…يا لهذا الصغير! أن يصرخ هكذا بدلًا من أن يشكرني على إنقاذه. لكن، كيف لمربية أن تُبدي غضبها أمام أمير؟ انحنيت له على مضض.
“أنا آسفة.”
“لا تكذبي. أنتِ لستِ آسفة فعلًا.”
كانت ملاحظة حادة للغاية لدرجة جعلتني أرتبك.
(هو أذكى مما يبدو عليه.)
الأمير الثالث، إدوين، مليء بالمفاجآت. اندفع دون خوف نحو من هم أكبر منه حجمًا، والآن يتحدث بما يجول في ذهنه بلا تردد.
(ظننت أنهم لقبوه بـ”الأمير الحقير” لأنه جبان… لكن هذا…)
تأملت الصبي وهو يثبت نظراته الحادة في عينيّ.
(قد يبدو كالملاك، لكن هذا من الخارج فقط.)
ثم سألني بوجه عابس:
“الساحرة الشريرة قالت إنكِ لن تأتي اليوم لأنكِ مريضة. هل كان ذلك كذبًا؟”
الساحرة الشريرة؟
الأميرة الصغيرة استخدمت هذا الوصف أيضًا. يبدو أن الأخوين يكنّان عداءً لرئيسة الخدم.
“كانت مجرد صداع خفيف، وتعافيت الآن. شكرًا على اهتمامك، يا صاحب السمو.”
انحنيت بأدب، لكن شيئًا ما لم يكن صحيحًا. كان يحدّق بي بوجه متضايق.
“هل هناك خطب ما، يا صاحب السمو؟”
أمال رأسه قليلًا:
“لسبب ما… تبدين مختلفة عن المعتاد.”
“حقًا؟ وبأي شكل؟”
“أبشع من المعتاد.”
“…؟!”
كدت أفقد الكلام من هذه الإهانة المباغتة.
“…يا صاحب السمو، هل أسأتُ إليك في شيء؟”
“كفي عن التظاهر بالقرب مني. هذا مزعج.”
حاولت الحفاظ على هدوئي، لكن ردوده كانت جارحة جدًا.
“حتى لو جئتِ بتوصية من إيما، فلن أثق بكِ.”
إيما؟
ضيقت عينيّ وأنا أتذكر كلام رئيسة الخدم: أنها جُلبت إلى هنا بتوصية السيدة “كونراد”. إذن اسمها الكامل “إيما كونراد”؟
(إيما كونراد…؟)
الاسم بدا مألوفًا بشكل غريب. قطّبت جبيني دون أن أشعر.
(لا… مستحيل. لا بد أنها مجرد تشابه أسماء. اللقب مختلف على أي حال.)
قطع إدوين أفكاري بصوت حاد:
“أنتِ في صف الساحرة الشريرة على أي حال. أعلم كل شيء.”
ردة فعله كانت غير متوقعة ومربكة.
(في مثل سنه، من الطبيعي أن يثق بالـمربية ويعتمد عليها. يبدو أن “راشيل براون” الأصلية لم تكن مربية جيدة على الإطلاق.)
(حتى رئيسة الخدم لم تكن تحبني أيضًا. ما الذي كانت تفعله هذه المربية لتجعل الجميع يكرهونها في أسبوعين فقط؟)
وضعتُ على وجهي ملامح حائرة وانحنيت بخضوع. ما دمت سأبقى هنا، عليّ أداء دوري كما يجب.
“يا صاحب السمو، إنني هنا فقط لأخدمكم كمربية.”
“هاه!”
تشابكت ذراعاه وسخر.
“هذا كذب. أراهن أن الساحرة الشريرة هي من أرسلتكِ إلى هنا.”
“….”
“هي فقط تريد إعادتي وحبسي مجددًا في جناحي.”
(هل لرئيسة الخدم الحق في وضع أمير رهن الإقامة الجبرية؟)
تركت السؤال جانبًا وانحنيت بصمت. في مثل هذه المواقف، الصمت أفضل جواب.
ظل يرمقني بنظراته قبل أن يسأل فجأة:
“على أي حال، كيف عرفتِ ما حدث قبل قليل؟”
“ماذا تقصد يا صاحب السمو؟”
صرخ بغيظ:
“كيف عرفتِ أنهم كانوا يغشون؟!”
“لقد رأيتُ الأمر فحسب.”
تذكرتُ حركات جيل الفاشلة. الخدعة مع الفتى البرتقالي بدأت من الجولة الثانية. لو استخدمها منذ البداية، لما اعترف الخصم باللعبة.
(لقد ظنوا أنني سأقع في الفخ مثل الأمير.)
لكنهم لم يعلموا أنني تعمدت أن أبدو مخدوعة في الجولة الثانية.
(تافهون. من يظنون أنهم يخدعون بخدعة كهذه؟)
نقرت لساني بسخرية، وأنا أتذكر المحتالين المحترفين الذين عرفتهم في أزقة المدن. أمام أصابعهم السريعة، مهارة جيل لم تكن إلا كحشرة مائية تتخبط على سطح البركة.
لكن إدوين لم يقتنع، فزم شفتيه وقال:
“أنتِ تكذبين. أنا لم أرَ شيئًا.”
“ربما كانت هذه أول مرة لك يا صاحب السمو تشهد مثل هذه الخدعة. ليس غريبًا ألا تلاحظ.”
رفع حاجبه:
“إذن، أنتِ رأيتِ مثل هذه الأمور كثيرًا؟”
“نعم… ربما.”
“كيف؟ هل النبلاء يشاهدون مثل هذه الأشياء كثيرًا؟”
التقت عيناي بعينيه البريئتين. ورغم صلابتهما وامتلائهما بالريبة، لمحت براءتهما الخفية. عيون كهذه لم أملكها يومًا.
تذكرت المكان الذي قضيت حياتي فيه.
(هذا الطفل لن يصمد نصف يوم هناك.)
في ذلك المكان، لم ينجُ أحد إلا إذا صار محتالًا ماكرًا. وأنا لم أكن استثناءً.
التعليقات لهذا الفصل " 5"