وعندما انحسرت الموجة، خطوتُ باتجاه الخط الفاصل بين اليابسة والماء، حيث بالكاد تصل المياه.
“إن اقتربتِ بهذا الشكل…”
وفي تلك اللحظة.
“آه؟”
اندفعت موجة أكبر مما توقعت، ولم أملك وقتاً للتصرف.
“اعذريني.”
“آه!”
في تلك اللحظة، لفّ سيدريك ذراعيه حول خصري ورفعني عالياً!
مرت الموجة المدوية أسفل قدمي بفارق لحظة فقط، بينما غمرت ساقي سيدريك تماماً.
“ساقاك ابتلّتا!”
“ذلك أفضل من أن تبتلي.”
سار سيدريك وهو يحملني حتى وصل إلى موضع آمن بعيداً عن الأمواج، ثم أنزلني بلطف.
“سيدي…”
كان من الغريب أن أشكره، لكنني أيضاً لم أستطع توبيخه لشدة امتناني له.
فبقيت أحدق في سيدريك للحظة، غير قادرة على العثور على الكلمات المناسبة.
“سيدي.”
“نعم؟”
“هناك أعشاب بحرية علقت بساقك…”
ساد الصمت بيننا للحظة. بدا سيدريك بلا تعبير كعادته، لكنني استطعت أن أدرك أنه قد تجمّد في مكانه.
“هاهاها…!”
انفجرت ضاحكة في النهاية.
قال سيدريك بنبرة فيها شيء من التجهّم — ويا للدهشة، بدا كذلك فعلاً!
“رجاءً، لا تضحكي.”
“لكن الأمر مضحك!”
لقد أنقذني ببراعة، وهذا بحد ذاته أمر عظيم، لكن كيف انتهى به الأمر على هذه الحال؟
“دعني أزيلها لك.”
“لا حاجة لذلك…”
“هيا!”
ركعت على ركبتي ونزعت الأعشاب البحرية عن ساق سيدريك، ثم رميتها نحو البحر.
وحين رأيتها تندفع مع الأمواج مبتعدة…
“هاهاها!”
عادت الضحكة لتتفلت مني من جديد.
تنهد سيدريك ووضع يده على جبهته. وفي تلك اللحظة…
“أختي!”
ناداني صوت عالٍ من الدرج المؤدي إلى الشاطئ.
“كاليكس!”
كان كاليكس يقترب منا بخطوات واسعة، وملامحه تحمل شيئاً من الانزعاج.
“ما الأمر؟”
“لم يحدث شيء.”
أجاب كاليكس بسرعة بنبرة منزعجة.
“لكن تعبيرك لا يوحي بذلك.”
“ليس هناك ما يدعو للقلق.”
وإن أنكر بنفسه، فلا يمكنني الإلحاح أكثر.
“إيليني تتجول في قصر الماركيز. هل علينا العودة إلى المنزل مباشرة؟”
سألت بنبرة تحمل بعض الأسف، إذ رغبت بالبقاء قليلاً على الشاطئ.
لكن كاليكس أجاب بعد تردد:
“يبدو أن ذلك سيكون صعباً.”
“هاه؟ لماذا؟”
“لأن أهل قرية فالفارون جميعهم يبحثون عنكِ ليشكروكِ… يبدو أن الضجة لن تهدأ قريباً.”
“أوه…”
تنهد كاليكس.
“بل وقد يكون هناك من رآكِ تتجهين نحو قصر الماركيز. لذا من الممكن أن يأتوا إلى هنا أيضاً.”
“وماذا عسانا أن نفعل؟”
“هل لي أن أُدلي باقتراح؟”
ظهر إيان من الخلف، بابتسامته المشرقة المعهودة، وتحدث بلطف:
“لقد تأخرت قليلاً لأن حصان الدوق الشاب كان أسرع.”
“أشكرك على ما فعلته سابقاً.”
“أشعر بالأسف لأني لم أتمكن من تقديم مساعدة أوفى.”
ثم انحنى إيان بتحية ملكية مبالغ فيها كأنه ممثل مسرحي، فلم أتمالك نفسي من الابتسام.
“إذن، ما هو هذا الاقتراح؟”
“يوجد قصر تابع للعائلة المالكة ليس بعيداً من هنا.”
قال وهو يضع يده فوق حاجبيه حاجباً بها ضوء الشمس.
“أرى أن تنتقلي إلى هناك مؤقتاً. ففرقة الحراسة تتحكم بالدخول والخروج إلى تلك المنطقة، مما يوفر قدراً من الأمان.”
“فهمت…”
“وبما أن سيسيليا موجودة هناك، فيمكن اعتبار ذلك تلبيةً لدعوتها، مما يساعد على تجنّب أي إشاعات مزعجة.”
كان اقتراحه دقيقاً ومراعياً.
نظرت إلى كاليكس سريعاً، فهزّ رأسه بالموافقة وإن بدا غير مرتاح للفكرة.
“أظن أن هذا هو الخيار الأمثل حالياً.”
وما دام كاليكس موافقاً، فلم يكن هناك ما يدعوني للتردد.
“سأقبل الدعوة بكل امتنان.”
***
لم يكن هناك وقت للتأخير.
غادرنا الشاطئ فوراً — ولحسن الحظ، منحني سيدريك الإذن بالعودة وقتما شئت — واتجهنا نحو القصر الملكي.
رغم أنني لم أكن أتنقل مشياً، إلا أن التنقل المتكرر خلال فترة قصيرة جعلني أشعر بالإرهاق.
“أعتذر لدعوتكم إلى مكان غير مهيأ تماماً.”
قال إيان ذلك بلطف، لكن القصر كان منظّفاً بعناية من قبل القيّمين عليه، ولم يكن هناك ما يدعو للانزعاج.
لاحظ إيان تغير ملامحي، فقال:
“أظن أنه من الأفضل أن تستريحي قليلاً قبل العشاء. سأرشدكِ إلى غرفتكِ.”
“أشكرك، سيكون ذلك لطفًا كبيرًا.”
“آه، وإذا رغبتِ، يمكنني أن أطلب تجهيز الحمام الكبير أيضاً.”
“الحمام الكبير؟”
أوضح إيان أن هذا القصر الملكي الواسع يحتوي في طابقه السفلي على حمام ضخم خاص.
“ألن يستغرق ملء الحوض وقتًا؟”
“الإمبراطور السابق استخدم سحرًا خاصًا لهذا الغرض، لذا يمكن استخدامه فورًا متى شئتِ.”
في البداية شعرت ببعض التردد من استخدام حمّام في منزل غير منزلي، لكن يبدو أن ذلك مجرّد إحساس حديث عالق بي؛ فلا إيان ولا حتى كاليكس بدا عليهما أدنى تحفظ.
‘حسناً… إن لم يكن في ذلك أي عبء.’
“إذا لم يكن في الأمر حرج، أرغب في تجربته.”
“بالطبع، سأطلب منهم تجهيزه حالاً.”
***
أنا وإيليني وكاليكس حصلنا على غرف ضيافة بالطابق الثاني.
لم يُبدِ كاليكس اهتمامًا بالحمام الكبير، إذ قال إن الرجال اتفقوا على لعب البلياردو قبل العشاء. لكنني شعرت أن البلياردو مجرد ذريعة لعقد اجتماع سري للحديث عن مستجدات وضعنا.
بدّلت ملابسي داخل غرفتي، حيث كانت هناك ثياب مريحة مُعدة مسبقًا. قيل لي إنها تعود للأميرة سيسيليا، ويبدو أن مقاسها يناسبني بشكل جيد.
“آنسة، سأرشدكِ الآن إلى الحمام الكبير.”
كان الطريق المؤدي إليه مُعدًا بعناية لتجنب الالتقاء بأي شخص.
سِرت خلف الخادمة نزولًا إلى الطابق السفلي، حتى وصلت إلى المكان.
“واو…”
كنت قد توقعت حجمًا كبيرًا، لكن ما رأيته فاق خيالي تمامًا.
“من هنا يمكنكِ تبديل ملابسكِ، ومن ثم الدخول إلى الحمام. أعددنا لكِ ماءً ممزوجًا بماء الورد وزهرة الآذريون. نرجو أن ينال رضاكِ.”
“أظن أنه سيعجبني بالفعل.”
ابتسمت الخادمة بسعادة:
“هذا يسرني. سأترك لكِ مستلزمات الاستحمام هنا، وبعد الانتهاء يمكنكِ سحب الجرس المعلق هناك، وسأنزل لمساعدتكِ في جلسة تدليك.”
يا للرفاهية… حتى جلسة تدليك مضافة!
أومأت برأسي، فقالت الخادمة:
“أرجو لكِ وقتًا ممتعًا.”
ثم انسحبت بهدوء.
خلعت ملابسي وارتديت الرداء الذي أعدته لي، ثم دخلت إلى الحمام.
“يا إلهي…”
تمامًا كغرفة التبديل، الحمّام مصنوع من الرخام الأبيض، ومياهه تميل إلى الوردي الفاتح. كان الحوض فسيحًا للغاية، يتوسّطه تمثال لحورية بحر، حتى ليكاد يُظن أنه مسبح فخم. الحواف المذهّبة على شكل أمواج كانت ساحرة للغاية.
“…هاه؟”
سمعت صوت ارتطام بالماء من الجهة الأخرى للتمثال، ولم أكن أنا مصدره.
“مـ-من هناك؟”
جاءني صوت ضحك مكتوم بدلًا من الجواب. ترددت خطوات تُحرّك الماء، ثم ظهر شخص…
“الارشيدوق؟!”
كاميل، وكان عاريَ الصدر، قد خرج من داخل الحوض!
“كـ… كيف أتيت إلى هنا؟!”
“أليس من الطبيعي وجودي في القصر الملكي؟”
‘آه… صحيح، هو الارشيدوق!’
“كنتَ تعلم أنني سآتي إلى هنا، أليس كذلك؟!”
“همم.”
أجاب بصوت خافت كسول:
“لم أكن أعلم. لم أتوقع أن تكوني بهذه المبادرة.”
“أي مبادرة تقصد؟!”
“أتيتِ كل هذا الطريق لرؤيتي، أليس كذلك؟”
“لـ… لا! لم أفعل ذلك!”
“لا بأس. إن كان في قولكِ راحة، فسنعتبره كذلك.”
“قلتُ إنني لم أفعل! حتى لو شعرت بالإحراج، وجودي هنا كان حادثًا بالكامل!”
التعليقات لهذا الفصل " 116"