شهق إدوين بلا وعي، وهو يحدّق في عنق بريجيت الأبيض النحيل. شعر بإحساس غريب يزحف في صدره، كأن قلبه يدغدغه، وبطنه يضطرب.
“سمو الأمير إدوين؟”
نادته بريجيت، فأفاق مرتبكًا.
“آه… لحظة فقط.”
مدّ يده المرتعشة وألبسها العقد أخيرًا.
“ها… انتهيت.”
أعادت شعرها إلى مكانه، ثم التفتت نحوه مبتسمة.
“ما رأيك؟ هل يبدو جميلاً عليّ؟”
كانت كزهرة ورد صغيرة تفتحت مع أول خيوط الفجر، جميلة بشكل يفوق الوصف.
ظلّ إدوين مسحورًا، عاجزًا عن الرد.
ضحكت بريجيت بخفة:
“ما بك؟ هل دهشت من شدة جمالي؟”
“…نعم.”
أجاب بصدق، بصوت خافت وواضح.
اتسعت عيناها من المفاجأة. لم يقل لها أحد من أبناء جيلها يومًا كلمة صريحة كهذه.
حتى من كانوا معجبين بها، كانوا يكتفون بالمزاح أو السخرية.
احمرّت وجنتاها على غير عادتها.
ارتبك هو بدوره، فأخرج بسرعة هديته الثانية: كيسًا حريريًا صغيرًا.
“هذا أيضًا لكِ.”
فتحت الكيس، فرأت خمس بذور صغيرة.
“بذور؟ أيّ زهور هذه؟”
“ذلك… سر.”
أجاب بخجل.
“سرّ؟! في هدية عيد ميلاد؟”
نظرت إليه بريجيت بعين مرتابة، لكنه أصرّ وهو يهز رأسه.
“ستعرفين عندما تنبت. يمكنكِ زرعها في أصيص صغير.”
“إذن لن أرى هديتي الحقيقية إلا بعد شهور.”
تمتمت بنبرة نصف مازحة، فأجابها مبتسمًا:
“لكن متعة الانتظار أجمل، أليس كذلك؟”
تأملت البذور للحظة، ثم أعادت الكيس وأخفته بعناية في جيب فستانها.
“سأزرعها وأعتني بها.”
بعدها وقفت قائلة:
“هل هذا كل ما لديك يا سمو الأمير؟ إن كان كذلك، فسأنصرف.”
هز رأسه بأسف واضح، لا يجد عذرًا ليبقيها أكثر.
التفتت لتغادر، لكنها توقفت بعد خطوات قليلة، ثم عادت نحوه فجأة.
قالت بصوت جاد:
“لا ينبغي أن تعجب بي، سمو الأمير.”
“…ماذا؟”
تجمّد في مكانه، كأن قلبه انكشف.
“قلت لك من قبل… أنا قدري أن أكون إمبراطورة.”
قالتها بوجه يفوق عمرها نضجًا.
فهي الابنة الوحيدة لبيت كراونر، ومصيرها مرسوم: زوجة للإمبراطور وحده.
“وإن أصبح وليّ العهد هو الأمير الأول…؟”
سألها بصوت مبحوح.
“فإن حدث ذلك، فسأرحل شرقًا. ربما أصبح إمبراطورة القارة الشرقية.”
كانت تعرف ثقل العبء الموضوع على كتفيها، ولم تكن من النوع الذي يتهرّب من مسؤولياته.
“حين أبلغ سن الرشد، سيُعقد خطبتي مباشرة… هكذا قرر شيوخ العائلة.”
خفض إدوين رأسه، حزن بادٍ في عينيه.
“لكن… هل هذا ما تريدينه حقًا؟”
ابتسمت بمرارة:
“في هذا العالم يا سمو الأمير، كثير من الأشياء تحدث رغم أننا لا نرغب بها… وأنا لست استثناء.”
ثم همست:
“لهذا السبب، لا تتعلق بي.”
استدارت لتغادر، لكن يدًا صغيرة أمسكت بطرف كمها.
التفتت فإذا به ينظر إليها بعينين زرقاوين تلتهبان بإصرار.
“لا… لا أريد.”
حاولت أن تعترض: “الموضوع ليس برغبتك، أو عدم رغبتك…”
قاطعها وهو يشد على كمها:
“لكن… إن أصبحتُ أنا الإمبراطور، ماذا سيحدث عندها؟ هل أستطيع عندها أن أحبك؟”
شهقت من هول كلماته، وعيناها اتسعتا بدهشة.
“ما… ماذا تقول؟”
“أو حتى… لو أثبت أنني أفضل من الأمير الثاني، ألن أستحقك؟”
قالها بإصرار يشع من صوته الصغير.
بريجيت لم تستطع أن تجيب. لم تستطع حتى أن تزيح يده كما فعلت مع غيره.
فأضاف بعزم:
“إن كنتِ تريدين رجلاً ذا مكانة… فسأصبح أنا ذلك الرجل. أعدك.”
كانا طفلين في الثانية عشرة فقط. في عمر تُقال فيه وعود بريئة تُظن أبدية.
ومع ذلك، بدا في عينيه صدق لا يمكن إنكاره.
ابتسمت بريجيت رغمًا عنها، وغمغمت:
“…إن استطعت، فجرّب.”
عندها فقط أفلت يدها، فابتعدت بخطوات حازمة.
أما هو، فظل يراقب ظهرها يبتعد، ويمناه تنغلق في قبضتين صغيرتين تحملان عزيمة من فولاذ.
✦ ✦ ✦
في قصر الزوجة الثانية، الأكثر بذخًا وجمالًا في الإمبراطورية، دوّى صراخ حاد.
“آاااه!”
كانت الإمبراطورة الثانية، هيلينا، تركل عبدًا ضخم الجثة بلا رحمة.
لكنه لم ينبس بحرف، مدركًا أن صرخة واحدة قد تودي بحياته.
لهثت هيلينا وهي تدفع شعرها المبعثر للخلف، ثم صرخت على وصيفاتها:
“أترين؟ أترين كيف يُظهر الإمبراطور عطفه على ذلك التافه؟!”
لكن الخادمات لذن بالصمت. فالصمت وحده يحفظ حياتهن.
تذكّرت الإمبراطور وهو يضع يده على كتف إدوين في ساحة الصيد، وقد امتلأ وجهه بالفخر، فغلت دماؤها.
“أيجرؤ على استبدال وليّ العهد من ابني إلى ذاك الصعلوك؟!”
قضمت أظافرها غيظًا، خصوصًا بعد أن فشلت محاولة الاغتيال، ولم يعد أولئك القتلة أبدًا.
وما زادها جنونًا: أنّ تشديد الحراسة بعد حادثة الإمبراطورة الأولى جعل خروجها أصعب، وأيّ زائر يخضع لتفتيش صارم.
“ويقال إن من أنقذ الإمبراطورة تلك المربية الحقيرة التابعة لإدوين…”
تمتمت بأسنان مشدودة.
زادت غيظًا وهي تفكر: “كان ذلك الولد يرتجف أمامي كالجرو، فإذا به الآن يرفع رأسه…! حتى جيروم خذلني وأدخلَه في تدريبات الفرسان!”
في تلك اللحظة، تقدمت الكونتيسة كاتارينا، زوجة بايلين، محاولة تهدئة الجو.
“مولاتي، أليس مهرجان التأسيس وشيكًا؟ جرت العادة أن يتبارى الأمراء أمام أعين الناس… ألم يكن الأمير الثاني غائبًا العام الماضي بسبب إصابته؟ هذه فرصة عظيمة ليُظهر مهارته.”
ارتفعت حاجبا هيلينا: “المبارزة…؟”
أومأت الكونتيسة: “نعم. إن ظهر أمام الحشود والإمبراطور بمهارته، سيعلو شأنه. ولا حاجة لأن يكون خصمه الأمير الأول… فهناك أمير آخر…”
“لا تقصدين…”
ضيّقت هيلينا عينيها.
“أجل، الأمير الثالث.”
ارتسمت على وجه هيلينا ابتسامة باردة.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 89"