“إن كنتِ تقصدين كيف من الناحية التقنية، فقد استخدمتُ سحر الانتقال الآني.”
حدّقتُ في إيليا بذهول لا يخلو من الامتعاض.
“أنت تعلم جيدًا أنني لا أقصد هذا المعنى، أليس كذلك؟”
“من يدري؟”
أجابني إيليا وهو يهزّ كتفيه بلا مبالاة، متجاهلًا نظراتي التي حاولت أن تقرأ تعبيره.
“من غير المعقول أن تكون جئت لقضاء عطلة.”
“حتى أنا، ولستُ آلة، أحتاج إلى بعض الراحة.”
كان جوابه مستفزًا إلى حد أنني لم أتمالك نفسي وضحكتُ بسخرية.
“وما الذي يضحككِ هكذا؟”
“إنها ردّة فعل طبيعية لمن يسمع كلامًا غير معقول، لا أكثر.”
“يبدو أنكِ اصبحتِ وقحة في الآونة الأخيرة…”
“مستحيل. لا بدّ أنه وهم لديك… آي!”
نقرني إيليا بخفة على جبيني بأطراف أصابعه، دون أن يسبب ألمًا حقيقيًا، لكنني افتعلتُ ملامح التظلّم والتأفف. عندها ضحك إيليا.
“وجهكِ مضحك جدًا.”
“هل قلت للتو إنني مضحكة؟”
“مستحيل. لا بد أن ذلك كان من أوهامكِ.”
كان بارعًا بحق في ردّ كلماتي إليّ كما هي. وكل مرة، أزداد قناعة بأن شخصيته مذهلة بالفعل.
أخذت أتظاهر بالاهتمام، وأحدّق بجدية في زجاجاتٍ صغيرة ملونة لم أكن أعرف حتى ما بداخلها. ثم سألت:
“هل الأمر صعب لدرجة تجعلك تتردد في الحديث عنه؟”
“كلا.”
أجابني إيليا وهو يتفحّص الزجاجات من فوق كتفي.
“أنا هنا مؤخرًا للتحقيق في طبيعة التصدعات الحاصلة في هذه المنطقة.”
“آه…”
إن كان الأمر كذلك، فهو من صميم عمل إيليا المعتاد. فأومأت برأسي متفهمة.
“هل تختلف التصدعات هنا عن تلك الموجودة في العاصمة؟”
“ما زلت في مرحلة دراسة الآثار المتبقية، لكن…”
رفع إحدى الزجاجات وهزّها قليلاً، ثم تمتم:
“لا بأس بها.”
بدا أن وجه الساحر الواقف داخل الكشك، الذي كان يراقبنا بتوتر، قد أشرق فجأة.
فسألته:
“إن كانت جيدة، هل ترغب في أن أشتريها لك؟”
“هاه؟”
“أنا أملك الكثير من المال.”
ضحك إيليا بخفة وكأنه يرفض الفكرة بلطف.
“لا أحد يظن أن ابنة دوق روزانهير تعاني من ضائقة مالية.”
في الواقع، لم يكن كوني ابنة دوق لوزانهير سبب ثروتي، لكن لم أرَ ضرورة لشرح مشاريعي التجارية المشتركة مع إيان، فاكتفيت بهز كتفي.
“على كل حال، ذكرتَ أنك تحقق في الآثار المتبقية.”
“نعم… لا يمكنني الجزم في شيء بعد، لكن يبدو أن التصدع في هذه المنطقة يُظهر نمطًا مشابهًا بدرجة كبيرة لما شاهدناه عند ضفاف البحيرة.”
“!”
كان إيليا قد أخبرني من قبل أن تصدع تلك البحيرة، حيث ظهر ثعبان الماء، كان يسير في الاتجاه المعاكس؛ أي أن الكائن لم يأتِ من الجانب الآخر، بل بدا وكأن التصدع نشأ من عالمنا نحن.
