقتُ.”
ويا للدهشة، فقد أصاب تفاحة أخرى كانت في موضع أعلى قليلًا، لا التفاحة المطلوبة.
“…ألم يفعل ذلك عمدًا؟”
لكن بما أنه لم يُصب الهدف المطلوب، فقد اعتُبر خاسرًا بدوره.
ومع إخفاق الجميع، حان دوري مجددًا.
“تفضّلي، آنسة.”
تناولت القوس الأسود مجددًا من كاميل.
نعبت غرابٌ مجددًا بصوتٍ طويل مشؤوم.
رفعت بصري تلقائيًا إلى السماء، لأرى أطراف الشفق وقد بدأت تكتسي بلونٍ أزرق.
“هل أنتِ متوترة؟”
سألني كاميل بنبرة ناعمة، فأجبت فقط بهزّة رأس خفيفة.
“إن لم أُصِب الهدف، فلن أخسر شيئًا.”
كنت أحاول أن أقنع نفسي بذلك، لكن ما إن أمسكت القوس مجددًا، حتى شعرت أنني لا أريد الفشل.
“……”
كان بإمكاني أن أشعر بأن سيسيليا تحدّق بي بصمت، بنفس التركيز الذي أبدته عندما كانت تنظر إلى إيان.
وضعت السهم على الوتر، واتخذت الوضعية التي أرشدني إليها كاميل، ثم بدأت أشد القوس ببطء.
لا أعلم لماذا، لكن بينما كنت أفعل ذلك، شعرت وكأن الزمن بدأ يتباطأ من حولي.
وجدتُ نفسي دون وعي أُمسك بالقوس المشدود بإحكام، ثم أغمضت عيني اليسرى، وحبست أنفاسي.
رأس السهم المتلألئ تردد قليلًا في الهواء، ثم استقر في تصويب دقيق نحو الهدف. وفي اللحظة التالية، أفلتتُ الوتر.
مصحوبًا بصوت يمزّق الهواء، اندفع السهم بسرعة خاطفة…
“!”
…وأصاب التفاحة مباشرة!
<النظام> تأثير “الإصابة المباشرة”: ارتفعت الإرادة بمقدار 30 نقطة!
<النظام> تم منح اللقب: “رامية محظوظة”!
تأثير اللقب: +30 إرادة، وزيادة طفيفة في معدل الإصابة.
رغم أنني أنا من أطلقت السهم، لم أصدق النتيجة. للحظة راودني الشك بأنني ربما أصبت تفاحة أخرى غير الهدف المحدد، لكن الخادم نادى بصوت واضح:
“أُصيب الهدف، لقد نجحتِ!”
“آه…!”
همّ كاليكس بمناداتي، لكن صوتًا آخر سبقه.
“كيااااا! يا آنسة يوري!”
قفزت سيسيليا من مكانها واندفعت نحوي.
“يا إلهي! لم أكن أظن أنكِ ستنجحين!”
“سمو الأميرة، رجاءً، اهدئي قليلاً…”
“لقد كنتِ رائعة حقًا!”
أمسكت بيدي وراحت تقفز من فرط الحماس، وبدا على وجهها فرح طفولي نقي دفعني إلى الابتسام دون أن أشعر.
لكن في تلك اللحظة تمامًا…
“آه…”
شحب وجه سيسيليا فجأة كمن رأى شبحًا.
<النظام> تحذير! تم الكشف عن “طاقة سحرية ملتوية”.
<النظام> تحذير! لا يمكن تطهير “الطاقة السحرية الملتوية”.
ماذا…؟
نظرتُ إليها بذهول وهي تتهاوى وتمسك بذراعي لتتوازن.
‘طاقة سحرية ملتوية…؟’
“سيسيليا!”
لم يكن هناك متسع للتفكير، إذ اندفع إيان فجأة من الخلف وأمسك بها بدلًا عني.
“أخي…”
رغم ذلك، لم تستطع أن تحمل نفسها، وسرعان ما انهارت فاقدة القوة في ساقيها.
“سيسيليا!”
صرخ إيان وهو يضم شقيقته التي بدأت تغيب عن الوعي، ثم صاح بأمر حازم:
“نادوا على السيد ماكولن! خذوها إلى الداخل حالًا!”
“حاضر، سمو ولي العهد!”
ولم تعد نتيجة المباراة مهمة، إذ انتهت فورًا بذلك المشهد.
سارعنا جميعًا خلف إيان الذي كان يحمل سيسيليا بين ذراعيه، وهرعنا إلى الداخل.
في أقرب صالة استقبال، وضعها على أريكة طويلة.
وصل رجل يُدعى السيد ماكولن وهو يلهث، ووجهه شاحب. كان يرتدي رداء السحرة.
