منذ اليوم الذي قرّرتُ فيه البقاء هنا كمربية، وأنا أُضيف مقدارًا ضئيلًا من السمّ إلى طعام إدوين ولِيا على نحوٍ منتظم. كان الهدف تعويد جسديهما وبناء مناعتهما ضدّ التسمّم.
فمحاولة دسّ السُّم قد تقع في أي لحظة.
ومنذ أيامٍ قليلة بدأتُ أزيد نوعية السموم وكميّاتها في طعام إدوين. تشبّث بصدره وحدّق بي بعينين مليئتين بالعتاب. ساورني شيءٌ من الأسف، لكن لا حيلة لي؛
فهذا تقريبًا كل ما أستطيع أن أعلّمه له بنفسي.
لا أقدر أن ألقّن أميرًا فنون القتل، لكن أستطيع أن أعلّمه كيف ينجو منه. كان ذلك أحد القليل من الأشياء التي أقدر أن أمنحها لإدوين.
قلتُ بنبرةٍ هادئة كأنني أسأل عن نكهة الطبق:
«سمّ العقرب يؤثّر في الأعصاب، وتناول جرعةٍ قاتلة منه قد يفتك برجلٍ سليمٍ خلال ساعتين. كيف تشعر الآن؟»
وبرغم صفير أنفاسه فتح فمه بعناد:
«…لا أتنفّس جيدًا.»
مقارنةً بأول مرة ابتلع فيها السمّ وظلّ عاجزًا حتى عن الكلام خوفًا—كان هذا تقدّمًا ملحوظًا.
قلت: «هذا طبيعي.»
ولأن المقدار كان ضئيلًا جدًا، فلن يدوم الأثر طويلًا. ومع عودة تنفّسه تدريجيًا، لم أنسَ أن أترك له وصيّة:
«تذكّر مذاق السمّ وإحساس التسمّم في جسدك. فقد ينقذ هذا التذكّر حياتك يومًا ما.»
ارتجفت عيناه بالدمع، وارتسمت على وجهه ملامح من أوشك على البكاء، ثم التهم الماء من الكأس الموضوعة على المكتب دفعةً واحدة.
«كيف لِما لا طعم له أن يكون بهذا السوء؟»
«هكذا تكون السموم. لو كان طعمها مرًّا دائمًا لاكتشفها الجميع منذ أول رشفة.»
نعم؛ خطورة السمّ الحقيقية تكمن في خداعه.
«أنتِ مثلُ السُّمّ الحلو، يا كايلا.»
بلا استئذانٍ تسلّلت إلى رأسي كلماتُ الرجل الذي قتلني. كنتُ قد ظننتها وقتها استعارةً عاطفيةً مبتذلة، لكنني أدركت الآن أنها كانت تقريرَ حقيقة: كما كنتُ أنا سمًّا حلوًا له، صار إيان سمًّا لي أيضًا.
«هيه، هل أنتِ بخير؟»
انتشلني إدوين من بقايا الماضي يناديني وهو ينظر إليّ بقلق:
«أأنتِ بخير؟»
«ماذا تعني؟»
«لا تبدين على ما يرام.»
«أنا؟»
«نعم.» قطّب حاجبيه. «ألستِ مريضة؟»
أبهذه الدرجة بدا وجهي غيرَ مريح؟ هززتُ رأسي أطرد صورة إيان التي تلحّ عليّ:
«أبدًا. شردتُ قليلًا فحسب.»
«وفي ماذا كنتِ تفكرين؟»
«…في ذلك الذي ضربني على قفاي وفرّ—لا، طعنني في ظهري وهرب.»
على وجه الدقّة: ذلك الحقير الذي غرس الخنجر في ظهري ثم فرّ.
والآن وقد فكّرت، تذكّرت هدفي الأخير الذي كدتُ أنساه.
كنتُ منشغلةً بمهامّ المربية وفاءً لوعدي لإيما حتى قاربتُ أن أنسى سبب عودتي إلى الحياة أصلًا.
قد آن أن أخرج خارج القصر.
