الفصل 103 – ضيف القصر الأميري (6)
“ذلك مقرّ فرسان غلوريا.”
“آه، فهمت.”
تمتم كايدن بإعجاب قصير.
“إنه الفيلق الذي يقوده (سيف الإمبراطورية)، إذن.”
ظلّ يحدّق طويلاً في المبنى ثم أطلق ضحكة مكتومة. كان وجهه قبل لحظة جادّاً، فتملكني الفضول فسألته رغم أنني كنت أنوي ألا أدخل معه في حديث جانبي:
“ما الذي يثير ضحك جلالتكم؟”
“تساءلتُ إن كانت المباني تشبه أصحابها.”
كان يقصد جيروم كراونر، قائد الفيلق والدوق صاحب السلطة والنفوذ. ومبنى بهذه الضخامة والفخامة يليق تماماً بشخص يحب المظاهر مثل جيروم.
“أوه، لم أتوقع أن نلتقي هنا.”
ظهر من مدخل المقر جيروم ومعه نائبه فيليب.
(ما إن يُذكر النمر حتى يظهر.)
رأى جيروم كايدن، فتقدّم بخطواتٍ سريعة، لكنه ما لبث أن توقّف حين أبصرني إلى جواره. عندها انعقد حاجباه لحظة.
كايدن علّق بابتسامة ساخرة:
“هل قطّب جبينه وهو ينظر إليّ؟ لم أفعل سوى الوقوف هنا.”
قلتُ بهدوء: “ليست المسألة بسبب جلالتكم.”
“إذن بسبب ماذا؟”
(بسببي أنا بالتأكيد.) فقد رفضتُ طلبه أن أترك إدون تلميذاً له، ولم أتورّع عن قول كلماتٍ مباشرة. لا غرابة أن ينظر إليّ هكذا.
لكن جيروم سرعان ما أخفى انزعاجه وحيّى الملك:
“أحيّي جلالتكم. أرجو أن تكون ليلتكم مضت بسلام.”
“بفضلكم.”
أجاب كايدن بإيماءة بسيطة، وملامحه محايدة لكن عينيه أظهرتا ابتسامة خادعة، حتى بدا كأنه يضحك حقاً.
قال جيروم:
“لكن ألا ترون أنه من غير اللائق أن يتجوّل ملك بلا حراسة، ومعه فقط سيّدة ترافقه؟ نحن في قصر أجنبي.”
قوة كايدن في ساحات القتال مشهورة، لكن أعراف الملوك شيء آخر.
أجاب ببرود:
“لا بأس. داخل هذا القصر لا يوجد من يستطيع إيذائي.”
كانت جملة تحتمل الكثير، ومن بينها أنّ حتى (سيف الإمبراطورية) نفسه لا يشكّل خطراً عليه.
ثم أردف، وهو يلتصق بظهري متصنّعاً:
“وإن وقع أمر، فهذه ستحميني. لقد حفظتْ مخدعي الليلة الماضية، وكان الأمر مريحاً جداً.”
(ألم يكن ما وقع البارحة أمراً سرّياً بين طرفين؟ كيف يصرّح به بهذه البساطة!)
ضحك جيروم وألقى عليّ نظرةً مليئة بالدهشة، كأنه لم يتوقع أن أقوم بأمر كهذا. حتى فيليب نظر إليّ باستغراب.
سأل كايدن بعد لحظة:
“إلى أين أنتم متجهون بهذه العجلة؟”
“إلى القصر الإمبراطوري.” أجاب جيروم وقد استعاد جديته. “وقع هجوم جديد للوحوش الليلة الماضية.”
“وأي جهة هذه المرّة؟”
“الشمال الغربي.”
ارتعشت حاجبا كايدن الداكنان للحظة، ثم قال:
“هل يمكنني أن أرافقكم؟ لديّ أمر عاجل أبلغه للإمبراطور.”
“لقاء جلالته يحتاج إلى إذنٍ مسبق…”
“ما أودّ قوله ينبغي أن يسمعه قائد جيوش الإمبراطورية أيضاً. إنه يخصّ أصل الوحوش.”
