تقدّم صبيٌّ صغيرٌ كان يقف إلى جانب لويد بتردّد. فتى جميل بذهبِ الشعر وزُرقَةِ العينين. كاد يبكي وهو يشمّر كمّه. كانت على معصمه النحيل آثارُ ضربٍ قديمة.
يرتجف الصبيّ؛ فهو يعرف أنّ تهديد الأمير الثاني قلّما يبقى كلامًا.
“هذه المرّة عشرُ ضربات.”
تناول الشيخُ القصبةَ الموضوعةَ على المنصّة بصمت. كم مرّةً اليوم؟ كان يعرف لويد جيّدًا؛ فالغلام أذكى ممّا يبدو، ولا ذاكرته بهذا السوء لينسى ما سمعه تَوًّا. ومع ذلك يدفعُ في كلّ سؤالٍ بطفلٍ ليتلقّى الضرب بدلَ أن يُجيب—لسببٍ واحد: لأنّ هذا ما يريده لويد.
يا له من قلبٍ غليظٍ لم يجفّ دمه بعد… كلّما هوتِ القصبةُ، وكلّما قَمع الصبيُّ أنينَه، وكلّما أزهرَ كدمٌ جديدٌ على ذراعِه الأبيض، ازداد ابتهاجُ لويد.
إن صار هذا الفتى إمبراطورًا فسيكون طاغيةً تُذكَرُ قسوته، أو دميةً بيد الأشرار تُهلكُ الحكم—وربما كلاهما معًا.
وأسوؤُ ما في الأمر… عجزُ الشيخِ الجبان عن قول كلمةٍ تعترضُ هذا كلَّه.
تنفّس الشيخُ حسرةً وهو يرى الصبيَّ ينهارُ باكيًا تحت الضرب. لو لم تكن عائلتُه مَدينةً لبيتِ رِدكليف لَرَمى منصبَ مُعلّم الأمير في الحضيض ومضى.
“نكتفي بهذا اليوم.”
“أحسنت~”
قفز لويد ما إن سمع نهايةَ الدرس، ووقف أمام الصبيّ الجالس أرضًا وهو ينتحب.
“أتؤلمك؟”
سأل بلُطفٍ—رغم أنّه يرى بعينيه خطوطَ القصبةِ الحمراء على الذراعين.
“ن… نعم.”
“لكنّ كسب المال متعبٌ أصلًا. ومع ذلك تنالُ كلَّ يومٍ سكّةَ ذهبٍ واحدةً لقاءَ هذا. أتشتكي مع ذلك؟”
قبض لويد على ذراعِ الفتى النحيلة ومرّر كفَّه بخشونة على موضعِ الجَلد.
“آآااه!”
صرخةُ ألمٍ شقّت الهواء، فتبدّل وجهُ لويد في الحال.
“قلتُ لا تتوجّع.”
اشتعلت عيناه زرقةً وغضبًا.
“أتسخرُ من أمرِ الأمير؟ أتسخر؟!”
راح يركله كيفما اتّفق، إلى أن فقد الصبيّ وعيَه.
“ألا يوجد أحدٌ هنا؟”
أومأ إلى فارسه الحارس. رنا ببرودٍ إلى الصبيّ المتشبّث بكاحله.
“أمرتَ يا مولاي.”
“هذا لم يَعُد نافعًا. تخلّص منه. يكثرُ عصيانُه.”
“…كما تأمر.”
أشار أحدُ الفرسان، فحمل سائرُهم الصبيَّ إلى خارجِ المكتبة على عجل. ثم انحنى الحارسُ ثانيةً:
“يا مولاي لويد، تدعوكَ سموُّ الزوجةِ الثانية.”
“أمّي؟”
كان لا يزال نافَسُهُ ساخنًا، فمرّر يده بعصبيّةٍ في شعره. ثم تمعّر وجهُه وهو يقول:
“وماذا الآن؟”
“الأمرُ أنّ…”
تردّد الفارس. هو يعرفُ مقدارَ ما قد يُغضِب الخبرُ الأميرَ الثاني، ويتمنى لو سكت. لكنّ الصمتَ جزاؤهُ عقابٌ أكبر.
“لقد دخلَ القصرَ اللوردُ رِدكليف، يا مولاي.”
تجمّد لونُ لويد. تلاشت ملامحُه كما تلاشى الدمُ من وجهه.
“…جدّي؟”
“نعم. ورجت سموُّ السيدةِ هيلينا أن تأتيَ إلى قصرِها حالَ فراغِكَ من الدرس.”
“هاا.”