يبدو أن عليّ البدء قريبًا بجمع معلوماتٍ عن «التنظيم» وعن إيان.
وما إن خرج إدوين حاملاً الأطباق الفارغة—
حتى دوّى صوت كاثرين من بعيد وهي تركض: «يا مربّية! يا مربّية!»
استعدتُ صورة الملك الشاب الذي ابتسم يومًا ابتسامةً ذات مغزى: رجلٌ ماكر؛ ابتسامته لي، ورائحة الصابون التي كنتُ أستعملها قبل موتي، والهدية التي أرسلها فجأة لإدوين—قوسًا وسهامًا ليتمنّى له الشفاء—كلُّ شيء فيه يثير الريبة.
سأل سيج وهو يهدهد لِيا التي تتذمّر: «تقصدين كايدِن لام آدامانت، ملك آدامانت؟ ذاك الذي أسقط بيت ليونيل الملكي وأقام مملكته.»
سألتُ: «أتعرف عنه شيئًا؟»
«لا معرفة شخصية، لكنه أشهرُ من أن يعرّف. هذا من بديهيات الأخبار.»
هزّت كاثرين رأسها موافقة: «صحيح. حتى هنا في الإمبراطورية تُباع كتب حكايات أطفالٍ مستوحاة من بطولاته بصورةٍ جنونية!»
حكايات أطفال؟ من ذا الذي يجعل رجلًا كهذا بطلًا لقصص الصغار؟ بمَ كان يفكر الكاتب؟
صرخت لِيا وهي تشدّ شعر سيج: «لِيا تُحبّ الحكايات!»
قلت: «يا صاحبة السمو، ليست حكايات خرافية، بل سيرٌ بطولية.»
أجابت مكفهرّة: «ممم، لا يهم! أريد أن أقرأ! اقرأوا لي!»
حارت كاثرين: «يا إلهي، ماذا أفعل؟ هذا الكتاب غير موجودٍ في مكتبة الأمير.»
«أفي مكتبةٍ أخرى؟»
«أغلب الظن لا. لأنه للصغار ويمتدح ملك دولةٍ أخرى، فالأرجح أنه لم يُقتنَ هنا.»
فكادت ملامح لِيا تنقلب إلى بكاء: «لِيا تُريد حكااااية…!»
سبقتُ دموعها وقلت: «سأشتريه لكِ يا صاحبة السمو.»
«حقًّا؟»
«نعم. على كل حال سأخرج قريبًا. وحين أفعل سأجلب لكِ تلك القصة التي تريدينها—فلا تبكي.»
أشرقت: «يا سلام! أشِيل، أحبّك!»
«وأنا أحبّكِ أيضًا يا صاحبة السمو.»
«أحضري الكتاب بسرعة!»
احتضنتُها وهي تمدّ ذراعيها إليّ، وزفرتُ: يبدو أنّ عليّ تقديم موعد خروجي أسرع مما خطّطت.
أخيرًا… اليوم.
ضغطَ إدوين على صدره يخفي خفقانه.
كان من المفترض أن يتلقى اليوم أولَ درسٍ خاصّ في السيف على يد فيليب—لو سارت الأمور كما ينبغي.
قال الإمبراطور كافيليوس الثالث وهو يظهر أمام فرسان الوحدة الثالثة عند نزولهم من الجبل: «لا تزالون مفعمين بالنشاط.»
«ج-جلالتكم!»
كان القائد الدوق جيروم كراونر يرافقه.
«نحيّي سيدَنا!»
كفرسانٍ أقسموا بالولاء المباشر للإمبراطور، كان تحيّتهم مختلفة: جثوا ركوعًا في انتظامٍ تام.
ولم يبقَ واقفًا على نحوٍ مرتبكٍ إلا شخصٌ واحد.
رمقه الإمبراطور بنظرةٍ فاترة وقال: «مضى زمنٌ يا إدوين.»
«أ-أبي… أرفع لك التحية.»
خفض رأسه أمام الرجل الذي جاء به إلى هذه الدنيا—وهو في الوقت نفسه أكثرُ الناس حرجًا عنده.
