الفصل 113 – حلف الانتقام (5)
صرير… أُغلق الباب بهدوء، ومعه انفتحت عينا كايدن ببطء.
ممدداً باستقامة، أدار بصره نحو الأريكة التي كان ينبغي أن يجلس عليها أحد، لكنها خلت تماماً.
مربية الأمير الثالث، رايتشل براون.
منذ اللحظة الأولى التي رآها فيها، ظلّت عينه تلاحقها مراراً.
وبما أنها المربية الوحيدة لابن شقيقه، فقد أنهى تحقيقاته عنها منذ وقت طويل.
لا تبدو كاذبة…
كما ذكرت بنفسها، فهي حقاً لقيطة تَبَنّاها أحد بيوتات النبلاء.
فقدت أعزّ إنسان لها بسبب “نَفَس الملاك”، هكذا قالت.
لم يكن يصدّق ذلك حقاً. البشر بارعون في حياكة الأكاذيب حتى لتبدو كأنها الحق بعينه.
وما لم يجد الدليل، فكل ما سمعه لم يكن عنده سوى قصة مصطنعة.
ومع ذلك، لم يمد يده إليها عبثاً. كان هناك سبب واحد فقط:
إنها تشبهها…
ارتسمت في عينيه نظرة طويلة.
تشبه كايلا.
لم يكن الشبه في الوجه أو الجسد، بل في وقفتها المستقيمة، وانسياب حركاتها الرشيقة التي توحي بالأناقة، وحتى في سرعة بديهتها الغريبة.
نعم… لقد لمحَت الأمر حينها.
تذكّر عرض السيوف في قاعة الوليمة.
إدون… مهارته في السيف فاقت كل توقعاتي.
لكن ما أزعجه حقاً كان شراسة الأمير الثاني، ذلك التصميم الحاقد الذي أراد به إذلال أخيه.
ولذلك ألقى بالشوكة. لم يكن دافعاً من عاطفة مفاجئة نحو ابن شقيقه، بل استياءً من ذلك المنظر.
حين ارتدت ضربة الأمير الثاني، لم يلتفت إليّ إلا اثنان: دوق كراونر… ومربية الأمير الثالث، رايتشل براون.
ومع ذلك، حين جاءت إليه، لم تذكر شيئاً عما حدث في القاعة.
أطرق رأسه يفكر.
قيل إن بعث الموتى لا يتم إلا في جسد آخر يكون قد لامس الراحل ولو بخيط رفيع من الصلة… وأن يكون قريب الأجل أيضاً.
لكن أي صلة يمكن أن تربط بين مربية للأمير وكايلا؟
كايلا لم يكن لها دم قريب، ورايتشل أيضاً يتيمة.
لا يمكن القول إنها أخت مفقودة… الملامح بعيدة جداً.
لم يكن هناك شبه سوى في لون عينيها الغامض، أخضر تتخلله لمعة ذهبية.
زفر كايدن وهو يسند ذقنه إلى يده.
ربما الأمر لا يتعدى مجرد شبه في الطباع.
كما قد يختلف الأبناء عن آبائهم كلياً، فقد يشبه الغريبُ غريباً آخر إلى حدّ العجب.
لكن ما عنى له أكثر من كل ذلك هو قولها:
فقدتُ أعز إنسان بسبب “نَفَس الملاك”.
من كان يظن أن مربية الأمير الثالث عدوّ قديم لتلك المنظمة؟
ابتسم في نفسه.
حسناً إذن، كنت أفكر فيمن أجعل بجوار إدون…
هو لم يعترف بعد بإدون حقاً كابن أخيه، لكن لو كان عليه أن يختار وريثاً للعرش بين الأمراء، لكان الفتى ذاك وحده.
جريئة… أن تطلب مني أن أقف بجانبه تكفيراً عن ذنبي.
لقد أدهشه الأمر، هو الذي لم يعرف الارتباك قط حتى حين حاصرته جيوش بأكملها.
والآن… امرأة صغيرة، تبدو كأنها قد تتحطم بكف واحدة، استطاعت أن تثير فيه ذلك الارتباك.
