الأمير الثاني
“أيها الوغد الوقح.”
استعاد لويد، الأمير الثاني للإمبراطورية، أحداث ذلك اليوم.
“أيتجرأ ذلك الحقير التافه على معارضتي؟”
كان يكره أخاه غير الشقيق، الأمير الثالث.
“أبغض فيه كل شيء.”
وجهه الوسيم بلا داعٍ، طريقته المتعجرفة وهو ضعيف، كل ذلك يثير اشمئزازه.
وحدها جبنه ودهاؤه السريع كانا قابلين للاحتمال.
لذلك، كان من الممتع أن يراه يزحف ذليلاً أمامه بمجرد أن يُخيفه قليلاً.
لكن بين الحين والآخر، كان إدوين يجرؤ على إغضابه بعمق.
كما فعل اليوم.
“ضعيف يتشبث بالكبرياء؟ يا للسخرية.”
كان اندفاعه يثير الضحك، وهو يحاول أن يتسلق فوقه لمجرد أنه ضُرب.
مشهد يبعث على الشفقة والازدراء.
ثم تذكرها.
تلك المرأة.
مربية إدوين الجديدة.
“توقّف.”
للمرة الأولى منذ زمن بعيد، شعر لويد بالخوف.
في تلك العينين الخضراوين الغامضتين، كان بريقٌ يقول بوضوح إنها ستقطع ذراعه دون تردّد إن لم يتوقف.
امرأة لا ترى في أمير أي مهابة.
“تماماً مثل تلك العجوز المقيتة.”
استحضر وجه المربية السابقة، التي رحلت عن هذا العالم.
كانت مهذبة، مطيعة، خجولة. لكنها، حين كان الأمر يتعلق بإدوين، تفقد كل اتزانها.
ولعل ذلك هو ما عجّل بموتها.
“أكان اسمها رايتشل براون؟”
صرّ أسنانه متذكراً.
أقسم أن تلك المرأة ستلقى المصير ذاته يوماً ما.
الإمبراطورة الثانية
“بماذا تفكر بعمق هكذا، يا لويد؟”
رفعت صوته امرأة جلست قبالته.
شعرها الذهبي، ثوبها الوردي الباهت، وعيناها بلون الغروب… كانت جمالاً يحاكي اللهيب.
امرأة فاتنة كالنار، جميلة بما يكفي لتسحر، خطيرة بما يكفي لتحرق كل ما حولها.
هيلينا رادكليف. الإمبراطورة الثانية للإمبراطورية، وأم لويد.
قالت ببرود وهي تدير كأسها الفضي:
“بلغني ما حدث في الحديقة. تشابكتَ مجدداً مع ذلك الغبي.”
خفض رأسه قليلاً: “أمي، هو من بدأ—”
“أتجادل مع أمك؟”
“لكن مربيته هي التي—”
صفعة!
صفعته قبل أن يكمل. لم يتفاجأ، بل بدا معتاداً على ذلك. أعاد رأسه إلى موضعه وكأن شيئاً لم يكن.
“هل أذنتُ لك أن تعارضني؟”
وبنظرة باردة أضافت:
“وكفّ عن هذه الترهات عن المربية! ذلك الأحمق كان مهووساً بمربيته السابقة أيضاً. أجبرني على التخلص من تلك العجوز بنفسي، والآن يتشبث بأخرى؟”
أطرق لويد رأسه صامتاً.
تابعت بحدة: “لقد قابلتُ جلالته اليوم. قال أمام ملك آدامانت إنك عجزت عن ضبط نفسك.”
ثم صاحت: “لقد جلبتَ العار على نفسك أمام الإمبراطور! وتزعم أنك ستصبح الإمبراطور القادم؟!”
كانت تسميه الإمبراطور القادم، يقيناً منها أنه سيرث العرش، رغم أنه لم يحصل بعد على لقب ولي العهد.
قال بضعف: “…أعتذر.”
ضربت الطاولة بقبضتها: “كيف أنجبتُ أحمقاً مثلك—! أخوك الأكبر استدعاه جلالته اليوم مجدداً ونال الثناء! في الخامسة عشرة فقط ويضع استراتيجيات دبلوماسية!”
بدأت المقارنات التي لم تتوقف منذ ولادته.
صرخت بعصبية: “على الأقل أنت أفضل في السيف! طلبتُ منك أن تتمرن أكثر، لكنك تغيبت عن دروسك مجدداً؟ بدل أن تكسب مجداً، تجرّ خزيك أمام جلالته؟”
كانت تعرف جيداً قسوة الإمبراطور، ذاك الذي ذبح إخوته جميعاً لانتزاع العرش.
ثم مالت نحوه وعيناها تتقدان:
“لويد، لا يهم إن قتلتَ القطط أو الخدم. تلك أمور تافهة. المهم أن تصبح إمبراطوراً.”