قطّبتُ عيني دون وعي.
(أصل الوحوش؟)
لم يكشف أحدٌ بعد عن كيفية ولادتها. كل ما يُعرف أنها تظهر في أماكن عالية التركيز من طاقة المانا. تماماً كما في لوكسن، حيث ظهرت قرب مناجم المانا.
(هل توصّل خلال العام الذي غبتُه عن الدنيا إلى شيء جديد؟)
قال جيروم:
“جيد إذن. لقد أراد جلالته التشاور في الأمر أيضاً. فلننطلق معاً.”
ابتسم كايدن بهدوء ثم التفت نحوي:
“أشكركِ على الإرشاد يا آنسة براون.”
ثم أضاف مبتسماً:
“نلتقي لاحقاً.”
انحنيتُ بصمت، ورأيته يمضي مع جيروم ورفاقه. أما فيليب فقد ألقى عليّ نظرةً سريعة قبل أن يتبعهم.
رفعتُ رأسي نحو السماء. كانت غمامة ثقيلة تمرّ في جوّ ربيعي صافٍ، وشعرت بانقباضٍ غامض.
“راشيل، ما رأيكِ به؟”
“بمن تعني، سموّ الأمير؟”
سألني إدون بوجه متأمّل وأنا أرتّب الفراش:
“أقصد ملك آدمَنت. بما أنكِ صحبتِه، كيف بدا لكِ؟”
(مُريب، متعجرف، وبالغ الجرأة.)
خطر في بالي مشهده وهو يختبئ خلفي عند لقائه جيروم، فانعقد حاجباي تلقائياً. لكن هذا رأيي وحدي، وإدون لم يطلب هذا النوع من الإجابة.
رفعتُ رأسي إليه. كان يتأرجح ممسكاً بعمود السرير وقال:
“لابد أنكِ تحدّثتِ معه. أنا فضولي فحسب.”
في الحقيقة لم يكن بيننا كلام ذو قيمة.
“…إن سألتَني،”
ترددتُ ثم قلت:
“لا أعلم.”
رجل تتبدل ملامحه وسلوكه كما تُبدَّل الأقنعة. يلهو في كلامه لكن لا يُستهان به. شعور غريب يحيط به وكأنه يخفي الكثير.
ومن يخفي الكثير لا يُوثق به. لذا صنّفته في مقدّمة من يجب الحذر منهم.
قلتُ:
“هذا كل ما أستطيع قوله.”
“هذا فقط؟”
تنهد إدون وألقى جسده على السرير:
“مصيبة.”
“ما الأمر؟”
“المعلم أعطاني واجباً يتعلق بآدمَنت.”
رفعتُ حاجبي.
“أي واجب؟”
“أن أفكّر في خطة لإسقاطها.”
(أ意 أراد ذلك وهو يعلم أن ملكها ضيفنا؟ ذلك الشيخ العجوز غريب الأطوار…)
أردف إدون:
“قلتُ: لو عرفتُ طبيعة الملك لعرفتُ نقطة الضعف. لكنكِ تقولين إنكِ لا تعرفين…”
بادرتُه بسؤال:
“وأنتَ، ما رأيك فيه؟”
“أنا؟… لا أدري.”
فكّر طويلاً ثم أمسك رأسه متذمّراً:
“لا أعرف إن كان يحبني أم يكرهني.”
لو عرفتَ شعور خصمك لسهُل الاقتراب منه. لكن كايدن يتعمّد أن يبقى غامضاً.
تقلب إدون على السرير، ثم دفن وجهه في الغطاء.
قلتُ بهدوء:
“إن أردتَ أن تُسقط رجلاً، فابحث عن نقطته الأضعف.”
رفع رأسه بفضول: “نقطته الأضعف؟”
نظرتُ إليه مباشرة وقلت:
“ونقطة ضعف الإنسان غالباً… هي ما يحبّه أكثر من أي شيء.”
التعليقات لهذا الفصل " 103"