“بالطبع، هذا التصدع ليس ضخمًا كالسابق، وآثاره أضعف بكثير، لذا فإن التحقيق فيه ليس بالأمر السهل.”
قال ذلك وهو يمشي إلى جانبي، يتبعني في تجوالي العشوائي بين أرجاء السوق، بينما كانت ملامحه مشدودة قليلًا.
“هل هو بهذا التعقيد؟”
سألتُ بقلق، فأجابني سيد برج السحر وأعظم ساحر في هذا العصر بضحكة ساخرة:
“قلتُ إنه ليس سهلًا، لكنني لم أقل إنه صعب.”
“آه…”
حتى أنا، المبتدئة حديثًا في طريق السحر، استطعت أن ألاحظ كم أن جوابه مغرور… ومزعج أيضًا.
“يبدو أنكِ فكرتِ بشيء مزعج الآن.”
“لا أبداً، مجرد سوء فهم.”
“همم…”
رمقني إيليا بنظرة شكّ، لكنني ضحكتُ محاوِلة صرف نظره، ثم أمسكت بطرف ردائه وسحبته نحو أحد الأكشاك.
“أنظر إلى هذا. إنها حجارة مانا، أليس كذلك؟ يبدو لي أن تصنيفها مرتفع، حتى من نظرتي المحدودة.”
“لديكِ عين خبيرة بالفعل، أيتها الزبونة.”
“لكنكِ لم تصلي بعد إلى مستوى التفاخر بهذا، فتمهلي.”
رغم قوله هذا، إلا أنني لاحظت بوضوح لمحة فخر خفيفة في عينيه.
“بحجر مانا من هذا التصنيف، إلى أي مستوى من الدوائر السحرية يمكن النقش؟”
يا له من سؤال مفاجئ…
هكذا فكرت، لكنني أجبت بهدوء:
“الدوائر السحرية من المستوى الثالث؟”
<النظام> ارتفعت نسبة الذكاء بمقدار 10 نقاط.
يبدو أن إجابتي كانت صحيحة.
لاحظتُ إيليا يحدّق بي بشيء من الاستياء، وكأنه لم يُعجبه أنني أصبت رغم كل شيء.
“يبدو أنكِ خمنتِ، لكن… كانت إجابة صحيحة على أي حال.”
“هاها…”
هل كشفني؟ حاولت تغيير الموضوع فورًا.
“عندما قمنا بنقش سحر ختم البحر، استخدمنا حجارة مانا أكبر بكثير من هذه، وكان عددها أكبر أيضًا.”
“نقش ختم البحر لا يُصنّف بدقة ضمن الدوائر السحرية، ولكن على الأقل، لا يستطيع القيام به إلا من بلغ مستوى الدائرة التاسعة أو أكثر.”
“ومن بلغ مستوى الدائرة التاسعة هو…”
“أنا الوحيد بين البشر الأحياء حاليًا.”
قال ذلك لا بتفاخر، بل بنبرة من يسرد مجرد حقيقة.
كان حديثنا قد وصل إلى أذني البائع، الذي ضحك بخفة ومدّ يده تحت المنضدة.
“يبدو أن هذه البضاعة لا ترقى لتوقعات الضيفين الكريمين. اسمحوا لي أن أُريكما أندر ما نملك، بمناسبة زيارتكما لنا، وخاصة بلقاء سيد برج السحر بنفسه.”
“همم…”
عقد إيليا ذراعيه وأومأ برأسه وكأنه يقول: لنجرب إذن.
ما أخرجه البائع بحذر من أسفل الطاولة كان…
“هوه…”
حتى إيليا، الذي نادرًا ما يُبدي انفعاله، أطلق تنهيدة إعجاب.
“في العادة، لا نُري هذه القطع في مكان مثل هذا، لكن بما أن سيد البرج شرفنا بزيارته…”
كانت حجر مانا أحمر، يُقدّر حجمه، دون مبالغة، بحجم رأس طفل رضيع، يتلألأ بضوء أخّاذ.
