“عند ضفة بحيرة، ليست بعيدة عن هذا القصر الإمبراطوري.”
“ضفة بحيرة؟”
“نعم، هي ذات المكان الذي سبق أن زرتموه يا مولاي.” تردّد قليلًا ثم أضاف:
“حيث ذهبتُم للبحث عن رفات تلك السيدة، بجوار حقل القصب.”
في تلك اللحظة أظلمت ملامح كايدن، وبدت على وجهه قسوة قاتمة. وبعد أن غاص في التفكير قال:
“استعدّ حالما تغرب الشمس.”
وضع القارورة بقوة على الطاولة الجانبية.
“هذه المرة، لا بد أن أعثر على أثر (الملاك).”
“مولاي…”
“ماذا هناك؟”
“إن كانت تلك السيدة التي تبحثون عنها قد عادت إلى الحياة وتعيش في مكان ما، أليس يكفي أن نعثر عليها؟ لِمَ الإصرار على القبض على (الملاك) أيضًا؟”
كان لقب “الملاك” يُطلق على زعيم منظمة الاغتيال المشهورة في القارّة، والمعروفة باسم “نَفَس الملاك”.
“أتظن حقاً أنّ من قتل تلك المرأة هو (الملاك)؟”
“نعم.”
“لكن تلك المرأة نفسها كانت في يوم من الأيام أحد (الملائكة)… بل قيل إنها الأقوى في تاريخ التنظيم.” قال أوليفر بملامح متجهمة:
“أي دافع يجعله يقتلها؟ هل فعل ذلك ليجلس مكانها؟”
“السبب لا يهم.” أجاب كايدن وعيناه معلّقتان بالنافذة.
“ما يهم… أن ذلك اللعين قتل ملاكي.”
ارتجف أوليفر داخلياً من هذا التعبير.
(ملاكي؟ ما الذي تمثله هذه المرأة ليقول عنها ذلك؟)
كان من الغريب أن يتقاطع طريق سيّده مع امرأة تقود عصابة اغتيال، لكن الأعجب أنه لا يزال أسير حبها بعد اثنتي عشرة سنة من لقائه بها.
(في البداية رفض حتى تصديق خبر موتها… وجاب القارّة باحثاً عنها.)
تذكّر أوليفر سيّده قبل عام، وهو يهيم كالمسعور في أرجاء الأرض.
(ثم لم يتردد حتى في اللجوء إلى السحر الأسود…)
فما إن أسقط مملكة ليونيل، بدلاً من الانشغال بتدبير شؤون البلاد، انصرف إلى البحث عن رفاتها وأشيائها؛ إذ قيل له إن استدعاء الموتى بالسحر الأسود لا يتمّ إلا بالعظام وما يخصّهم من متاع.
“مولاي.” سأله أوليفر وقد علت وجهه حيرة صادقة:
“من تكون تلك المرأة بالنسبة إليكم حقاً؟”
إن كانت مجرد محبوبة، فما الذي يبرّر كل هذا الهوس؟
“هي من جعلتني أمتلك كل شيء.”
اتسعت عينا أوليفر دهشةً من الجواب.
“…ولذلك هي الوحيدة التي أردت أن أشاركها كل ما أملك.”
تسللت نسمات الصيف عبر النافذة المفتوحة، بينما ظلّ كايدن شاخصاً إلى الخارج.
“من دونها… حياتي بلا معنى.”
خطوات تتردّد في ردهات جناح الأمير الثالث عند الصباح الباكر.
كان ملك آدمَنت، كايدن، يسير متفحّصاً القصر ويداه خلف ظهره. تفاجأ قليلاً من سعة المكان، ثم توقّف أمام لوحة كبيرة معلّقة في قاعة الاستقبال.
“…ها هي.”
كانت لوحة ضخمة تملأ جداراً كاملاً: امرأة شابة فائقة الجمال، شقراء ذات عينين ذهبيّتين، ببشرة كالثلج وفستان وردي يليق بها.
شعر بحركةٍ بجواره، فالتفت.
عند الباب، كان هناك خصلات ذهبية صغيرة تطلّ بحذر.
في البداية قطّب حاجبيه، ثم لان وجهه حين أدرك أنها الأميرة الأولى، إميليا.
“آه…”
كانت الأميرة الصغيرة تختبئ خلف الباب، وتُطلّ بوجهها الصغير نصف المكشوف، تحدّق فيه بفضول صامت.
(تشبهها حقاً…)
تأمّلها كايدن بدقة.
ولم يكن الشبه بسبب الفستان الوردي الذي ترتديه اليوم فقط، بل لأن ملامحها قريبة جداً من ملامح الإمبراطورة إديس، حتى ليخيّل للمرء أن إديس في طفولتها كانت هكذا.
“صباح الخير يا صاحبة السمو.”
حيّاها بود. لكنها لم تجب، وظلّت تحدّق به بصمت.
“……”
“……”
لحظة صمت متبادلة غير مقصودة. شعر كايدن بالارتباك.
(ما الذي تريده؟)
لقد جرّب كل شيء في ساحات القتال، لكن التعامل مع طفل كان أمراً لم يختبره قط.
