الفصل 125. الحلم المشترك (3)
‘ثم وقعتُ في يد تجّار العبيد وبِيعْتُ إلى منظمة.’
اسم المنظمة كان «نَفَس الملاك»، وهي أشهر عصابة اغتيالات في القارة. منذ أن بِيعت إليهم بدأتُ فوراً التدريب لأصبح قاتلة.
‘في البداية كان لدي رفض شديد للقتل.’
لكنّ الإنسان كائن يتأقلم مع كل شيء. ومع الوقت، كما يُقال، يعتاد على أي أمر… حتى القتل.
‘كانت أول مهمّة لي في الثانية عشرة من عمري.’
تماماً في عمر الأمير إدون الآن. يومها كلّفت بمهمّة فردية، وأتممتها بنجاح، ومنذ ذلك الحين أصبحتُ أخرج في مهمّات بمفردي كل يوم.
‘الجميع كان يتشاءم من العمل معي.’
فقد كنت الفتاة الوحيدة بينهم، ولم يرغب أحد في أن يكون في فريق واحد مع فتاة. فاضطررتُ دوماً إلى العمل وحدي.
‘كانوا يسخرون ويقولون: “فتاة وتعيش كل هذه المدّة؟”.’
لكن رغم استهزائهم كنتُ أعود حيّة في كل مرة. حتى لو كدتُ أموت، كنت أتمّ المهمة وأرجع. ومع صعوبة المهام كان الأجر يزداد، لذلك كنتُ أتطوّع لأكثرها خطورة.
‘الآن حين أتذكّر… لا أعلم لماذا كنت أبذل كل ذلك الجهد.’
هل كان حلمي فقط أن أعيش؟ لا، لم يكن هذا فحسب. مع الوقت، ومع اعتراف الآخرين بي، صار لي حلم أوضح.
‘…إيّان.’
تذكّرتُ حين التقيت به أوّل مرة. كنتُ في السادسة عشرة وهو في الثالثة عشرة. كان واحداً من الأطفال الذين جلبهم القائد.
‘انطباعي الأول عنه كان سيئاً للغاية.’
ظهر ملطّخاً بالدم والعرق والأوساخ، متحفّزاً حتى كأنّ كل حجر في الطريق عدو له.
‘قالوا إن أسرته سقطت وبِيع في سوق العبيد، فاشتراه القائد.’
كلّفني القائد بتدريبه. وفي البداية كان يستخفّ بي لكوني فتاة، لكن بعدما ضربته مراراً، تغيّر. سرعان ما صار يتبعني أينما ذهبت.
‘ولم أكره ذلك.’
فليس غريباً أن يقترن شابّ وفتاة يعملان معاً طويلاً. ومع الوقت… تعلّقتُ به.
أغمضتُ عينيّ واستحضرت صورته: شعر أشقر غامق مائل إلى الرمادي، عينان فضيّتان باهتتان، جسد متناسق، ونظرة حادّة تتحوّل إلى ضحكة ماكرة حين يمازحني.
‘لم أعرف كيف أحببته لهذه الدرجة… لكن من شدّة وضوح صورته في ذاكرتي، حتى وهو يطعنني… أدرك أنني أحببته بكل كياني.’
صوته الأخير لا يزال يتردّد في رأسي:
«فكّري جيّداً… لماذا أفعل هذا؟»
لم أفهم أبداً. ما الذي جعله يطعنني من الخلف بعد أن كان يهمس لي بالحب كل يوم؟
تذكّرتُ أيضاً أننا تحدّثنا ذات ليلة عن “الأحلام”. كنّا عائدين من مهمّة، واضطررنا إلى المبيت في العراء. كنتُ أستلقي على ذراعه أنظر إلى السماء، فقال:
ـ «كايلة، ما هو حلمك؟»
ـ «حلم؟»
ـ «نعم، هدف الحياة. شيء صعب المنال لكنك تتمنّينه من قلبك.»
ـ «لا أعلم… ربما ليس لدي. لقد حصلتُ على كل ما أريد… بما في ذلك أنت.»
ضحك وقال:
ـ «ما هذا؟ أهذه طريقة لعرض الزواج؟»
ـ «يمكنك اعتبارها كذلك.»
أجاب:
ـ «لكن لا أستطيع أن أعطيك وعداً بعد.»
فسألته: «لماذا؟»
فقال: «نحن قتلة. قد نموت في أي لحظة.»
قلت بابتسامة: «إذن فلن نمُت.»
كان يضحك ويمازحني، ومع ذلك قال:
ـ «إن عشنا معاً حتى يوم الاعتزال… عندها أقبل عرضك.»
فأجبته: «إذن صار عندي حلم. أن أعيش حتى ذلك اليوم، وأخرج معك من هذا المكان.»
ابتسم بارتباك: «حلم بسيط جداً.»
لكنني وضعت يدي على وجهه وقلت: «لستُ بحاجة لشيء آخر… يكفيني أنت.»
ذلك كان حلمي. أن أعيش معه حتى النهاية. لكنه لم يتحقق. متّ قبل أن أخرج من المنظمة، وقُتلت على يده.
‘إذن حلمي، حلم كايلا آنخيل… مات.’
والآن وأنا أتذكّر، أبتسم بمرارة.
‘حياة تافهة… عشتُها مرة ولن أكرّرها.’
ثم تذكّرتُ عيني إدون، ذلك البريق النقي المليء بالعزم. حلمه أن يصبح إمبراطوراً. مستحيل تقريباً، لكنه يتمسّك به بكل قلبه.
قفزت من على السطح، ربتُّ على الغبار العالق بثيابي، وفكّرت:
‘حسناً، هذه المرة… لِم لا أحلم مع شخص آخر؟’
في الصباح الباكر، قبل بزوغ الشمس، استدعيتُ كاثرين وسيج إلى مكتب الوصيفة الكبرى.
قالت كاثرين بعيون نصف نائمة:
ـ «ما الأمر في هذا الوقت يا وصيفة؟»
وضحك سيج وهو يحتسي النبيذ:
ـ «حتى أنا جئت؟ عندي درس بعد قليل… ما الموضوع؟»
أجبتُ بجدّية:
ـ «أردتُ أن أتشاور معكما بشأن أمر مهم.»
تسمرت أعينهما عليّ. سألت كاثرين مترددة:
ـ «تشاور؟ هل وقع شيء سيّئ؟»
قلت بهدوء:
ـ «الأمير إدون… أبدى اهتماماً بالعرش.»
شهقت كاثرين:
ـ «ماذا؟ العرش؟!»
أما سيج فضحك قائلاً:
ـ «هاها، أخيراً صار للأمير هدف حقيقي! الأمور تزداد إثارة.»
تابعتُ بصرامة:
ـ «لقد أعلن بوضوح أنه يريد أن يصبح إمبراطوراً. وأنا… سأدعمه بكل قوتي.»
ثم نظرت إليهما بالتناوب وأضفت:
ـ «وأرغب أن تتعاونا معي من أجل هذا الهدف.»
التعليقات