الفصل 53
لم تكن الشجرة عالية جداً، لكن من على قمتها يمكن رؤية المشهد المحيط بوضوح تام.
“هُو–ها!”
استنشقت هواء الفجر المنعش وأنا أفرك عينيّ النعساوين متثائبة. ثم سرعان ما شردت أنظر إلى الجبال وأنا أغرق في التفكير.
‘على عكس القصة الأصلية، الزعيم بدأ يستعدّ للتمرد… لم أعد أستطيع أن أتنبأ بما سيحدث لاحقاً بدقة.’
كان من المفترض أن يتلقى غاون في هذا الوقت رسالة سرية من عائلته الأصلية تطلب منه الكشف عن موقع المقر الجبلي…
لكن لسوء الحظ، بما أنّ غاون مفقود حالياً، فلا أحد يعرف حتى إن كان تلقّى تلك الرسالة أم لا.
‘الطعام الذي قال غاون إنه سيجلبه… ربما له علاقة بعائلته.’
في هذا الوقت الذي تعاني فيه مملكة دايهو بأكملها من المجاعة، من أين حصل على المؤونة والتمويل؟
اجتاحتني فجأة نذُر سوء.
‘إن كان الأمر كذلك… فربما، في أسوأ الأحوال، يكون غاون قد وقع بالفعل في فخّ.’
قبضت على الغصن بشدة وأنا أشعر بتوترٍ يجتاحني.
راودتني صورة الجنود يكتشفون موقع المقر ويهاجمونه في أي لحظة.
فجأة،
خشخشة–!
رأيت شيئاً يقفز بين الأدغال.
‘هاه؟ ما ذاك؟’
نظرت بتمعّن، فإذا به أرنب بني اللون!
شَهَقت بخفوت وأنا أبتلع ريقي رغماً عني وعيوني تلمع.
بسبب الحرائق الأخيرة قلّ عدد الحيوانات البرية كثيراً، وها أنا أصادف أرنباً فجأة!
‘وجبة الإفطار اليوم ستكون لحم الأرنب المشوي!’
تسللت بهدوء نازلةً قليلاً من الشجرة، وتمركزت في مكانٍ لا يمكن للأرنب أن يراني منه، وجهزت النبلة بحجر صغير.
‘حسناً، التركيز…’
حبست أنفاسي ووجهت النبلة، لكن فجأة دوّى صوت حركة غير متوقعة.
باك–!
انطلق أحدهم فجأة من الأدغال المجاورة، ثم اختفى مسرعاً في الاتجاه المقابل.
‘هاه؟’
أدرت رأسي أبحث بعينيّ المتسعتين عن ذلك الشخص، وما إن لمحته مجدداً عن بُعد حتى اتسعت عيناي أكثر.
‘ذلك…!’
أسقطت الحجر من يدي من شدة الصدمة.
‘إنه غاون!؟’
ارتجفت يداي بشدة.
لقد مرّت خمس سنوات كاملة. وكان قد انقطع الاتصال به منذ ستة أشهر كاملة.
“هل يُعقل أن يكون القائد الأول قد انكشف أمره للحرس الملكي ولم يتمكن من العودة؟”
“الزعيم أرسل رجالاً للبحث عنه، ومع ذلك لا أخبار عنه بعد.”
كان الجميع يهمس فيما بينهم، ومعظمهم يعتقد أنّ غاون، أثناء نقله رسالة الزعيم السرية، قد انكشف أمره وقُتل على يد الجنود.
‘لا يمكن… هل حدث له أمرٌ فظيع حقاً؟’
بدأتُ أقتنع بتلك الفكرة شيئاً فشيئاً.
صحيح أنه إن لم يعد فلن يقع الحدث الأصلي الذي يؤدي لانكشاف موقع المقر، لكن… لم أكن أريده أن يموت.
عندما رأيته، شعرت بالفرح يغمرني أولاً.
‘لكن إلى أين يركض؟’
كنت على وشك النزول تماماً من الشجرة لمناداته، حين لمحْت رجالاً مسلحين.
كانوا عشرة تقريباً، وكانوا يركضون باتجاه غاون الذي اختفى في الأدغال.
‘غاون مُطارد!’
لم أكن أعلم ما الذي يجري، لكن الموقف خطير بلا شك.
وقد رأيت بوضوح أن ساقه اليمنى كانت تُعرج قليلاً.
‘عليّ مساعدته!’
استفقت من ذهولي.
غاون أحد أهمّ مقاتلي المقر الجبلي، وحتى المعلم دوفيل قال بعد رحيله مراراً إنه يفتقد وجود أفضل الرماة لديه.