مسح الإمبراطورُ بنظره قامته من رأسه إلى قدميه: «يبدو مظهرك أفضل من ذي قبل.»
ماذا يعني بذلك؟ عضّ إدوين شفته، فأردف الإمبراطور: «ما دُمنا التقينا بعد طول غياب، فلنحتسِ شايًا.»
«…عفوًا؟»
ترك الإمبراطورُ ابنَه الحائر والتفت إلى جيروم: «أفي هذا الجناح غرفة استقبال؟»
«لتتفضّلوا إلى مكتبي. سأوجّه بإعداد الشاي.»
«ممتنٌّ لك.»
ثم استدار الإمبراطور للمغادرة. وحين وقف إدوين مذهولًا يراقبه، التفت إليه قائلًا: «ما بالك واقفًا هكذا؟ أتكره أن تحتسي الشاي مع أبيك؟»
«ل-لا، أبدًا!»
فهرول خلفه، وتبعتهما نظرات الفضول إلى داخل المبنى.
تسرّبت الهمسات بين الفرسان:
«من الذي سمّى سموّه الأمير الثالث بـ“الأمير الرثّ”؟»
«نعم، من هو؟ ليتقدّم؛ سيُوبّخ الآن.»
«إذًا الشائعات لم تكن دقيقة، هاه؟»
«أبٌ وابنٌ يشتركان في فنجان شاي—أمرٌ عاديّ.»
«لكن مجيء جلالته بنفسه لا بد له من سبب، أليس كذلك؟»
كان فيليب واقفًا صامتًا. فهو يعلم أن الإمبراطور لا يتحرّك بلا باعثٍ محسوب؛ وحتى لو كان اللقاءُ شايًا مع ابنه، فلا بدّ من حسابٍ ما.
تأمّل ظهرَ إدوين وهو يلحق بأبيه—ظهرُ طفلٍ صغيرٍ عادي، لا مهابَة فيه تلفت اهتمامَ الإمبراطور.
ومع ذلك…
لا أحد يعلم كيف ستتبدّل الأقدار وقد جاء الإمبراطور إليه بنفسه.
قال الإمبراطور وهو يجلس قبالته: «مضى وقتٌ طويل منذ جلسنا وجهًا لوجه.»
فقال إدوين متلعثمًا: «أ-أعتذر.»
«لا داعي للاعتذار. فأنا نفسي لم أبحث عنك.»
لم تكن المحادثة بين الأب والابن دافئة بحال.
«كيف التدريب؟ هل تقدر عليه؟»
«…كان صعبًا في البداية، أما الآن فبخير.»
«جيّد. هذا مطمئن.»
ارتشف الإمبراطور شايه بهدوء، ثم سأل بعد صمتٍ قصير:
«ما السبب؟»
«عفوًا؟»
«أسألك: لِمَ قرّرت فجأةً أن تنضمّ إلى تدريب الفرسان؟»
قلّب فنجانه بين أصابعه وحدّق في إدوين:
«لستَ من النوع الذي يقدم على أمرٍ كهذا.»
«حسنًا… أنا…»
تجمّد العرق البارد على ظهر إدوين: بماذا أجيب؟
قال الإمبراطور بفتور: «أتحاول الآن—بَعدَ الآن—أن “تُمثّل” دور الأمير؟»
«ل-لا، ليس هذا ما…»
لم يبدُ على الإمبراطور أيّ انفعال. ولما رآه عاجزًا عن الجواب أمال رأسه قليلًا:
«قابلتُ مربّيتك مرة أخرى. إنها امرأة جريئة.»
شحبَ وجهُ إدوين عند سماعه كلمة «المربية».
«المربية السابقة أيضًا جاءت إليّ مباشرة. يبدو أنك محظوظٌ بالناس من حولك.»
وما إن تذكّر إدوين تلك الراحلة حتى ازداد وجهُه شحوبًا.
قال الإمبراطور: «قالت إنك تريد أن تصبح قويًا. أذلك صحيح؟»
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 60"