كان إيليا يتأمل الحجر باهتمام، ثم سأل فجأة:
“من أين يتم استخراج حجر المانا الأحمر؟”
“أه؟ لست متأكدًا…”
“الأحجار التي يمكن الحصول عليها — ونادرًا — من القضاء على الوحوش، كلها تتخذ لونًا أحمر.”
“آه… فهمت.”
“لكن لأن أحجار المانا الناتجة عن الوحوش نادرة أصلًا، فهذه معلومة لا يعرفها الكثيرون.”
أضاف البائع متدخلًا:
“وبالإضافة إلى لونها، لا تتميز بأي صفات أخرى يسهل تمييزها.”
أومأ إيليا برأسه موافقًا، ثم التفت إليّ وقال:
“تذكّري هذه المعلومة جيدًا.”
“فهمت.”
“على أي حال… إنها قطعة نادرة فعلًا.”
“بالطبع، ليس فقط لأنها حمراء، بل لحجمها كذلك. كنتُ أفكر في عرضها في مزاد علني…”
نظر نحونا البائع بعيون مترقبة، وكأنه يأمل أن نشتريها منه مباشرة.
“سيدي إيليا، بحجم كهذا، لأي مستوى من الدوائر يمكنها أن تحتمل نقش سحره؟”
“يمكنها استيعاب سحر حتى الدائرة السابعة أو أكثر، دفعة واحدة.”
أومأت برأسي وأنا أتذكر كمّ الأحجار الضخمة التي استخدمناها لنقش ختم البحر، وكلها كانت ضخمة ومكلفة.
البائع، وقد بدا عليه الحماس، بدأ يفرك يديه وقال:
“كما هو متوقع من سيد البرج، يستطيع تقدير الأمور من نظرة واحدة! وإن كنتما مهتمين، فسأعرض عليكما سعرًا خاصًا…”
بدأ يحرّك المِعداد بسرعة، ثم أشار لنا لنتقرّب، وحين اقتربنا، قال بهدوء:
“مئة قطعة ذهبية من عملة روديم فقط.”
“!”
مئة قطعة من ذهب روديم تعادل تقريبًا مليار وون (حوالي مليون دولار) بقيمة العصر الحديث.
“همم.”
“سعر لا بأس به إطلاقًا. فلو عُرضت في المزاد، فلا شك أن التنافس سيرفع السعر أكثر من هذا.”
استطعت أن أستنتج لماذا لم يُرد البائع عرضها في المزاد رغم إدراكه لإمكان ارتفاع السعر:
لأنه سيتكبد رسومًا كبيرة إن فعل.
ومن الأفضل له أن يبيعها لنا مباشرة، دون وسطاء أو إجراءات طويلة.
لكن، مع ذلك… قبل أن نشتريها بالسعر المعروض، أليس من الأفضل أن نحاول التفاوض قليلًا؟
فكرت بذلك، لكن…
“ممتاز. سأشتريها بالسعر المذكور.”
“!”
إيليا قرر شراءها على الفور.
“انتظر، سيدي إيليا—”
حاولت إيقافه، لكن الأوان كان قد فات.
>”يا لها من صفقة رائعة! سأقوم بتغليفها فورًا حتى تتمكن من أخذها معك.”
“لكن ليس لدي مئة قطعة ذهبية من عملة روديم الآن.”
“وهل يُعقل أن أطلب الدفع نقدًا من سيد البرج؟ بالطبع سنُجري الصفقة على الحساب.”
“همم…”
من سرعة تجاوبه، بدا أن هناك مجالًا للتفاوض، وربما كان سيقبل بـ95 قطعة على الأقل.
“سيدي، هذا…”
“هشش.”
قاطعني إيليا وأشار لي أن أصمت.
البائع، وقد امتلأ وجهه حماسًا، أخرج علبة فاخرة، ووضع فيها حجر المانا، ثم أخرَج كيسًا صغيرًا مسحورًا بخفة الوزن، ووضع فيه العلبة.
