الفصل 100 – ليلة بلا نوم (2)
“…….”
نهضتُ بصمت ونظرتُ إلى الباب.
(هل أغادر فعلًا الآن؟)
إن خرجتُ هكذا، فلن يبقى أمام ملك آدمَنت سوى أن ينام وحيدًا. وليس من السهل في هذا الوقت المتأخر إيجاد امرأة موثوقة يُطمأنّ إليها على سلامة الملك. ثم إنّه أصلًا لم يطلب “خدمة ليلية” بالمعنى الذي فهمتُه.
“…إن كنا سنعدّ من أساء الأدب أولًا، فأنا سبقته.”
اهتز كتفه قليلًا، وكأنه سمع ما يريده.
“ولكي أعوّض خطئي… أود أن أقدّم يد العون.”
استدار ببطء، قارورة الماء عند شفتيه.
“أتقولين هذا عن صدق؟”
“إن منحتَ خادمةً حقيرةً مثلي فرصةً لتكفير إساءتها لجلالتك.”
إن قرر لاحقًا أن يجعل مما حدث اليوم قضية، فذلك سيورطني.
(قلوب الناس تتقلب في لحظة.)
وقد قالها ببرود قبل قليل: سيخبر الإمبراطور بأن ضيافة قصر الأمير الثالث كانت سيئة. تحويل المزحة ابتزازًا والابتزاز مزحة… أمرٌ هيّن على ملكٍ متغطرس.
“بصراحة…”
شبكتُ يدي أمامي ونظرت إليه.
“الأمر ليس صعبًا.”
حتى ما قبل موتي، عشت بين رجال سُود القلوب. ولأجل النجاة في المهمات دخلتُ الماء معهم وأنا عارية. أن أبيتَ في سرير رجل… ليس شيئًا يعجزني.
“…ليس لأنه سهل.”
نظر إليّ كما لو كنتُ شيئًا غريبًا.
امرأة غير متزوجة تعرض أن تنام إلى جوار رجل بكل هدوء… طبيعي أن يراه أمرًا عجيبًا.
“سأبقى حتى يطلع الفجر لا أكثر.”
قفزتُ إلى السرير واتكأتُ عند طرف الوسادة.
“فلينَم جلالتك بسرعة.”
ضحك وهو يراني أتصرف وكأن هذا فراشي. لكنه لم يطردني.
“لن أرفض إذن.”
صعد بتؤدة، وتمدد إلى جواري محدقًا بالسقف، ثم التفت ناحيتي.
“هل ستبقين هكذا؟”
“أهناك مشكلة؟”
“سيكون ذلك متعبًا.”
كان يكره جلستي المنتصبة الصلبة. نظر إليّ بعدم رضا.
“لمَ لا تتمددين؟”
“أنا معتادة. لا تُكابر.”
“…معتادة؟”
اتسعت عيناه قليلًا.
“هكذا تقضين الليل؟”
“…لديّ أرق. أنام وأنا جالسة أحيانًا.”
(الحقيقة أنني أبقى في وضع الاستعداد لأي هجوم، عادةٌ التصقت بي.)
لكن لا يمكنني قول كل شيء كما هو.
“حسنًا.”
حرّك عينيه قليلًا ثم أومأ مستسلمًا.
“إن قلتِ ذلك.”
غرس نصف رأسه في الوسادة، لكنه أبقى نظره عليّ.
“إن واصلتَ التحديق هكذا فلن تنام.”
تعمدت ألا ألتفت إليه.
“أغمض عينيك.”
“…حتى في تنويم الناس تبدين خبيرة.”
(القتل أكثر ما أجيده… وإن كنتُ قد بدأتُ أتعوّد على التنويم في الآونة الأخيرة.)
أطرقتُ دون جواب.
“لأنكِ مُربية؟”
“لعل سبب أرقك ليس غياب أحدٍ قربك… بل وجوده.”
“…تأمرينني بالصمت والنوم بجملة مهذبة جدًا.”
قهقه بخفة وأغمض عينيه.
كان يبدو طوال الوقت أنه لن يصغي لأحد، لكنه أطاع بسهولة على غير المتوقع.
(لا ينام وحده… ويُطيع الكلام… كطفل.)
لكن هيئته وهذا الوجه لا يسمحان بأن يُدعى طفلًا.
(وفوق ذلك… هو وسيم جدًا.)
ملامحه وهو يطبق جفنيه كانت جميلة إلى حدٍ مستفز.
(أترى، حين يكبر إدون… هل سيغدو مثله؟)
كنتُ أقارنه بإدون في خيالي حين فتح فمه فجأة:
“…سؤال فحسب.”
قَلِقتُ: أهو عن نظراتي؟ لكن ما قاله كان أبعد ما يكون:
“ألم نلتقِ من قبل؟”
انكشفت عيناه الذهبيتان من جديد، لا تنظران إلا إليّ.
