الحضور الشبح الذي لطالما راقبنا من خلف الجدار ازداد عددًا—من واحد إلى عدّة.
واحدٌ دائمًا هناك. فمن بعث بالآخرين؟
وإن كنت أرغب بجرّهم من آذانهم واستنطاقهم، فلا يسعني الآن. لستُ زعيمة قتلة؛ أنا مُربّية الأمير.
ما داموا لم يتحرّكوا، نراقب وننتظر.
قطّبت جبيني ونهضت.
«انتهت الثلاثون دقيقة!»
«حسَنًا حسَنًا!»
رمى ساج قفازَيه بضجر. استلمتُ إميليا منه وهو يمرّ متبرّمًا، وشيّعته بعيني. يومٌ آخر ينساب سريعًا في قصر الأمير الثالث.
طَقّ!
أغلق ساج كتاب «قواعد الإمبراطورية والإنشاء» بفرقعة عالية. كتاب يسيرٌ يُنهيه الأمراء عادةً في سن الخامسة أو السادسة—لكن ليس إدوين. جزء من اللوم على المُعلّم السابق الفاتر، والجزء الآخر على إدوين الذي لم يُبدِ رغبة حقيقية في التعلم. ومع ذلك، وخلال أسبوعٍ واحد من تولّيه التدريس، نجح ساج في كسر جمود سنوات، وهو إنجازٌ يليق بسمعة «الحكيم العظيم».
سأل وهو يسند ذقنه: «إدوين، ماذا تريد أن تُصبح؟»
رفع الأمير رأسه. توقّف القلم الصغير في يده.
«…ماذا أريد أن أصبح؟»
سؤالٌ لم يُسألْه يومًا. ارتبكت عيناه.
«لماذا؟»
«…لأني لا أعلم.»
«لا تعلم؟»
«لم أفكّر في الأمر من قبل.»
جوابٌ بسيط على سؤالٍ بسيط، لكن الأمير الصغير لم يجده بسهولة. وبعد صمتٍ طال، جاء الردّ مُخيّبًا في نظر المعلّم.
«ولِمَ لم تفكّر؟»
قال إدوين مترددًا: «إيما—مرّبيتي السابقة—كانت تريدني أن أغادر إلى المملكة المقدّسة فور بلوغي سنّ الرشد. قالت إن صيرورتي مُكرِّسًا هناك خيرٌ لي من البقاء هنا…»
حينها اتّسعت عينا ساج بدهشةٍ باهتة. لم يكن يجهل موقعَ الأمير الثالث في القصر؛ رايتشل قد نبّهته، ونظرةُ الخدم الداخلين والخارجين من جناح الأمير تكفي لتكوين فكرة.
لا أُلقي اللوم على التفكير ذاته.
حين يُنصّب وليّ للعهد، إمّا أن يُنعم على بقية الأمراء بألقاب آبائهم، أو يُمحَون «بهدوء». تلك عادة الإمبراطورية. لأجل أميرٍ ثالث بلا ظهرٍ ولا بيتِ أمٍ، كان الطريق الوحيد للنجاة أن يتخلّى عن الاسم والمال، ويصير مُكرِّسًا في المملكة المقدّسة.
لكنّي كنت آمل جوابًا كـ: “أريد أن أصبح إمبراطورًا، أو دوقًا عظيمًا، أو—على الأقل—فارسًا”.
مهما كان «أميرًا مُعدمًا»، فقد وُلد في السلالة الإمبراطورية—توقّع ساج مقدارًا من الطموح.
يا له من فتى باهت…
التدريس بلا غايةٍ لدى التلميذ لا متعة فيه ولا عائد. فكّر قليلًا ثم سأل: «وهل هذا ما تريده أنت أيضًا؟»
رفع وثيقةَ الشرائع المقدَّسة من زاوية المكتب:
«إن صرتَ مُكرِّسًا هناك، ستتخلى عن اسمك ومقامك. لا أصدقاء ولا أحباء، والأسرة منفية من حياتك. أتريد هذا الطريق؟»
طريق القداسة نبيلٌ… ووحيد. قلّ من يصبر عليه حتى النهاية. فضلًا عن أن إدوين—حتى بعد بلوغه—لن يكون إلا فتى في أوائل مراهقته؛ أن تُؤمر صبيًا لم يعش نصف عمره بسلوك هذا الدرب… قسوةٌ يسجّلها الناس.
«ستبقى وحيدًا حتى تموت. ما زلت تريده؟»
لم يكن تهديدًا، بل حقيقة. ومع ذلك شحب وجه الأمير:
«ل-لا، لا أريده.»
قهقه ساج جافًّا: «جيّد. لا تستهِن بالمُكرِّسين. ليس عملًا لأيّ أحد.»
تمتم الأمير بامتعاض: «…إذًا ماذا أستطيع أن أفعل؟»
أجاب ساج وهو يسند وجنته إلى كفّه: «هذا يتوقّف على ما “تظنّه” أنت. يولد المرء شحّاذًا فيعيش غنيًّا، ويولد غنيًّا فينتهي شحّاذًا. هكذا هي الحياة.»
على ما تظنّه؟ عقد إدوين حاجبيه. أيعني إن فكّرتُ به صار؟
طفَت على السطح ذكريات لا يريدها: أبٌ يدير الوجه، وأخوان يتسابقان على إيذائه، وإيما—المربية التي حاول إنقاذها ولم يقدر. في اثني عشر عامًا لم تجرِ الحياة مرّةً كما أراد. ثم يقول لي: الحياة رهنُ فكرك؟
كادت مرارة وحنقٌ يطفوان، لكن إدوين قلب المعادلة؛ تذكّر المرة الوحيدة التي جرى فيها كلُّ شيء كما أراد:
«رايتشل!» ناداها إذ تمنى حضورها—فجاءته حقًا كالسحر. صورتها وهي تطيح وحشًا هائلًا وحدها… كانت أقوى من الجميع.
تردّد قليلًا ثم قال: «لكن… فكّرت في أيّ إنسان أريد أن أكون.»
رفع ساج حاجبَيه: «أه حقًا؟ أيُّ إنسان تريد أن تكون؟»
أجاب بثقة: «إنسانًا يستطيع مساعدة الآخرين. أقوى إنسانٍ في العالم.»
تمامًا… مثل مُربّيتي.
كانت عيناه الزرقاوان تلمعان أكثر من أي وقتٍ مضى.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 46"