115. ملك الفرسان والأمير الثالث (2)
هذه الحركة…
كانت جزءًا من رقصة السيف الإمبراطورية، الزخرفية البعيدة عن القتال الحقيقي.
ولم تكن من حركات “التنين الشرير” التي أداها إدون، بل من الحركات الخاصة بـ”الإمبراطور المؤسس”.
لكنها لم تكن نسخة مطابقة.
لقد حذف الحركات الزائدة وأبقى على الجوهر وحده.
تخلى عن الزينة والشكليات، وأبقى فقط على مسار ضربةٍ حادة تستهدف الإبط والعنق.
مثير للإعجاب… بالنسبة لفتى صغير.
ضحك كايدن بخفوت، وتعمد ألّا يصد الضربة الأخيرة ولا يتفاداها.
“آه…؟”
توقف إدون مذهولًا؛ فقد ظهر على خدّ كايدن، ملك أدامانت، خط رفيع دقيق.
ومع ظهور قطرة دم صغيرة، شحب وجه الأمير.
“أ-آسف جدًا!”
ارتبك إدون، بينما كايدن مرّر أصابعه على أثر الخدش وكأنه لا شيء.
“لم أقصد…”
“أعلم.”
“حقًا… أنا آسف…”
“لا داعي للاعتذار.”
قالها كايدن ببرود:
“لا يُسمّى هذا جرحًا حتى.”
هو الذي نجا من أنياب الوحوش ومخالبها، ومن بطونٍ مثقوبة ودماء مسفوكة؛ فكيف يُعتبر هذا خدشًا جرحًا؟
مع ذلك، ظلّ إدون واجمًا.
فالجرح، مهما صَغُر، كان في الوجه.
وفي أعراف القصر، أي أثر على وجه ملك أو أمير يُعدّ عارًا لا يُغتفر.
لو شاع أنني جرحتُ وجه الملك…!
ضغط إدون على شفتيه بقلق.
قد لا يُبالي كايدن، لكن موقفه كأمير سيكون في خطر، وقد يثير ذلك سخط الإمبراطور، أو يكشف سرّ تدريبه على السيف.
“صاحب السمو إدون.”
رفع إدون رأسه، فرأى كايدن يحدّق فيه بثبات.
“سأفي بوعدي. اطلب ما تشاء.”
“ماذا…؟”
رمش إدون بعينيه المرتجفتين.
“ألم أَعِدْك؟”
ابتسم كايدن بخفة:
“إن أصبتني ولو بضربة واحدة، فسأحقق لك طلبًا واحدًا.”
ثم لمس أثر الخدش بأصبعه.
“وقد فعلتَ. وعليّ أن أوفي.”
“آه…”
رفع إدون نظره إليه.
العيون الذهبية التي رآها من قبل وحشية ومخيفة، بدت في تلك اللحظة وكأنها تحمل دفئًا غامضًا.
“تكلّم.”
غرس كايدن غمد سيفه في الأرض واتكأ عليه.
“أيّ طلبٍ كان.”
ثم نظر إليه نظرة غامضة:
“حتى لو طلبتَ منجم أدامانت.”
“م-ماذا؟!”
منجم أدامانت؟
وقف إدون جامدًا كالصخرة، مذهولًا.
فانفجر كايدن ضاحكًا:
“يبدو أن الأمر أثقل من أن تحتمله، أيها الأمير الصغير.”
“لا… لا تسخر مني!”
“لا أسخر.”
قال بجدية:
“أنا لا أهوى المزاح.”
هل يعني ذلك حقًا؟ لو طلبتُ المنجم لأعطاه؟ أهو عاقل؟
ثم أردف:
“لكن تذكّر، إن طلبتَ هذا فلن أضمن ما يحدث بعد ذلك.”
ارتجف إدون، ولم يعرف كيف يرد.
لكن كايدن ظلّ يترقبه بهدوء، كأنه ينتظر إجابته.
“أنا…”
كان إدون يعرف ما يريد حقًا.
ولهذا بالذات خاض هذه المبارزة.
فتح فمه أخيرًا ليقول ما كان يخفيه…
في وقت لاحق
“إدون؟”
قطّبت جبيني وأنا أرى الأمير مطرق الرأس، يزفر أنفاسًا ثقيلة وكأن صدره مثقل.