(ألم نلتقِ؟)
التقينا في الحديقة، ألم تفهم؟ ملك آدمَنت يبدو ذا ذاكرة ذهبية… كسمكة.
“لا أعني لقاء الحديقة.”
“…لا أظن.”
أجبت وعيناي مغمضتان:
“خادمة دنيّة مثلي، أين لها أن تلقى ملك دولة؟”
“…هكذا إذن.”
لم أحتج أن أرى. كنتُ أعلم أنه يحدق بي كأنه يثقب وجهي.
“أنا يتيمة. دخلت القصر مُربية في جناح الأمير. وأول مرة رأيتُ جلالتك كانت في تلك الحديقة.”
“يتيمة؟” سأل بدهشة خافتة.
“ألستِ من النبلاء؟”
“الآن نعم. تبنتني أسرة كاونت.”
(هل سيتقزز لأنه ملك وأنا لستُ من دمٍ نقي؟)
“هل يزعجك أنني لستُ نبيلة؟”
“لو كنتِ نبيلة… لأزعجتِني أكثر.”
“…آه.”
نسيت أن ملك آدمَنت نفسه من عامة الناس.
رأى تغيُّر وجهي فضحك بخفة:
“كفى.” ولوّح بلا مبالاة.
“انسَي ما قلتُه. مجرد كلام.”
ولم يعد هناك صوت. التفتُّ نحوه بحذر.
(نام بالفعل؟)
كان نائمًا على ظهره مطلًّا إلى السقف، صدره يعلو ويهبط بانتظام.
(يا له من مهمل… ينام مطمئنًا وبجانبه غريبة.)
أهو طبعٌ بسيطٌ لا يُكثر التفكير؟ أم ثقةٌ عمياء بقوته؟
(ربما كلاهما.)
تأملتُ وجهه مليًا.
من الصعب صرف النظر عن وجهٍ كهذا.
(الآن فهمتُ لمَ تتزاحم النساء حوله رغم خوفهنّ.)
جبهة مستقيمة، أنف شامخ، شفتان ممتلئتان باعتدال، حاجبان ممدودان، أهداب طويلة منتظمة… هيئة إلهٍ شاب من أساطير.
(يشبهه… فعلًا.)
ابتسمتُ لا إراديًا وأنا أجد ملامح تشبه إدون.
(الجميلون متشابهون على ما يبدو.)
ثم خطر لي أن ما أفعله امتداد لعملي:
إرقاد الأطفال وظيفة المربية.
(يا لسخرية القدر.)
قبلاً كان عملي أن أقتل من ينام… والآن أحرس رؤوس النائمين.
لا بأس… فقط ما يزال غريبًا عليّ.
“هه…”
زفرتُ بهدوء وحدّقتُ في الظلام خلف النافذة. لا يزال الليل مبكرًا.
يبدو أن النوم لن يزورني هذه الليلة.
هفوة خصلاتٍ تداعب جفنيه أيقظته.
نسيم الصباح تسلل من شق النافذة.
مدّ يده إلى الموضع الخالي قربه. حرارةٌ باقيةٌ على الشرشف المجعد.
“…تخرج بلا إذن.”
صوته الصباحي المبحوح كان مغموسًا بابتسامة.
في الحقيقة، كان مستيقظًا حين غادرت رايتشل الفجر.
(امرأةٌ طريفة…)
رايتشل براون، مربية الأمير الثالث.
على نحوٍ يثير العجب… لم تخَفْه.
بل نظرت في عينيه وقالت ما تريد. جرأةٌ لم يرها حتى في فرسانٍ خاضوا معه الحروب.
فرك وجهه براحة يده وضحك ساخرًا:
“…ليست العينَين وحدهما.”
طرقٌ على الباب.
“سيدي، أنا.”
صوتُ معاونه المألوف. نهض كايدن، ارتدى سرواله، والتقط القارورة.
“ادخل.”
دخل أوليفر. بدا قذرًا، كمن قضى الليل في البراري: عباءة سوداء ودِرعٌ جلدي ملطخان بالعشب والطين.
“كيف كانت ليلتكم؟”
“لا بأس.”
“أما أنا، فما كدت أصل العاصمة حتى خرجتُ أنفّذ أمركم… ولم أذق النوم. لكن طالما سيدي نام، فذاك يسرّني.”
“إذا كنتَ قادراً على السخرية صباحًا، فبوسعك أن تسهر يومين آخرين.”
“عفوًا يا مولاي.”
بينما يرتدي قميصًا نظيفًا، سأله كايدن:
“إذن؟”
“كما توقعتُم.”
طأطأ أوليفر رأسه باحترام.
“آخر أثرٍ لـ(الملاك)… في الإمبراطورية.”
التعليقات لهذا الفصل " 100"