لم أعش في حياتي يومًا على صلة بالأطفال. كان رأسي مشوشًا جدًا حتى شعرت بالدوار.
(حسنًا… إن كانت قد دخلت إلى هنا بتوصية، فلا بد أنها امرأة نبيلة.)
كانت هذه أول فرضية وضعتها حول “راشيل براون”، لكنني سرعان ما رفضتها. فلم أسمع يومًا في الإمبراطورية عن عائلة نبيلة تحمل اسم “براون”. فالألقاب النبيلة دائمًا ما تكون رنانة وتحمل فخامة.
(أو ربما هي فتاة من عائلة نبيلة صغيرة الشأن.)
الأرجح أنها من الصنف الثاني. فحتى لو كانت خادمةً من عائلة مرموقة، لما ارتدت النبيلة ثيابًا بالية كهذه.
في تلك اللحظة، ضرب رأسي صداع حاد، وكأنّه كان ينتظر الفرصة. وصدى صوت مألوف مخيف دوّى في أذني:
“إذن خذي هذه الفرصة لتفكري جيدًا… لماذا أفعل هذا.”
عاد طيفه الذي حاولت نسيانه للحياة بوضوح.
“…في العالم الآخر.”
شعرت وكأنني ابتلعت جمرة ملتهبة. صدري بدأ يحترق، كأن اللهيب الملعون الذي التهمني سابقًا عاد ليحرق قلبي من جديد.
“…إيان.”
لم أقصد أن أنطق باسمه. لم يكن ينبغي لي أن أذكر بصوت عالٍ اسم ذلك الوغد الذي قتلني. ومع ذلك، سالت دموعي على وجنتيّ المشتعلتين مع حرقة صدري.
“آشيل، هل تبكين؟ هل أنتِ مجروحة؟”
عندها، عانقتني الطفلة—الأميرة إميليا—مشددة على ركبتي.
“آشيل، لا تتألمي! واااا!”
“انتظري… انتظري…”
انفجرت الأميرة الصغيرة في بكاء صاخب، تبعت دموعي كأنها انعكاس لها. نظرتُ إليها بحيرة، ثم وضعت يدي بهدوء على شعرها الأشعث الذهبي.
كان قد مر وقت طويل منذ أن حاولت مواساة طفل، لذا شعرتُ بالارتباك.
“…أرجوكِ، لا تبكي.”
مسدتُ شعرها الناعم بخفة، غير متأكدة إن كان ذلك سينجح. لكن لحسن الحظ، هدأت إميليا سريعًا.
“مم… إذًا آشيل، لن تبكي بعد الآن، صحيح؟”
“نعم. لن أبكي بعد الآن.”
“إذن ليا لن تبكي أيضًا!”
مسحت الأميرة دموعها بجدية وأطبقت شفتيها الصغيرة بعناد. بطريقة ما، رؤيتها على هذا الحال أعادت صفاء عقلي.
نعم. الآن وقد متّ وعدتُ للحياة، لم يعد المهم هو المشاعر الزائلة.
تذكرتُ كلماته.
“أحرقوها. لا تتركوا حتى رمادًا.”
لقد أراد إيان أن يطمس وجودي تمامًا. لكن، بعكس رغبته، عادت روحي إلى الحياة في جسد جديد.
(انتظرني، إيان.)
عضضت على أسناني وأنا أستحضر وجه ذلك الحبيب الخائن.
(أيًا كان السبب…)
فمصير الخائن واحد: الموت. هذا ما علّمتني إياه قوانين المنظمة الصارمة.
(لن أسامحك أبدًا.)
في اليوم الذي استيقظتُ فيه في جسد “مربية إمبراطورية” بدلًا من قائدة أعظم منظمة اغتيال في القارة، أقسمت أن أعيش حياتي الثانية هذه من أجل الانتقام فقط.
“آشيل، آشيل.”
بينما كنت أشتعل بنار الانتقام داخلي، شدت إميليا تنورتي وهي تئن:
“أوبا هرب. ابحثي عنه.”
أوبا؟ آه، صحيح. رئيسة الخدم كانت قد طلبت مني العثور على الأمير إدوين.
“تقصدين الأمير إدوين، صحيح؟”
تذكرتُ مكانتها كأميرة، وعدّلت خطابي لها.
“نعم! اسم أوبا هو إدوين!”
أومأتُ برأسي، ثم تجهمت.
(انتظري، لماذا ما زلت واقفة هنا؟)
كان الهروب من القصر أمرًا سهلًا عليّ. أعرف أكثر من خمسة مخارج سرية الآن.
(لكن حتى لو غادرت، كيف سأجد إيان؟)
لا أعلم كم مرّ من الوقت منذ موتي، وليس لدي أي مال. الرحيل بلا خطة سيكون حماقة.
(وجسدي الآن ليس كالجسد المدرب سابقًا. أي حركة متهورة قد تودي بي سريعًا.)
نظرتُ إلى الأميرة الصغيرة أمامي، واتخذت قراري. الآن… عليّ أن أعيش في دور “المربية” مؤقتًا.
