كتم جيروم زفرةً وهو يرى على وجه ابنته ظلّ القلق والخيبة. لكنّ مسؤوليته كقائدٍ للفيلق تعلو في هذه اللحظة على واجبه كأب.
«ما النوع والعدد؟»
«أربع من الديدان المئوية العملاقة! نائب القائد يقود الفيلق الثالث وقد انطلق قبلنا!»
«اللعنة على هذه المخلوقات… ألا دور للسحرة والكهنة غير الزينة؟ لا يؤدّون واجبهم أبدًا!»
نهض جيروم غاضبًا، وهمّ بالخروج مع تابعه، ثم التفت متوقفًا. كانت ابنته بريجيت تحدّق إلى أطراف قدميها بوجهٍ مغيّم.
«بري، إنّ أباكِ…»
ابتلع كلماته. في كل مرة يترك فيها طفلته وراءه كان يلوم قدره. منذ وفاة زوجته ربّى صغيرته كأنها جوهرة مصونة، ومع ذلك لم يحظَ معها بوقتٍ كثير—وذلك ما كان يألمه أكثر من كل شيء.
قالت بهدوءٍ حاسم: «عودوا سالمين.»
«بري؟»
«ألستم سيفَ الإمبراطورية يا والدي؟»
تصلّبت ملامحها فجأة مثل صدفة انغلقت؛ وعلى محيّاها الرقيق ومضت صلابة لا تليق بسنّها.
«…أعتذر. ابقي هنا ولا تتحركي. سأعود سريعًا.»
ربّت جيروم على رأسها وغادر المكتب. وبقيت بريجيت وحدها.
«همف.»
نفخت لا يُدرَى أهي زفرةٌ أم سخرية، ثم—على خلاف وصية أبيها—خرجت من المكتب.
«تدرّب على الرماية أستطيع فعله وحدي.»
تلفّتت في الرواق حتى تأكّدت من ابتعاد أبيها تمامًا، فتهلّل وجهها. ثم انطلقت تركض، يتبعها ذيل فستانها الأخضر، وعيناها تلمعان.
«هاه… بقي ثلاثُ رميات!»
ابتسم إدون وهو ينظر إلى الهدف وقد امتلأ بالسهام.
«من أصل 120 أصبتُ 97… ليس سيئًا، أليس كذلك؟»
مدّ يده إلى السهم التالي—حينذاك دوّى صراخٌ قريب.
«كياااه!»
تلفّت إدون مذهولًا. «ما هذا الصوت…»
«كياااه!»
«…كاثرين؟»
كان صراخ امرأة. وفي هذا الوقت ليست ثمة امرأة تزور فرسان غلوريا سوى كاثرين. أترى أصابها مكروه وهي تحمل الوجبات؟
«كاثرين!»
اندفع نحو مصدر الصوت. عبر الدرب الجانبي بمحاذاة ساحة الرمي، فتراءت له هيئةٌ غريبة.
«كياااه! ابتعد! قلتُ ابتعد!»
«كاثري— هل أنتِ بخ—»
توقّف إدون بغتة. صاحبة الصراخ لم تكن كاثرين.
«آه…»
من جلَسَتها كانت فتاةً لا يعرفها: شعرٌ أحمر قانٍ، وعينان زمرديّتان تشعّان كالجواهر؛ كأنها وردةٌ وحيدة تفتحت في مكانٍ لا يراها فيه أحد. اضطربت حدقتا إدون.
«آآآه!»
وبعد جولةٍ من الصراخ، أمسكت الفتاة برأسها وانفجرت بالبكاء. أمام قدميها أفعى تصفر وتزحف.
غابات القصر كثيرة، وخلف قصر الأمير الثالث جبالٌ بأكملها؛ لذلك كانت الأفاعي والحشرات تدخل الغرف كثيرًا. منذ صغره لم تكن لديه ألعاب كثيرة، فكان يتسلى بمراقبتها.
صرخت فجأة: «آه! كم هو مُخزٍ! هذا يجرح كرامتي!» وبدأت تُفرغ غيظًا غير منطقي: «أتجترئ دابةٌ حقيرة على إذلالي؟ سأنتقم!»
كانت تمرّ فحسب… أيُسمّى ذلك إذلالًا؟ لكنه آثر الصمت. فقد علّمته إيما قديمًا: إن غضبت امرأة ولم تستطع مواساتها، فاستمعْ فقط.
سأل بدلًا من المجادلة: «وكيف ستنتقمين؟»
اتقدت عيناها كقطة: «بتعلّم ألّا أخاف الأفاعي!»
«أيمكن تعلّم ذلك؟»
«طبعًا!» شدّت قبضتيها ونهضت واقفة: «من اليوم سأدرس الأفاعي! سأجمع أنواعها كلّها في القارة وأراقبها يوميًا. أعرف طعامها وطباعها وموائلها كلّها!»
«وهل سيزول الخوف؟»
«قلتَ إنك لا تخاف لأنك اعتدت رؤيتها، أليس كذلك؟»
«ن-نعم.»
«أما أنا، فرأيتها اليوم أوّل مرة. خوفي وليد جهلي. قرأتُ في كتب المشرق: إذا عرفتَ عدوّك وعرفتَ نفسك فلا تخشى شيئًا.»
كان صوتها مهيبًا كقائدٍ قبل المعركة. ظلّ إدون يحدّق إليها مأخوذًا.
«أنا أعلم ضعفي—أخاف الأفاعي—ويبقى أن أفهم ما هي. عندها تنقلب الكفّة.»
كان كلامًا يبدو مغالطة، لكنه—على نحوٍ ما—مقنع. هزّ إدون رأسه لاشعوريًا.
قالت وهي تعقد ذراعيها: «على فكرة، من تكون؟ ولماذا أنت هنا؟» كانت قد نسيت أنه عرّف بنفسه قبل قليل، فاضطرّ إلى إعادة التعريف:
«أنا إدون. أتدرّب هنا مع الفرسان.»
«فارس؟ لأي فيلقٍ تنتسب؟»
تردّد قليلًا، ثم رفع ثلاثة أصابع.
«الفيلق الثالث؟ إذًا كنتَ من العوام؟»
«لا، الأمر أنّ…»
«واو، هذا عظيم. دخول ابن عامة إلى الفيلق ليس سهلًا. لابدّ أنك اجتهدت كثيرًا.»
عند المدح ضاع الشرح. احمرّ وجه إدون، هرش رأسه وأومأ. كانت الفتاة تُصلح ثوبها وشعرها وهي تتابع:
«شكرًا على ما فعلت اليوم. لكن… أفضّل أن يبقى سرًا.»
لا أحد سأخبره أصلًا… ظلّ صامتًا، فزبرتْه:
«لماذا لا تُجيب؟ ستنشر الأمر في كل مكان؟ ستقول إنني بكيت خوفًا من أفعى؟»
«لا! لِمَ أفعل ذلك؟ لستُ دنيئًا!»
انتفض واقفًا يهز رأسه بعنف. فمسحته بنظرة من أعلى لأسفل، ثم أشاحت:
«همف! لو سمعتُ بكلمة عمّا حدث اليوم سأبدأ بك أنت!»
«قلتُ لكِ لن أتفوّه…!»
«حسنًا، سأغادر. يومي سيّئ.»
استدارت بخفّة فصاح إدون: «ا-انتظري!»
«ماذا؟ أهناك مزيد؟»
«ا… اسمُك!» امتدت يده نحوها دون وعي. «ما اسمك؟»
رفعت حاجبًا، ثم ابتسمت ابتسامةٍ حفرت غمازة: «هممم… لا أرغب بإخباره.»
حدّق فيها مأخوذًا.
قالت وهي تشبك يديها خلف ظهرها: «لكن إن أردتَ معرفته—فأقنعني. ما السبب الذي يدفعني لأخبرك باسمي؟»
وكانت تبتسم ابتسامةً آسرة تكاد تسلب اللبّ.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 69"