استعاد لويد، الأمير الثاني للإمبراطورية، أحداث ما جرى في وقتٍ سابق من ذلك اليوم.
«أتجرأ أيها الأحمق الوضيع أن تتحداني؟»
كان لويد يمقت أخاه غير الشقيق.
«أكره كل ما فيه.»
ذلك الوجه الوسيم بلا داعٍ، وتلك الثقة بالنفس رغم ضعفه… كان يكرهه كله.
أما الشيء الوحيد الذي كان يحتمله فيه، فهو جبنه ودهاؤه السريع.
ولهذا كان من الممتع أن يراه يركع متوسلاً عند أقل تهديد.
لكن بين الحين والآخر، كان إدوين يجرؤ على إغضابه بشدة.
كما فعل اليوم.
«ضعيف ويملك كبرياء؟ يا للسخرية.»
أن يراه يثور ويندفع نحوه فقط لأنه تلقّى صفعة… كان أمراً مثيراً للشفقة.
وأن يراه يتشبث به بيأسٍ حتى يصعد فوقه… كان مشهداً يبعث على الضحك.
«وتلك المرأة…»
تذكر لويد وجه المرأة التي اعترضت طريقه اليوم.
لقد عرّفت نفسها بوضوح بأنها مربية الأمير الثالث.
«توقف.»
لويد، الذي لم يعرف الخوف قط، شعر بالخوف للحظة واحدة.
ففي تلك العينين الخضراوين الغامضتين، كان يتلظّى بريق شخصٍ لن يتردد في قطع ذراعه لو لم يتوقف.
لقد نظرت إليه كأنها لا تخشى أميراً على الإطلاق.
«تماماً مثل تلك العجوز… مثيرة للاشمئزاز.»
استحضر لويد وجه امرأة ماتت منذ زمن.
العجوز التي كانت مربية إدوين السابقة.
على عكس الجديدة، كانت مهذبة وخجولة.
لكن حين يتعلق الأمر بإدوين، كانت تفقد كل قيودها.
ولعل ذلك كان سبب موتها المبكر.
«ما كان اسمها؟ راشيل براون؟»
عضّ لويد على أسنانه وهو يتذكرها.
وأقسم أن هذه المربية الجديدة ستلقى نفس المصير ذات يوم.
“عمّ تفكر بعمق هكذا، لويد؟”
في تلك اللحظة، سألت المرأة الجالسة أمامه.
امرأة شقراء ترتدي ثوباً وردياً باهتاً، فائقة الجمال.
ربما كان ذلك بسبب عينيها بلون الغروب وملامحها الواضحة—
تشبه لهيباً متألقاً.
امرأة جميلة كالنار، لكنها خطيرة بما يكفي لتحرق كل ما حولها في لحظة.
هيلينا رادكليف.
كانت الإمبراطورة الثانية للإمبراطورية الفينتروم، وأم لويد.
“سمعت بما حدث في الحديقة. تورطت مجدداً مع ذلك الأحمق.”
لفّت هيلينا الكأس الفضية في يدها، تتحدث بنبرة استياء واضحة.
“قلت لك ألا تختلط بتلك النفاية.”
“لكن يا أمي، هو من بدأ أولاً—”
“أتجادل مع أمك؟”
“لكن مربية إدوين هي من اعترضت طريقي—”
صفع!
قبل أن يكمل كلماته، كانت قد نهضت وصفعته على وجهه.
ومع أن الموقف كان صادماً، إلا أن لويد أعاد رأسه لمكانه كأنه اعتاد الأمر.
“هل سمحتُ لك أن تجادلني؟”
حدّقت إليه بعينين متجمّدتين.
“وتوقف عن هذا الهراء عن المربية! ذلك الأحمق كان مهووساً بمربيته السابقة أيضاً.”
وضعت يدها على جبينها بضيق.
“أثار ضجة لدرجة أنني اضطررت شخصياً للتخلص من تلك العجوز، والآن ينوح على مربية أخرى؟”
خفض لويد رأسه في صمت عند كلماتها.
“لقد التقيت بجلالة الإمبراطور. قال أمام ملك آدمانت إنك فشلت في السيطرة على مشاعرك.”
وبخته هيلينا.
“جعلت نفسك أضحوكة أمام جلالته! وتجرؤ أن تسمي نفسك الإمبراطور القادم؟”
لقد نادت ابنها بـ “الإمبراطور القادم” مع أنه لم يحصل بعد على لقب ولي العهد.
وهذا يعني أنها لم تشكّ لحظة في أن العرش سيكون له.
“…أعتذر، يا أمي.”
“هاه! كيف أنجبتُ أحمقاً مثلك؟!”
ضربت الطاولة بجوارها بقوة مدوية.
“أخوك غير الشقيق استدعاه جلالته اليوم مجدداً وأغدق عليه بالثناء! وهو لم يتجاوز الخامسة عشرة بعد، ويضع استراتيجيات دبلوماسية!”
لقد بدأ مجدداً.
شلال المقارنات الذي لم يتوقف منذ وُلد.
“على الأقل أنت أفضل في فنون السيف، لذلك طلبت منك أن تتمرن أكثر! لكنك تهربت من دروسك مجدداً اليوم؟”
صرخت هيلينا باستياء.
“يجب أن تعمل لتكسب المجد، لكنك تذهب وتلطخ سمعتك أمام جلالته؟”
كان الإمبراطور رجلاً لا يفارق الابتسامة وجهه، لكنه يقطع بلا رحمة كل ما يثير استياءه.
ألم يذبح بنفسه أشقاءه ليستولي على العرش؟
هيلينا تعرف أكثر من أي أحد نوع الرجل الذي هو عليه.
“لويد، لا يهم إن قتلتَ القطط أو الخدم.”
تألقت عيناها الحمراوان بخطورة.
“كل ذلك لا يهم. كل ما عليك هو أن تصبح إمبراطوراً.”
إمبراطور الإمبراطورية.
يا لها من كلمات فاتنة الرنين.
أمسكت كتفي ابنها الصغير، الذي بالكاد يصل إلى صدرها.
“أقسم لي، لويد. أقسم أنك لن تفعل شيئاً بعد اليوم يجعلك تخسر رضا جلالته.”
تطلع لويد بفراغ إلى وجه أمه، ثم خفّض رأسه.
“…نعم، يا أمي.”
أجاب الأمير الثاني بخضوع، لكن عينيه بدتا غريبتين… خاويتين.
“م-مربية، ما هذا؟”
“هو كما ترينه تماماً.”
فركت كاثرين عينيها وقرأت الورقة مجدداً.
وبمجرد أن تأكدت أنها خطاب استقالتي، صرخت مذعورة.
“ا-استقالة؟! مربية، هل ستتركين العمل؟!”
“نعم.”
“لماذا؟ لماذا؟! لماذا؟!”
“لأن الوظيفة لا تناسبني.”
ارتبكت كاثرين من ردّي الحازم.
“إذًا… متى تنوين المغادرة؟ لقد قدمتِ خطاب استقالتك بسرعة…”
“بعد أسبوع.”
“ماذا؟ بعد أسبوع؟!”
أسرعت كاثرين تحسب الأيام، ثم أمسكت بيدي.
“مربية، ألا يمكنكِ إعادة التفكير؟! ستغادرين بعد شهر واحد فقط؟ هذا غير معقول!”
“بل هو معقول. لأن مضى شهر واحد بالضبط، ولهذا أغادر.”
“هاه؟”
شهر واحد تماماً.
لا قصير جداً ولا طويل جداً.
التوقيت المثالي للرحيل قبل أن أتورط في أمور أكثر إزعاجاً.
«من حسن الحظ أن راتب المربية كان أعلى مما توقعت.»
مع العملات الذهبية التي لدي، كنت واثقة أنني لن أجوع حتى خارج القصر.
وإن لم تكفِ، يمكنني كسب المزيد هناك. ولهذا بنيت قوتي البدنية باجتهاد.
“لكن أن تقرري فجأة…”
“لم يكن مفاجئاً. كنت أفكر بالأمر منذ البداية.”
“ولكن…”
ترددت للحظة، ثم عادت إليّ الذكرى التي تطاردني كل ليلة:
«فكري ملياً في سبب قيامي بهذا.»
حقل القصب المظلم.
السمّ الذي انتشر في جسدي.
رائحة الاحتراق.
كلها ما زالت حية في ذاكرتي.
«هناك شيء يجب أن أفعله.»
عليّ أن أرحل عن هذا المكان.