بوجه حازم، فتحت الباب. ومن هنا بدأت حياتي الجديدة فعلًا.
كان العثور على الأمير أسهل مما توقعت. السبب أن إميليا عرفت مكانه.
“هل أنتِ متأكدة أنه هناك فعلًا؟”
“نعم! أوبا يلعب هناك دائمًا!”
وبينما تتعثر خلفي، حملتها بذراعي وسرت بسرعة.
(لماذا هي خفيفة جدًا؟)
كانت الأميرة خفيفة للغاية، تكاد تطير مع نسمة هواء. شعرها الذهبي المجعد تفوح منه رائحة حلوة خفيفة.
(بصراحة، هي أقرب إلى غزل البنات من كرة فرو.)
لفّت ذراعيها حول عنقي وضحكت ببراءة.
“آشيل، نحن عاليًا!”
لم أفهم ما المضحك، لكنها استمرت في اللعب بشعري وأنا أسير.
(تُرى… كيف كان إدوين مجددًا؟)
رغم دخولي القصر وخروجي منه مرات لا تحصى قبل موتي، هذه أول مرة أدخل فيها جناح الأمير الثالث.
(وبالنسبة لقصر أمير…)
الممرات المقنطرة تحيط به، المكان واسع… لكنه فارغ.
(بائس.)
كان قصرًا مهجورًا بكل ما تعنيه الكلمة.
(آه… تذكرت.)
الأمير الثالث إدوين أناكسينيان فينتروم. الابن الوحيد للإمبراطور كافيليوس الثالث والإمبراطورة الثالثة إديث ليونيل.
لكن إديث توفيت قبل ثلاث سنوات أثناء الولادة. ماتت من النزيف بعد أن أنجبت إميليا مباشرة، تاركةً طفلين ضعيفين بلا سند.
(لم يكن أمامها خيار، فهي أجنبية بلا نفوذ. بيعت كرهينة سياسيّة، كيف كان يمكنها أن تحظى بدعم هنا؟)
أما مملكة ليونيل نفسها، فقد كانت منشغلة بمشاكلها.
لذا، كان الأمير إدوين والأميرة إميليا مجرد وجودين باهتين، يختفي أثرهما تدريجيًا من القصر وكأنهما لم يوجدا أصلًا.
(لا عجب أن ذاكرتي عنه كانت باهتة. وجوده هامشي.)
لكن أصعب ما يكون على الخدم هو خدمة أسياد بلا سلطة. إن بقيت هنا، سأعاني كثيرًا.
(الأفضل أن أهرب سريعًا.)
وصلت إلى الحديقة الخلفية للجناح وأنا غارقة في أفكاري.
(همم، هناك خطب ما.)
لم يكن هناك أي أثر للأمير. أغمضت عينيّ وركزت حواسي لألتقط أي حركة. عندها، التقطت ضجة خلف جدار الحديقة. تحركت بسرعة نحوها.
“هذا هو…”
في زاوية الحديقة، كان هناك ثقب صغير مخفي خلف شجيرات. عندما أزحتها ظهر بوضوح. العشب حوله مهروس، وكأن طفلًا مرّ من هنا.
(لا خيار آخر.)
أنزلتُ إميليا على الأرض.
“آشيل؟”
“صاحبة السمو، ابقي هنا رجاءً. فهمتِ؟”
“أبقى؟”
تمتمت بتردد: “ليا جائعة…”
كانت تقول ذلك منذ لقائنا. لكن لم يكن هناك حل آخر. لا يمكنني أخذها معي إلى الخارج. وعليّ أن أعيد الأمير بسرعة قبل أن يُكتشف الأمر.
“سأعود حالًا. انتظريني قليلًا فقط.”
“حسنًا… عودي بسرعة، أليس كذلك؟”
أومأتُ، ثم أخذت نفسًا عميقًا. وبحركة واحدة قفزت فوق الجدار.
“آشيل! مذهلة!”
سمعتُ دهشتها خلفي. لحسن الحظ، جسدي الجديد ليس ضعيفًا جدًا. وبينما كنت أمسح الغبار عن يديّ، شعرت بنظرة ما. لم تكن شريرة، لكنها لم تكن مريحة أيضًا. استدرت بسرعة… لكن لا شيء.
(هل توهمت؟)
ضيقت عينيّ، وكنت على وشك المضي حين سمعت صرخة:
“أعدها إلي!”
كان صوت طفل، أشبه بالبكاء.
مصدر الضجة كان عند إسطبلات القصر قرب جناح الأمير الثالث.
“أعدها إلي! قلت لك أعدها!”
تحت سقيفة خشبية، أحاطت مجموعة فتيان كبار بطفل صغير.
“أعدها إلي!”
“أعِدهااا ~”
كانوا يسخرون منه وهم يستمتعون برؤيته يضعف. من ثيابهم، لم يبدوا من عامة الشعب.
(وجوههم صغيرة لكن أجسادهم كبيرة… نبلاء صغار؟ ربما متدربون؟)
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات