الفصل 114 – ملك الفرسان والأمير الثالث (1)

“جلالة الملك؟”

أخفى إدون سيف التدريب الخشبي خلف ظهره بشكل غريزي. أن يراه “ملك الفرسان” وهو يتدرّب هكذا، كان أمراً يثير خجله.

“ما الذي جاء بك إلى هنا؟”

“كنت مارّاً، ورأيتك، فأردت أن أُلقي السلام فحسب.”

اقترب كايدن بخطوات هادئة حتى وقف أمام الأمير الصغير. تطلع إلى أعلى رأس إدون الذي كان يحمرّ وجهه حتى أذنيه وهو يخطو في ارتباك. ثم ساد الصمت لحظة، قبل أن يسأل:

“من علّمك السيف؟”

“ماذا؟”

اتسعت عينا إدون دهشة. لم يتوقع أن يسأله ملك أدامانت عن أمر يخصّه شخصياً، وإن كان مجرد سؤال عن معلّم.

“آه… الحقيقة…”

فكّر مرتبكاً: التدريب على السيف ما يزال سراً. لو ذكرت الاسم وانتشر الأمر، فقد أجرّ المتاعب للسير فيليب أو غيره من الفرسان.

لكن كايدن تابع كأنه فهم تردده:

“مهما كان معلّمك، فذلك ليس بالأمر المهم.”

ثم ابتسم ابتسامة هادئة.

“المهمّ عند المبارز هو مدى إتقانه لاستخدام سيفه.”

تأمل كايدن ملامح إدون. خصلات شعره الأشقر المبللة بالعرق، وعيناه الزرقاوان المرفوعتان بدهشة، ذكّرتاه بأخته الراحلة بشكل غريب. كأنها عادت طفلة ووقفت أمامه من جديد.

كيف يشبه الابنُ أمَّه إلى هذا الحد؟ لعلّ هذا ما يجعل الناس يتوقون إلى إنجاب الأبناء… ليبقى منهم من يواصل الحياة بعد رحيلهم.

تمتم: “أمر يثير العجب حقاً.”

“عفواً؟”

“لا شيء.”

ثم قال:

“سأسألك سؤالاً آخر، سمو الأمير إدون.”

توتر جسد إدون عند سماع اسمه، حتى بدا كجندي مبتدئ. كاد كايدن يضحك لشدّة تكلّفه.

“منذ متى بدأتَ التدريب على السيف؟”

هنا استطاع إدون أن يجيب بارتياح:

“لقد مرّ شهر واحد تقريباً.”

“…ماذا؟”

شهر واحد فقط؟

استعاد كايدن في ذهنه ضربات إدون قبل قليل.

لم تكن كاملة القوة، لكنها كانت نظيفة ودقيقة. لا تشبه أبداً أداء مبتدئ مرّ عليه شهر واحد.

قال إدون بخجل: “ما زلت ضعيفاً كثيراً. أشعر بالخجل لأن جلالتك رأى مستواي.”

عندها، جرّد كايدن سيفه فجأة.

أطلق النصل بريقاً أزرق، لا يظهر إلا في فولاذ أدامانت المصقول.

حدّق إدون بقلق: “ج… جلالة الملك؟”

لكن كايدن لم يهاجمه. بل غرس النصل في الأرض، وأمسك بالغمد الفارغ:

“منذ جئت إلى الإمبراطورية لم أتبارَ مع رجالي، فجسدي بدأ يصدأ.”

ابتسم وقال:

“فهل تشرّفني بأن تكون خصمي في تمرين قصير؟”

ارتجف إدون. مبارزة مع ملك الفرسان…؟

خصمه هو القائد المنتصر في كل المعارك، كايدن رام. نيل هذا الشرف عظيم، لكنه مخيف أيضاً. فما يعرفه من فنون السيف لا يتعدى أساسيات بسيطة.

هل أستطيع الوقوف أمامه بهذا؟

لكن كايدن وجّه الغمد نحو عنقه قائلاً:

“إن لم ترد، فارفض الآن.”

تذكّر إدون ما قالته رايتشل له:

– “لكي تصبح قوياً، عليك أن تواجه خوفك مباشرة.”

– “الإنسان يخاف المجهول. فإذا عرفتَ حقيقة خوفك، فلن يكون هناك خوف لا يُغلب.”

الخوف… عليّ أن أواجهه.

تذكّر بوجه خاص شجاعة بريجيت التي أصرت على مراقبة ما تخافه لتتغلّب عليه.

رفع إدون رأسه ليتطلع إلى الجدار المسمّى كايدن، الذي بدا أكثر مهابة حتى من الوحوش التي رآها.

قال أخيراً: “لا، لست بحاجة إلى وقت للتفكير.”

شدّ قبضته على السيف الخشبي، وبريق العزم يملأ عينيه.

“أتشرّف بالمبارزة.”

ابتسم كايدن بخفة، وخفّض مركز ثقله.

“ابدأ متى شئت.”

سقط إدون أرضاً مرة أخرى، واحتك وجهه بالعشب الخشن. لم يعد يحصي عدد المرات التي طرحه فيها خصمه. اتسخت ثيابه البيضاء ببقع خضراء من أثر العشب.

لماذا… لم أستطع أن أصيبه ولو لمرة؟

التفت بصعوبة. كان كايدن واقفاً، أنفاسه ثابتة، وعلى وجهه ابتسامة هادئة.

حتى السير فيليب، حين يتبارى معي، كان يتفاجأ أحياناً بضرباتي. لكن هذا الرجل… مختلف.

لم يجد ثغرة واحدة، رغم أنه لم يقاتل بكل قوته.

قال كايدن: “أهذا استسلام؟”

“لا!”

“فقم إذن.”

تابع: “لو أدرت ظهرك هكذا في المعركة، لكان رأسك الآن يتدحرج بعيداً.”

نهض إدون بصعوبة، وقد ارتجفت يداه وساقاه بشدة. زفر كايدن بامتعاض: جسد هزيل… كأنه ورث ضعف أمه إدِس. ليت الشبه توقف عند الملامح فقط.

ثم قال:

“إن كنتَ قد تعبتَ ف….”

“لا!”

اندهش كايدن لردّه السريع. تنفّس إدون بصعوبة، لكنه ظل ثابت النظرة.

على الأقل، ورث عن أمه عزيمة وصلابة.

ابتسم كايدن بخبث:

“إن استطعت أن تصيبني بضربة واحدة فقط، فسألبي لك طلباً واحداً، أيّاً كان.”

“ماذا؟”

تردّد إدون لحظة، ثم هتف: “لا أرفض!”

قبض على سيفه واندفع مجدداً. كرّر الضربة الرأسية التي اعتادها. صدّها كايدن بملل.

لكن في لحظة خاطفة، غيّر إدون أسلوبه. تظاهر بالاندفاع مباشرة، ثم انخفض فجأة وقفز عالياً.

“هَع!”

أدار سيفه من الأعلى إلى الأسفل، ثم رفعه من الأسفل إلى الأعلى في هجمة غير متوقعة. للحظة، اهتزّت عينا كايدن بدهشة.