الفصل 43: المحاكمة الأولى (3)
ساد صمت قصير داخل المقصورة الصغيرة.
وفجأةً لمعت شرارة غريبة في عيني الحكيم العجوز.
قال فجأة:
«لِمَ فكرتَ هكذا؟»
«عفوًا؟»
«سألتك لِمَ اعتقدت أنك مجرد شخص عادي مثل الآخرين. أنت أمير هذه البلاد، أليس كذلك؟ فلماذا ترى نفسك بلا فرق عنهم؟»
تردد إدوين قليلًا، ثم أجاب بصوت حذر:
«حين تبعتُ ليو اليوم ورأيتُ أهل القرية… لاحظتُ أنهم ليسوا مختلفين عن الناس في الخارج.»
«ليسوا مختلفين؟»
«نعم، كل واحدٍ منهم لديه ما يمكن أن يفعله، أو ما يجب عليه فعله.»
ازدادت ملامح إدوين حزنًا وقال:
«أما أنا فلم يكن لدي شيء أفعله، ولا شيء مطلوب مني أصلًا.»
أمير منبوذ، مصدر مشاكل، قطعة شطرنج بلا قيمة…
كثيرًا ما سمع تلك الألقاب، وحتى اسمه الذي ورثه من والديه قد يزول دون أثر.
وأضاف بصوت متهدج:
«وحين واجهتُ الوحش اليوم، أدركتُ ذلك أوضح… أني مجرد طفل ضعيف لا يستطيع شيئًا.»
ظلّ ساج صامتًا يراقبه طويلًا.
ثم قال فجأة:
«ما اسمك مرة أخرى؟»
«إدوين أناكسينيان فِنتروم… يا سيدي.»
«إدوين، يعني “الفاتح”.»
ضحك العجوز بصوت عالٍ:
«اسم ضخم لشخص صغير بهذا الوجه البريء.»
لم يعرف إدوين إن كان يمدحه أو يهزأ به، فاكتفى بنظرة محرجة.
ابتسم ساج وقال:
«ليس سيئًا يا صغيري. قليل من الناس يعترفون أنهم عاديون مثل غيرهم. حتى الكبار يتظاهرون بالعظمة. وهذا يعجبني فيك.»
ثم أضاف بابتسامة هادئة:
«أخبرني يا أمير… هل تعلم ما عملي؟»
هزّ إدوين رأسه: «سمعتُ من ليو… قال إنك الرجل الذي صنع دواء داء القشور.»
«ماذا؟ أخبرك حتى بهذا؟»
تنهد ساج بتعب وقال:
«لكن اسمي نُسي منذ زمن. لقد عشت مختبئًا هنا عشر سنوات أو أكثر.»
ثم نظر إلى الأمير وقال:
«قلتَ إنك رأيتَ أهل القرية. هل فكرتَ بشيء آخر غير أنك مثلهم؟»
تردد إدوين ثم قال بصوت خافت:
«شعرتُ بالحزن قليلًا.»
«ولِمَ الحزن؟»
«لأنهم أناس عاديون، مرضى فقط… ومع ذلك يموتون ويختفون دون أن يتذكرهم أحد. أن تُنسى… هذا أمر محزن.»
أطال ساج النظر في إدوين، ثم وقف وقال:
«نعم… كنتُ أفكر هكذا أيضًا. لذلك قاومت حتى النهاية.»
ارتسمت ابتسامة مُرة على وجهه، وكأنه يتذكر الماضي:
«لكن النتيجة… أنني انتهيتُ هنا، مختبئًا كالعاجز.»
سكت قليلًا ثم أضاف:
«أخطأتُ حين أعلنت أنني صانع الدواء. لو كنت أخفيت الأمر، لكان أفضل.»
«دواء داء القشور؟»
«نعم، الدواء الذي يشفي المرض تمامًا.»
أغمض عينيه لحظة، وصوته امتلأ بالمرارة:
«مرّ أكثر من عشر سنوات منذ صنعته لأول مرة.»
كنتُ أتذكر جيدًا تلك الفترة… صورته وهو يجادلني بغضب حين أُرسلتُ لاغتياله.