لا يمكن أن أدعه يهلك هكذا بلا معنى!
“آنستي! كنتِ هنا؟!”
سمعت صوتاً قادماً من أسفل الشجرة.
نظرت إلى الأسفل فوجدت بوجي ترفع رأسها نحوي، ولا تزال ترتدي المئزر وكأنها كانت تطبخ وهرعت مسرعة.
“يا إلهي! قلتُ لكِ مراراً إن الخروج وحدك في الفجر خطر! وتوقفي عن تسلق الأشجار! هذا خطر جداً!”
“بوجي يا عمتيي!”
صرخت فرِحة وكأنني وجدت الحل، وقفزت بسرعة إلى الأسفل كقردٍ صغير.
وبينما أصلحت قبضتي على النبلة، قلت لها بسرعة:
“اذهبي حالاً وأخبري المعلم دوفيل وأبي أن يساعدانا!”
“هاه؟ ما الذي تقولينه؟”
“عند منحدر البكاء! الأعداء هناك! قولي لهم هذا فقط!!”
كان من الواضح أن غاون يتجه نحو المنحدر.
توسلت إليها بعجلة، فهزّت رأسها مرتبكة وقالت:
“حسناً، سأفعل… لكن يا آنستي، لنعد معاً أولاً… آنستي؟ آنستييي!”
لم أنتظرها. هرعت راكضة بلا تردد.
لم يكن هناك وقت.
ربما كان غاون يواجههم الآن وحده وهو مصاب.
“إلى أين تذهبين! يا آنستيي!”
“أخبري الأعمام بسرعة!”
تك– تك– تك!
قفزت بين الصخور بخفة السنجاب، متسلقة الجبل بسرعة.
‘هذا سهل بالنسبة لي!’
كنت أتسلق هذا الجبل ثلاث مرات في اليوم.
أتدرب دائماً على التسلق لأكثر من ساعتين متواصلتين.
وقد تلقيت تدريباً منهجياً على يد المعلم دوفيل، الذي كان يُلقّب بثاني أعظم مقاتل بعد الزعيم نفسه.
وفي الليل، كنت أراجع وأتدرب بمفردي.
أي إنني الآن أحفظ تضاريس المنطقة عن ظهر قلب، وأعرف جميع الطرق المختصرة أيضاً!
تركت بوجي خلفي وهي تصرخ باسمي، وأسرعت أركض باتجاه الجهة التي اختفى عندها غاون.
ثم…
“هاه… هاه…”
لا أعلم كم ركضت، لكنني وجدت آثار أقدام.
‘هنا، هذا الاتجاه.’
اتبعت الأثر بحذر، وأخفضت نفسي.
حتى سمعت أخيراً…
تشَانغ! تَشَايينغ! تَشَانغ!
صوت السيوف وهي تتصادم بعنف.
اختبأت في الأدغال أراقب الموقف.
‘إنه غاون فعلاً!’
كان يواجه خمسة رجال وحده، رغم إصابته في ساقه.
كان يتحرك بخفة وبراعة، لكن عرجه الطفيف لم يخفَ عليّ.
‘المشكلة أن خصومه أيضاً ليسوا ضعفاء…’
كبحت اندفاعي للخروج، فلو هرعت الآن قد أعيقه بدل أن أساعده.
في تلك اللحظة، غرس غاون قدميه في الأرض واحتك سيفه بسيف خصمه وهو يزمجر:
“أتعرف كم عانيت لأؤمّن هذا الماء والطعام؟! كيف تجرؤون على حرقه كله؟! سأقتلكم جميعاً بيديّ!”
ضحك أحد الرجال باستهزاء وقال:
“أمثالك من المتمردين لا يستحقون سوى الموت! سنأخذك إلى السيد يونغسان، وستعترف لنا بمكان المقر! أين يختبئ كيم غانغدو ذلك الكلب؟!”
بمجرد أن سمع غاون اسم الزعيم، تلألأ بريق حاد في عينيه.
رفع زاوية فمه بابتسامة باردة وتمتم بصوت منخفض:
“ذلك الفم…”
سَشَق–!
شق سيفه الهواء ونزل بخط مائل حاد، حركته كانت ناعمة ومميتة في الوقت نفسه.
“كخاه!”
سقط أحد الرجال متألماً بعد أن شُق صدره.
هزّ غاون سيفه ببرود ليزيل الدم، وقال بلهجة باردة:
“اصمت، أيها الخائن القذر.”
‘خائن؟’
سمعت الكلمة بوضوح، فتسمرت مكاني.
التعليقات لهذا الفصل " 53"