الفصل 52
بوووم-!
اندفع حجر ضخم في الهواء ليصيب رأس الطائر الجالس على الشجرة بدقةٍ تامة.
“أصابت الهدف!!!”
زفرتُ أنفاسي التي كنت أكتمها ونهضتُ واقفة بسرعة!
لقد أصبح طولي أطول قليلًا، وجسدي أكثر صلابة ربما؟.
وجنتاي الممتلئتان اللطيفتان، وشعري الذي ازداد طولًا وجدلتُه على شكل ضفيرتين طويلتين.
لكن الأهم من ذلك هو مهارتي في إطلاق النبلة، التي أصبحت الآن أقوى وأدق من أي وقت مضى!
“أن تنجحي في أول صيد لك! أحسنتِ حقًّا. لقد كبرتِ الآن يا فتاة.”
نظرتُ إلى دوفيل الذي غرق في التأمل وهو يطلق تنهيدة إعجاب، فابتسمتُ له بفخر، وشكلتُ بأصابعي إشارة النصر.
“هيهي، طبعًا يا معلمي! فأنا الآن في السادسة من عمري!!”
نعم، هذا صحيح!
عمري الآن ست سنوات.
أي إنني عدت إلى مقر الجبل منذ خمس سنوات كاملة!
***
على مدار السنوات الخمس الماضية، كنتُ مشغولة إلى حدٍّ لا يُصدق.
“من الآن فصاعدًا، سيتولى دوفيل الإشراف الكامل على تعليم سوليونغ.”
بعد حادثة لعبة النبلة، أوكل الزعيم كيم غانغدو إلى دوفيل مسؤولية تعليمي، بل وتربيتي أيضًا.
“من الآن فصاعدًا، ناديه بلقب ‘سيدي المعلم’. هل فهمتِ؟”
وهكذا أصبح دوفيل معلمي الرسمي، وبدأ يضع لي خطة تدريب منهجية تمامًا.
“هيا، اليوم ستركضي من هنا حتى هناك. مفهوم؟ اركضي!”
ركضتُ بخفةٍ: هرولة هرولة-!
“احملي هذا الإناء المملوء بالماء، ولا تتركيه حتى آمركِ بالتوقف.”
“أوه… ثقيل.”
في البداية، كانت التدريبات تقتصر على الأساسيات: المشي المنتظم، الركض لمسافات قصيرة، ورفع الأشياء الخفيفة.
لكن تدريجيًّا، ازدادت شدة التدريب.
وعندما بلغتُ الرابعة من عمري، وصرتُ أجيد الركض والقفز جيدًا، صنع لي دوفيل نبلة متينًة خاصّة بي.
“لديكِ موهبة فطرية. لذا سأعلّمك كيف تستخدمينها في المواقف الحقيقية.”
كانت النبلة الجديدة مناسبة تمامًا لحجم يدي الصغيرة.
“تذكّري المواضع الحيوية. سأخبركِ أيَّ جزء يجب أن تصيبي أولًا حسب الموقف، فافعلي تمامًا كما أقول. مفهوم؟”
لم يعلّمني دوفيل مجرد طريقة التصويب والإطلاق، بل درّبني على كل التفاصيل الدقيقة:
كيف أتحكم في تنفسي، ومتى أشد الحبل، وكيف أقلل اهتزاز يدي.
كما علّمني أيضًا أيَّ أجزاءٍ من العدو أو الحيوان البري عليّ أن أستهدفها.
وشدّد دائمًا على أمرٍ واحد: بما أن جسدي صغير وقوتي محدودة، فعليّ أن أضرب بسرعة في الموضع القاتل ثم أستعدّ دائمًا للهرب.
ولم يقتصر الأمر على ذلك.
“قبل النوم، سيقرأ لكِ والدكِ بعض النصوص، فكرّري بعدي ما أقرأ. مفهوم؟”
فبينما كان دوفيل يتكفّل بتدريبي الجسدي، تولّى الزعيم كيم غانغدو تعليمي المعرفي؛ إذ علّمني القراءة والكتابة وأساسيات التاريخ والثقافة.
وبفضل ذلك، استطعت أن أتعلم لغة هذا العالم بسرعة، خاصةً أن الحروف المستخدمة تشبه إلى حدٍّ كبير الأحرف الصينية التي أعرفها من قبل.
بمرور الوقت، تأقلمتُ في المقر الجبلي، ونشأتُ فيه، أعيش كل يوم بنشاطٍ وفخر.
“ها قد عطشتِ. خذي واشربي ماء.”
حدّقتُ قليلًا في القارورة التي ناولني إياها العم غاودونغ، ثم خطر ببالي شيء.
في الحقيقة… السبب وراء أن حياتي في الجبل تمضي بهذه السلاسة لم يكن الصدفة، بل ثمرة جهودي الكبيرة.
[“…بسبب الجفاف الشديد، كان جميع من في المقر على وشك الموت. لذلك لم يكن أمامي خيار سوى طلب العون من العائلة.”]
منذ رحيل غاون، جلستُ لأعيد ترتيب خط زمني كامل في ذهني.
وسرعان ما أدركتُ أن مملكة دايهوك ستعاني قريبًا من جفافٍ كارثي.
وهنا خطرت لي الفكرة:
‘يجب أن نبني سدًّا.’
أي أن نُقيم جدارًا يحجز الماء ويمنع تدفّقه إلى البحر.
لكن بناء السد يتطلب أيدي عاملة كثيرة واستثمارًا ضخمًا، كما يحتاج إلى قناعة تامة من الجميع بأن الجفاف سيتفاقم فعلًا.
لذا قررت أن أنتظر بصبر.
