الفصل 96 – ضيف القصر الإميري (1)
غريب…
كنت متأكدة أني شعرت بوجودٍ مشبوه حول القصر، لكن بعد أن طفت المكان كله لم أجد شيئًا.
هل كان مجرد وهم؟
منذ أن استيقظت في جسد “رايتشل”، لم تعد حواسي حادة كما في الماضي… ومع كثرة الغرباء الداخلين والخارجين بسبب المهرجان، ربما اختلطت عليّ الأمور.
قررت العودة إلى الجناح الرئيسي، وما إن انعطفت عند الممر الطويل حتى—
دُفِعت بقوة واصطدمتُ بشيء صلب.
رفعت رأسي بارتباك، لأكتشف أن ما حسبته جدارًا… كان في الحقيقة رجلًا.
رجل ضخم، هائل البنية، يغطيه السواد من رأسه حتى قدميه، إلا أن عينيه فقط كانتا تلمعان كالنجوم بلون ذهبي براق.
“مر وقت طويل.”
صوته العميق والهادئ ارتجّ في أذني، جعلني أتراجع خطوة لا إرادية.
ابتسم ابتسامة خفيفة:
“من ملامحك، يبدو أنك لم تنسَني.”
كنت قد سمعت الكثير عن شجاعته وعن الألقاب التي يحملها، لكن أن أقف أمامه هكذا… لم أتخيل أن حضوره سيكون بهذا القدر من الهيبة.
إنه الملك كايدن، ملك أدامانت.
الغريب أنني لم أشعر بأي أثر لوجوده، وكأنه لا ينتمي لهذا المكان أصلًا، رغم أنه واقف أمامي مباشرة.
نظر إليّ طويلًا، ثم قال بابتسامة غامضة:
“عيناك… لونُهما مميز.”
“…عفوًا؟”
تجمدت لثوانٍ من وقع كلماته الغريبة.
“أعجبني لونهما.”
كلماته كانت أشبه بسخرية ثقيلة، وكأن الأمر لعبة بالنسبة له.
في داخلي رغبة أن أجرّب قبضتي على وجهه، لكن… هو ملك، وأنا مجرد وصيّة.
كل ما استطعت فعله هو أن أنحني قليلًا وأقول:
“أشرفني اللقاء بجلالتكم.”
ضحك بصوت خافت وكأن انحنائي كان مدعاة تسلية له:
“تعبيرات وجهك… لا تُقدَّر بثمن.”
كتمت غيظي، وحين هممت بالرد، قطع صوتٌ مألوف الموقف.
“بو… بو… بومو! لاااا، لا تفعلي ذلك!”
كانت كاثرين، وصيفة القصر، تجري نحونا لاهثة. وصلت وهي تتصبب عرقًا.
“المعذرة، جلالتك، تأخرتُ لأن الأميرة الصغيرة طلبت الذهاب إلى الخلاء بشكل مفاجئ…”
كان عذرًا منطقيًا—فقد قضت الأميرة يومًا طويلًا في القصر الإمبراطوري.
انحنت كاثرين بشدة:
“أرجو أن تسامحوني على ترككم تنتظرون.”
أجابها كايدن بابتسامة واثقة:
“لا لوم عليك، الموقف مفهوم.”
أحمرّ وجه كاثرين خجلًا، ثم قالت بسرعة:
“إذن دعوني أرافق جلالتكم إلى جناحكم.”
لكن كايدن التفت إليّ فجأة:
“قبل ذلك… أظن أنني لم أسمع كلمة اعتذار.”
“اعتذار؟” سألت كاثرين.
أشار إليّ مباشرة:
“اصطدمت بي منذ قليل ولم تعتذر.”
كظمت غيظي ثانية. لو كان الأمر بيدي لقلت له: أنت الذي كدت تحطّم أنفي بصدرِك الحجري! لكن…
انحنيت مجددًا:
“أرجو العفو، جلالتكم. لم أقصد قلة الاحترام.”
ابتسم ابتسامة راضية:
“ناديني بكايدن، لا ملك ولا جلالة.”
“…ماذا؟”
“اعتذرتِ، وأنا سامحت. بالمقابل، خاطبيني باسمي.”
كان الأمر مدهشًا. ملكٌ أسس دولة بحد السيف يطلب أن أتعامل معه وكأنه شخص عادي. ربما لأنه عاش أصلًا من عامة الشعب.
قلت بهدوء:
“حسنًا… كايدن سيدي.”
ارتسمت على وجهه ابتسامة عريضة:
“هكذا أفضل. والآن… دورك أنت.”
“…دوري؟”
“اسمك. لم تخبريني باسمك بعد.”
ترددت. لماذا يريد ملك أن يعرف اسم وصيّة صغيرة؟ لكن نظرته كانت ثابتة، صادقة بشكل غريب.
“مجرد فضول، لا أكثر.” قال.
“اسمي رايتشل براون.”
كرر الاسم وكأنه يتذوقه:
“رايتشل… اسم جميل.”
ثم أضاف ساخرًا وهو يتجاوزني بخطواته:
“يلائم عمل الوصاية… وإن كان منصبك لا يليق بك حقًا.”
قطّبت حاجبي، لكنه كان قد ابتعد مع كاثرين.
تابعت أنظرهما وأنا أتمتم:
هذا الرجل… رائحته تشبه رائحة الدوق كراونر. رائحة الأقوياء الذين يخفون شيئًا خلفهم.
ابتسم بسخرية وهو يقول إن عينيّ أعجبتهما… كلمات لم أسمع مثلها حتى من إيان.
كل ما أعرفه أن اقترابي من رجل كهذا قد يجر عليّ الكثير من المتاعب.
مشهد آخر
في الجناح المخصص له، غاص كايدن نصف جسده في حمّام رخامي ضخم، بخار الماء يتصاعد من حوله.
“إرسال.”
بكلمةٍ واحدة، خرجت كرة بلورية من سطح الماء وأطلقت صورة هولوجرامية لرجل نحيل، عيناه شبه مغمضتين، وجديلته البنفسجية الطويلة تتدلّى على صدره.
[كايدن، جلالتك؟!]
لقد كان أوريل دراغون، كبير سحرة البلاط، ويده اليمنى
التعليقات لهذا الفصل " 96"