زفرةٌ قصيرةٌ عميقة. قطّب لويد وهو يُصلحُ ياقةً منفلتةً وكُمًّا مبقّعًا. كان يَكرَهُ الذهابَ، لكنّ اسمَ رِدكليف كفيلٌ بتهذيب خُطاه.
“لنذهب.”
مَرَّ بمعلّمه يبادله انحناءةً خفيفة، واتّجه مسرعًا إلى قصرِ الزوجةِ الثانية.
“وصلتَ.”
تجمّد وجهُ لويد. الصوتُ الذي استقبلَه لحظةَ فتحِ بابِ الصالون لم يكن ممّن يُستحسَنُ سماعُه. لكنه كتم امتعاضَه—فالمُخاطَبُ ليس هيّنًا.
“سُررتُ بلقائك بعد طولِ غياب، يا مولاي لويد.”
شَيبٌ في الذهب، وعينان حمراوان باهتتان كأنهما لا تَفشِيان ما وراءهما، وملامحُ ثعلبٍ حكيم. إنّه هاورد رِدكليف—والدُ هيلينا زوجةِ الإمبراطور الثانية، وجدُّ لويد. وهو في الآنِ نفسِه سيّدُ بيتِ رِدكليف العريق وأحدُ أثرى وأقوى رجالِ الإمبراطورية.
“يبدو أنّك نَمَوتَ قليلًا. أتراك بخير؟”
قال وهو جالسٌ يبتسم هدوءًا. وعلى الكرسيّ المقابل كانت هيلينا واقفةً تُخفي خدّها بمنديل.
“…أحيّي جَدّي.”
ارتجّت نظرةُ لويد حين رأى حالَها.
“أتمنّى أنّك أمضيتَ وقتًا طيّبًا في المصيف.”
“بفضلك، يا مولاي. لكن— ألم أقل لك أن تحدّثني بلسانٍ عادي؟ لِمَ هذا الاحترامُ من جديد؟”
“أنا أميرٌ نعم، لكنّك جَدّي، ولزامٌ عليّ أن أُعظّمك.”
“هاهاها. يا لِسُروري إذ أرى فتىً صغيرًا بهذا الرشد.”
زمّ لويد شفتَيه. لم يكن احترامًا بل درءًا لشرّ هذا الثعلبِ العجوز.
“حسنًا أنّنا عدنا قبل أوانِنا قليلًا، وإلا فاتنا عرضُ سيفِك البارع في حفلةِ التأسيس.”
جَرّ الحديثَ إلى رقصاتِ السيوف ليلةَ المهرجان.
“مهارتُك تتنامى يومًا بعد يوم.”
“لستُ أهلًا للمَدح.”
ابتسم اللورد قليلًا وهو يقلبُ الكأسَ في يده، ثم قال:
“لكن…”
رمقَ هيلينا طرفَ عين.
“لا بدّ من اجتهادٍ أكبر. الأميرُ الثالث كذلك ازداد عزمُه وقوّتُه.”
خفضت هيلينا بصرها، وقد شعرتْ كأنّ نظرةً حادّةً اخترقت خدَّها كالسهم. ارتجفت يدُها القابضةُ على ذيل الفستان.
“أفهم.”
تلقّف لويد الإشارةَ، وتظاهر بالجدّ:
“سأجتهد أكثر.”
“وما عهدُنا بك إلا كذلك. وعلى من يقعُ اللومُ غيرُنا؟”
طَرَقَ الياقوتيَّةَ على الطاولة طرقًا مسموعًا.
“الذنبُ ذنبُ بيتِ رِدكليف؛ لم يُحسن اختيارَ المُعلّم.”
كانت عيناه على هيلينا وحدَها وإن ظاهَرَ الكلامَ عن البيت. استشعرَ لويدُ تيارًا مُريبًا بين الاثنين، فقطع الحديث:
“أيعقل أن غلامًا لم يمسِك سيفًا—بل ولا غصنًا—يبلغ في وقتٍ وجيزٍ مبلغًا يمكّنه من منازلتك؟ لابدّ أنّ لكراونر دوقٍ مكرًا في الأمر.”
يا لِقِذارة الدم حين ينسلّ من أصله! عضّ هاورد على غيظه وهو يستحضرُ صورةَ دوقِ كراونر: رفضَ أن يكون معلّمَ سيفٍ لوليّ العهد، ثم أبَى أن يأخذ ألوفًا ليُدرّبَ الأميرَ الثاني—وآثرَ أن يفتحَ لبذرةِ الإمبراطور الثالث بابَ الفيلق.
“كان ينبغي أن نقرأ نيّتَه منذ أذن بمشاركةِ الأمير الثالث في تدريبِ الفِرَق.”
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات