1)

“سمو الأمير إدوين.”

ربما لم تفقد كبيرة الخدم رباطة جأشها كلياً، إذ حيت إدوين باحترام. وعلى خطاها، انحنت بقية الخادمات أيضاً للأمير.

“كنت فقط أعاقب من تجرأ على الإخلال بنظام القصر.”

التفت إليها إدوين، يستمع بصمت لتفسيرها.

“ومن بالضبط أخلّ بالنظام؟”

“…ماذا؟”

لم يتوقع أحد هذا الرد.

لطالما ظل الأمير صامتاً مهما بالغت الخادمات في مضايقته أو مهما اشتدت قسوة كبيرة الخدم في توبيخه. لكن نبرته الآن كانت آمرة.

اتسعت عينا كبيرة الخدم دهشة.

حتى أنا، رغم المفاجأة، لاحظت شيئاً: قبضا إدوين الصغيرتان كانتا متيبستين حتى شحبتا، وعيناه الكبيرتان ترتجفان بخوف.

(لماذا؟)

لقد كان خائفاً بوضوح.

ومع ذلك، لم يتراجع.

“ليست هذه المرأة من أخلّ بالنظام… بل أنتِ.”

تكلّم إدوين بوضوح، ناظراً مباشرة في عيني كبيرة الخدم. ورغم افتقاره لهيبة آل الإمبراطورية، لم يظهر بمظهر الضعيف.

“س.. سموك، كيف تقول هذا…؟”

“أنا سيد هذا القصر. تعلمين ذلك، أليس كذلك؟”

عند سؤاله، لم تستطع سوى فتح فمها وإغلاقه في عجز. لم تفهم لماذا تغيّر هذا الأمير الصغير فجأة.

“كل ما هنا ملكٌ لي. أليس كذلك؟”

“…بلى، صحيح.”

“ويشمل ذلك الخادمات أيضاً. أليس كذلك؟”

“ن-نعم، سموك.”

ألقى إدوين نظرة هادئة عليها قبل أن يتابع:

“لكنني لست بحاجة إلى أولئك الخادمات. فهن لم يكنّ في يوم من الأيام لي، بل كنّ دائماً لكِ.”

ساد الصمت أرجاء القاعة.

لم يكن هناك أحد لم يفهم مغزى كلمات الأمير الصغير.

الخادمات بدَون متوترات بشدة، وكبيرة الخدم وقفت جامدة، وجهها متصلب.

“لكن هذه المرأة مختلفة.”

“…ماذا؟”

“هذه المرأة هي مربية لي ولليا. أفهمتِ ما يعني ذلك؟”

ازدادت ملامح كبيرة الخدم تشوهاً، لكن إدوين تجاهلها تماماً. كان يتكلم كملك صغير يعلن قراراً مصيرياً.

“مربيتي تخصني وتخص ليا، ولا يحق لأحد غيرنا أن يمسها.”

“أجل! أشيل تخص أخي وليا!”

إميليا، التي كانت مختبئة خلف شقيقها طوال الوقت، انطلقت تؤكد ملكيتها هي الأخرى. فأمسك إدوين يدها بقوة.

“إن عاقبها أحد فأنا من يعاقبها، وإن كافأها أحد فأنا من يكافئها. لذلك…”

تابع بين أسنانه، “إن مددتِ يدكِ إليها ثانية، فلن أقف مكتوف الأيدي بعد الآن، كبيرة الخدم.”

كانت تلك أول مواجهة يشنها الأمير الصغير ضد العالم من حوله.

“أشيل، هل يؤلمك كثيراً؟”

“لا.”

إميليا جالسة في حضني رفعت عينيها الدامعتين إليّ.

“لكن ملامحكِ تبدو متألمة؟”

“أنا بخير.”

“لا، سأُنفخ عليها. ستتحسن إن فعلت ذلك.”

نفخت أنفاساً دافئة على وجنتيّ.

الأميرة الصغيرة لم تكن تدرك أن الهواء الدافئ لا يزيد إلا من لسع الألم.

بينما تركتها تفعل، التفت إدوين فجأة من عند النافذة وصرخ:

“أيتها الحمقاء—!”

قفزت إميليا رعباً.

“أتعرفين ما سيحدث لو استفزيتِ تلك الساحرة؟ هل تعلمين؟!”

“اخفض صوتك، رجاءً. إنك تُرعب الأميرة الصغيرة.”

عضّ إدوين شفته وهو يرى ملامح أخته المذعورة.

“أتعرفين ماذا اضطررت أن أفعل بسببك؟” تمتم بصوت غاضب منخفض: “تلك الساحرة ستذهب بالتأكيد وتخبر الإمبراطورة الثانية بكل شيء. ستخبرها بكل شيء.”

إذن، الخوف الحقيقي عند إدوين لم يكن من كبيرة الخدم ولا من الكونتيسة كاترينا… بل من الإمبراطورة الثانية.

“فلماذا تدخلت إذن؟”

“ماذا؟”

“ألستَ جباناً، سمو الأمير؟”

“م-ماذا؟!”

