«أيعني هذا أنّ الدوق كراونر هو ثمرة خيانة زوجة الدوق السابق مع فارسٍ من العامة؟»
كان من الصعب استيعاب تلك الجملة.
فكرت طويلًا قبل أن أنطق مجددًا:
«إذن جيروم لا يمتّ إلى الدوق السابق بصلة دم إطلاقًا؟»
أجاب الحكيم:
«ليس تمامًا. فالدوق السابق وزوجته السابقة كانا ابني عمومة.»
يالها من شجرة عائلة مشوّهة.
عندما عبستُ ساخرًا، ضحك سِيدج كأنّه توقّع ردّي.
قال: «كلما علت مكانة الأسرة، زاد هوسها بنقاء الدم.» ثم أضاف وهو يهز كتفيه: «لذلك أثارت تبنّيه كثيرًا من القيل والقال.»
سألت: «لكن ألم يكن في العائلة أبناء آخرون يمكن أن يُتخذوا ورثة؟»
«لم يكن هناك أحد. أسرة كراونر معروفة بندرة نسلها.»
ومع ذلك، أن يُجعل ابنُ علاقةٍ آثمة وريثًا لبيتٍ عريق؟! لم يكن ذلك تصرفًا نبيلًا أبدًا.
‘ألم يكن لدى الدوق السابق ابنة من صلبه؟’
الزوجة الثانية حاليًا، ميلاني كراونر.
لا يوجد قانون في الإمبراطورية يمنع المرأة من وراثة لقب النبالة.
بل إنّ بعض الأسر العريقة مرّرت ألقابها لبناتها.
قلت متعجبة: «حقًا لا أستطيع الفهم.»
أجاب سِيدج: «لعل السبب أنّه لم يكن في العائلة فرسان بارزون. فبيت كراونر بيت فرسان في المقام الأول. وجيروم آنذاك كان مرتزقًا مشهورًا في أرجاء الإمبراطورية.»
مرتزق؟ إذن هذا يفسّر قسوته وغلظته، حتى مع الأطفال.
لكن ماضيه المأساوي لم يكن يهمّني.
قلتُ ببرود: «لست أسأل عن ماضيه، بل عن نقطة ضعفٍ له… شيء قاتل إن أمكن.»
قطّب سِيدج حاجبيه وقال بضجر: «حتى لو كنتُ حكيمًا، كيف أعلم ما جهلته قائدة فرقة اغتيال؟»
كلامه منطقي. عضضتُ شفتي بخيبة.
وفجأة صاح كأنّه تذكّر: «آه، نعم… تذكرت شيئًا.»
«ما هو؟»
«قبل اثني عشر عامًا، دُعيتُ إلى وليمة في قصر الدوق. أظنها كانت للاحتفال بميلاد ابنته.»
فالاحتفاء بالنسل واجب عند الأسر النبيلة. لم يكن غريبًا أن تُقام ولائم لميلاد طفل، لكن أن تُقام وليمة استمرت شهرًا كاملًا لمجرد مولد ابنة… فذلك كان نادرًا.
قطّب سِيدج وهو يراني أغيّر ملامحي.
قال: «ما بال وجهك؟ هل قلت شيئًا خاطئًا؟»
«لا… ليس بسببك. لكن أن يكون قادرًا على تدليل ابنته بينما بتر ذراع طفلٍ لم يملك سوى اسم “قاتل”… ذلك مثير للاشمئزاز.»
‘ابنة جيروم، إذن.’
رفعت بصري إلى السقف.
طفلة تشبه ذلك الوحش… لا أستطيع تخيّلها.
مسكينة… أي ذنب لها أن تولد ابنةً له؟
تمتمتُ ساخرًا في نفسي: ‘لو ورثت ملامحه فستكون قبيحة. لعل أمّها كانت جميلة، فيُنقذ جمالها وجه الفتاة.’
سألني سِيدج فجأة: «لكن لِمَ تسألين عن ضعف الدوق أصلًا؟»
أجبته: «لأنّ طعنه في كبريائه لم يكن كافيًا.»
أشرق وجهه واقترب متحمسًا: «ها؟ أتقاتلتِ معه؟ من انتصر؟»
دفعتُ رأسه بيدي ونهضت. «سأنصرف.»
قال بنبرة مازحة: «إلى أين؟ أتنوين أن توجّهي ضربتك عبر ابنته هذه المرة؟»
أجبته بصرامة: «لا. لن أستعمل طفلًا أبدًا. فأنا إنسانة راشدة.»
تنهد ساخرًا: «مربية أو قاتلة… ما زلتِ غريبة كعادتك. أي قاتل هذا الذي يتحدث عن “مبادئ”؟»
قلت وأنا أفتح الباب: «القاتل بلا مبادئ ليس قاتلًا… بل سفّاحًا. حتى الاغتيال له أخلاقيات.»
تركته مذهولًا وغادرت الكوخ. وكان النهار مشرقًا على غير العادة.
ترى، كيف يسير تدريب ذاك الصغير الآن؟
ابتسمتُ من غير وعي وأنا أفكّر بإدوين. مجرد التفكير به جعلني أضحك… شيء لم يحدث لي منذ إيان.
في ظل شجرة قرب ساحة التدريب، كان إدوين يقف بجوار جيروم.
كل فارس يمرّ أمامهما يرمقهما بنظرة جانبية. مشهد غريب حقًا: أوهن أمراء العائلة الإمبراطورية بجانب أشهر دوق في البلاد.
‘ماذا أفعل؟!’
لم ينتبه إدوين لنظرات الآخرين. كان كل تركيزه على بطله الذي يقف إلى جواره. لم يجرؤ على النظر في عينيه، واكتفى بالتحديق في الفراغ.
سأله جيروم: «كان الأمس أول يوم تدريب لك، أليس كذلك؟»
«نعم، صحيح.»
وقف كالجندي أمام قائده. عندها فقط تجرأ على النظر إلى الدوق.
كان جيروم يحدّق للأمام مثله، لكن الفرق بينهما كالسماء والأرض.
إنه “الحضور”. مجرد وقوفه كان يبعث في النفس رهبة هائلة.
انكمش إدوين سريعًا وخفض رأسه.
قال جيروم: «سمعتُ أنك صمدت جيدًا في يومك الأول. هل تدربت من قبل؟»
«أبدًا… لم يحدث.»
«إذن فهذا مثير للإعجاب. لديك موهبة.»
ارتجف إدوين من الدهشة: «حقًا؟!»
تابع جيروم: «أولئك الفتية اعتادوا هذا التدريب، لذا صمودهم طبيعي. أما أنت فكانت محاولتك الأولى، وهذا جدير بالثناء.»
كان وقع كلمات الدوق مختلفًا عن أي مديح آخر. أن يسمعها من قدوته الأعلى… كان شعورًا يغمر قلبه. حاول أن يخفي سعادته لئلا يبدو تافهًا.
قال جيروم وهو يلتفت إليه: «أودّ أن أمنحك بعض الإرشاد يا صاحب السمو.»
«إرشاد…؟»
ارتبك إدوين. الفارس الأعظم في الإمبراطورية يعرض أن يكون معلمه! كان ينبغي أن يطير من الفرح… لكنه شعر بشيء غريب.
التعليقات لهذا الفصل " 56"