الفصل 88: الحب والسم (12)
في مثل هذه المواقف، من المفترض أن يُظهر النبلاء التواضع.
لكن «رايتشل براون» لم تكن من سلالة نقية، أما أنا —من أعيش بداخلها— فأبعد ما أكون عن التواضع.
قلت بهدوء:
«لم أتعلم شيئًا يا مولاتي الإمبراطورة… لذلك لا أعرف من المكافآت سوى المال.»
ارتبك إدوين وهو يهمس: «رايتشل! كيف تقولين هذا علنًا؟»
لكن الإمبراطورة ضحكت بخفة، تنظر إليّ وكأنها تراقب مخلوقًا مثيرًا للفضول.
قالت: «المكافأة بالمال هي الأصل فعلًا. فكم تطلبين؟»
أجبت بانحناءة:
«أترك التقدير لمولاتك. لا يليق بمثلي أن يحدد ثمن حياة الإمبراطورة.»
كان مقصدي واضحًا: ادفعي ما ترين أن حياتك تستحقه.
والإمبراطورة إن قللت من قيمتها بدت بخيلة، لذا لن يكون أمامها إلا رفع قيمة المكافأة.
وقد شعرتُ بدهشة الحاضرين ونظراتهم الجانبية.
ابتسمت ميلاني: «امرأة طريفة فعلًا.» ثم أشارت لوصيفاتها أن يهدأن.
«سأرسل إليكِ ما يليق بك قريبًا.»
أجبت: «شاكرة لمولاتك.»
أما أدريان وبريجيت فكانا ينظران إليّ بامتعاض، كأنهما يرون طمّاعة. لكني تجاهلت ذلك، فهما لا يزالان صغارًا لا يعرفان دهاليز الواقع.
ثم ختمت الإمبراطورة: «ما جرى اليوم سأخبر به جلالة الإمبراطور في الوقت المناسب، وعلى الجميع أن يلتزم الصمت.»
✦ ✦ ✦
مرّت أيام بعد محاولة اغتيالها، حتى وصل الخبر إلى الإمبراطور. فأمر بإعدام معظم خدم قصر الإمبراطورة واستبدالهم بآخرين.
ولم تمضِ فترة طويلة حتى وصلت المكافأة الموعودة إلى قصر الأمير الثالث.
صرخت كاثرين بدهشة وهي ترى صناديق الذهب والجواهر تدخل بلا توقف:
«يا للعجب! أكل هذا للمربية؟»
أجبت وأنا أراقب الرزم بعين راضية: «هكذا قالوا.»
(أما سيج، فراح يهذي بزيادة رواتب البستانيين من هذه الثروة، فتجاهلته).
قالت كاثرين بجدية مصطنعة: «بهذا القدر لن نقلق أبدًا على إصلاحات القصر! ربما أتزوجكِ يا مربية!»
دفعتُ خدها جانبًا وأنا أزيح ذراعها: «أعتذر… ابحثي عن رجل وسيم تحبينه.»
«لماذا هذا الصد؟» ضحكت متذمرة.
في الأثناء، شدت أنظار إميليا أكوام الذهب أكثر من الأحجار الكريمة، لأنها تشبه لون شعرها الذهبي.
قالت ببراءة: «انظري! يلمع مثل شعري! كم هو جميل!»
أجبتها مبتسمًا: «ذوق رفيع يا صاحبة السمو. الذهب هو الكنز الحقيقي، قيمته لا تزول.»
فقاطعتني كاثرين بضربة على كتفي: «ماذا تلقنينها! يا مادية!»
ثم سألت تبحث بعينيها: «وأين الأمير إدوين؟ لم أره منذ الصباح.»
قلت: «ذهب إلى فرسان غلوريا، لديه موعد.»
أردفت في نفسي: صغير السن، لكنه اختار قلبًا صعب المنال…
✦ ✦ ✦
كان إدوين ينتظر عند سور ساحة الرماية. يعبث بالتراب بطرف قدمه حتى سمع الصوت الذي انتظره:
«سمو الأمير.»
رفع رأسه فرِحًا، فإذا ببريجيت تقف أمامه بفستان عاجي.
تردّد قليلًا قبل أن يسأل: «كيف حال مولاتنا الإمبراطورة؟ سمعتُ أنكِ ترافقينها.»
ارتسم ظل حزن على وجهها، وبدا عليها التعب. فقال بقلق: «أأنتِ بخير؟ مظهركِ شاحب.»
فانفجرت وهي تكتم دموعها: «بعد ما جرى… كيف أكون بخير؟ لولا حفل ميلادي لما حدث شيء!» وجلست تبكي بحرقة.
جلس إدوين بجانبها وقال برفق: «لكن مولاتنا قالت: ليس ذنبكِ.»
فرفعت رأسها بعينين محمرتين، تحاول التماسك.
قالت أخيرًا: «لكن لماذا استدعيتني؟»
ارتبك وأخرج من جيبه صندوقًا صغيرًا وكيس حرير: «لم أستطع تقديم هديتي يومها…»
تناولت الهدية بفضول وفتحت الصندوق؛ فإذا بعقد فضي تتدلى منه جوهرة زرقاء تشع بألوان قوس قزح.
قال متلعثمًا: «صنعته بنفسي…»
اتسعت عيناها: «بيدك؟! يا لها من روعة.»
وبينما تتأمل العقد، لاحظت أن حامله منحوت على هيئة حيّة دقيقة التفاصيل. فضحكت قائلة: «لماذا الحيّة؟ أتسخر مني؟»
ارتبك: «لا! بل رمزًا لانتصاركِ. مثل المحاربين قديمًا، كانوا يحتفظون برأس عدوّهم أو يصنعون له تمثالًا ليخلّدوا فوزهم.»
ابتسمت قائلة: «إذن هذا أول كأس نصر لي؟»
ثم ناولته الصندوق مجددًا: «لكن… أليس من اللائق أن تُلبسني العقد بنفسك؟»
تفاجأ، وقد شدّت شعرها إلى أعلى استعدادًا، فارتبك أكثر…
التعليقات لهذا الفصل " 88"