لو كان بالفعل “الأمير الثالث العاجز الصغير”، لما وقف في الموقف السابق. الفضول دفعني لأسأله.

إدوين، وقد أصابه كلامي في الصميم، فتح فمه وأغلقه متردداً قبل أن يهتف، وجهه محمر من الانفعال:

“نعم، أنا جبان! لكنني لست شخصاً جباناً! لقد وعدت إيما بألا أكون هكذا!”

(لستُ جباناً؟)

رفعت حاجبي متسائلة.

“ساعدتني لأنك لست جباناً؟”

“أجل! وأنتِ ساعدتِني، فساعدتُكِ بالمقابل.”

رفع معصمه بفخر، مبرزاً السوار الذي استرجعته من عصابة غايل.

“أنا شخص يعرف معنى الامتنان!”

شخص يعرف الامتنان…

(من كان يتوقع أن تخرج هذه الكلمات النبيلة من فم هذا الأمير المشاكس الصغير؟)

حدقت في السوار ثم ابتسمت بخفة.

“أهكذا؟”

“لماذا تضحكين؟”

“لا شيء. إنما أنا أيضاً أؤمن بذلك يا سمو الأمير.”

لمست وجنتي المتورمة قليلاً وسويت خصلة شعر خلف أذني.

“إن قُدّم إليّ معروف، فمن الصواب أن أردّه بمثله.”

ابتسمت نحوه، كاشفة عن أسناني.

“فأنا أيضاً شخص يعرف معنى الامتنان.”

مشهد آخر

ذلك المساء، وقفت كاثرين لتبدّل ثيابها الممزقة.

“هاه؟”

“ماذا هناك يا كاثرين؟”

“زيّ الخادمة اختفى. كان لدي واحد احتياطي فقط.”

قالت زميلتها وكأنها تذكرت فجأة، وهي تضرب ركبتها:

“آه! نسيت أن أخبركِ. المربية استعارته.”

“المربية؟”

“قالت إنها ستُعيده نظيفاً.”

تجعد وجه كاثرين في حيرة. (ألم يكن لديها ما ترتديه؟ لماذا تستعير زي خادمة؟)

لكن حين تذكرت المربية الجديدة، ضحكت بخفة:

“إنها حقاً مربية غريبة.”

زميلتها أومأت:

“صحيح؟ أليست غريبة؟ حتى أنا أراها غريبة.”

“ماذا تقصدين؟”

“تلك الأسئلة التي سألتنا إياها اليوم.”

تذكرت كاثرين كيف استجوبتهم المربية عن علاقة كبيرة الخدم بالكونتيسة كاترينا، وعن أوقات خروجها، وحتى عن تفاصيل روتينها اليومي.

زميلتها هزت كتفيها لكنها ارتجفت فجأة:

“إنها تبدو ودودة، لكن نظرتها قاتلة. تُرعبني فعلاً.”

كاثرين قطبت حاجبيها:

“لا تمزحي. لقد ساعدتني.”

زميلتها تراجعت مرتبكة:

“حسناً، حسناً. على كل حال، حدثت ضجّة في القصر الرئيسي بسبب هذه الحادثة.”

“ضجة؟ ما الذي جرى؟”

“يقولون إن كبيرة الخدم صفعت المربية على وجهها.”

“ماذا؟!”

صرخت كاثرين، فأشارت زميلتها إليها أن تخفض صوتها.

“لا تصرخي، ستوقظين الأخريات.”

“آه، عذراً.”

“لا بأس. على كل حال، الأمير إدوين نفسه تدخّل وحلّ المسألة.”

“سمو الأمير إدوين؟”

“أجل. لم يستطع أن يتكلم حين أُهينت السيدة كونراد من قبل، لكنه فعل هذه المرة.”

أطرقت كاثرين برأسها بصمت، ثم ابتسمت بهدوء.

“كأن شيئاً كبيراً على وشك أن يتغيّر.”

“يتغيّر؟ ماذا سيتغيّر؟”

“كل شيء، ربما.”

ضحكت زميلتها:

“هل تملكين قوى سحرية؟ هل ترين المستقبل؟”

“لا… إنه مجرد إحساس.”

لكنها لم تكن تعلم أن حدسها سيتحوّل قريباً إلى حقيقة.

المشهد الأخير

في مكتب كبيرة الخدم، كانت رائحة عطر فاخر تعبق بالمكان—رائحة لا تليق بامرأة من رتبة بَارُونة.

وبينما كانت بعيدة في قصر الإمبراطورة الثانية، كنتُ أقلب المكان كأنني صاحبته.

(تماماً كما قالت خادمات الملحق.)

أول وصايا القتلة: التحقيق المسبق الدقيق.

ومن خلال مراقبتي لأيام ومعرفة روتينها، علمت أن غيابها سيدوم ساعة على الأقل.

فتشت الكتب واحداً تلو الآخر… حتى سقط من أحدها عقد ذهبي لامع، فخم بشكل لا يترك شكاً أنه من ممتلكات العائلة الإمبراطورية.