قَرّب صديقك… وأقرب منه عدوّك.
رفع يده نحو السقف المزخرف، حيث لمعت عيناه بلون أخضر يميل إلى الذهبي.
لون أعاده إلى ذكرى بعيدة.
هل تريدين أن تحيَي؟ إذن قوليها… قولي إنك تريدين الحياة.
تنهّد وأغمض عينيه، مستسلماً للوجه الذي لن يعود.
كايلا…
حتى بزغ الفجر، ظلّ يردّد ذلك الاسم الذي لن يجرؤ على مناداته مرة أخرى.
“ما بالك؟”
كان صوت سيج يخترق صمتي. رفع رأسه عن الرقعة التي كان يخط عليها، وقطّب حاجبيه.
“وجهك كمن لم يذق النوم. ألستِ مربية؟ أم أنك تعملين عملاً آخر خفية؟”
قلت ببرود: “اصمت.”
وأرحت رأسي على مسند الكرسي.
“وأنت من اقتحم كوخي من تلقاء نفسه.”
تذمّر: “ألم تنهَني أن أخرج خلال المهرجان، ثم ها أنت تدخلين بنفسك؟”
“سيج ليل.”
كان صوتي حادّاً، متوتراً من قلة النوم.
“ماذا؟! تحاولين إخافتي بمناداتي هكذا؟ عجوز مثلي لا يخاف الموت!”
هتف وهو يشهر قبضته النحيلة في وجهي.
تمتمت: “… أردت أن أسألك شيئاً.”
جلس ثانية وقال متبرماً: “قلتها منذ البداية، كان يكفي أن توضحي.”
“ما الذي تعرفه عن كايدن لام؟”
ارتسمت الدهشة على وجهه.
“ملك أدامانت؟ ولماذا تسألين؟”
“مجرد فضول.”
ثم أضفت: “ألم تعطِ إدون مهمةً ليتعلّم طرق حصار قلعة أدامانت؟ لابد أن لك أسبابك.”
هزّ رأسه قائلاً: “شخص مثله لا بد أن يكون موضع فضول. حتى في عزلتي كنت أسمع اسمه مراراً.”
“وأنت؟ ألم تكتشفي شيئاً عنه؟ أنت بجوار إدون، فلا بد أنك التقيته.”
تنهّدت. ما أكثر ما اكتشفت عنه في وقت قصير…
أولاً: كايدن لام مهووس بألوان العيون. أول ما قاله لي كان عن لون عيني.
ثانياً: لا يستطيع النوم وحيداً.
ثالثاً: قوته لا تُقاس.
وأخيراً، ما هو الأغرب:
“كايدن يعرفني.”
“ماذا؟!” صاح سيج.
“ملك أدامانت يعرفك؟!”
همست: “ناداني… كايلا.”
ارتبك العجوز، ثم شهق وهو ينهض مذعوراً.
“هذا… كارثة! إن كان اكتشف حقيقتك كمربية…”
أضفت بهدوء: “ناداني باسمي وهو يبكي.”
“هاه؟”
بدا عليه الارتباك أكثر من الخوف.
ثم سأل بصوت ثقيل: “… لا تقولي إنك ساومتِه يوماً على حياته؟”
“لا. لو كان كذلك لتذكّرت.”
ابتسمت بسخرية.
كم من الأمور عرفت عنه، ومع ذلك لا أزال عاجزة عن فهمه.
“لا أعلم… لا أفهمه إطلاقاً.”
في الباحة الخلفية للقصر، كان إدون يلوّح بسيف خشبي.
كثرة التدريب جعلت مقبضه يلمع من أثر العرق واليدين.
“هاه… هاه…”
أنفاسه متقطعة، وذهنه مشغول بذكريات العرض أمام أخيه الذي أراد قتله حقاً.
“تتدرّب بإخلاص، أرى.”
التفت مذعوراً. هناك، متكئاً إلى عمود الرواق…
ملك أدامانت، كايدن لام.
التعليقات لهذا الفصل " 113"