الفصل 49: قائد الفرسان جيروم كراونر (2)

قال الرجل بصوت عميق وهو يتأملني:

ـ «ما كان اسمكِ مجددًا؟ رينا، أليس كذلك؟»

أجبته بهدوء:

ـ «اسمي ريتشيل، وليس رينا، يا قائد.»

كان شعره الأحمر القصير وملامحه الحادة الرجولية تليق به أكثر مما ينبغي.

جسده الضخم وعضلاته البارزة جعلا من الصعب تصديق أنّه تجاوز الأربعين.

‘ربما لهذا السبب ما زالت النساء ينجذبن إليه رغم تقدمه في العمر.’

أجاب نائب القائد الذي كان يرافقه بدلًا عني، ثم نظر إليّ:

ـ «إنها مربية صاحب السمو الأمير الثالث.»

رفع الدوق حاجبه بدهشة:

ـ «مربية؟ إذن ما الذي جاء بمربية الأمير إلى هنا؟»

كان يبدو أنه أنهى التدريب للتو، فقد كان يرتدي ملابس عادية وملتصقًا بالعرق.

مسح وجهه بقسوة بالمنشفة التي قدمها له نائبه، ثم جلس باسترخاء على الأريكة.

لم يكن في سلوكه شيء يوحي بالأرستقراطية.

‘ليس غريبًا عليّ، فـ جيروم كراونر لطالما كان هكذا.’

قال بابتسامة ساخرة:

ـ «آه، نسيت أن أعرض على ضيفتنا الجلوس. اجلسي. وأنت، أحضر الشاي.»

أطعت بصمت وجلست مقابله.

ثم قال بنبرة متعجرفة:

ـ «هاه. لديك من الجرأة ما يفوق بعض فرساني، يا مربية. هذا شيء يُحسب لك.»

أدركت عندها أنني نسيت الفرق في المكانة بيننا، فنهضت مسرعة.

لكن الدوق لوّح بيده قائلًا بابتسامة ودودة:

ـ «لا حاجة للرسميات. أنا نفسي لم أتذكر اسمك بشكل صحيح، إذن نحن متساويان في قلة الأدب.»

أخفيت انزعاجي وانحنيت قليلًا:

ـ «يشرفني لقاؤك. أنا ريتشيل براون.»

قال بفتور:

ـ «نعم، سمعتك منذ قليل. لست مسنًا لدرجة أنسى اسمك بهذه السرعة.»

ثم أرخى ذراعيه على ظهر الأريكة ومد ساقه متكئًا بلامبالاة:

ـ «إذن، ما الذي جئتِ تطلبينه مني؟»

‘عجول كما هو دائمًا.’

نظرت إليه بثبات وقلت:

ـ «الأمر يتعلق بصاحب السمو إدوين.»

قطّب جبينه بوضوح، لكنّه قاطعني فجأة:

ـ «لنكن واضحين أولًا. إن كنتِ هنا لتطلبي مني أن أكون معلمًا شخصيًا للأمير، فالجواب مرفوض. لقد رفضت طلبًا مماثلًا من شقيقتي نفسها.»

مرر يده في شعره بتكبر وتابع:

ـ «رفضت أن أكون معلمًا لابن أختي الوحيد. فلو جئتِ تطلبين الأمر ذاته، فمن الأفضل أن توفري جهدك.»

قلت بهدوء:

ـ «لا تقلق، لم آتِ لطلب ذلك.»

رفع حاجبه باستغراب:

ـ «إذن ما الذي يمكن أن تطلبيه بخصوصه؟»

قبل أن أجيب، دخل نائب القائد مع صبي يحمل صينية عليها الشاي.

لكن الصبي، بتوتره، أسقط الفنجان، فاندفع مباشرة نحو فخذي.

صرخ الجميع:

ـ «انتبه!»

كنت أسرع منهم جميعًا، لكنني تمالكت نفسي.