الانتقام—ذلك هو الغرض الوحيد من هذه الحياة.
لذلك لم يكن عندي متسع للقلق على ملك آدمانت الذي اختفى بابتسامة مريبة، ولا على الأمير الثالث والأميرة الصغيرة اللذين يتعلقان بي، ولا حتى على كاثرين التي تبتسم كلما رأتني.
“آه… إذا كنتِ مصرّة لهذه الدرجة، فلا حيلة لي.”
نظرت إليّ كاثرين بعينين مملوءتين بالأسف.
“كنتُ أريد أن أعمل معك لفترة طويلة، مربية.”
“شخص مثلك سيجد بالتأكيد مربية أفضل مني.”
“لكنها لن تكون مثلك.”
ارتسمت على وجهها كآبة.
“لن تجد أحداً غريباً ولطيفاً مثلك.”
“ولمَ تضيفين كلمة غريب؟”
“لأنكِ لستِ شخصاً عادياً، مربية. من غيرك يقف بهذه الثقة أمام الأمير الثاني؟”
ارتجفت وهي تتذكر الحادثة قبل أيام.
“ما زلتُ أشعر بالقشعريرة لمجرد التفكير بها.”
فركت ذراعيها بعنف.
“كنت قلقة أن يقطع ذراعك بالفعل.”
“أنا لا أفعل ما قد يتسبب بقطع ذراعي.”
“أوه، بالله عليكِ! لو لم يمر جلالته بالصدفة في تلك اللحظة، لكنتِ الآن مقطوعة الذراع! هكذا… بلمح البصر!”
صدفة، هاه.
ابتسمت بصمت.
كان صحيحاً أن مرور جلالته وقتها كان حظاً.
وأن كوني الوحيدة التي لاحظت وجوده كان أيضاً حظاً.
وبفضله، تمكنت من ردع الأمير الثاني.
“لقد ظهر في اللحظة المناسبة، فكان الأمر في صالحي.”
“بصراحة، لا أستطيع أن أميز إن كنتِ شجاعة أم متهورة.”
وقفتُ قبل أن تُكمل. “يكفي ثرثرة. لدي عمل، فسأستأذن.”
“…مربية.”
حين خرجت، نادتني كاثرين.
كانت ملامحها جادة.
“هل لديكِ ما تقولينه أيضاً؟”
“أم… كيف ستخبرين سموهما؟”
“تخبرهما بماذا؟”
“أنكِ ستستقيلين، مربية.”
امتلأت عيناها بالقلق.
“كلاهما متعلق بكِ كثيراً. لو علموا أنكِ ستغادرين، فسيحزنون بشدة.”
“كاثرين.”
“نعم؟”
“هل عليّ أن أقلق بشأن ما سيحدث بعد أن لم أعد مربيتهم؟”
جعلتها كلماتي الباردة عاجزة عن الكلام، تفتح فمها وتغلقه بلا صوت.
كان بارداً، لكنه الحقيقة.
فالذي يرحل يُنسى في النهاية، والحزن يتلاشى.
كان الأمر هكذا دائماً.
“سأذهب الآن.”
تركتُ كاثرين واقفةً في صمت، وخرجت من المكتب.
طقطق–طقطق–
في تلك اللحظة، لمحت قطعة قماش ذهبية تختفي حول الزاوية مع صوت حركة مسرعة.
“……”
تطلعت للحظة نحو الزاوية، ثم أدرت ظهري.
بقي أسبوع واحد فقط.
وفي نهايته، سأغادر هذا المكان نهائياً.
“أخي! أاااخي! استيقظ!”
هزّت إميليا شقيقها الممدد على السرير بكل قوتها.
ورغم الكدمة على كتفها، إلا أنها كانت مليئة بالطاقة.
“انهض! استيــقظ!”
“إميليا… أنا متعب.”
“لا! انهض! انهــض!”
أخيراً جلس إدوين تحت إلحاح شقيقته المستمر.
كان يشعر بالخمول والإرهاق منذ الأمس، مما جعله في مزاج سيء.
فتح الأمير الشاب فمه بنبرة متذمرة:
“ما الأمر؟”
“أخي، حدث شيء رهيب!”
“شيء رهيب؟”
“أشيل قالت إنها لن تكون مربية لنا بعد الآن!”
عند كلمات الأميرة، ارتجفت عينا إدوين.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 26"