حتى التغليف، كما هو متوقّع من سوق فاخر، كان فاخرًا وغير اعتيادي.
أخذ إيليا الحجر، وكتب شيكًا بالمبلغ، وسلّمه للبائع.
“شكرًا لك! أتمنى أن ترافقكما السلامة!”
خرج البائع من خلف الطاولة، وانحنى بزاوية تفوق 90 درجة مودعًا إيانا.
‘يا للخسارة…’
كنت ما أزال أشعر بالأسى لأنه لم يحاول التفاوض.
“كان يمكننا تقليل السعر، على الأقل قليلًا.”
“ربما.”
“ألا تشعر أن ذلك إهدار؟”
“ليس كثيرًا.”
هز إيليا كتفيه بلا مبالاة.
“بعض المواد التي نشتريها من أجل التجارب في برج السحر أغلى بكثير من هذا الحجر.”
“حقًا؟”
رغم أنني أنحدر من عائلة دوق، واعتدت على الأرقام الضخمة، فإن نطاق برج السحر تجاوز توقّعاتي.
“ومن أين تمول تلك المصاريف الطائلة؟”
نظر إليّ إيليا بتعبير نصف ساخر وقال:
“هل لا تعرفين كم تكلّف الجرعات التي ننتجها في برج السحر؟”
“…وكيف تأكدتَ أنني لا أعلم؟”
“لأنكِ ما كنتِ لتسألي مثل هذا السؤال إن كنتِ تعلمين.”
“إذًا تقصد أن…”
لم أصدق ما أسمعه.
“أن برج السحر يبيع الجرعات بأسعار خيالية، ويجني من ذلك ثروة؟”
“وليس الجرعات فقط.”
وبالفعل، حين فكرت في الأمر، أدركت أن المنتجات السحرية جزء لا يتجزأ من الحياة اليومية. وإذا كانت من إنتاج برج السحر، فالجودة مضمونة، وبالتالي السعر مرتفع.
بدأت أحاول تخيّل حجم اقتصاد برج السحر بناءً فقط على مبيعات الجرعات، وفوجئت.
“سيدي إيليا، أعتقد أنك أغنى بكثير مما تصوّرت…”
“لا أظن أنني كذلك.”
قالها بهدوء، وهزّ كتفيه مرة أخرى.
“بقدر ما أكسب، أصرف أيضًا.”
“وتكسب بما يكفي لتغطية كل ما تصرفه، أليس كذلك؟”
“ليس كلامك خاطئًا تمامًا.”
كنت دائمًا أعتقد أن السحرة ينفقون ثرواتهم على أبحاثهم، ويحيَون حياة بسيطة متقشّفة. وكان إيليا بالنسبة لي النموذج المثالي لتلك الفئة.
كنت مخطئة تمامًا.
هذا الرجل ببساطة لا يهتم إلا بالبحث والتدرّب، لذا لا يُلقي بالًا لمظاهر الحياة المريحة.
“أنت لست فقيرًا، فقط لا تعرف كيف تنفق أموالك، أليس كذلك يا سيدي؟”
“ألم أُنفِق المال للتو؟”
“دعنا نستثنِ الإنفاق على الأبحاث من الحسابات، فهذا لا يُحتسب.”
“لكن ما اشتريته لم يكن لأجل الأبحاث.”
“ماذا؟ إن لم يكن بحثًا، فماذا إذًا؟”
“…”
ارتسم على وجه إيليا تعبير من التردد، وكأنه لا يرغب في قول ما يدور في ذهنه.
“…إنه هدية.”
“عذرًا؟ لم أسمع جيدًا.”
“قلتُ: إنها هدية.”
ثم تنحنح متضايقًا بوضوح، ومدّ إليّ الكيس الصغير الذي احتوى على حجر المانا.
التعليقات لهذا الفصل " 104"