كيف يمكن لأشخاص لا تتشابه ملامحهم إطلاقًا أن يبدوا متشابهين؟
ظلّ إدون يحدّق بلا شعور في عيني كايدن.
“إذًا… حان وقت الرحيل.”
قابل كايدن نظرات الأمير، ثم صرف بصره. صعد إلى فرسه المنتظر وهو يكتفي بتحية مقتضبة.
“أشكركما على حسن الضيافة، سموّ الأمير إدون، وسموّ الأميرة إيميليا.”
ابتسم الملك الشاب ابتسامة هادئة.
“اعتنيا بصحتكما.”
وفي اللحظة التي جذب فيها اللجام، انزلق بصره إلى ما وراء كتف الأمير؛ هناك، قرب الباب، كانت وصيفة الأمير تقف لا يُدرى منذ متى.
“آمل أن نلتقي قريبًا.” قالها بانحناءة خفيفة ذات مغزى.
“مع السلامة يا ملك! تعال نلعب ثاني!”
“عُد سالمًا، يا جلالة الملك.”
تماوج طرفا عيني كايدن وشفتيه للحظة، ثم عاد ساكنًا. وهكذا، عاد أول ضيف لقصر الأمير الثالث، ذلك الذي خلّف أسئلة لا تُحصى، إلى مملكته.
“هاه؟”
في الليلة نفسها التي غادر فيها ملك أدامانت، عُدت إلى غرفتي بعد أن غفا إدون فورًا في سريره.
لكن بعض الأغراض داخل غرفتي لم تكن في أماكنها المعتادة؛ شيء ما تحرّك قليلًا.
شخص ما مرّ خفيةً من هنا.
منذ خرجت صباحًا لم أعد، فلا بد أنه دخل في هذه الأثناء.
وما محا آثاره… كأنه لا يمانع أن أكتشف؟
قطّبت وأنا أتجه إلى المكتب عند النافذة. فوقه صندوق مخملي أسود.
“هذا…”
لا شيء مفقود. إذًا جاء المُتسلّل ليترك هذا فحسب.
لعلّه فخ؟
لا ألمس شيئًا مجهول المصدر بلا حذر. ظللت أحدّق بالصندوق حتى رأيت القصاصة بجانبه:
[هدية بمناسبة التحالف.]
خطٌّ غريب أنيق خالٍ من الزوائد، فيه خشونة خفيفة تذكّرني بصاحبه. شعرت بأني أعرف من أرسل العلبة.
تردّدت لحظة، ثم مددت يدي.
طَق.
ما إن فتحتها حتى لمعت كرة بلورية بحجم رأس طفل. سطح مصقول، ونقوش صاخبة—قطعة سحرية بلا شك.
كرة تواصل؟
اختراع عظيم يتيح الاتصال البعيد بلا رسائل ولا حمام، لكنه لا يعمل إلا بين زوجين متطابقين من الكرات. ولأن سحرة مهرة ينقشون الدوائر على حجر مَسِحٍ واحدًا واحدًا، فالسعر فاحش.
حتى وأنا قائدة لفرقة الاغتيال نادرًا ما رأيت شيئًا بهذه الكلفة.
ويهدي مثل هذا لِوصيفة أمير؟
ماذا لو لم أكن أعرف ما هي أو كيف تُستعمل؟
“حسنًا…”
رفعت الكرة بيدٍ واحدة. كان قمرٌ مستدير محبوسًا فيها يضيء.
كايدن رام.
ملكٌ شاب لدولة وليدة. الرجل الذي بكى بلا سبب واضح عند موضع موتي.
أجل… يثير فضولي.
لا أدري متى سنلتقي ثانية، لكنه ترك لي وسيلة اتصال؛ سأعرفه تدريجًا—ما هو، وما صلته بي في حياتي السابقة.
“…أريد أن أعرف.”
ضغطت على البلّورة بقوة. اختفى القمر من قلبها.
اختُتم مهرجان تأسيس إمبراطورية فِنتروم بنجاحٍ باهر.
كان من المفترض أن يحتفي بفلاحة وفيرة لم تشهدها الأرض منذ سنين، لكن ما شدّ وفود الدول أكثر كان مشهد ترتيب وراثة العرش.
“الأمير الثالث عاد إلى مقعده.”
ذاك الأمير الذي تلاشى أثره بعد سقوط مملكة ليونيل، عاد لينال ثقة الإمبراطور ويُطرح اسمُه لولاية العهد—هكذا شاع الخبر بين البعثات.
وبهذا، كان نجم هذا العام هو لا غير: الأمير الثالث إدون.
“يا إلهي… غابت عني! غدًا الموعد ولم أتهيأ!”
في صباحٍ لا تزال فيه حرارة المهرجان عالقة بالهواء، انتفضت كاثرين من على مكتبها وسط الأوراق.
“غدًا ماذا؟”
رفعت رأسي عن ضفائر إيميليا وأنا أجلس على أريكة مكتب رئيسة الخدم.
“آه…”
لمحت كاثرين إيميليا؛ الصغيرة كانت غارقة في حكاياتها المصورة لا تهتم بكلام الكبار.
“تعالي، همسًا.” اقتادتني إلى النافذة وهمست:
“أيمكنك مرافقة سموّ الأمير إدون إلى المعبد غدًا؟”
“إلى المعبد؟”
عبست. لا أحب المعابد. “لماذا؟”
تردّدت ثم قالت منخفضة:
“ذكرى وفاة السيدة إيما كونراد. الوصيفة السابقة.”
ذكرى إيما. رمقتُها متفاجئة.
“القصر يحيي ذكراها؟”
“دقيقًا: سموّ الأمير الثالث وحده يفعل. رئيسة الخدم السابقة كانت تمنعه حتى من هذا، فكان يقبع طوال يوم الذكرى في الغرفة التي كانت تخصّها—هذا ما سمعته.”
أشاحت بيديها بسرعة نحوي:
“وغرفتُك ليست تلك الغرفة! غرفتك كانت مهجورة أصلًا، فلا تقلقي…”
“إذًا…” قلت ببرود، “أرافق سموّيه للمعبد؟ هل نحتاج إذنًا؟”
“زيارة المعبد لا تحتاج تصريحًا قبل بلوغ سنّ الرشد.”
“حسنًا. سأرافقهما غدًا.”
شهقت كاثرين:
“آه، وسيذهب سموّ الأمير فقط.”
قطّبتُ فجاءت بالتوضيح:
“لا بد لاحظتِ… سموّ الأميرة إيميليا لا تعلم أن السيدة كونراد توفيت.”
حين ماتت إيما كانت الأميرة في الثالثة—أصغر من أن تفهم الموت.
“قال لها سموّ الأمير إن السيدة إيما في رحلة بعيدة فحسب. لا تعرف أنها… رحلت.”
نظرت إلى إيميليا الغارقة في قصتها؛ ذلك الوجه البريء الذي لا يعلم شيئًا وخز قلبي.
“سأتولى أنا أمر الأميرة غدًا، اذهبي أنتِ مع إدون.” قالت كاثرين.
“لا.”
ارتبكت. “ربما أذهب أنا مع إدون…”
“لا، سأصطحبهما معًا.”
“لكن…” رمقتني بقلق.
“لا بأس.” نظرت إلى ساقي إيميليا وهما تتأرجحان فوق الأريكة.
“حتى إن جهلت معنى الموت، يمكن للمرء أن يُلقي التحية على من رحل.”
معبد ليون في عاصمة الإمبراطورية، ليس بعيدًا عن القصر.
“مرحبًا بكم.”
الشمّاس العجوز ذو الملامح الودودة رحّب بنا بدهشة خفيفة.
“وصلني اتصال القصر. أنتما سموّ الأمير الثالث وسموّ الأميرة الأولى، ومعكما الآنسة براون؟”
“نعم.”
انحنى الشيخ تحيةً للصغيرين:
“يشرفني لقاء سموّ الأمير الثالث وسموّ الأميرة الأولى.”
أومأ إدون بصمتٍ مكفهر، ثم قال الشمّاس:
“تفضلوا.”
“رايتشل، هذا هو المعبد؟”
كانت إيميليا في حضني تدير رأسها في كل اتجاه.
“إنه كبييير وجميل!”
ترددت ضحكات صوتها الطفولي عبر الرواق الحجري، غير مناسبة لسكينة المكان، لكنها أضاءته.
سرنا حتى خرجنا إلى باحة تغمرها الشمس فجأة. أغمضت عيني لوهلة، ثم فتحت.
المقبرة…
قادنا الشمّاس إلى المدافن الخلفية: عشب أخضر وقبور مصطفّة في انتظام.
“هنا.”
توقف بين الشواهد. أمامنا حجرٌ نقش عليه: إيما كونراد.
“خذوا وقتكم.”
انصرف، وبقينا نحن الثلاثة.
في صمت ثقيل، جثا إدون على ركبة واحدة. وضع بعناية باقة قرنفل أبيض كان يحتضنها منذ خرجنا من القصر.
“مر وقت طويل يا إيما…”
قالها بصوتٍ أعمق من المعتاد.
“تأخرت عليك كثيرًا، أليس كذلك؟”
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 118"