‘لا يجب أن أظهر أي مهارة قتالية. أنا مجرد مربية.’

تركته ينسكب على ثوبي. شعرت بحرارة الشاي تحرق فخذي.

ـ «هل أنتِ بخير؟!»

ـ «أسرعوا، أحضروا شيئًا!»

تناولت المنشفة ومسحت الفوضى بنفسي.

قال أحدهم بارتباك:

ـ «هل نأتي بكيس ثلج؟»

أجبته بثبات:

ـ «لا داعي، أنا بخير. لم آتِ لأغادر قبل أن يسمع الدوق طلبي.»

أمر الدوق الصبي بالانسحاب وهو ينظر إليّ بقلق:

ـ «أأنت بخير حقًا؟ لستِ مصابة بحروق؟»

ابتسمت ابتسامة صغيرة وقلت بصوت أعلى متعمدة:

ـ «حتى لو كانت هناك حروق، فالفخذ ليس مكانًا يظهر للآخرين عادة. لن يؤثر ذلك على الزواج مثلًا.»

كان هدفي واضحًا: إثارة شعوره بالذنب قليلًا.

وبالفعل، بدا عليه الارتباك وهو يسعل ليغطي حرجًا:

ـ «هـم، حسنًا… إذن قولي ما لديكِ.»

رفعت عيني بثبات وقلت:

ـ «أود أن تسمحوا لصاحب السمو بالمشاركة في تدريب الفرسان لمدة ثلاثة أشهر فقط.»

قال نائب القائد في مكتبه بجدية:

ـ «سيدي القائد، هل تنوي فعلًا الموافقة على طلبها؟»

أجاب جيروم بلا مبالاة وهو يقلب أوراقه:

ـ «ولِمَ لا؟ طلبها لا يتعدى إشراكه في التدريب الأساسي.»

ـ «لكن…»

قاطعه بابتسامة:

ـ «ثم ألم تقل إنها رغبة الأمير نفسه؟ ما المانع إذن؟»

اعترض النائب بقلق:

ـ «لكن قرينة الإمبراطور الثانية لن تسكت. إن عرفت أن طلبها رُفض بينما قُبل طلب الأمير الثالث…»

ضحك جيروم:

ـ «لقد أصبحت أكثر قلقًا مع تقدمك في السن يا فيليب. متى اهتممتُ أنا بآراء ابنة مركيز؟»

اعتذر النائب بخجل، لكن بقي مترددًا:

ـ «مع ذلك، لا أظن الأمر صائبًا. فالأمير الثالث خارج صراع الخلافة، وأي اقتراب منه قد يضر بالفرسان.»

أجابه جيروم وهو يمد يده نحو النافذة:

ـ «لا تقلق كثيرًا. حتى لو بدأ التدريب، فلن يصمد أكثر من يومين أو ثلاثة مع الفرقة الثالثة. سيسقط بنفسه، وسنرسله عائدًا.»

تنهد النائب مستسلمًا:

ـ «مفهوم. سأبلغ الفرسان.»

ـ «وأخبرهم ألا يتعاملوا معه بصفة خاصة، لا أريد متاعب إضافية.»

ـ «حسنا.»

وبعد أن خرج النائب، جلس جيروم في مكتبه مستعيدًا صورة المربية.

‘مربية الأمير الثالث… ريتشيل براون.’

اسم عادي جدًا، وملامح هادئة، لكنها تثير الانزعاج بطريقة ما.

تذكر برودها حتى بعد أن سُكب الشاي الساخن عليها.

تمتم ببطء:

ـ «ربما عليّ أن أبلغ جلالته.»

ثم نهض كوحش يستعد لجولة أخرى من الصراع.

ـ «آه، العمل المكتبي لا يناسبني. أحتاج لمبارزة.»

أمسك سيفه وهو يتثاءب، ومن السهل تخيل صرخات الفرسان مجددًا في ساحة التدريب.