وبينما هو يفكر في كيفية كسر الصمت—
انطلقت فجأة من خلف الباب وهي تحمل شيئاً بكلتا يديها:
“هذا!”
كاد أن يتأهب دفاعاً عن نفسه، لكنه تراجع حين رأى ما تحمله:
“كتاب؟”
“نعم! إنه كتاب ريا!”
رفعت كتاباً كبيراً بيديها الصغيرتين، وعيناها الزرقاوان تلمعان بالحماس.
“ريا قرأت هذا جيداً! قصة بطل!”
تجمّدت ملامح كايدن وهو يرى الغلاف المزيّن: نسخة من “حكايات البطولة” التي تتحدث عنه هو نفسه—ذلك الكتاب الذي حظره في مملكته.
(ألم أمنع نشره وتداوله؟)
لم يكن في الحقيقة سوى كتابٍ مبالغٍ فيه كتبه شخص مهووس لتأليهه.
نظر إلى الأميرة الصغيرة التي بالكاد تصل إلى ركبتيه.
“البطل في القصة يهزم الوحوش وينتصر كل يوم! وهو جميل جداً، وكل الأميرات يعجبن به!”
“أهكذا.”
“نعم! لكنه لا يحب أي أميرة! ثم يعود إلى وطنه ويؤسس مملكة ويصبح ملكاً!”
“أفهم.”
أن يسمع قصته—حتى لو كانت مبالغاً فيها—من فم طفلة… جعله يشعر بحرارة خفيفة في وجهه.
“قل لي، أنت ملك آدمَنت، صحيح؟”
(ملك… هكذا تناديني.)
ابتسم بخفة، ثم قال:
“نعم، هذا صحيح.”
أشارت الصغيرة إلى صورة في الكتاب:
“شَعر أسود وعيون ذهبية! تماماً مثلك!”
“هاها، أترين ذلك؟”
“نعم! وأنت أيضاً وسيم مثل البطل!”
لم يكن هناك رجل يكره أن يُمدح بجماله، حتى لو جاءت الكلمات من طفلة صغيرة.
“يا لها من نعمة.”
جثا على ركبته حتى صار بعينيها:
“هذا أطيب إطراء سمعته منذ زمن طويل.”
ارتسمت البهجة على وجه الأميرة، فضمّت الكتاب إلى صدرها.
“حقاً؟”
“نعم، بكل صدق.”
“إذن… لو طلبت منك أن تكون صديقي، هل تقبل؟”
ابتسم كايدن أمام رجائها البريء:
“بالطبع يا أميرة.”
“حقاً؟ شكراً! ريا ليس لها أصدقاء… لطالما تمنيت أن يكون لي صديق!”
(لا أصدقاء لها؟ كيف يمكن؟)
طفلة بهذه البراءة واللطافة بلا صديقة واحدة؟ لا بد أن شيئاً ما خاطئ.
(إذن، شائعات التهميش بعد سقوط مملكة ليونيل ربما كانت صحيحة.)
اغتمّ وجهه لحظة، ثم ابتسم ثانية حين التقت عيناه بعينيها.
“أيتها الأميرة إميليا.”
“نعم؟”
“هل فكّرتِ بما تريدين فعله مع صديقك الأول؟ لعبة تحبينها؟ أو هدية ترغبين بها؟”
تلألأت عيناها حين سمعت كلمات مثل: “صديق، لعبة، هدية”.
“نعم، نعم! أريد أن نلعب لعبة ركوب الحصان!”
“ركوب الحصان…؟”
شعر بأن العبارة تنذر بما لا يُحمد.
فقبضت الصغيرة على أصابعه وقالت:
“نعم! تكون أنت الحصان، وريا تركب على ظهرك وأنت تمشي على أربع!”
“…أيتها الأميرة.”
“نعم؟”
“لقد خطرت لي لعبة أجمل. ما رأيك أن نلعبها أولاً؟”
“أجمل؟”
أمالت رأسها، غير مصدّقة أن هناك ما هو أمتع من ركوب الحصان.
لكن قبل أن تكمل سؤالها، رفعها كايدن بذراع واحدة ووضعها على كتفيه.
“آآآه!”
صرخت وهي تتشبث بشعره بكلتا يديها.
“عالية! عالية جداً!”
رفرفت قدماها الصغيرتان من شدة الفرح.
“ممتع! ممتع جداً!”
تنفّس كايدن بارتياح وهو يسمع ضحكاتها، متذكراً نصيحة أوليفر عن الأطفال: “إنهم يعشقون الركوب على الأكتاف.”
ولولاها، لكاد ينتهي به الأمر زاحفاً على أربع في وسط القصر الإمبراطوري.
“آآآه!”
كان يمسك ساقيها برفق حتى لا تقع، ويتنقل بها بخطوات ثابتة.
وضجّت الصغيرة بضحكات بريئة ملأت المكان.
وفي تلك اللحظة—
“إ… إميليا؟”
ظهر الأمير الثالث، إدون، على باب القاعة، يحدّق بذهول في المشهد: أخته الصغيرة فوق كتفي ملك آدمَنت!
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 101"