الفصل 76: فوضى الصيد الإمبراطوري (5)
لم يعترض أحد على قرار الإمبراطور، فابتسم بخفة وهو ينزل عن المنصّة.
اقترب من إدون ووضع يده على كتفه ثم استدار به نحو الحشد.
وقال بصوت منخفض عند أذنه:
«انظر جيدًا… تأمل كيف ينظرون إليك.»
شعر إدون بتيار من العيون ينهال عليه دفعة واحدة، فارتجف جسده الصغير وتجمّد في مكانه.
رفع رأسه ببطء، فرأى في تلك النظرات مزيجًا غريبًا من الفضول والإعجاب، لا يشبه شيئًا مما اعتاد عليه.
لدهشته، خفَّ خوفه قليلًا.
ابتسم الإمبراطور وقال:
«هكذا هو الأمر. إذا أصبحتَ قويًّا، فلن يكون لديك ما تخشاه بعد الآن.»
ثم أشار إلى الكاتب الذي كان ينتظر التعليمات.
فأعلن بصوت مرتفع:
«الفائز في مسابقة الصيد الإمبراطورية هو… صاحب السمو الأمير الثالث إدون أناكسيـنيان فِنتروم!»
دوّى التصفيق من كل جانب، وكان ذلك أول تصفيق حقيقي يسمعه إدون في حياته.
شعر بخجل شديد، فأطرق رأسه وهو يحدّق بقدميه محاولًا إخفاء احمرار وجهه.
بدأت الأصوات تنهال من حوله:
«مبارك يا صاحب السمو!»
«حقًّا، إن أبناء جلالة الإمبراطور جميعهم استثنائيون!»
«كنتُ منذ زمن أراقب الأمير إدون…!»
لكن إدون لم يعرف كيف يتعامل مع هذا السيل من المديح.
كان داخله يتساءل: هل أستحق هذا حقًّا؟
وبينما كان الجميع يصفق، وقف بعضهم يراقبه بصمت.
الأمير الأول أدريان تمتم بهدوء:
«لقد تغيّر قليلًا…» ثم أعرض بوجهه كأن الأمر لا يعنيه.
أما الأمير الثاني لويد، فلم يحتمل المشهد، فغادر المكان غاضبًا، تلحقه والدته هيلينا التي بدا عليها الغيظ أيضًا.
ولم يلقَ الإمبراطور أي اهتمام بخروجهما.
وفي الجانب الآخر، كانت بريجيت ابنة الدوق كراونر تراقب إدون بصمت.
وحين سألها والدها باستغراب:
«ما بالك يا بُنيّة؟»
أجابته سريعًا وهي تتهرّب بنظرها:
«لا شيء… لقد شعرتُ بالتعب وأريد العودة إلى القصر.»
أذن لها الدوق، فانصرفت على عجل، غير أنّها التفتت خلسة نحو إدون قبل أن تغادر.
أما إدون، فظل يردّد كلمات الشكر لكل من هنّأه، فيما كانت المسابقة التي امتلأت بالمكائد والمؤامرات والصدف العجيبة تطوي آخر صفحاتها.
بعد انتهاء الصيد، خيّم السكون على الغابة.
بقيتُ أنا – رايتشل – وحدي مع الأمير إدون.
سألني متردّدًا:
«رايتشل، لماذا طلبتِ مني أن أبقى هنا؟»
لم يُكمل جملته حتى شهق دهشة، إذ بدأت الحيوانات الملقاة في العربة تتحرك وتنهض واحدًا تلو الآخر.
«م-ما هذا؟! أهي حيّة؟!»
كانت دهشته بريئة إلى حد يثير الابتسام.
أجبته بهدوء:
«لقد استخدمتُ سهامًا ذات رؤوس مفلطحة مغطاة بسمّ خفيف. لم يمت أيّ منها، بل أغمي عليها فقط.»
اتّسعت عيناه أكثر:
«يعني… لم نقتلها حقًّا؟!»
ثم انفجر بابتسامة عريضة وهو يراقب الحيوانات تهرع عائدة إلى الغابة.
«الحمد لله… هذا أفضل بكثير!»
وقفتُ أحدّق في ملامحه الطفولية التي امتلأت بالفرح لمجرّد أن الكائنات نجت. كان ذلك شعورًا غريبًا بالنسبة لي، أنا التي عشتُ عمري في عالم القتل والدماء.
قال إدون وهو يلتفت إليّ:
«شكراً لكِ… أنتِ إنسانة طيّبة حقًّا.»
تجمّدت الكلمات في حلقي. طيبة؟ أنا، التي قتلتُ بيدي عشرات الأرواح؟
خفضت بصري وقلت ببرود لأخفي ارتباكي:
«هذا الاستثناء لن يتكرر. في المرة القادمة سيكون الصيد حقيقيًّا.»
أومأ إدون بصمت، لكن عينيه ظلّتا تلمعان بصدق طفولي لا يشبه أي شيء عرفته.
ثم مدّ يده الصغيرة وأمسك بيدي. لم أسحبها، بل شددتُ عليها بلا وعي.
ابتسم بخفة وقال في نفسه: مهما أنكرت… فأنتِ حقًّا إنسانة طيبة.
حين عدنا إلى قصر الأمير، استقبلتنا الوصيفات بفرح.
كانت كاثرين تحمل الطفلة إميليا بين ذراعيها وتهرع نحونا:
«أهلاً بعودتكما! ماذا اصطدتما؟»
لكن حين نظرت إلى العربة الفارغة، عقدت حاجبيها بدهشة.
«لا شيء؟ كيف هذا؟!»
أجبتها بهدوء:
«لقد أطلقنا سراحها.»
اتّسعت عيناها بدهشة أكبر:
«أطلقتم سراحها…؟!»
ثم تنهدت بيأس:
«كنتُ أتمنى أن نحتفل بوليمة عامرة اليوم…»
فأخرجتُ من جيبي ثلاث عملات ذهبية وأعطيتها لها.
«اعتبريها جائزة، أنفقيها على طعام الخدم.»
تلألأت عينا كاثرين فرحًا، وصرخت:
«سمعتم جميعًا؟ الليلة نأكل حتى نشبع! بفضل الأمير إدون!»
وهكذا تحوّل إحباط الخدم إلى هتافات باسم الأمير، بينما ظلّ إدون يحدّق بي مرتبكًا.
فسررتُ همسًا:
«لا تقلق، يا سموّ الأمير… اعتبرها ثمن نجاتك.»
فقط ابتسم بخجل، ثم انضمّ إلى الهتافات التي لم تتوقف.
التعليقات لهذا الفصل " 76"