‘ساحر؟ وليس طبيبًا؟’
كان يبدو أن حالتها ناتجة عن مرض، لا عن إصابة، فاستدعاء ساحر بدا غريبًا. لكن الجو المحيط أشار إلى أن هذا الأمر طبيعي هنا.
“أين سمو الأميرة؟”
“هنا. أسرع!”
“على الفور!”
ركع ماكولن أمام سيسيليا، وأمسك بمعصمها برفق.
أدركت حينها أن الوضعية التي اتخذها تشير إلى نيّته ضخّ طاقة مانا إلى جسدها.
‘لكن… لماذا تحتاج لمنحها المانا وهي فاقدة للوعي؟’
‘والأدهى… أشعر بالطاقة السحرية الملتوية فيها…’
‘ولِمَ لا يمكن تطهيرها…؟’
بينما غرقتُ في تساؤلاتي دون إجابة، بدأ ماكولن فورًا في ضخّ المانا إليها.
وبعد لحظات…
“آه…”
استرخى جبين سيسيليا المتقطب ببطء، وفي نفس اللحظة ارتخت كتفا إيان المشدودتان.
“لقد تجاوزت المرحلة الحرجة.”
قال السيد ماكولن وهو يمسح العرق عن جبينه.
“أحسنتَ.”
“لا داعي، يا سمو الأمير.”
يبدو أن هذا النوع من الحوادث ليس بجديد، فقد بدا حديثهما مألوفًا للغاية.
“عذرًا… لكن، ما الذي حدث لسمو الأميرة؟”
سألت إيليني بحذر. ظل إيان صامتًا لوهلة، ثم تنهد كما لو أنه لا يملك خيارًا سوى التوضيح.
“لا يمكنني شرح التفاصيل، لكن سيسيليا تعاني من فقر حادّ في المانا الفطرية منذ ولادتها.”
وشرح أنهم -عادةً- يولدون بنسبة معينة من المانا، لكن في حالتها، فإن هذا النقص الحاد يجعل جسدها هشًا ككوب زجاجي.
“ولهذا، كلما أغمي عليها، نلجأ لحل مؤقت، وهو ضخّ مانا من شخص آخر إليها.”
“……”
فهمنا جميعًا من نبرة صوته أن هذه المعلومات سرّية للغاية، فخيّم الصمت على الجميع.
لكن إيليني كسرت الصمت مجددًا.
“هل هذا يعني… أن سمو الأميرة قادرة على تحويل مانا الآخرين إلى خاصتها؟”
رغم أن السؤال بدا مفاجئًا، فقد شعرتُ أنه نابع عن مراقبة دقيقة. التفت إيان إلى ماكولن بالإشارة.
“…تحويل مانا شخص آخر إلى مانا خاصة بكِ أمر مستحيل.”
“إذن…”
“هذا الأسلوب لا يغيّر سوى حالتها مؤقتًا فقط.”
“أظن أن هذا كافٍ لتوضيح الأمور.”
أنهى إيان الحديث بنبرة حاسمة، لكن إيليني لم تعتذر. بل تمتمت بهدوء:
“فهمت… إذًا، مستحيل…”
‘كانت تبدو كمن فقد في عالم آخر…’
لكنني لم أكن في موقع يسمح لي بإلقاء المواعظ.
عندها، تدخل كاليكس أخيرًا:
“أعتذر نيابة عن شقيقتي، يا صاحب السمو. لقد تفاجأت فقط، ولم تقصد قول ما قالته.”
“لا داعي للاعتذار. لكن…”
قال إيان بصرامة:
“أعتبر أن الجميع هنا قد تعهد بالحفاظ على سر سيسيليا.”
“……”
ولم يعترض أحد، حتى كاميل ظلّ صامتًا.
***
لاحقًا، نُقلت سمو الأميرة سيسيليا إلى غرفتها لتنال قسطًا من الراحة.
وأُلغي العشاء الرسمي، وتقرر أن يتناول الجميع طعامهم ببساطة في غرفهم الخاصة.
صعدا كلاً من يوري وكاميل إلى غرفته.
“……”
بينما ظلت إيليني تحدق بصمت إلى الأريكة التي استلقت عليها سيسيليا.
“إيليني، ما الذي حصل بحق السماء؟”
عبس كاليكس ووبخها بلطف. فأجابت من دون أن تنظر إليه:
“أنا آسفة، أخي. كنت شديدة الاضطراب، فزلّ لساني.”
كانت تكرر العذر الذي قاله شقيقها مسبقًا، بطريقة آلية.
لكن توبيخها بشدة بدا في غير محله، فلم يجد كاليكس سوى أن يتنهّد ويقول:
“فقط، كوني أكثر حذرًا في المرات القادمة، حسنًا؟”
“حاضر، أخي.”
أجابت بإيماءة مقتضبة، ثم أضافت:
“سأصعد الآن إلى غرفتي.”
التعليقات لهذا الفصل " 121"