كان قد ارتدى منامته، وبمجرد أن التقت عيناه بعيني، أطلق تنهيدة أخرى.
يزفر هكذا في وجهي؟ يضايقني الأمر.
“ما الأمر؟”
قال بتردد:
“قولي لي… أي نوعٍ من النساء قد يُعجب ملك أدامانت؟”
“ماذا؟”
أي سؤال هذا؟
نظرتُ إليه بارتياب.
تابع بصوت منخفض:
“اليوم التقيتُه في الحديقة الخلفية… لسوء الحظ رآني أتدرّب على السيف…”
ثم توقف، يراقب ردة فعلي.
فأنا من حذّرته مرارًا ألّا يكتشف أحد أنه يتعلم السيف.
قلتُ بهدوء:
“وماذا بعد؟”
تنفّس الصعداء وأكمل:
“فجأة قال: لنبارز.”
“مبارزة؟”
هو الذي طلب؟
كنتُ قد رجوتُه فقط ألّا يتجاهل إدون… لا أن يتدخّل أكثر من اللازم.
تذكرتُ حواري معه، وانعقدت شفتاي بابتسامة جافة.
“قال: إن أصبته ولو مرة، سيحقق لي طلبًا واحدًا، مهما كان.”
“أرجو أنك لم تطلب شيئًا طائشًا.”
عقد إدون حاجبيه:
“كان الأولى أن تسألي: هل أصبته أم لا؟”
“بالطبع أصبتَه.”
“آه؟”
اتسعت عيناه بدهشة من ثقتي.
“كيف تجزمين؟”
“ألستُ أعرف قدراتك؟”
لو قاتل كايدن بجدية، لما عاد إدون سالمًا.
وفوق ذلك، رقصة السيف التي أداها أظهرت بوضوح أنه يملك موهبة فذة.
موهبةٌ تتجاوز حتى “العبقري” لُويد، الأمير الثاني.
لذلك إصابةٌ واحدة، مع تخفيفٍ من كايدن، لم تكن مستحيلة.
اقتربتُ منه ونظرتُ في عينيه مباشرة.
“أصبتَه، أليس كذلك؟”
“ن-نعم، لكن…”
حرّك عينيه مرتبكًا، ثم تمتم:
“كلامك يجعلني أشعر بشيء غريب.”
“غريب؟ كيف؟”
“كأنك تثقين بي أكثر مما أثق أنا بنفسي…”
خفض صوته حتى كاد يذوب:
“أنا ما زلتُ لا أثق بي…”
أجبته بهدوء:
“أنا أثق بما رأيتُ منك. أثق في جهدك.”
كان طفلًا بلا أساس، ومع ذلك صمد في تدريب الفرسان القاسي وتعلم السيف بسرعة مدهشة.
كيف لا أصدّق هذا بعيني؟
“لذلك، لا تُقلّل من نفسك.”
رفع إدون عيناه الواسعتين إليّ بدهشة.
فأضفت:
“وإن شعرتَ بالشك، فصدّق من يعرفك أكثر من أي أحد. مثلي… أو كاثرين.”
تلألأت عيناه الزرقاوان، وهز رأسه ببطء.
“…صحيح.”
ثم تذكرت ما لم يُجبني عليه.
“لكن قل لي، ماذا قصدت بسؤالك عن المرأة التي قد تعجب ملك أدامانت؟”
“آه… نعم.”
قال بجدية:
“حين أصبتُه، قال لي: اطلب أي شيء. حتى قال: لو طلبتُ منجم أدامانت لأعطاني إياه.”
منجم أدامانت؟ هل جنّ؟
هل كان يحاول استدراج الطفل؟
لو طلب إدون ذلك، لكان ذريعةً للحرب.
يعطيه اليوم وينتزعه غدًا بحجةٍ ما.
صحيح أنه تحدث عن التحالف، لكن القلوب تتقلب. كم من وجوهٍ باسمة تُخفي خناجرها؟
“لكنني لم أطلب هذا.”
ابتسم إدون ابتسامة خفيفة، وأضاف:
“كان عندي شيء آخر أريد معرفته.”
التعليقات لهذا الفصل " 115"