«آه، وبما أنك أفصحتَ عن اسمك، يجب أن أفصح أنا أيضًا؟»
تقدّمت نحوه خطوةً خطوة، فارتبك إدون وتراجع كلما اقتربت.
«ا-أنتِ قريبةٌ جدًا…»
قالت بثقة: «اسمع، أنا مستقبلُ الإمبراطورة.»
«إم… إمبراطورة؟»
شهق إدون فانفرج فمه.
«نعم. أنا مولودةٌ لأكون إمبراطورة.» رفعت ذقنها بكبرياء. «فلا يحقّ لفارسٍ لم يُمنَح حتى لقبًا بعدُ أن يسألني عن اسمي.»
كانت عبارةً كفيلة بإثارة الضيق، لكن بدا أنها بالنسبة إليها بديهية؛ فبرغم صغر سنّها، كان منصب الإمبراطورة يليق بمهابتها ونبلها.
«لذلك…»
ضغطت بإصبعها السبّابة على موضع قلبه وهي تحدّق في وجهه المذهول.
«عُد إليّ بعد أن تصبح قويًّا بما يكفي لتحصل على لقبٍ نبيل.»
ثم أشرقت بابتسامة لامعة كضوء تموز:
«حينها، سأسمح لك على الأقل بأن تنطق اسمي.»
ثم أدارت ظهرها دون تردد.
«ا-انتظري!»
لوّحت من بعيد: «اعتبره شرفًا؛ فقلائل جدًّا في الإمبراطورية كلها مَن يحقّ لهم مناداة اسمي!»
وغابت عن نظره.
أسقط إدون يده التي مدّها دون وعي، ووضع كفّه على صدره.
«غريب… لم أركض، ومع ذلك…»
كان قلبه يخفق أسرع من المعتاد.
حلّ يوم مسابقة الصيد التي يرعاها الإمبراطور. بدا وجه إدون شاحبًا.
«سموّ الأمير، أأنتم بخير؟»
وله ما يبرّر؛ فميدان الصيد كان يضجّ بالناس كأن كل نبلاء الإمبراطورية قد حضروا. كان إدون يشيح ببصره كلما التقت عيناه بعيون الواصلين.
«أشعر كأن الجميع يحدّق بي… أهو محضُ وهم؟»
«ليس وهمًا تمامًا، فيما أرى.»
كانت الأنظار المصوَّبة نحوه كثيرة فعلًا: منها ما اغتسل بالعداء الصريح، ومنها ما تلصّص عليه بدافع الفضول. لقد بات الأميرُ الثالث مركزَ هذا المكان بلا منازع.
لا بد أنهم سمعوا أنّ الإمبراطور دعاه بنفسه.
والشائعة أسرع من صهيل الخيل، وخصوصًا بين النُّبلاء. فلا ريب أن خبر التفات الإمبراطور إليه قد بلغهم—وليس خبرًا سارًّا في نظرهم. فقد انقسم معظم النبلاء أصلًا بين معسكرَي وليّ العهد الأول والثاني؛ وظهورُ قوةٍ ثالثة لا يسرّ أيًّا منهما.
وبدا أن موقف القرينة الثانية هيلِنا مماثل؛ فقد رمقته من هناك بنظراتٍ حادّة وهي تقف مع ابنها الأمير الثاني لويد.
أتراهما أيضًا وراء من حاولوا التسلّل؟
تذكّرتُ من صاروا الآن سمادًا في حديقة سيج: «الأخَوين الصيّادَين البشرَيين، جيل وبيرت». غير أن تلك السيدة الرفيعة لا يليق بها التعامل مع أمثالهما من الرعاع… ربما كان عليّ أن أستقصي عن مُحرّضهما قبل التخلّص منهما. لكن بعد أن صاروا غذاءً لنباتاتِ السُّم، فلا طائل من الندم.
وبينما ألوم عجالتي، اقترب منا أحدهم.
«أقدِمتم، يا سموّ الأمير.»
«يا لَه من شرف، سير فيليب!»
أشرق وجه إدون لرؤية نائب القائد فيليب. فمنذ اليوم الأول للتدريب وهو لا يكفّ عن امتداحه لمساندته. كان واضحًا كم يفرحه لقاؤه.
هو أيضًا رجلٌ على سجيّته الغريبة.
ففي غياب سائر أفراد العائلة الإمبراطورية، اقترب فيليب من إدون بلا تردّد ولا اعتبارٍ لعيون الآخرين—صلابةٌ في المبدأ، ولا تحامل.
«أأنتَ مشاركٌ أيضًا، يا سير؟»
«مكرهٌ أخاك لا بطل؛ فمهما يكن فأنا كونت. وقد هَدّدنا القائدُ بأن لا يتهاون إن تغيّبتُ مرةً أخرى.»
ثم ألقى نظرةً متحفظة على الجمع: «لا أطيق أمثال هذه المناسبات.»
قال إدون: «لكنني سعيدٌ برؤيتك هنا؛ كنت متوترًا جدًا قبل قليل.»
اتّسعت عينا فيليب لحظة ثم عادتا إلى سكينتهما. «…أشكركم على لطفكم.» ثم التفت، فاصطدمت عيناه بعيني.
«سُررتُ برؤيتك ثانيةً، آنسة براون.»
«نعم.»
قال وبنبرةٍ فيها حدّةٌ خفيّة: «فوجئتُ حين علمتُ أنك ستصحبين سموّه مرافقًا.»
«هكذا هو الأمر.»
ربما أزعجه اقتضاب جوابي، فشحذ نبرته: «أعلم أنها مناسبةٌ ثقيلة على مربية، لكن آمل حقًّا أن تحسني رعاية سموّه.»
«لقد أحسنتُ رعايته منذ البداية، فلا تشغل بالك.»
…ولم أكن لأضطرب من كلمات شابٍّ كهذا.
قال: «إذن فبخير.» ثم انحنى لإدون: «سموّ الأمير، أستأذن للعودة إلى موقعي.»
«أقربُ الناس إلى دوق كراونر، ولم أظنه بهذه الفتوة…»
«عامّيٌّ حصل على لقب الكونت بفضل إنجازاته. عجبًا.»
«أكلُّه بمهارته؟ بل لولا دعم الدوق…»
«ومع ذلك، كيف يقترب مثله من الأمير الثالث…»
تخميناتٌ لا تنتهي حول علاقة الأمير الثالث بنائب القائد. وانكمشت كتفا إدون أكثر. وبينما أفكّرُ كيف أهوّن عليه، ارتفعت هتافاتٌ غير بعيد:
«يا دوق كراونر، طالت الغيبة!»
«سيدي الدوق، أتذكُرني؟ اشترك ابني في حملة جبال إيرانيا…»
«شرفٌ لنا لقاءُ سيف الإمبراطورية!»
لقد حضر سيفُ الإمبراطورية، دوقُ كراونر. سواء في ساح المعارك أو في المجالس، حضوره لا يتبدّل. يردّ بابتسامةٍ طيبة وإيماءةٍ عابرة؛ ومع ذلك يطير النبلاء فرحًا كأنهم حازوا منّةً عظيمة—ولو علموا كم يثقلهم!
«آه!»
هتف إدون فجأة.
«ما الأمر يا سموّ الأمير؟»
«أ… ذاك…»
كان يتململ كجروٍ يستعجله الخروج. ما الذي دهاه؟ تبعتُ نظره، فإذا بفتاةٍ هناك: وردةُ ربيعٍ تناسب صفو هذا اليوم. كانت على صهوة فرسٍ أبيض ناصع، مرفوعةَ الرأس، لا تُلقي نظرةً لأحد.
«إنها آنسة الدوق كراونر. ما الذي جاء بها؟»
«لعلها خرجت تودّع أباها؛ يُعرف عنهما الصُّحبة.»
«لكن البنت إذا تزوجت فلا تعود من أهل البيت… إن حبّ الدوق لابنته عجيب!»
«اخفض صوتك؛ قد تسمع فتقع في بلاء.»
ابنة الدوق… إذن فهذه هي التي ذكرها سيج. الملامح القاسية الهادئة في عينيها تُشبه جيروم كثيرًا، أمّا بقيّةُ قسماتها فناعمةٌ رقيقة؛ تبدو وأنها إن كبرت فستغدو آيةً في الجمال. لا شكّ أنّ دمّ الأم أبدع في المولود.
«على كل حال، يجدر الحذر؛ فهي إمبراطورتنا القادمة على الأغلب.»
«لم يُحسم الأمر بعد؛ إن اعتلى الأميرُ الأول العرش انتهى كل ذلك.»
«ومن يدري بما سيجري…»
مرّ إلى جانبي فريقٌ من النبلاء، فالتقطتُ حديثهم:
«في الحقيقة، لا قرابةَ دمٍ فعلية بين آنسة كراونر ووليّ العهد الأول؛ فلو صار إمبراطورًا قد تظلّ هي الإمبراطورة أيضًا.»
يبدو أن كونَ جيروم ليس وارثًا شرعيًّا صار «سرًّا مكشوفًا» بين النبلاء. ومع ذلك يلغون في هذه الأحاديث وهو حاضر! ما أقبح تظاهرهم بالنُّبل وهم يمارسون السفالة.
وربما لا علاقة للطبقة بالأمر؛ فالحديث بما لا ينبغي حين تظنّ أن الطرف لا يسمع… غريزةٌ بشريةٌ في كل الطبقات.
«ومع هذا، كيف يجيزون زواجَ أبناء العمومة؟»
«ليس محرّمًا في قوانيننا. وثمّة من يقول إن لا دم يجمعهما حقًّا…»
«يا رجل! منذ متى حُرّم زواج القُربى اجتماعًا وأخلاقًا! أيدفع الدوقُ، وهو المُحبّ لابنته، إلى هذا؟»
«لا تقل لن أفعل؛ الشائعات بين السيّدات تقول: أيًّا يكن الإمبراطور، فالآنسة ستكون الإمبراطورة.»
«إن صحّ ذلك…»
وأخذوا يرمقون جيروم بازدراء: «لم نظنه هكذا يا دوق كراونر.»
يثرثرون بشيءٍ ربما لا أصل له—وأمام طفلةٍ أيضًا. رميتهم بنظرة استخفاف، ثم عدتُ إلى إدون. ما زال يهتزّ في مكانه وهو يحدّق بالآنسة. وسألتُ وقد آن الأوان:
«سموّ الأمير، أتعرِفون آنسةَ الدوق كراونر؟»
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 70"