«أنا أستطيع إنقاذ العالم! لماذا عليّ أن أموت؟ أليس هذا جنونًا؟»
كان الأمر فعلًا جنونًا. لقد صار هدفًا للقتل فقط لأنه اخترع علاجًا.
قال إدوين بدهشة:
«لكن إنقاذ الناس أمر عظيم، أليس كذلك يا راشيل؟»
«عظيم، نعم. ولهذا بالضبط صار له أعداء أكثر.»
«ماذا؟ لماذا؟»
أجاب ساج بنفسه:
«لم أكن أنوي بيع الدواء. أردت توزيعه مجانًا على المرضى. وهنا بدأت المشكلة.»
بمجرد انتشار الخبر، اندفع كبار التجار نحوه.
«عرض كل واحد منهم ثروة هائلة مقابل الوصفة. لكنني رفضت. أردت التمسك بمبدئي.»
وتابع:
«لكن يبدو أن أحدهم سرّب الأمر إلى المملكة المقدسة. وحين ذهبت إلى الإمبراطور أطلب توزيع الدواء رسميًا… كان الضغط قد بدأ بالفعل.»
هددت المملكة المقدسة بوقف إرسال القساوسة الكبار إلى الإمبراطورية إن استُخدم الدواء.
ولم يقتصر الأمر على ذلك: رفضوا أي علاقات دبلوماسية، وتعهدوا ألا يحضر البابا أي مناسبة إمبراطورية.
«لكن لماذا؟ أليس وجود علاج أفضل للجميع؟»
صرخ إدوين غاضبًا: «لا أفهم! كيف يكون إنقاذ الناس تجديفًا؟!»
أجاب ساج بمرارة:
«لأن كبرياءهم جُرح. مرضٌ يُعالج فقط بالقوة الإلهية، تمكن بشرٌ عادي من صُنع دواء له. هذا ما سموه تجديفًا.»
تجمد إدوين عاجزًا عن الرد.
قال ساج:
«لهذا رفض الإمبراطور طلبي… وبعدها بدأ الجحيم.»
أرسلت المملكة المقدسة فرسانها لاصطياده، وأرسل التجار القتلة للتخلص منه.
وكان أحد هؤلاء القتلة… أنا، “كايلـا آنجل”.
تنهد ساج:
«هربتُ وهربتُ حتى تعبت. كدتُ أنهي حياتي بنفسي… لولا أن فتاة ظهرت وعقدت معي صفقة.»
نظر إليّ لحظة، ثم تابع:
«عرضت أن تُنقذني من مطارديّ مقابل أن أجعل حياتي دينًا عندها. لم يكن أمامي خيار، أردت فقط أن أعيش.»
وبنبرة غاضبة قال:
«اللعنة! والآن حين أتذكر… دفعتُ لها آلاف القطع الذهبية لأنها ساومتني أكثر من الزبائن الآخرين!»
رددتُ ببرود وأنا أخفي انزعاجي:
«لو أنك لم تُصر على نشر الدواء باسمك، لما كنت هنا اليوم.»
«صحيح! كنتُ جشعًا. أردتُ أن يُخلَّد اسمي: الحكيم العظيم الذي هزم لعنة الشيطان! أليس ذلك رائعًا؟!»
ثم التفت نحوي فجأة وسأل:
«إذن… ماذا تفعل تلك الفتاة الآن؟ كايلا… تلك الغبية. لم تمت، صحيح؟ ما زالت تقتل الناس من أجل المال؟»
غصصتُ بالكلمات من المفاجأة، لكني تماسكت وقلت ببرود:
«قاتلة بشر؟ ما هذه الألفاظ البذيئة أمام صاحب السمو؟»
«أقول الحقيقة فقط.»
رفع ذقنه متعاليًا وأردف:
«ما العظمة في مهنة أساسها قتل الناس مقابل الذهب؟ إنها أحقر مهنة في الدنيا.»
شعرتُ بحرارة الغضب تصعد إلى وجهي، ووجود إدوين بجانبي زاد الأمر صعوبة.
لكن ساج فجأة أرخى نظره وقال:
«تلك الفتاة… مسكينة.»
تجمدتُ في مكاني.
تابع بصوت مفعم بالأسى:
«لو أنها لم تضل الطريق، كان يمكن أن تحيا أسعد من الجميع.»
التعليقات لهذا الفصل " 44"