حتى يحين العام الذي أبلغ فيه الثانية من عمري، العام الذي سيبدأ فيه الجفاف الأول.
“كارثة يا زعيم، المحاصيل بارت، والجفاف يشتدّ هذا العام أكثر من السابق!”
“أبي، ألا يوجد ماء؟ إذاً يمكننا تخزينه عندما تمطر!”
قلتُها وأنا أتشبث بأصابع الزعيم ببراءةٍ متناهية، كأنني كنت أنتظر هذه اللحظة بالذات.
“ليست المسألة بهذه البساطة يا صغيرة.”
ربّت على رأسي مبتسمًا، معتقدًا أنها كلمات طفلةٍ لا وزن لها، لكنني لم أستسلم.
لوّحتُ بذراعيّ بعناد وقلتُ مجددًا:
“ألا يمكننا بناء جدار لمنع الماء من الذهاب إلى البحر؟ ربما لن تمطر كثيراً في العام المقبل أو الذي يليه!”
“……!”
اتسعت عينا الزعيم دهشةً من كلامي.
“جدار داخل الماء… إن كان لدينا طين وخشب، فربما يمكن تنفيذ ذلك فعلاً.”
لم تكن فكرة مستحيلة. فبعد أن كثر عدد الثوار في المقر، صار من الممكن تنفيذ مشروع بهذا الحجم.
لكن الزعيم ظلّ يفكر طوال الليل، قلقًا من أن يؤدي المشروع إلى تأخير موعد الثورة.
“يا زعيم، لا يجوز هذا. المطر سينهمر بغزارة قريبًا! لا داعي لإنفاق المال والجهد في هذا!”
“لا، إن استمر الجفاف لسنوات، فستغرق الثورة نفسها. وهدفنا ليس العرش فقط، بل إنقاذ الناس أيضًا. لذا سنبني السد ونتابع التدريب العسكري في الوقت نفسه.”
وفي النهاية، اتخذ قراره ببناء سدٍّ صغير قرب الجبل.
“اربطوا الأشجار الكبيرة عرضًا، وضعوا تحتها طبقات من الصخور لتثبيتها.”
واستمر العمل ثلاث سنوات كاملة، بينما يتجنبون أنظار جيش المملكة.
وفي النهاية!
“لو لم ننفذ فكرة سوليونغ ببناء السد، لكنا في ورطة عظيمة! فحتى هذا العام، المطر نادر جدًا!”
“قلت لكم، سوليونغ جالبة الحظ لنا!”
وبفضل ذلك، تمكّنا من تقليل آثار الجفاف والعيش بسلامٍ نسبي.
لكن الأمور لم تنتهِ بعد…
“نار! حريق!!”
بسبب الجفاف المستمر، صارت حرائق الغابات متكرّرة، وأدى أحدها مؤخرًا إلى كارثةٍ أتت على النباتات والحيوانات، وحتى مستودع المؤن احترق بالكامل.
فأرسل الزعيم قبل ستة أشهر رسالةً إلى غاون.
“ابحث عن وسيلةٍ لتأمين غذاء الجنود.”
وبعد فترة قصيرة، وصلتنا منه رسالة مفرحة:
“تم تأمين المؤن. سأعود قريبًا، يا زعيم.”
“أخيرًا!”
“الآن لم يبقَ سوى انتظار عودة غاون!”
عمّت الفرحة المكان، لكن سرعان ما تبددت…
إذ انقطعت أخبار غاون تمامًا منذ أن خرج في رحلته تلك.
ومع تزايد القلق، بدأ رجال الجبل يتوافدون إلى الزعيم.
“يا زعيم، أليس هناك أي خبر عنه؟”
“ألا يُحتمل أنه تعرّض لمكروه؟”
“الجنود بلا طعام كافٍ، بالكاد سنصمد نصف شهر آخر.”
“إن تعالت أصوات التذمر، قد ينقلب البعض علينا. علينا التحرك بسرعة…”
“كفى.”
بمجرد أن تدخّل الزعيم، خيّم الصمت على الجميع.
كان في تلك اللحظة يجلس في مقره، يضمّني إلى صدره ويقرأ لي كتابًا.
نظرتُ إليه بعينين واسعتين عندما سمعتُ الضجيج، فربّت على ظهري بلطف وقال بهدوء:
“غاون سيعود حتمًا. وقلتُ من قبل ألا تُذكروا هذه الأمور أمام سوليونغ.”
وبنبرته الحازمة، تجمّد الجميع وأطرقوا رؤوسهم.
“نحن نعتذر يا زعيم.”
رأيتُ أعمامي ينحنون اعتذارًا، فشعرتُ بانقباضٍ داخلي.
رفعتُ بصري نحو الزعيم، فوجدته يبدو قلقًا رغم ثبات ملامحه.
‘ألا يوجد ما أستطيع فعله أنا؟’
***
صرر.
في فجر اليوم التالي، استيقظتُ أبكر من المعتاد، وفتحت الباب بخفةٍ لأخرج سرًّا إلى الخارج.
وطبعًا، كنتُ أحمل في يدي النبلة العزيزة وكيسًا من الحجارة الصلبة.
مشيتُ بخطواتٍ خفيفة نحو الجبل خلف المقر.
لقد صار هذا طقسًا يوميًّا لي منذ رحيل غاون؛
أستيقظ كل صباحٍ وأصعد إلى قمة الشجرة لأتأكد إن كان قد عاد بعد.
‘بدءًا من اليوم، سأصعد إلى شجرة أعلى لأرى أبعد.’
“هوب!”
تشبّثتُ بجذع الشجرة كاليعسوب، أرفع جسدي بصعوبة.
من بعيد، ربما سيظنّونني قردةً صغيرة بالفعل!
التعليقات لهذا الفصل " 52"