⸻
الفصل 13: المربية كاثرين (2)
شعرت أن هناك أمراً غير طبيعي.
نظرات الخادمات التي استقبلتني فور دخولي إلى قصر الأمير… الجو الذي بدا مكتوماً وغريباً.
(ما الذي يحدث؟)
عقدت حاجبيّ وأنا أتأمل المكان.
نظر إليّ إدوين باستغراب:
“ما بكِ؟”
“الأجواء هنا… غريبة.”
“أجواء؟”
رمش إدوين بعينيه كأنه لا يفهم ما أعنيه.
في تلك اللحظة، وقعت عيني على الخادمة التي جلبت حوض غسل الأمير صباحاً. ورغم ما حدث معها من قبل، بدت أكثر حيوية من المعتاد، وكأنها سمعت خبراً ساراً.
“أنتِ هناك.”
“ن-نعم، مربية؟”
قفزت الخادمة مرتبكة عندما ناديت عليها.
“لماذا ارتبكتِ؟”
“ل-لم أرتبك إطلاقاً.”
كانت تراقب ردات فعلي، لكنها سرعان ما غيّرت نبرتها:
“لماذا ناديتِني؟ أنا مشغولة جداً.”
طريقة حديثها المتعالية قليلاً جعلتني أقطب.
“هل حدث شيء وأنا في الخارج؟”
“ماذا تقصدين؟”
“الجو هنا ليس طبيعياً.”
“آه.”
تنهدت الخادمة باختصار قبل أن ترسم ابتسامة متكلفة.
“الأمر هكذا… إحدى خادمات الملحق خالفت أوامر كبيرة الخدم. ألا ترين أن هذا تصرف وقح؟”
خادمة من الملحق؟
شعرت بغصة في قلبي.
وبينما تغيّر وجهي، ارتسمت على شفتيها ابتسامة ساخرة، لكن عينيها بقيتا باردتين.
“تخيّلي! تلك الوضيعة تجرأت على إحضار طعام لسمو الأمير دون إذن. حتى المطبخ لم يكن يعلم!”
اتسعت عينا إدوين مثل أرنب مذعور.
“ما الذي تقوله؟”
هذا بالضبط ما أردت أن أعرفه.
“وماذا حدث للخادمة؟”
“وماذا عساه أن يحدث؟ كبيرة الخدم عاقبتها بنفسها.”
قهقهت الخادمة وكأنها سعيدة بالخبر.
“على الأرجح هي الآن محتجزة في مخزن الطعام. على أي حال، لدي عمل.”
ألقت تحية خفيفة للأمير ثم ابتعدت.
ما إن اختفت، حتى التفت إليّ إدوين بعينين يملؤهما القلق:
“ماذا تقصد؟ هل عوقبت خادمة فقط لأنها جلبت لي طعاماً؟”
كان صوته حاداً على غير العادة، بل مشوباً بالذعر.
“لماذا لا تجيبين؟”
عندها فقط أدركت أن يده الصغيرة كانت تتمسك بثوبي طوال الوقت. أصابعه شاحبة من شدة قبضته، ووجهه الصغير متوتر مملوء بالخوف.
أبعدت يده برفق:
“لا شيء يدعو للقلق، يا صاحب السمو. خذ الأميرة إميليا واصعدا إلى الغرفة.”
“ماذا؟ وأنتِ؟”
“هناك مكان يجب أن أذهب إليه.”
“مهلاً! لا تجرئي على تركنا! هييي!”
سلمت إميليا إلى ذراعيه وغادرت بسرعة، متجاهلة نظراته الملحة خلفي.
⸻
المخزن. وجدته بعد أن سألت بعض الخادمات في المطبخ. الباب كان موصداً بإحكام.
“كاثرين، هل أنتِ بالداخل؟”
“مربية؟”
بعد لحظة صمت، جاءني صوت خافت من الداخل. كان صوت كاثرين بلا شك.
“ما الذي حدث؟”
“حسناً… كبيرة الخدم اكتشفت أنني أعددت وجبة خاصة لسموه.”
اهتز صوتها بتردد، ثم أضافت بنبرة مصطنعة وكأنها تحاول طمأنتي:
“لكنها كانت رحيمة. قالت إنها ستطلق سراحي بعد يوم واحد من التأمل هنا. الأمر ليس سيئاً.”
لكن ارتعاش صوتها لم يخفَ عليّ.
أنا من طلبت منها أن تخالف أوامر كبيرة الخدم… كان هذا ذنبي.
“مربية؟”
“انتظري.”
“ماذا؟”
طقطقة… صوت السلسلة والقفل يتهاوى على الأرض.
فتحت الباب، فإذا بكاثرين مقيدة بالحبال، شعرها مبعثر وشفاهها مشققة تنزف. كانت في هيئة بائسة.
“مربية…؟”
حدّقت بي بذهول، ثم نظرت إلى القفل الملقى على الأرض:
“ك-كيف…؟ المفتاح مع كبيرة الخدم…”
“لا تحتاجين مفتاحاً لفتح قفل.”
ألقيت بدبوس شعر مثني على الأرض، فشهقت كاثرين بدهشة.
“م-مهلاً! إذا فعلتِ هذا ستتورطين أنتِ أيضاً!”
“ابقي ساكنة.”
“لا، يجب أن—آه!”
تجاهلت احتجاجها وبدأت أفك وثاقها، لكن فجأة أطلقت أنيناً مؤلماً.
“ما الأمر؟”
تجمدت وأنا أرى آثار الدماء على ظهرها النحيل.
(…هذه آثار سياط.)
من خلال القماش الممزق، ظهرت ندوب كثيرة. شعرت بالبرد يكسو داخلي، كأن دلواً من الماء المثلج سكب فوق رأسي.
“…ألا يبدو هذا غريباً؟”
“ماذا؟”
تمتمت أكثر مع نفسي:
“من هو صاحب هذا القصر الشرعي برأيك؟”
“بالطبع… سمو الأمير إدوين.”
“إذن لماذا جرى جلْدكِ وسجنكِ فقط لأنكِ أعددتِ له وجبة؟”
صمتت كاثرين، لكن كان من الواضح أنها تعرف مدى ظلم ما حدث.
(بالفعل… لا معنى له.)
إلا إذا كان إدوين مجرد “أمير بائس”.
نهضت ببطء.
“سألتكِ شيئاً.”
رفعت رأسها إليّ.
“لماذا ساعدتني وأنتِ تعلمين أن العقاب ينتظركِ؟”
ابتسمت ابتسامة مرتجفة كأنها تحاول التهرب:
“لم أساعدكِ يا مربية…”
“أنا جادة.”
ترددت، ثم خفضت رأسها:
“…امتنان.”
“ماذا؟”
“كنت ممتنّة.”
بصوت ضعيف، أكملت:
“لقد تعرضت للتنمر كثيراً من خادمات القصر الرئيسي، وأنتِ أول من وقف في وجهيهن. لهذا فقط…”
ظللت صامتة لحظة طويلة.
“كاثرين.”
“نعم؟”
“أنا أكره الإزعاج.”
“أ-آسفة. قلتُ لكِ إنني لن أُكتشف…”
ظنت أنني أوبخها، لكنني أكملت ببرود:
“لكن هناك شيئاً أكرهه أكثر.”
رفعت عيني نحوها:
“مهما حاولت التفكير بعقلانية، لا أستطيع تقبّل هذا الوضع.”
ثم استدرت عنها.
“عودي إلى غرفتكِ الآن.”
“مربية! انتظري، آه!”
حاولت اللحاق بي لكنها انهارت على الأرض.
“ما الأمر؟”
“س-ساقاي… مخدرتان.”
(كم هذا مزعج…)
لكن حالتها هذه، كنت أنا السبب فيها جزئياً.
تنهدت وأنا أساعدها على الوقوف. نظرت إليّ بامتنان عميق.
“لا تنظري إليّ هكذا.”
“مم؟”
“هذا خطئي، لذا مساعدتي لكِ هي أقل ما يمكن.”
حدّقت بي بذهول، فأضفت ببرود:
“لا أريد شكراً.”
ضحكت فجأة.
“لماذا تضحكين؟”
أجابت بابتسامة مرحة:
“هل أحتاج إلى سبب كي أضحك؟”
(ضحك بعد الجلد؟ ما أغربها…)
“إن كان لديك وقت للضحك، فابدئي بالمشي.”
“مربية.”
قالت وهي تستند إلى كتفي:
“أنتِ حقاً… مختلفة.”
تذكرت كلمات إدوين:
“أنتِ غريبة فعلاً.”
“سمعت ذلك كثيراً مؤخراً.”
أضافت بابتسامة:
“وأظنكِ شخص جيد.”
ضحكت بسخرية.
“شخص جيد؟ يبدو أن كل الصالحين قد انقرضوا.”
(شخص جيد؟ ويُطلق هذا الوصف على قاتلة؟ يا لسخافة الأمر.)
لكن كاثرين ظنت كلماتي مزحة فقط:
“أوه، مربية، أنتِ طريفة جداً!”
ابتسمت بمرح رغم حالتها.
⸻
عندما عدتُ إلى الملحق مع كاثرين، خرجت الخادمات مسرعات، وجوههن مليئة بالذعر:
“كاثرين!”
“يا إلهي، ما الذي جرى؟”
“هل أنتِ بخير؟”
“هل أطلقتكِ كبيرة الخدم؟”
كانت قلقهن صادقاً.
أجابت كاثرين بصوت خافت:
“لا، لم تكن كبيرة الخدم. المربية هي من أخرجتني.”
“ماذا؟!”
تحولت جميع الأنظار نحوي دفعة واحدة. أومأت لهن بخفة، في حين ارتسم الارتباك على وجوههن.
“هي المربية الجديدة؟”
يبدو أن “راشيل براون” الحقيقية لم تطأ الملحق من قبل. تجاهلت نظراتهن الفضولية وقلت ببرود:
“إصابات كاثرين خطيرة. يجب نقلها فوراً.”
“من هذا الطريق!”
قادوني إلى الداخل. ساعدتهم في وضعها على سرير متواضع، فانشغلن على الفور بخدمتها ورعايتها.
(هذا يذكرني…)
الحماس الذي أبدينه من أجلها ذكرني برفاقي القدامى.
“قائدتنا! لقد تلقيتِ الضرب مجدداً!”
“هل أضع لكِ مرهماً؟ لا ترفضيه! لستُ أفعل هذا بدافع الحب، بل حتى لا ينهار التنظيم إذا متِّ!”
ترددت أصداء أصواتهم في ذاكرتي، فانخفض بصري ببطء.
فجأة، شعرت بمذاق مرارة يملأ فمي.
⸻
التعليقات لهذا الفصل " 13"