محاطةً بذراعيه الدافئتين اللتين تضجان بحرارة تنبض كنبضات قلبه، لم أعد واثقة إن كان السبب هو “قوة التطهير”، لكنني شعرت بيقينٍ خافت بأن رغبة هذا الرجل بي، في هذه اللحظة بالذات… حقيقية.
لقد فقدت عائلتي باكرًا، وكرّست شبابي للعمل من دون أن أحظى بعلاقةٍ ذات معنى.
ولهذا، كان هذا الشعور جديدًا تمامًا عليّ.
ومع ذلك، وبشكلٍ غريب… شعرت أنه ليس بالأمر السيئ كما كنت أظن. هل هذا يعني أنني فقدت صوابي؟
لا أدري، لكنني، كما لو أنني واقعة تحت تأثير سحر ما، رفعت يدي لأبادله العناق، واحتضنت ظهره العريض بشيءٍ من الحنان.
تنهد كاميل بارتياح. كان زفيره عميقًا، كما لو أن كل ما كان يصبو إليه قد تحقّق بالكامل.
“لم أكن أعلم أن حبكِ لشقيقتكِ يبلغ هذا الحد، يا أميرتي…”
يبدو أن كاميل فهم أنني أعانقه لأمنعه من إيذاء إيليني.
وحين هممت أن أوضح له أن الأمر ليس كذلك تمامًا، ابتعد عني قليلًا وحدّق في عينيّ مباشرة.
“لكن، من وجهة نظري، لا أعتقد أن شقيقتكِ تستحق كل هذا منكِ.”
“……”
“لا تعطيها قلبكِ.”
“هل… هل تغار؟”
لا أدري إن كان سبب قلت الكلمات من لساني هو الجو الذي صار أكثر رقة من اللازم… لكنني قلتها.
“هل أغار؟ وهل كُشف أمري؟”
ردّ بابتسامة واثقة، لا تليق بمن كُشف أمره، بل جعلتني أنا أشعر بالإحراج.
ثم همس بهدوء وهو يطبع قبلةً ناعمة على جبيني:
“ما لم تهبيني إياه، لا تهبيه لغيري أيضًا.”
كان ما قاله يبدو صادقًا إلى درجةٍ مبالغ فيها، بالنسبة لردٍّ على كلماتٍ قيلت بلا قصدٍ جاد.
***
في تلك اللحظة تمامًا.
كانت إيليني، التي عادت لتوّها إلى الغرفة، في حالة غضبٍ شديد حتى إن بياض عينيها قد احمرّ تمامًا.
“لقد… تجاهلني.”
كيف أمكنه فعل ذلك؟
منذ أن علمت أن كاميل هو “الوعاء”، بدأت بملاحقته دون تردد.
كانت تؤمن تمامًا أن كونهما قد عاشا التجربة ذاتها سيكون كافيًا لربط مصيريهما معًا.
لكن كيف له، كيف يفضل يوري إلروز عليها؟
لم تستطع تصديق كلمات كاميل، التي كانت لطيفة إلى حد مذهل مقارنة بما كان يُظهره لها.
رغبت، بل شعرت برغبة جارفة في قتل كاميل لمجرد أنه، أمام تلك المرأة، تفوّه بعبارات من قبيل أنه قد يقتل نفسه.
“ما الذي يجعل يوري إلروز بتلك الأهمية…؟”
وهي تمضغ شفتيها بتوتر، عبرت في ذهن إيليني كلماتٌ مشابهة لما يلي:
“كونك لا تستطيع قتلي… هل يعني أنني قد فعّلت قوة التطهير؟”
“لابد أن الأمر كذلك.”
“إن فقداني لصوابي على هذا النحو… لا بد أنه بسبب القوة الغريبة التي أطلقتيها، يا أميرتي.”
القوة الغريبة… قوة التطهير.
قال إنها السبب وراء فقدانه لصوابه.
“هل يمكن أن يكون سبب تعلّقه بيوري إلروز إلى هذا الحد… هو تلك القوة؟”
بدا لها ذلك استنتاجًا معقولًا.
“أجل، لا بد من وجود سببٍ كهذا.”
فهو لم يكن ليتخلى عنها، وهي الوعاء تمامًا مثله، ويهيم بذلك الشكل وراء يوري إلروز، لولا وجود سبب استثنائي.
ومع أنها أقنعت نفسها بذلك، فإن ثمة أمرًا لم تستطع فهمه.
فهي، إيليني، لم تشعر بأي شيء مميز حين واجهت طاقة يوري.
“ربما، كما قال ذلك الشخص، فإن كاميل يتمتع بتفوقٍ كوعاء مقارنة بي، ولذلك قد يكون يشعر بأشياء لا أستطيع إدراكها.”
عادت إيليني لتعض على شفتيها بغيظ.
منذ مدة، لم تعد الأمور تسير كما أرادت، وها هي يوري إلروز تواصل عرقلة طريقها حتى النهاية.
“في جميع الأحوال…”
قررت إيليني أن الوقت قد حان لتقابل ذلك الشخص مجددًا.
اتخذت قرارًا حاسمًا، وأخرجت حجر المانا المنقوش عليه تعويذة الانتقال شبه الدائمة، الذي كانت قد حصلت عليه من ذلك الشخص سابقًا.
“قال لي ألا أستخدمه إلا في حالات الطوارئ… لكن، نعم، هذه طارئة.”
وفور أن حسمت أمرها، اختفت إيليني من غرفتها كما لو أنها لم تكن هناك، وظهرت في فيلا في جزر كورال.
***
“…هل قلت إن كاميل رفضكِ؟”
“نعم.”
رغم كل ما سمعه من إيليني، لم يُظهر “ذلك الشخص” أي انزعاج، واكتفى بمواصلة تدخين سيجاره بهدوء.
وحين وضع السيجار المتصاعد منه الدخان على منفضة كريستالية، تمتم بنبرة هادئة:
“يبدو، يا إيليني، أنكِ لستِ كافية لكاميل.”
“……!”
اتسعت عينا إيليني الخضراوان غضبًا، فقد كانت كلمات لا يمكنها القبول بها بأي شكلٍ من الأشكال.
“هذا… هذا مستحيل.”
قالت وهي تعض شفتيها من غير وعي، رغم إنكارها للفكرة، إلا أن “قوة التطهير” التي تفتقر إليها ولا تمتلكها سوى يوري، راحت تتراءى في ذهنها.
ولوهلة، فكرت فيما إذا كان من الصواب أن تبوح بما لاحظته من تعلق كاميل الغريب بقوة التطهير.
منطقيًا، وبوصفها واحدة من أتباع ذلك الشخص، كان لزامًا عليها أن تُعلمه بالأمر.
بل إن السبب الرئيسي لقدومها على عجل، لم يكن إلا لمشاركته التحليل ووضع خطة مناسبة لمواجهة ردة فعل كاميل المفرطة تجاه تلك القوة.
“لكن…”
مع أنها كانت تعرف أنها يجب أن تفعل، لم تكن راغبة في الاعتراف بذلك.
فهذا سيبدو وكأنها تعترف رسميًا بأن يوري تتفوّق عليها.
“لا… لن أسمح بذلك أبدًا.”
فابتلعت كلماتها، حابسةً إياها في أعماق صدرها.
حينها، وكأنه قرأ ما دار في خاطرها، تمتم ذلك الشخص بنبرةٍ خافتة:
“تبدو يوري إلروز مصدر إزعاج حقيقي… والآن حتى قوة التطهير قد استيقظت فيها…”
سارعت إيليني بالرد:
“رغم أن قوة التطهير تُعد نوعًا من السحر المقدس، إلا أنها لم تُجدِ نفعًا ضد المخلوقات الحية. أنها قوة ضعيفة، لا تليق بسمعتها.”
“همم، هكذا إذًا؟”
“رأيت ذلك بعيني، يمكنك أن تصدقني.”
“حسنًا، إيليني. إن كنتِ تقولين ذلك، فلا بأس.”
أومأ برأسه باستخفاف.
ثم، وبعد لحظة تفكير، قالت إيليني:
“سواء امتلكت يوري إلروز قوة التطهير أم لم تمتلك، أليس من المؤكد أننا يجب أن نتخلص منها؟”
“هذا صحيح.”
هز رأسه بالإيجاب.
“لكن، إن كان كاميل يُبدي اهتمامًا بها، فقد نتمكن من صياغة سيناريو أكثر إثارة للاهتمام من الذي كنا نخطط له.”
“!”
رغم محاولتها إخفاء ما في داخلها، لم تستطع منع ملامحها من التصلب للحظة.
وحين رآها كذلك، أعلن قراره بنبرة أشبه بالحُكم:
“علينا أن نؤجل تنفيذ خطة القضاء على يوري إلروز، في الوقت الراهن. إيليني، تأكدي من تذكر ذلك جيدًا.”
“…مفهوم.”
أجابت وهي تخفي مشاعرها خلف قناع الصبر، مطأطئةً رأسها بصمت.
التعليقات لهذا الفصل " 113"