أمسكت بكتفيه، وقد كان بالكاد يصل إلى صدرها:
“أقسم لي، لويد. أقسم أنك لن تفعل ثانية ما يجعلك تسقط من عيني جلالته.”
نظر إليها فارغاً، ثم خفض رأسه:
“…نعم، أمي.”
أجاب مطيعاً، لكن عينيه كانتا خاويتين.
الاستقالة
“م-مربية، ما هذا؟!”
“كما ترين.”
فركت كاثرين عينيها تقرأ الورقة مجدداً، وحين تأكدت أنها رسالة استقالة، صرخت:
“ا-استقالة؟! مربية، هل ستتركين العمل؟!”
“نعم.”
“لِمَ؟ لماذا؟!”
“العمل لا يناسبني.”
شهقت كاثرين مرتبكة: “متى سترحلين إذن؟ لقد قدمتِها بسرعة…”
“بعد أسبوع.”
“أسبوع؟!”
أمسكت بيديها وناشدتني: “ألا يمكنكِ التراجع؟ لم يمر سوى شهر واحد فقط! كيف ترحلين بهذه السرعة؟”
قلت بهدوء: “لأنها مضت شهر كامل. لا قصير ولا طويل. الوقت الأمثل للرحيل قبل أن تتعقد الأمور.”
كان أجر المربية أعلى مما توقعت، ومع الذهب الذي ادخرته، كنت واثقة أنني لن أجوع خارج القصر.
“لكن القرار مفاجئ…”
“ليس مفاجئاً. كنت أفكر به منذ البداية.”
أغمضت عيني لحظة. تذكرت الصوت الذي يطاردني كل ليلة:
“فلتفكري جيداً في سبب ما أفعله.”
الحقل المظلم، السم يتفشى في جسدي، رائحة الاحتراق… كلها ما زالت عالقة في ذاكرتي.
لدي شيء واحد عليّ فعله. الانتقام.
ذلك هو الغرض الوحيد من حياتي هذه.
لذلك لم يعد هناك مكان لملك آدامانت بابتسامته المريبة، ولا للأميرين الصغيرين اللذين يتعلقان بي، ولا حتى لكاثرين بابتسامتها الصافية.
تنهدت كاثرين بأسى: “إن كنتِ مصممة إلى هذا الحد، فلن أوقفك. كنت أتمنى أن نعمل معاً طويلاً.”
ابتسمتُ بخفة: “شخص مثلك سيجد مربية أفضل.”
قالت بمرارة: “لكنها لن تكون مثلك. لا أحد غريب ولطيف في آن واحد كما أنتِ.”
ارتسمت ابتسامة باردة على شفتي: “لماذا تضيفين كلمة (غريبة)؟”
“لأنك لستِ عادية. من غيرك يجرؤ أن يقف أمام الأمير الثاني بهذا الثبات؟”
ارتجفت وكأنها تتذكر ذلك اليوم، وقالت: “ما زلت أقشعر كلما تذكرت الموقف.”
أجبتها بهدوء: “لا أفعل شيئاً يجعلني أفقد ذراعي.”
“أوه! لو لم يتدخل جلالته في اللحظة المناسبة، لكنتِ الآن بلا ذراع!”
صمتُّ ولم أنفِ.
بالفعل، كان ظهوره مصادفة في الوقت المناسب.
وكانت حقيقة أنني الوحيدة التي شعرت بوجوده، نعمة أخرى.
“لقد جاء في الوقت المناسب، فحُلّت الأمور.”
تنهّدت كاثرين: “لا أدري إن كنتِ شجاعة أم متهوّرة.”
استدرتُ لمغادرة المكتب، لكنها نادتني بجدية:
“مربية… كيف ستخبرين سمو الأميرين؟”
“بماذا؟”
“بأنك سترحلين.”
توقفت لحظة، ثم قلت ببرود: “هل عليّ أن أقلق بشأن ما بعد رحيلي؟”
بقيت كاثرين صامتة، شفتيها ترتجفان.
تركتها هناك، وخرجت.
وفي الممر، لمحت طرف ثوب ذهبي يختفي عند الزاوية مع خفقان واضح.
توقفت قليلاً، ثم مضيت.
بقي أسبوع واحد. بعدها، سأغادر هذا المكان.
صدمة الأميرين
“أخي! أخي! استيقظ!”
هزّت إميليا شقيقها بقوة وهو مستلقٍ على السرير.
رغم الكدمة على كتفها، كانت مفعمة بالحيوية.
“استيقظ—!”
قال بتعب: “إميليا، أنا مرهق.”
“لا! انهض!”
بإلحاحها المستمر، جلس إدوين متبرماً. كان منهكاً منذ الأمس، فزاد مزاجه سوءاً.
قال بغضب: “ماذا هناك؟”
“أمر فظيع حدث!”
“أمر فظيع؟”
“آشيل قالت إنها لن تكون مربيّتنا بعد الآن!”
اتسعت عينا الأمير عند سماع كلمات شقيقته.
التعليقات لهذا الفصل " 26"